كهرباء .. مـن جـوف الأرض حسين شعبان الشافعي

كهرباء .. مـن جـوف الأرض

عندما كان الإنسان الأول في عصور ما قبل التاريخ يحاول الهرب من الصقيع باحثا عن ملجأ داخل المغارات، فإنه في الوقت نفسه كان يبتعد عن سطح الأرض ليحمي نفسه من تغيرات الجو مستفيدا من حرارة باطن الأرض. من هنا بدأ الاهتمام بالظواهر الملموسة لحرارة الأرض من ينابيع مياه دافئة إلى نافورات البخار يسترعي انتباه الإنسان ليستفيد منها قدر حاجته.

الآن، وبعد آلاف آلاف السنين، نعود من جديد لنبحث في البيئة من حولنا عن الطاقات المتجددة، فهل نجدها في طاقة جوف الأرض- كما وجدها الإنسان الأول من قبل- علها تعيد للبشرية ذلك النقاء الإيكولوجي القديم؟

سؤال تنضم إجابته لتكمل مسيرة قطعتها العربي في أعداد سابقة لتقصي موضوع الطاقات البديلة، الجديدة والمتجددة.

كان التصور السائد- حتى وقت قريب- أن الحرارة التي تتسرب من داخل الأرض نحو سطحها هي نتيجة لتلك الانفجارات البركانية التي عادة ما ترافقها سيول من الحمم الملتهبة تصطدم بدورها بالماء المتراكم في باطن الأرض فتحوله إلى بخار يشق طريقه نحو سطح الأرض. إلا أن اكتشاف النشاط الراديومي ساعد على أن يؤكد أن حرارة جوف الأرض تنتج عن تحلل المواد المشعة الموجودة على عمق 40 كم من سطح القشرة الأرضية وتتولد بمقادير صغيرة من الصخور العادية بانحلال بعض الراديوم واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم وغيرها من المواد الراديومية المشعة. يظهر ذلك النشاط الراديومي بشكل بارز في صخور الجرانيت والتي يتألف منها كوكبنا "الأرض "- ضمن مجموعات صخرية أخرى- ويبلغ ما يتولد في هذه الطبقة الجرانيتية من الحرارة الراديومية ما يعادل نصف الحرارة التي تنطلق نحو سطح الأرض، رغم أن سماكتها لا تتعدى عشرة كيلو مترات، ويضاف إلى هذه الحرارة ما ينطلق من طاقة بسبب الانحلال الراديومي في الصخور النارية وهي تلك الصخور التى تغطي قاع البحور وتمتد إلى تحت ما تبقى من جسم الأرض.

وتتألف الأرض من ثلاث طبقات رئيسية:
1 - طبفة قلب الأرض: ويبلغ قطرها 7100 كيلو متر، ويعتقد بأنها من تسعة معادن سائلة يتخللها قليل من الغازات.

2 - الطبقة الصخرية: وتبلغ سماكتها 2900 كيلو.

3 - القشرة الأرضية: ويبلغ سمكها 32 كيلو مترا، وهي مكونة في معظمها من صخور هابطة من سطح الأرض. وطبقا لنتائج عمليات الحفر والتي تتم لاستكشاف مكونات الطبقات الأرضية، فمن الجدير بالذكر أن تلك العمليات- والتي لم تتعد تلك الطبقة الرقيقة التي تكسو الأرض. الخارج- أثبتت من تحليل مكونات هذه القشرة الأرضية أنها تتكون من صخور نارية بنسبة 95% وصخور صفحية بمقدار 4 % وصخور الحجر الرملي والحجر الجيري بمقدار 1%.

علاوة على هذا التقسيم الطبقي للأرض فقد ميزت بتكونها من أغلفة تلو أغلفة: فهناك من الخارج إلى الداخل: غلاف الأرض الهوائى " Atmosphere " والغلاف الحيوي " Biosphere " والمائي " Hydrosphere " والحجري " Lithosphere " والغلاف التكتوني " Tectonosphere " - حيث تنشأ الحركات الأرضية- والغلاف الأرضى الضعيف " Asthenosphere " والغلاف الناري " Pyrosphere " والغلاف الأرضي المركزي " Barysphere " .

وتشير بعض الدراسات إلى أن درجة حرارة باطن الأرض تصل إلى 3750 درجة مئوية. فقط في الثلاثة كيلو مترات الأولى القريبة من سطح الأرض؟ تحتفظ بأكثر من 10 29 جول حراري يمكن الاستفادة منها في الحصول على طاقة كهربية. ويسمح هذا القدر الهائل من الطاقة بالنظر في حرارة جوف الأرض كمصدر كبير للطاقة.

أثبتت القياسات الجيولوجية التي تمت على عدة مناطق مختلفة على سطح كوكبنا أن درجة حرارة باطن الأرض تزداد بازدياد المسافة المقطوعة من سطح الأرض في اتجاه قلبها وذلك بمعدل 3 م/ 100 متر، مما يعني أنه على عمق كيلو مترين تصلى درجة حرارة الأرض إلى حوالي. 60 م وإلى 100 م على عمق أكثر قليلا من 3 كيلو مترات. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن تلك المعدلات وإن كانت صحيحة لمناطق ما في كوكبنا، فإنه لم يجزم بشكل قاطع حتى الآن أن هذه المعدلات تعد صياغة عامة للقوانين التى تحكم حرارة باطن الأرض والتي لا تزال حتى أيامنا هذه لغزا من ألغاز المستقبل لم تكشف بعد كل أسراره لنا.

ما هي أنواع طاقة جوف الأرض؟!

