طعام محفوظ الإشعاع ولم لا ؟! محمود بركات

طعام محفوظ الإشعاع ولم لا ؟!

الغذاء في عالمنا العربي، ككل، إشكال حاضر ومعضلة مستقبلية. ومن ثم، فإن وسائل حفظ الطعام تغدو قضية ملحة تستوجب الانتباه والتمحيص، بعيدا عن المبالغة في التحفظ، والمبالغة في القبول، خاصة عندما تلوح في أفق القرن القادم مخاوف من أزمة غذاء عربية لها ما يبررها.

أظهرت الإحصائيات الدولية أن جزءا مهما "30 - 50% " من الغذاء العالمي يتعرض للتلف والهلاك وخاصة في البلاد النامية بسبب سوء وسائل الجني والتعبئة والتخزين والنقل والعرض التجاري. وهذا الفساد يتم كنتيجة لهجوم الآفات والكائنات الدقيقة مما يعجل بسرعة ظهور الفساد خاصة في المناطق الحارة وشبه الحارة.

ولاشك أن هذه المشكلة في الدول النامية تعتبر من المشاكل الرئيسية بسبب الكثافة السكانية العالية بها وتزايد حاجتها للمواد الغذائية بصمه مستمرة مما يجعل مشكلة فساد الغذاء من المشاكل المعقدة في تلك الدول.

منذ فجرالتاريخ والإنسان يحاول ابتداع الوسائل المختلفة لحفظ الغذاء بالوسائل المتاحة له في مراحل تطوره المختلفة فبدأ أول ما بدأ بالتجفيف في المناطق الحارة والتجميد في المناطق الباردة، ثم بالتمليح والتخليل وأخيرا مع نمو الأساليب والوسائل الصناعية والنصف صناعية استعمل التعقيم والبسترة كوسائل مهمة لحفظ الغذاء وهذه العمليات لم تخضع إلا لأقل القواعد أو اللوائح التي لها صفة الإلزام، ولعلنا لا نزال نذكر تلك الحادثة التي توفي فيها عدد كبير من الأفراد بسبب استعمال أسماك مملحة في أوعية غير صالحة في مصر. وبالرغم من أن هذه الحادثة قد فجرت دويا وقت وقوعها لارتباطها بإحدى المناسبات الاحتفالية بمصر، إلا أنها لا تعد إلا نموذجا باهتا لما يحدث في دود الجنوب بكثرة والثي لا نعلم عنها شيئا بسبب غياب الإعلام المناسب بها ، ويجب علينا أن نقرر أنه بالرغم من أن الوسائل التقليدية التي سبق التنويه عنها مازالت تتبع حتى الآن، إلا أنه لا يمكن اعتبارها أو اعتمادها إلا كوسائل محدودة الفعالية، وفي إطار المحاولات المستمرة لتطوير عمليات الحفاظ على الغذاء ظهرت عملية حفظ الغذاء باستخدام الإشعاعات المؤينة. وهذا الأسلوب بدأ ونما وتطور في إطار الجهود الحربية للولايات المتحدة الأمريكية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بهدف توفير الأغذية المحفوظة الطازجة للقوات المسلحة الأمريكية بكميات كافية.

وقد خضع هذا الأسلوب المتطور لحفظ الغذاء، لمدة تجاوزت الأربعين عاما، للدراسة العلمية الجادة، كما استمرت الدراسات التجريبية التطبيقية لمدة لا تقل عن عشرين عاما حيث أمكن نتيجة لهذه الدراسات تحديد الظروف المناسبة لعملية التشعيع، مثل قيمة الجرعة الإشعاعية المناسبة وأنواع الغذاء التي يمكن تشعيعها، كما تحددت أفضل أساليب التعامل مع الأغذية بعد المعالجة، وكل ذلك وصولا إلى الحصول على الفوائد المناسبة مثل منع التنبيت، ومنع هجوم الحشرات، وتخفيض التلوث وإطالة عمر التخزين. وكل ذلك لا يدع فرصة للتخوف من أية آثار يمكن أن تظهر على الجيل الحالي أو الأجيال القادمة.

وفي هذا الإطار ثبت للكافة أن التشعيع الغذائي أسلوب فعال لإطالة فترة طزاجة الغذاء، مع الحفاط على نظافته وطهارته بتكاليف مقبولة، مع استهلاك طفيف في الطاقة.

