فنانات موهوبات على شاطىء الكويت فاطمة منصور تصوير: سليمان حيدر

فنانات موهوبات على شاطىء الكويت

نادرة هي المرأة الفنانة. تلك التي تمتلك القدرة على تحويل أحاسيسها وعواطفها إلى لون وشكل. وأشدهن ندرة في الخليج العربي حيث تحاول المرأة أن تجد لنفسها مكانا مناسبا أولا قبل أن تمتلك الحق في التعبير عن نفسها بصدق وتلقائية. ولكن فنانات الكويت انتزعن الكثير من هذا الحق. وخلقن من اللون لغة بالغة الخصوصية والعذوبة.

رغم حداثة الفن التشكيلي في الدول الخليجية ، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية استطاع أن يخطو خطوات سريعة، مما أكسبه مكانة مرموقة بين الحركات التشكيلية في الوطن العربي.

وإذا كان الرجل قد سبق المرأة في الخليج في هذا المضمار نظرا لقدرته على السفر للخارج، والالتقاء بفنانين، وحضارات أخرى سبقت حضارات هذه المنطقة منذ مئات السنين، فقد استطاع الفنان الخليجي بحسه الفني أن يختزن ما شاهده، وعبر بريشته عن البيئة الصحراوية، ونقلها في قالب يعبر عن الواقع، وبرؤية لا يستطيع أن يسجلها غير أهل هذه المنطقة.

المرأة الخليجية.. والفن

وقد تنبهت المرأة الخليجية منذ سنوات قليلة إلى مشاركة الرجل في مجال الفن، وظهرت رائدات تعلمن الفن على أسس علمية في المعاهد الفنية في القاهرة والدول الأوربية. واستطاعت المرأة الخليجية أن تنجح في فك الحصار الذي كان يكبلها بالقيود نظرا لظروف البيئة الاجتماعية التي تحيط بها، والتي تحتم أن يكون مكانها في البيت، ولكن عندما خرجت المرأة الخليجية لمشاركة الرجل في الحياة الاجتماعية، وتغيرت النظرة إليها، استطاعت أن تحصل على حقها في تعلم هذا النوع من الفن، ودخلت هذا المجال تدفعها الرغبة في تأكيد ذاتها أولا ومنافسة الرجل ثانيا.

إن العمر الزمني للفن التشكيلي بالكويت لا يتجاوز ربع قرن، لكن تحقق فيه إنجازات بفضل الرواد الأوائل من الفنانين، والفنانات، ورغم أن المرأة قد تخلفت عن الرجل عدة سنوات، إلا أن مشاركتها أخيرا أعطتها الفرصة لإظهار مواهبها في ميدان الفن التشكيلي.

الوا قع، والخيال

وقد اتسمت موضوعات الفنانة الخليجية بالواقعية، وحتى عندما تلجأ للخيال كانت تنتقي مفردات أسلوبها من الواقع، قليلات منهن اللواتي اتجهن إلى السيريالية، فقد كان مضمون اللوحات يدور في الغالب حول الطفولة، والبيئة.

ولأن البيئات في الخليج متقاربة، إن لم تكن متشابهة، فقد تقاربت رؤية الفنانين والفنانات أيضا وتشابهت لوحاتهم إلى حد ما.

تشجيع الهواة

وقد تأسست في الكويت رابطة لتشجيع الهواة في مجال الحرف اليدوية، وعمرها لم يتجاوز العامين، لأنها ظهرت بعد الغزو، وبالتحديد أواخر عام 1991، وقد أقامت دورات للأطفال، والشباب، والفتيات لتشجيعهن على اقتحام مجال الفن، وبلغ عدد عضوات هذه الرابطة " 200 " سيدة، وانتسب إليها " 700 " متدربة، وأقامت الرابطة أول معرض لها واشترك فيه " 70 " من الفنانين، والفنانات الكويتيات، وأطلق عليه اسم معرض الفنان الكويتي.

وخلال هذا المعرض كانت لنا لقاءات مع هذه المواهب الجديدة، فنانات صاعدات أجمعن على أن الرجل الخليجي قد سبق المرأة في هذا المجال، لأنه أتيحت له الفرصة للسفر، والالتقاء بفنانين من دول عربية، وأجنبية، واطلع على معارض لم يتح للمرأة أن تتابعها.

فوزية العيسى (اليسانس علم نفس واجتماع) تفرغت للفن بعد تقاعدها من عملها كمشرفة اجتماعية بجامعة الكويت، تقول: إن التقاليد الموروثة تحجب فنانات لديهن الموهبة داخل جدران البيوت، وتطالب بإنشاء أكاديمية فنية لتستقبل من لديها موهبة لتطويرها على أحدث الأساليب.

وقد تخصصت هذه الفنانة في النحت، وتشكو من عدم وجود المواد الخام التي تساعدها في تكملة مشوارها الفني.

