"منظم للمخ": يحمي من الصرع

"منظم للمخ": يحمي من الصرع
        

يتوافر الآن منظم للنشاط الكهربائي للمخ يتيح قطع الطريق أمام نوبات الصرع، مما يعطي أملا لنحو 50 مليون شخص في العالم، يعانون من هذا المرض المريع الذي لا تنجح أي عقاقير في كبحه.

         الصرع أكثر المشاكل العصبية انتشارا في العالم, ورغم ذلك لا يتجاوز عدد الأدوية المؤثرة فيه أصابع اليد الواحدة, مع الأخذ في الاعتبار أن فعاليتها النسبية لا تحظى بتفسير علمي.

         ولحل هذه المشكلة ظهر جهاز أثبت فعاليته في شفاء نوبات الصرع, حتى الحالات المستعصية منه, ويبث إيقاعا منتظما من النبضات الكهربائية في المخ, يتحكم في شحنات التيار النابع من بعض مناطق المخ. وليس هذا (المنظم للنبضات) مرتفع التكاليف كما هو حال العلاجات الدوائية للصرع.

         وتصل مؤامرة الصمت التي تحيط بمرض الصرع إلى حد أن الإخصائيين الطبيين, أطباء الأعصـاب, وإخصـائيي الصرع, إلا فيما ندر منهم, لا يعرفون سوى القليل حول هذا المرض.

         وللصرع نحو 20 مصدرا تظهر من خلال أنواع متعددة من النوبات يمكن معرفة أصلها (في هذا الجزء من المخ أو ذاك) لدى 70 في المائة من الحالات, ومع ذلك لا يمكن تفسير سبب هذه النوبات.

         ويفضل الجميع إلقاء ستار (محتشم) على هذا المرض دون الكلام عنه بصراحة مع المصابين به. ويعرف كثيرون أنه يعتبر أيضا مرضا نفسيا, ولإعطائه صورة أفضل يطلق عليه البعض أحيانا مرض (العباقرة). وأصيب به قيصر, فلوبير, ودوستوفسكي, فأطلق عليه البعض أيضا اسم (المرض السامي).

         ويزداد ضيق ضحاياه ويصيبهم بالفزع, ويصحبه بسرعة هبوط في تقديرهم لذواتهم. لكن ما المعروف علميا عن الصرع? إنه يشغل حياة المصاب, وكذلك يفعل علاجه, حيث يبدأ لدى 20 في المائة من الحالات قبل عمر 5 سنوات, ولدى 59 في المائة من الحالات قبل عمر 25 عاما. ودون معرفة السبب, قد يسبب هذا المرض ثلاث نوبات في العام, بينما يسبب لدى آخرين مائة نوبة يوميا.

         وتنشأ النوبات, التي تكون هينة في الغالب, من خلل ما أو عيب في أداء منطقة في المخ (الصرع البؤري), أو في عدة مناطق (صرع متعدد البؤر). وتعتبر هذه المناطق, التي توصف بأنها (مصروعة), بشكل استثنائي غير قابلة لإجراء جراحات, سواء لصعوبة الوصول إليها أو عجز الجراحات عن لمسها دون إحداث إصابة أو إعاقة أكثر خطورة مثل الشلل. وهي تعاني من اختلالات كهربائية في الوظائف الطبيعية للمخ, ناجمة عن (انقطاع للتيار) يطلق نوبة بطريقة غير متوقعة تماما.

         وتتمثل السمات الأكثر شيوعا لدى ضحايا هذا المرض في الأعراض والتأثيرات التالية: نوبات متكررة تعود إلى انقطاع مؤقت في التحكم في الجسم عن طريق المخ. ويميل المرض إلى التحول إلى نوبة بإشارة تحذيرية: شعور يسبق النوبة يتصف عادة بـ (ذوق غريب), وانطباع بالتنميل.

