توماس إيكنز.. الأخوان بيغلن في السباق

توماس إيكنز.. الأخوان بيغلن في السباق
        

          تُجمع المصادر التي تتناول الفنان توماس إيكنز على أنه واحد من أهم الرسامين الأمريكيين خلال القرن التاسع عشر، وأوسعهم ثقافة وفكرًا على الإطلاق. فالرجل الذي ولد لأب مزارع في فيلادلفيا عام 1844م، درس الرسم الصناعي وبرع فيه، كما درس رسم الجسم البشري وتابع دروسًا في التشريح، الأمر الذي كاد أن يحمله على دراسة الطب وهو في العشرين من عمره.

          ولكنه عوضًا عن ذلك، سافر إلى فرنسا ليدرس الفن عند أستاذ الاستشراق آنذاك جان-ليون جيروم لمدة أربع سنوات، تخللها تردده على المحترف الرسام ليون بونّا أيضًا، وتوَّج رحلته الأوربية هذه بزيارة طويلة إلى إسبانيا اطلع فيها على أعمال كبار الرسامين فيها. وعندما عاد إلى أمريكا أصبح أستاذًا جامعيًا ورسامًا يعمل بلا كلل، فرسم مئات اللوحات التي كانت في معظمها صورًا شخصية لمثقفين من فيلادلفيا، إضافة إلى بعض الأنشطة الاجتماعية المستوحاة من محيطه المباشر.

          ولأنه يفترض بالرسام الذي حصَّل مثل هذه الثقافة الواسعة أن يكون صاحب خطابات فكرية وطليعية في لوحاته، يمكن للبعض أن يرتبك أمام لوحته التي نقف أمامها هنا «الأخوان بيغلن في السباق»، لأنها تبدو ظاهريًا على الأقل أقرب إلى لقطة فوتوغرافية سجلتها العدسة مصادفة في لحظة ما.

          المعروف أن إيكنز استخدم آلة التصوير في عمله، ولكن ذلك كان في إطار «جمع المعلومات»، وليس لرسم الصورة. كما أننا نعرف من مسيرته أنه اشترى أول آلة تصوير فوتوغرافي عام 1880م، واللوحة التي نحن بصددها هنا تعود إلى العام 1873م، وبالتالي لا دور لآلة التصوير فيها، ومع ذلك هناك شبه كبير بين هذه اللوحة وما يمكن للعدسة أن تلتقطه فيما لو كانت بين يدي الرسام آنذاك، ولكن هناك فرقًا أيضًا.

          وما هو الفرق بين اللوحة والصورة الفوتوغرافية؟

          كان إيكنز يقول إن الرسام والمصوِّر الفوتوغرافي يشتركان في هدف واحد، وعليهما أن يُظهرا «الوقت، قبل الظهر أم بعده، في الصيف أم في الشتاء، وأي نوع من الناس نراهم هنا، وما الذي يفعلونه، ولماذا يفعلون ذلك؟». ولكن الفرق بين الرسام والمصوِّر الفوتوغرافي، هو أن الأول يستطيع أن يعرض هذه الحقائق بشكل مقنع أكثر من الثاني، فالصورة الفوتوغرافية الملتقطة في نهار مشمس تُظهر ضوء الشمس كما هو، ولكن دراسة إيكنز لانعكاس الضوء جعلته يبالغ قليلًا في انعكاس ضوء الشمس على صفحة الماء وفي المكان الذي اختاره هو.

          والصورة الفوتوغرافية تُظهر عمق الأشياء، ولكن دراسة إيكنز للبعد الثالث وفق حسابات رياضية تمكنه هنا من جذب نظر المشاهد إلى أبعد ما هو ظاهر في اللوحة، بحيث يصبح هذا المشاهد جزءًا من المشهد، أو داخله.

          ويمكن لآلة التصوير أن تلتقط أحيانًا مظهرًا مُهَندسًا بتوازن أو ذا تصميم أنيق، ولكن من شبه المستحيل أن تتمكن آلة التصوير من أن تنجز - كما هو الحال في هذه اللوحة - تركيبًا متكاملًا إلى درجة حذف أي عنصر فيه، أو تغيير مظهر هذا العنصر، من دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير وقع الصورة ككل.

 

عبود طلعت عطية   

  




توماس إيكنز، «الأخوان بيغلن في السباق»، (91 × 63 سم)، 1873م، متحف «ويتن للفن الأمريكي»، نيويورك