تعقيب حول كتاب «الأندلس: قراءة سياسية في التاريخ»

 تعقيب حول كتاب «الأندلس: قراءة سياسية في التاريخ»
        

          الأخ الفاضل الدكتور سليمان إبراهيم العسكري رئيس التحرير

          في العدد (628 - مارس 2011) من مجلة «العربي» الغراء، شرّفني أن يكون هناك وفي باب «من المكتبة العربية» عرض لكتابي عن الأندلس المعنوَن بـ«الأندلس: قراءة سياسية في التاريخ». وقد قام بهذا العرض العلمي الراقي د.قاسم عبده قاسم. ولا شك في أن العالم العربي بأكمله ثمّن الدور الكبير الذي تقوم به مجلة العربي في نشر الثقافة العربية وتشجيعها منذ العام 1958.

          إن ما سطّره د. قاسم حول هذا الكتاب يعكس ويثري التفاعل الفكري العربي حول مواضيع تهم كل العرب. ولو كان هذا كل ما حققه الكتاب لكان هذا من تمام الشرف، ولكن د. قاسم في عرضه قدم الفائدة الكبيرة للكاتب ولقرّاء مجلة العربي من خلال مقدرته العلمية وأدائه كأستاذ في فتح سبل الإضافات المفيدة والممكنة للموضوع محل البحث.

          ولذا فإننا لسنا بصدد المبارزة العلمية - إن صح التعبير - بل في تشجيع ما أشار به وإليه د. قاسم، فنحن نقوم بالتجديف معًا وفي القارب نفسه في بحر البحث التاريخي.

          في البدء أود التأكيد على ما أشار إليه د.قاسم من أن هناك العديد من المواضيع ذات الصلة التي تستحق وتستوجب المزيد من البحث، وتعليلي حول هذا القصور هو أنني أردت أن يكون تركيزي مع القارئ على النواحي السياسية في تاريخ الأندلس والتي لها إسقاطات على أوضاعنا العربية في الوقت الحالي. إذ إن تاريخ ثمانية قرون من الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا لا تستوعبه 375 صفحة، فالأمر يتطلب عددًا لا نهاية له من المجلدات. وهناك العديد من الدروس والعبر التي تستحق البحث والدراسة، وهذه بحوث مستمرة على مر العصور غير مرتبطة بزمن واحد. وذلك لأن في كل عصر وزمان هناك مفاهيم ومعايير تتطور، مما يضفي أبعادًا جديدة على الرؤية التاريخية للموضوع محل البحث.

          أما عمّا أشار إليه د. قاسم من تداخل الرومانسية مع البحث، فهذه حقيقة واقعة بدرجات مختلفة مع كل باحث عربي ينظر إلى تاريخ الأندلس. فالأندلس لها مكانة خاصة في قلب كل عربي مازال يحن إلى زمن كانت فيه الدولة الإسلامية متقدمة ومزدهرة وقائدة ورائدة في العالم.

          وحول ملاحظة د.قاسم عن الانحياز إلى الثقافة الأوربية، فلا أملك إلا أن أؤكد أن المنهج الذي اتبعته في البحث هو السعي إلى جميع المراجع المتوافرة، وبتجرّد ومن دون أي حكم مسبق على أي مراجع بغض النظر عن مصادرها. والمكتبة الأوربية زاخرة بالمراجع التاريخية الخاصة بأوربا بما فيها شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال). ولا ننسى أن تاريخ الأندلس يتطابق زمنيًا مع تاريخ إسبانيا والبرتغال. ولذا فقد كان من المفيد للباحث وللقارئ الاطلاع على الجوانب الأخرى للتاريخ ومن نظرة الشعوب الأخرى.

          أمّا التطرّق إلى المس بتحوّل جهاد المسلمين وفتوحاتهم من أجل نشر كلمة الإسلام - كما كان عليه الحال في بداية الدعوة بقيادة الخلفاء الراشدين - إلى فتوحات تغلب عليها المطامع الدنيوية في التوسّع، فهذا - مع الأسف - كان واقع التوسّع الدولي. ولكن كانت أيضًا هناك حالات استثنائية تتغلب فيها المفاهيم الإسلامية الحقّة على المغريات الدنيوية، لذا كنت حريصًا أن أذكر في الرواية نية الخليفة عمر بن عبدالعزيز في سحب جيش المسلمين من إسبانيا. ولايمكن استبعاد جديّة هذه الفكرة، إذ إن الخليفة عمر بن عبدالعزيز بالفعل قد أمر جيش المسلمين بالانسحاب من «سمرقند» بناء على الموقف الشرعي الذي تظلّم منه أهالي المدينة. وهذه واقعة ناصعة في تاريخ الإسلام، وشيء غير مسبوق وغير متبوع في تاريخ الإنسانية إلى يومنا هذا.

          إن د. قاسم بملاحظاته القيّمة قد فتح العديد من أبواب الحوار العلمي والتكامل الفكري. وهذا هو المطلوب عند طرح موضوع ما، ولا شك في أن دور مجلة «العربي» في دفع الحوار الثقافي العربي وبهذا الأسلوب الراقي هو دورها ذاته الذي أظهرته منذ بداية خروجها إلى كل العرب. فالشكر إلى د. قاسم عبده قاسم على ملاحظاته، والشكر موصول إلى مجلة «العربي» وإدارتها للقيام بهذا الدور الثقافي المهم.

د.م. إبراهيم ماجد الشاهين - الكويت