سحر الرشيد خريجة كلية التجارة وتخصص إدارة عمال بدأت هوايتها مع الفن التشكيلي منذ الصغر، لكنها لم تستكمل طريقها الفني لأن العائلة رفضت انتسابها لكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وعوضت حرمانها بأن داومت على الدورات الفنية بالكويت قبل الغزو.

هداء رجاء الرشيدي (دبلوم معهد المعلمين) وعضو جمعية الفنون التشكيلية تؤكد أن الفن جزء من حياتها، وتطالب بتنظيم رحلات خاصة للفنانين والفنانات الشباب للسفر للخارج للاطلاع على أحدث الأساليب في ميدان الفنون، وتدعو الرواد القدامى إلى أن يعطوا خبراتهم للشباب والشابات الجدد من الفنانين والفنانات.

مي عبداللطيف سعد (خريجة كلية التجارة إدارة أعمال) تقول: إن رابطة الفنانين بالكويت ساعدت المرأة الكويتية على الخروج من البيت، وإظهار موهبتها الفنية.

غنيمة عيسى (خريجة معهد التربية للمعلمات) تأثرت بالبحر والصيادين، وظهر ذلك في أول أعمالها " السفينة ".

تقول: إن غزو الكويت أعطى للفنانين والفنانات مادة غزيرة لإظهار المواهب الفنية، ولكن الإنتاج الفني لم يصل إلى درجة الحدث الكبير الذي وقع.

الزوجة والفنان

كثير من الفنانات الموهوبات لم يتزوجن فنانين، قد تكون زوجة لدبلوماسي، أو تاجر، أو رجل أعمال، ولكن عندما تكون الفنانة زوجة فنان تكون مكملة له.

ومن الرواد الأوائل من جيل الفنانين القدامى الفنان خليفة القطان أبرز في لوحاته دور المرأة، والأمومة، والجمال، وتعبير الحزن والفرح، ولأن زوجته فنانة فقد كان لها تأثير واضح على أعماله الفنية، وهو له أسلوب مميز بالحركة الدائرية بدأها عام 1962 حتى عام 1983، ويتعامل مع اللون بتذوق جديد ومتطور رغم لجوئه إلى الهدوء النسبي والتجريبي اللوني، ومنذ عام 1976 بدأ تنفيذ مجموعة البيضة وله فلسفته بهذه المجموعة ويجد في البيضة، الحضن الأول، الجنين يمتص رحيق الحياة من العروق الحمراء، و"الرحم " رعاية الأم للجنين، وكل إنسان يعيش في بيضة تحميه من صراعات الحياة عندما يخرح إليها عاريا ليواجه تعقيدات العالم الخارجي متلمسا طريقه لقبول التحدي.

ومعظم فنانات الخليج مازلن في مرحلة البحث عن الشخصية المستقلة في التعبير سواء من تصوير أحداث، أو أشخاص، ويحتجن إلى خبرة وممارسة، والتحكم في عناصر العمل الفني.

ولكن الملاحظ ظهور مواهب بشكل لافت تمتلك الكثير من القدرات والإمكانات الفنية، وقد أحدث هذا نوعا من الثراء لهذه الحركة التشكيلية الوليدة. وقد تنوعت أساليب هؤلاء الفنانات بين الواقعية، والتجريدية، مرورا بالرمزية، و السريالية، ومنهن الفنانة "موضي الحجي " التي اشتهرت بإنجازها مجموعة صور شخصية لمؤسسي الكويت الحديثة، ورواد النهضة وأعلامها الفكرية، ومن أشهر أعمالها " فتاة من أبها" التي اشتركت بها في عدة معارض، لقد درست التصوير بكلية الفنون بالقاهرة، ولم تكتف بذلك بعد حصولها على البكالوريوس، أكملت دراستها في لندن، وحصلت على دبلوم عال عام 1975، وأقامت عدة معارض لها في ليبيا، وبقية دول الخليج، وحازت على عدة جوائز في معارض دولية، وحصلت على الميدالية الذهبية عن معرضها الخاص عام 1979.

شروق السلام :

وقد تركت حرب الخليج وتحرير الكويت آثارها الواضحة على العديد من الأعمال الفنية منها لوحة خلود القحطاني التى عبرت فيها عن السلام، والأمان الذي يظلل الكويت رغم مرورها بمحنة قاسية أثناء الغزو، وقد تمثل ذلك في الحمام الطائر فوق قصر السيف، وسمت لوحتها "شروق السلام على بلادي ".

ومن الفنانات الصاعدات بشرى الشمري التي رسمت لوحة "الشهيد" زيتية، رمزت للكويت بالعلم الذي التف حول الجسد. إن رأس الشهيد لا يظهر في اللوحة، ولكننا نحس بوجودها من خلال قطرات الدم المتناثرة فوق رمل الصحراء الممتد.