         وقليل جدا ما يمكن أن يقال حتى الآن علميا عن الصرع. وبعد إضافة ما تشير إليه التجربة, ملاحظة النوبات, الأعراض, والمظاهر المتغيرة للمرض, يمكن القول إن الصرع يتضمن أكثر من 20 نوعا من النوبات المختلفة تندرج تحت أربعة تصنيفات وتعود إلى ثلاثة أسباب, مما يعني أن ما يسمى بالصرع ما هو إلا أنواع عديدة من هذا المرض.

         فإذا ركزنا على أسباب النوبات, تمثل النوبات ذات الأعراض المعروفة المصدر 30 في المائة من جميع النوبات, وتعود إلى إصابات قابلة التحديد في المخ, وأكثر أسبابها انتشارا صدمات الجمجمة, أورام المخ, النزيف الدماغي, التسمم مثل حالات تسمم الرصاص والكحول, العدوى مثل التهاب السحايا, التهاب الدماغ الفيروسي, الدفتيريا, وأسباب أخرى أقل انتشارا مثل النكاف, الحصبة, وأمراض الطفولة الأخرى.

         ثم تأتي النوبات الجزئية ثم الشاملة, وتصدر الجزئية من منطقة خاصة في المخ وتظهر عامة على شكل سلوكيات جسمانية غير متوقعة مثل الارتجاجات العضلية في ذراع أو ساق, اصطكاك الشفتين, أو نوبات شرود. وتدوم هذه النوبات من عدة ثوان إلى عدة دقائق, تبعا لحدتها. وقد يظهر رد الفعل في جزء واحد من الجسم فقط (النوبة الجزئية البسيطة) أو في عدة مناطق في المرة الواحدة, وتؤدي إلى فقدان الوعي (النوبة الجزئية التامة).

         وتجمع النوبات الشاملة بين مناطق ممتدة على جانبي المخ, وتؤدي غالبا إلى مآسي التشنجات التي تتضمن فقدان الوعي, ويعاني نحو 39 في المائة من المصابين بالصرع من النوبات الشاملة في بداية الأمر.

أربعة عقاقير للتسكين

         يمكن تصنيف نوبات الصرع في حد ذاتها إلى عدة أنواع:

         ـ النوبات الوهنية, وتتصف بفقد فجائي للقوى العضلية, مع سقوط فوري.

         ـ نوبات الغيبوبة, وتكون بالغة القصر عادة ويصعب ملاحظتها, وينجم عنها فقد الوعي. وتشيع خلال الطفولة, لكنها قد تحدث أيضا لدى البالغين.

         ـ نوبات ارتجاجية عضلية, تستمر نحو دقيقة.

         ـ نوبات ارتعاشية, تتصف بتصلب الجسم بكامله, تتبعها ارتجاجات عضلية وتشنجات. وقد يصاب المريض بفقد الوعي أو العجز عن التحكم في المثانة.

         وتدل أنواع هذه النوبات على أن الصرع مرض يصعب كبحه ومنعه. ويعاني المريض جسمانيا, نفسيا واجتماعيا من النوبات, توقع النوبات, احتمال الوفـاة المبـكرة, والآثار الجانبيـة للعقاقير. ويجد العـاجزون عن السيطرة على نوباتهم صعـوبة في الذهاب إلى المدارس, أو الحصول على رخصة قيادة سـيارات, أو الاحتـفاظ بالوظيـفة. ويعانون من عبء الشعور بالاعتماد على الآخرين. ويفقدون كثيرا الثقة بأنفسهم. وتعيش أسرهم في موجـة من الاضطراب خوف وفـاة المريض المفاجئة بطريقة غامضة أو في حادث أو توقع انتحاره.