ومن الواضح أنه بتطبيق تلك الأساليب فإن هناك إمكانية مؤكدة لرفع كمية الغذاء المتاح بنسبة لا تقل عن 30% على الأقل عند خفض الكفية. التي قد تتعرض للتلف منه، وذلك دونما أية استثمارات إضافية في الإنتاج أو التسويق، بالإضافة إلى العديد من الفوائد الأخرى.

رحلات وتخوفات

وأهمية تشعيع الغذاء للحفاظ عليه تتضح من إمكان اعتباره عنصرا محتملا من عناصر التجارة الدولية إذ إن أماكن الإنتاج الغذائي الوفير عادة ما تكون في دول الشمال المتطورة والتى تستخدم التقنية الزراعية الحديثة، بينما تكون أماكن الاستهلاك الكبير في دول الجنوب البعيدة حيث توجد الكثافة السكانية العالية مع ندرة الغذاء، وبالعكس فقد يكون الجنوب هو موقع إنتاج أغذية معينة تهم دول الشمال البعيدة التي تتطلب مستوى رفيعا في نوعيات معينة من المواد الغذائية المستوردة، وفي هذه الحالات أيضا تتضح أهمية التشعيع كوسيلة للتغلب على طول الفترة الزمنية بين أماكن الإنتاج وأماكن الاستهلاك البعيدة.

لهذه الفوائد الواضحة، ونظرا لارتباط موضوع تشعيع الغذاء بمسألة التقبل الجماهيري له فإن هناك ضرورة لإخضاع العمليات المرتبطة بهذا الموضوع للعديد من التنظيمات واللوائح التي قد تساهم في إزالة أية مخاوف تثور لدى الجمهور من استخدام الغذاء المشع. ولعل أول تصريح باستخدام الغذاء المشع كان بناء على التوصية التي أصدرتها لجنة من الخبراء الدوليين في عام 1976 "باعتماد القبول المشروط للاستهلاك الآدمي للبطاطس والقمح والفراولة والدجاج والأرز والبصل والسمك ".

وهنا يلزم أن ننوه أن استخدام التشعيع في حفظ الغذاء قد أثار العديد من التحفظات والتخوفات في شأن تداول الغذاء المشعع محليا وأيضا في مجال التجارة الدولية. وازاء ذلك ظهرت أهمية وضرورة إخضاع هذا الأسلوب في الحفاظ على الغذاء للتنظيم والتشريع. وقد كانت أهم التخوفات التي واكبت إمكان التطبيق تتلخص في أنه إذا كان التشعيع لا يغير من المواصفات الطبيعية للغذاء كالشكل والمظهر ودرجة الطزاجة، فإنه من الصعب تحديد ما إذا كان الغذاء المعروض للاستخدام مشععا أم غير مشعع. وهذا التساؤل بدوره إذا كان مطروحا فإنه يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في التداول التجاري، إذ إن بعض الدول تعرض الغذاء المشعع بسعر أكبر أو أقل من التكلفة حسب السياسة السعرية أو الغذائية الخاصة بها.

ومن التخوفات الواردة أيضا أن هناك دائما احتمالا لإساءة استخدام عملية التشعيع فى تطهيرأغذية ليست على المستوى المطلوب، أو تشعيع أغذلة انقضى موعد صلاحيتها لكي تحافظ على المظهر الخارجي المتماسك. كما أنه يمكن تشعيع الغذاء بجرعة زائدة على الجرعة المقررة أو المثبتة فعلا على المنتج وصولا إلى رفع مستوى الغذاء الظاهري وعرضه تجاريا بالرغم من قدمه، وإزاء كل ذلك فقد تأكدت أهمية وضع القواعد واللوائح المناسبة محليا ودوليا للتغلب على كل هذه التخوفات مماقديؤدي إلى سهولة تدفق المواد الغذائية من أماكن الإنتاج الوفير إلى أماكن الاستهلاك دون مصاعب أو شكوك، كما ظهرت أيضا أهمية أن تكون اللوائح والقواعد موضوعة في إطار دولي حتى يمكن تطبيقها بسهولة في حالة التداول الدولي للغذاء المشعع.

وتقديرا لهذا الأمر عملت الوكالات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة كوكالة الطاقة الذرية ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمات الدولية الأخرى، مثل منظمة الصحة العالمية، ونظام الكودكس، على التوصل إلى وضع اتفاقات ومعاهدات دولية يمكن اتخاذها وسيلة فعالة تهدف إلى توفير الرقابة اللازمة على معالجة الأغذية، بحيث يمكن تنفيذها في إطار مجموعة من العمليات التنظيمية التي تعتمد على تسجيل وترخيص مرافق تشعيع الغذاء وكذلك التفتيش التنظيمي عليها، ومن جهة أخرى العمل على توثيق الأغذية المشععة وتصنيفها ولصق البيانات عليها. وبعبارة أخرى أن تكون الرقابة الدولية على الغذاء المشعع ذات بعدين، البعد الأول يتعلق بالرقابة على المنشأة المنتجة للغذاء المشعع، والبعد الثاني يتعلق بالرقابة على المنتج ذاته، على أن يكون كل ذلك متوافقا مع التشريعات الوطنية في الدول المصدرة للغذاء أو المستوردة له، ومتوائما مع التشريعات الدولية.

تشريعات للطمأنينة

وفي المقام الأول تتطلب التنظيمات الدولية ضرورة وضع رمز دولي موحد للغذاء المشعع بالإضافة إلى شهادة تبين طبيعة العملية وفائدة الغذاء المشعع المعروض، وذلك حتى يمكن التأكد من أن الغذاء المشعفي بلد ويعرض للبيع في بلد آخر يرقى للمتطلبات المقبولة فى البلدين بالنسبة لصحته وسلامته وإنتاجه بأسلوب جيد. وبهذا يمكن للتجارة الدولية في الغذاء المشعع أن تنمو وتزدهر في إطار تنظيمات دولية مقبولة تتواءم مع التنظيمات الوطنية في الدول المنتجة أو المستهلكة للغذاء المشعع.

وفيما يتعلق بالتنظيمات الوطنية فهناك العديد من الإجراءات التنظيمية التي يتعين على الحكومات أن تضعها قيد التطبيق قبل التصريح بإجراء عمليات تشعيع الغذاء أو عرضه للبيع العام في إطار قياس الكودكس العام للأغذية المشعة، والتي تتناول إخضاع المنشأة الخاصة بتشعيع الغذاء لجميع إجراءات التقويم والمراجعة، فيما يتعلق بالمنشآت والتجهيزات ونظام العمل وعمليات التشعيع، وأن يتكرر ذلك خلال مدد محددة طوال فترة استخدامها وأن يكون ذلك من خلال تسجيل أو ترخيص محدد المدة يخضع لعمليات التفتيش التنظيمي المعلن وغير المعلن على المنشأة والعمليات التي تجرى بها. ولضمان الجودة الشاملة فإن المؤسسات المعنية المرخص لها يتعين التأكد من حسن تنظيمها ماليا وإداريا وفنيا، وأن يتضمن ذلك توفير التدريب المناسب مع ترخيص المشتغلين والعاملين بها. ومن أهم النقاط التى يجب توفير الرقابة عليها عملية توثيق الغذاء المشعع ووضع العلامات الدولية المناسبة عليه، وأن ينتهي كل ذلك بنظام لإدارة وحفظ السجلات اللازمة التي تسجل وتؤرخ لمختلف العمليات.

فإذا كان الغذاء محلا للتداول في التجارة الدولية، فإن على السلطة الرقابية في الدولة المستوردة المسئولة عن جودة الغذاء المشعع أن تتأكد من أن الغذاء المشعع مسموح به في دولة المصدر، وأن المنشأة التي تم بها التشعيع مرخص لها بالعمل، كما أن عليها أن تتأكد من عنوان المنشاة وقوة المصدر ونوعية المواد الغذائية التي تم التصريح لهذه المنشأة بتشعيعها، وكذلك المؤسسة الرقابية التنظيمية التي تقوم بالتفتيش التنظيمي على المنشأة في الدولة المصدرة.