أما أحلام عبدالله المطوع التي درست بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم الدراسات الحرة، والتي شاركت في معارض جمعية الفنون التشكيلية الكويتية منذ عام 1983، فقد عبرت في لوحة "الديوانية" عن الجلسات الشعبية التي تضم أهالي الكويت في المساء، سواء كانت داخل البيوت أو الهواء الطلق والتي يطلق عليها مجالس شعبية مصغرة.

وتأسر براءة الأطفال نظرة الفنان دائما ولا يملك إلا أن يعبر عنها بريشته فما بالك إذا كان الفنان امرأة وإذا كانت الأمومة جزءا أساسيا من شخصيتها، لذلك فقد عبرت ريشة الكثير من الفنانات عن مراحل الطفولة المختلفة.

وفي الاتجاه نفسه رسم الفنان فهد حبيب ربة البيت، أو المرأة البدوية وهي تقوم بعملها خض اللبن في "قربة الماعز" وهي طريقة يستخدمها أهل الصحراء في البادية منذ القدم.

زوجة الدبلوماسي المخطوف

وتمثل ثريا البقصمي نموذجا خاصا في حركة الفن التشكيلي في الكويت. فهذه الفنانة التي تلقت تعليمها في روسيا وتأثرت بفن الواقعية الاشتراكية وانطلقت مبكرا خارج الحدود كي تقيم معارضها في الدول العربية والإفريقية تحمل مفردات البيئة الكويتية وتعبر عن وضعها كامرأة في مجتمع محافظ. هذه الفنانة تعرضت لمحنة أيام الغزو عندما أسرت قوات الاحتلال زوجها الدبلوماسي وأودع في أحد سجون البصرة وظل مفقودا حتى أفرج عنه بواسطة الصليب الأحمر، وقد عبرت الفنانة عن وحدتها وقلقها وليالي الانتظار الطويلة من خلال إحدى اللوحات التي تحمل يمل هذه المجاناة، وتقول إن هذه التجربة قد أثرت كثير على فنها ونظرتها للأمور.

لقد أثر الغزو الذي تعرضت له الكويت تأثيرا كبيرا على فناني الخليج بصفة عامة، وعلى فناني وفنانات الكويت بصفة خاصة.

الفنانة جميلة جوهر عبرت بلوحتها "المرابطة على الحدود"، وكذلك من أجمل اللوحات المعبرة عن هذه الفترة الحزينة في تاريخ الكويت لوحة للفنانة رائدة الفودري لشاب معصوب العينين قبل إعدامه على أيدي الطغاة، وقد أسمتها "آه يا كويت ".

الرجال يفضلونها فنانة

وتبقى العديد من الملاحظات الأخيرة، فقد لوحظ أن رواد هذه المعارض قليلون، وخاصة المعارض التي تقيمها المرأة، كذلك أماكن العرض. فهي قليلة ويتحكم فيها الوقت القصير المخصص لمدة إقامة المعرض، وغالبا ما يتحمل الفنان أو الفنانة المصاريف لحجز صالة العرض، وتكلفة طبع بطاقات دعوات الحضور. ولكن هناك إقبالا أكبر من جانب الرجل على مشاهدة معارض الفنانات، لعله يريد أن يعرف ماذا يجول بذهن المرأة التي تشغل جانبا مهما من حياته الاجتماعية، والطريف أيضا أن إقبال المرأة على معارض الرجال هو أكبر بكثير.

والملاحظة الثانية أن الواقعية هي الأسلوب الذي يغلب على الفن الكويتي، فهو لا يبتعد كثيرا عن مفردات البيئة المحيطة. وهناك شغف كبير في لوحات الفنانين بإبراز ملامح المرأة، خاصة تلك العيون السوداء الواسعة التي تحمل سحر الصحراء وغموضها. ولعل الاختفاء الطويل لوجه المرأة في الواقع جعل الفنان يستبدل الواقع الحي بواقع فني. لذلك فقد تخيل سحرتلك الوجوه بما فيها من ملامح سمراء.

أما المرأة فقد مرت ريشتها بأكثر من مرحلة عبرت فيها عن الطبيعة الصامتة التي تحيط بها بشكل محايد، ثم احتلت وجوه الأطفال جانبا مهما منها. ولكنها لم تجد الجرأة بعد على التعبير عن أحاسيسها الخاصة بالصراحة نفسها. إنها تحاول عن طريق اللون إعادة اكتشاف العوالم القديمة الرابضة في ذكرياتها من ناحية. ومن ناحية أخرى تقدم أحاسيسها المباشرة عن الأزمة التي مرت بوطنها. وبين ذلك تحاول أن تكتشف أساليب أكثر فنية وأكثر قدرة على التعبير. لقد بدأت المرأة، الفنانة مشوارها الصعب ولن تستكمل أدواتها الفنية إلا بعد أن تستكمل كل مقومات شخصيتها، فمتى يتم ذلك؟ هذا هو السؤال.

 

فاطمة منصور 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات