مساحة وُدّ
شجيرات .. وأشجار
امتلك جدي بيتا كبيرا، ألحقت به حديقة فسيحة.
أتذكرها مليئة بأشجار الفاكهة المتنوعة، تثمر هذه في الشتاء وتلك في الصيف والثالثة في الربيع.
ولأنه كان أبا لعدد من الأبناء والبنات، فقد رزقه الله بأعداد من الأحفاد. كنا نتجمع عنده في الأعياد والمواسم، كنا نذهب إليه كلنا، لا يتخلف منا أي ابن أو ابنة أو حفيدة. كان لقاؤنا نحن الأحفاد والحفيدات ممتعا، وخاصة عندما يقع في الصيف، في أثناء الإجازة المدرسية.
تميز بيت جدي بهذه الحديقة المتنوعة الأشجار، التي كم من المرات أخذ البعض منا في جولة صغيرة في صفوف أشجارها. في إحدى جولاتي معه، لمحت شجيرة، سألته عن نوعها ونوع ثمارها وعن تاريخ إثمارها، أجاب الجد الصبور عن الأسئلة: إنها شجرة كذا، وستطرح الثمار الفلانية، وبعد كذا سنة.
ولكن، ولأننا لم نكن نمتلك الصبر الكافي فقد كنا دائما نتساءل عن ثمار الشجيرات، هل كبرت.. وهل آن أوان قطافها.. ومتى سنأكلها؟.
في إحدى زياراتنا المطولة لبيت جدي، وبعد مرور بضع سنوات على غرس الشجيرة بدأت أتابع ثمارها بشكل يومي. في كل صباح أذهب إليها لأرى هل نضجت أم لا تزال في مرحلة النضج؟ كان الجد الصبور يشرح بلا ملل كيف أن الشجرة الأم ترعى ثمارها ببطء، وكيف أنها تغضب كثيرا عندما يقطف إنسان هذه الثمار قبل نضجها، وقال ضمن ما قال إن علينا الانتظار إلى أن تتقدم الشجرة إلينا مانحة إيانا تلك الثمار.
- متى يا جدي؟ كان يجيب: عندما يتغير اللون من الأخضر إلى أي لون آخر!!
كنا نتابع تغير اللون، كبرت الشجيرات وكبر جدي وكبرنا نحن، أصبحت الشجيرات "شجرات" مثمرات وأصبحنا نحن آباء وأمهات. ولم يعد جدي معنا. رحل تاركا لنا البيت والحديقة. أصبح البيت مكانا للزيارة غير المنتظمة أو الطويلة، لكننا كنا نتجه إليه في المناسبات المتعددة. كنا نتابع نمو "الشجرات". هذه لا تزال تثمر، وتلك قلت ثمارها، أما الثالثة فقد اختفت لأنها لم تعد تثمر.
في إحدى زياراتي القصيرة لبيت جدي أخذت معي طفلتي الصغيرة التي طلبت مني مصاحبتها في جولة في الحديقة الفسيحة.
نزلت معها وسرنا في صفوف الأشجار الكبيرة ثم توقفت ابنتي عند "شجيرة" وسألتني: ما نوعها؟ أجبت. ماذا ستطرح؟ أجبت. متى ستطرح؟ أجبت. ثم قلت لها إننا يجب أن ننتظر الثمار حتى تنضج، عندما تنضج ستتقدم إلينا الشجرة الأم بها. أما إذا قطعناها قبل النضج فسوف تغضب الشجرة الأم. سألتني ابنتي متى تنضج؟ أجبت "عندما يتغير اللون من الأخضر إلى أي لون آخر". وفكرت فيما بيني وبين نفسي "دورة حياة".