كل هذه الاجراءات والتنظيمات تستهدف رفع مستوى اطمئنان المسشهلك بأن الغذاء المشعع يخضع للعمليات الرقابية المناسبة والتى تستهدف ضمان إنتاج وتسويق غذاء جيد رفيع المستوى من الناحية الصحية. وحتى يمكن استكمال التدابير التي تؤدي إلى تنميط عملية تشعيع الغذاء حتى يسهل توحيد أنماط معالجة الغذاء إشعاعيا على المستوى الدولي فإن هذا يتطلب أول ما يتطلب توحيد أساليب تقنين الجرعات الإشعاعية المتداولة في مختلف مراكز تشعيع الغذاء على المستوى الدولي، وعلى ذلك فقد تضافرت الجهود الدولية لاعتماد أسلوب دولي لمعايرة الجرعات الإشعاعية في جميع وحدات التشعيع المستخدمة لمعالجة الأغذية.

ولتطبيق كل ما سبق من قواعد عامة قامت العديد من الدول بإصدار التنظيمات المناسبة لتشعيع عدد من المواد الغذائية وطرحها للتداول محليا ودوليا حسب الجدول رقم " 1 " وقد يكون من المناسب أن نعرض حالة دولة من الدول المتقدمة مثل المملكة المتحدة، وما أصدرته من تنظيمات في مجال الغذاء المشعع، فقد ظلت بريطانيا ولمدة طويلة لا تسمح بتشعيع الغذاء إلا لتعقيم الغذاء الذي يقدم لبعض المرضى بالمستشفيات.

دول متقدمة وموقف متغير

في عام 1990 أصدرت بريطانيا قانون سلامة الغذاء الذي أناط بوزير الزراعة والأسماك والغذاء ووزير الصحة ووزير ويلز إصدار التنظيمات واللوائح الأساسية المناسبة. وقد تم إصدار اللائحة التنفيذية عام 1990 برقم 2189 والتي تناولت الأساليب الفنية والتنظيمية والشروط التي تكتنف عملية تشعيع الغذاء، فقد تناولت تحديد أنواع الإشعاعات الممكن استخدامها والجرعات الإشعاعية المناسبة وحدودها. كما تناولت تلك اللائحة كل ما يتعلق بجهاز التشعيع مثل وصف الجهاز والمواصفات الفنية للمصدر ورسم تخطيطي للمنشأة والمواصفات الفنية للأجهزة والأدوات المستعملة وخاصة تلك التي تتعلق بضبط الجرعة الإشعاعية. وفيما يتعلق بالغذاء فقد تناولت اللائحة. وصف المنتجات الخاضعة للتشعيع، ووصفا للمجال الذي يتم فيه التشعيع لكل مادة، كما حددت اللائحة أسلوب الحصول على ترخيص بتشعيع الغذاء والبيانات المطلوبة لضمان سلامة الغذاء أثناء وبعد التشعيع. ومن أهم النقاط التي حددتها إجراءات الترخيص أن يتقدم طالب الترخيص بتشعيع الغذاء بما يفيد أن معالجة الغذاء سوف تتم في منشات مرخص بها ومسجلة في إطار التنظيمات المناسبة، وكذلك الغرض من التشعيع " إزالة وتخفيض الكائنات المسببة لفساد الغذاء، تخفيض كمية الغذاء المدمر الناتج من النضج المبكر أو التزريع أو تطهير الغذاء من الكائنات الضارة".

أما اللائحة رقم 2490 الصادرة في فبراير سنة 1991 م في بريطانيا فقد تناولت أجهزة التشعيع والرقابة عليها ومواصفاتها اللازمة وكذلك أنواع الأغذية التي يمكن أن تخضع للتشعيع بتحديد دقيق، والجرعات الإشعاعية المقدرة لتشعيع كل منها، وقد بينت اللائحة ضرورة حصول من يعد الغذاء للبيع بعد تشعيعه على ترخيص بذلك. وكذلك عند نقله بعد التشعيي وعند تخزينه، كما أنه على من ينقل الغذاء أن يحدد المكان النهائي لوصول الشحنة خارج بريطانيا ومدى انطباق القواعد الداخلية في تلك الدول على الغذاء المشعع في بريطانيا.

كما تناولت اللائحة كذلك أسلوب التنفيذ ومهام وواجبات جهة الترخيص، وكذلك تضمنت العقوبات المقررة على أية مخالفات، وقد تراوحت العقوبات بين الغرامة أو السجن أو بهما معا.