1 - طاقة جوف الأرض الهيدروليكية: وهي أكثر أنواع طاقات جوف الأرض استخداما في وقتنا الحالي. وهو ناتج عن تراكمات الماء الساخن و- أو- البخار. وتوجد بشكل أساسي في أعماق من 100 متر حتى 4500 متر. ودرجة حرارة هذا والمجال تتراوح من 90 - 350 م، وحسب التقديرات فإن أكثر من 60% من هذه الطاقات تنحصر في حدود درجات حرارة 150 200 م فقط.

2 - الطاقة الغازية في جوف الأرض: وهي تلك الطبقات الحاوية لطبقات الماء الذي يحتوي على ماء ساخن مذاب فيه غاز الميثان والمغلقة تحت ضغوط عالية على عمق 3- 6 كم مختزنة درجات حرارة من 90 -200 م. ودلت القياسات على أن أحد أكبر مخازن هذا النوع من الطاقات يقع في الجزء الشمالي من الخليج المكسيكي حيث تمتد مساحات هذه الخزانات لتشغل قرابة 160 ألف كيلو متر مربع.

3 - طاقة الصخور الجوفية: وتتميز بدرجات حرارة عالية- أكثر من 150 م- وهي الطاقة التي يمكن الحصول عليها من تلك الأماكن التي تحدث فيها البراكين. ومازال العمل على استغلالها في مرحلة البحث.

4 - طاقة الانصهار: وهذه الطاقة توجد على صورة حرارة تتراوح بين 700- 1200 م وهي- كما نرى- طاقة ذات إمكانات عالية تحتل المرتبة الأولى بين أنواع الطاقات الجوفية، ويمكن الوصول لدرجات الحرارة هذه على أعماق من 3 إلى 10 كيلو مترات من سطح الأرض.

مناجم للكهرباء

توجد الحرارة العالية في جوف الأرض في تلك الأماكن التي تنطوي على تغييرات شديدة في درجة الحرارة وهي مناجم المياه الجوفية الساخنة والمضغوطة " بين درجتي 200 درجة و 400 درجة مئوية" والتي يمكن استخراجها لسطح الأرض بشكلها السائل أو الغازي.

المعطيات التكنولوجية والاقتصادية لمحطات توليد الكهرباء من طاقة جوف الأرض

م

المحطة

الموقع

القدرة
بالميجاوات

درجة الحرارة
المئوية

الضغط
الجوي

معامل
الاستغلال

تكلفة إنتاج
الكيـلـوات
بالدولار الأمريكي

1

محطة جيزيري
الوحدات 1-10
الوحدة 11
الوحدات 12-15

أمريكا


396
106
406


175-180
170-180


5.3-7.8
7.8
7.8


86.8
-
-


160ء
170ء
235ء

2

محطة لاردبريللو

إيطاليا

360

150-215

3.6-4.5

90-95

170-95

3

محطة فايراكسي

نيوزلاندا

192.6

175/148/101

3.5/4/1.1

68-78

225

4

محطة أواتشابان

سلفادور

60

156

4.7

76

825

5

محطة كرافلا

إسبانيا

30

118/68

6.7-9

80

655

6

محطة كاكوندا

اليابان

50

147

4.4

8080

2000

7

محطة سيررو - بيرتو

المكسيك

75

160

6.2

87

200

وقد تكونت هذه المياه الجوفية الساخنة من مياه الأمطار التي تسربت إلى داخل الأرض واستقرت في طبقة راشحة، ترتكز على طبقة صخرية ساخنة. وإذا ما تدفقت المياه هذه في الجيوب الصخرية بحالتها الغازية فإنها تعطى بخارا جافا يمكن استعماله لإدارة التوربينات لتوليد الكهرباء. وهذا هو مبدأ عمل محطات طاقة جوف الأرض.

تاريخ استغلال طاقة جوف الأرض ضارب في القدم ولأول مرة- بشكل تطبيقي - استغلت طاقة جوف الأرض للحصول على الطاقة الكهربية كان عام 1904 في مدينة لارديريللو Lar derello بإيطاليا في محطة ذات قدرة 15 كيلو وات. وفي العشرينيات بدأ استخدام هذه الطاقة في أمريكا "محطة جيزيري بقدرة 250 كيلو وات " وفي اليابان " جزر كيوسيو بقدرة 1120 وات ". وحيث تنسب هذه المحطات للمحطات التجريبية- والتي تنهض بدور بحثي في المقام الأول- فإن إنشاء محطات لاستخدام طاقة جوف الأرض في توليد الكهرباء للاستخدام الصناعي لم تبدأ إلا في الستينيات. والجدول يوضح البارامترات التكنولوجية والاقتصادية لأشهر محطات توليد الكهرباء من طاقة جوف الأرض في العالم، في السنوات العشر الأخيرة- طبقا لتقديرات إحصائية- فإن معدل الزيادة في قدرة محطات توليد الكهرباء من طاقة جوف الأرض سنويا تبلغ من 1 : 20 %.

وقد بلغت القدرة الكهربائية الإجمالية لمحطات التوليد من هذا النوع في العالم في نهاية 1985 ما جملته 4700 ميجاوات، ويتوقع أن تصل هذه القدرة في نهاية عام 2000 إلى 20 ألف ميجاوات. فهل في هذه الأرقام ما يدفعنا مرة أخرى لنعود من جديد- وبعد آلاف آلاف السنين التي مرت - لنبحث في أمر هذه الطاقة؟!

 

حسين شعبان الشافعي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أحد الحفارات يقوم في الطبقات الأرضية لجلب عينات من التربة للدراسة والتحليل





مقطع يوضح الطبقات الرئيسية التي تتكون منها الأرض