         ولمقاومة هذا الكم من النوبات المتنوعة, تتوافر مضادات للصرع ذات فعالية, حتى لو كانت آلية عملها مجهولة. وتنحصر أساسا في أربعة عقاقير يتم الجمع بينها عند الاقتضاء, هي (كاربامازيبين), (فالبروت), (فينيتوين), و(فينو ـ باربيتول). لكن هذه العقاقير ليست فعالة في حالات معينة من الصرع, إضافة إلى أنها تستخدم مدى الحياة لتهدئة الأعراض وليس لعلاج أسبابها.

         وتحاول الممارسة الطبية الحد من استخدام العلاج بالعقاقير للإقلال من آثارها الجانبـية الضارة (خمود نشاط المخ, الإجهاد, النعاس, وصعوبة التركيز). وتحاول أيضا الحد من ظاهرة التعود, التي تسبب فقدا تدريجيا لفعالية العلاج.

         وكانت الحاجة ماسة الى مدخل جديد لعلاج الصرع, وجاء الحل, الأول من نوعه منذ مائة عام, مع المنظم الآلي العصبي NCP, الذي قدمته الشركة الأمريكية سيبرونيكس, وأثبت فعاليته حتى بالنسبة للصرع المستعصي.ويعمل هذا الجهاز في المخ عمل منظم النبضات بالنسبة للقلب, وحصل على إجازة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والاتحاد الأوربي, بعد أكثر من عشر سنوات من الأبحاث والدراسات السريرية.وتمت أول زراعة له عام 1988, ثم استخدمه منذ ذلك الحين أكثر من ألف مريض في 24 دولة. وشهد نصف المرضى الذين استخدموه انخفاضا في الأزمات بنسبة 20 في المائة وانخفاضا كبيرا نسبته 50 في المائة بعد 18 شهرا.

         ولا ينجم عن استخدام هذا الجهاز آثار ضارة حادة أو مزمنة, إدراكية, سلوكية أو عاطفية, ولا سمية العقاقير المضادة للصرع. ولا تتقلص فعاليته مع مرور الزمن, بل العكس هو الصحيح.

زراعة سهلة دون خطر

         ويشمل العلاج بهذا الجهاز, الذي يتم بتنبيه العصب الحائر, بث نبضات كهربائية كل خمس دقائق شدتها بين 1.25 و2.5 مللي أمبير, ترددها 30 هرتز ومدتها 50 نانو ثانية.وهو جهاز مدمج تماما سهل الزرع, ويتكون من مولد بحجم ساعة جيب صغيرة لا يتجاوز وزنه 55 جراما. ويتيح شقان وضعه في الجسم, أحدهما في الصدر لإدخال المولد وبطاريته في مستوى عظم الكتف, والآخر في القاعدة اليسرى من العنق لزرع القطبين الكهربائيين في العصب الحائر.وتم اختيار العصب الحائر لأنه يتحكم بشكل قوي في النشاط بين المخ والأعضاء الداخلية, وهو عصب مختلط يؤدي أحيانا وظائف حركية وأخرى حسية. ويتكون بشكل أساسي (85 في المائة) من ألياف ناقلة للإشارات, تتوزع وسط الجهاز العصبي المركزي, وترتبط أيضا بالرئتين, القلب, الشريان الأورطي, والأعصاب المعوية, حيث تنقل البيانات في اتجاه القشرة الدماغية (اللوزة, قرن آمون, القشرة الدماغية الجزيرية.. إلخ) المعروفة بقدرتها على توليد شحنات صرعية.وبالتأثير في المناطق المصابة بالصرع بواسطة الألياف المختصة في العصب الحائر, يمكن تعديل نشاط المخ. ويعتبر ذلك علاجا وقائيا, حيث يؤدي تعـديل النشـاط الكهربائي في المخ إلى تجنب حدوث التـفريغ الكهربائي المسبب للصرع.

 

عزت عامر   

 




التخطيط الكهربائي لتنظيم نبضات المخ





التخطيط الكهربائي العلوي أصبح طبيعيا باستخدام جهاز تنظيم نبضات المخ والسفلي تخطيط كهربائي في حالة الصرع دون استخدام الجهاز