وعلى ذلك فإنه لكي يمكن تداول أية أغذية مشععة على المستوى التجاري الدولي فإن ذلك يقتضي أن تقوم الدول المصدرة للغذاء المشعع باتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بضمان وصول الغذاء المشعع بجرعة محددة ومقررة ومشهود لها مع الضمان المناسب من السلطة التنظيمية الحكومية بنوعية المعاملة التي تعرض لها الغذاء المصدر. وقد يكون من المفيد أن تسمح الدولة المصدرة للدول المستوردة لكميات مهمة من الغذاء المشعع بأن تقوم الأخيرة بزيارات تفقدية لمعاينة المنشأة على الطبيعة والتأكد من مطابقة السلعة المشتراة للاشتراطات التي يقررها النظام الوطني للرقابة على الغذاء المستورد، على أن يتم ذلك في إطار تنظيمات دولية معتمدة ومقررة وبذلك يمكن أن تضمن سيولة التعامل فى مجال التجارة الدولية للغذاء المشعع.

ومن المهم أن نذكر أيضا ما تم في الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا في مجال تسويق الغذاء المشعع. فقد أعلنت وزارة الزراعة الأمريكية في لوائحها التي نشرت في 21 سبتمبر سنة 1992 م في "فيدرال ريجسترار" قواعد مفصلة لتشعيع الدجاج والديكة الرومية. وبذلك تكون قد مهدت الطريق نحو بدء عمل المصادر الإشعاعية المحلية في هذا المجال المهم. كما أن إدارة الغذاء والدواء قد اعتمدت في مايو سنة 1990 م سلامة أسلوب تشعيع الغذاء وفعاليته بل لقد أناطت بوزارة الزراعة الأمريكية مهمة كتابة اللوائح في هذا المجال. وقد بينت تلك اللوائح أهمية أن بالولايات المتحدة برامج ضبط الجودة التي معامل ومؤسسات التشعيع تؤكد سلامة العامل والمنتج ، وكذلك توافر الصحية المتميزة للغذاء الناتج، على أن يتم التفتيش على ذلك بانتظام بواسطة مفتشين متخصصين في الرقابة على الأسلوب المتبع بحيث يمكن أن يضمن ذلك وجود أقل مستوى ممكن من الباثوجينات، مثل السالمونيلا والليستيريا والكامبيلوباكتر. وسوف يلزم أن يوضع على جميع عبوات الدواجن المشععة العلامة الدولية للإشعاع وأيضا عبارة "عومل بالإشعاع ". وفي الحقيقة فإن المنشأة التجارية المحلية الوحيدة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال تشعيع الغذاء هي منشأة ماليري بولاية فلوريدا. وهذه المنشأة سوف تبدأ بتشعيع الدواجن بعد أن صدرت اللوائح في 21 سبتمبر سنة 1992 م بوقت قصير. وحسب إحصائيات وزارة الزراعة الأمريكية فإن 35% من الدواجن تكون ملوثة بالسالمونيلا وحسب إحصائيات أخرى تصل تلك النسبة إلى 50%. مما سبق عرضه فإنه يتبين لنا أن العالم المتقدم تكنولوجيا يحاول أن يضع الأسس لنظام دولي محكم لتداول الغذاء المشعع باعتبار ذلك ركيزة مهمة من ركائز الاقتصادي ومن ثم التقدم الاجتماعي على المستوى الدولي. وإذا تناولنا الوضع في المنطقة العربية مازالت خالية تماما من الغذاء المشع، وذلك بالرغم من أن العالم العربي بصفة عامة يقع في دائرة المناطق المستوردة للغذاء وهنا فإننا يمكن أن نقرر أن أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو عدم معرفة الحقائق الكاملة في شأن عملية الحفاظ على الغذاء بالإشعاع. وبدلا من ذلك تطفو المخاوف التي عرضناها على السطح وتزيد من تردد المستوردين والحكومات تجاه الاستفادة من الإمكانات الهائلة والمحققة للإشعاع في مجال حفظ الغذاء.

ولاشك أن العمل في اتجاه وضع الضوابط وإصدار التشريعات والتنظيمات العربية المناسبة في هذا المجال الحيوي أصبح من الضرورات الملحة في عصر تتزايد فيه المجاعات ومظاهر سوء التغذية، وذلك استهدافا للاستفادة من كل غذاء ينتج أو يتم استيراده بصورة مفيدة صحيا وبما يتفق مع الأسس الاقتصادية السليمة.

 

محمود بركات

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات