الرياضة والصحة

 الرياضة والصحة
        

أسئلة الصيف

         يبدأ شهر يونيو فتبدأ في معظم بقاع عالمنا العربي هواجس الصيف, فصيفنا العربي - على الأغلب - مكابدة للحر الذي يزداد كلما أوغلنا فيه, وبينما يتهيأ غيرنا في بلاد الشمال الباردة لبهجة الدفء ويخرجون لملاقاتها في الشوارع والحدائق وعلى الشواطـئ, ننسحـب نحن إلى ظلال بيوتنـا ونلوذ بالبرودة المصطنعة والنسـيم المختلق, ويفر البعض هاربين من ذلك كله إن استطاعوا, وسواء كان القرار بقاء أو فراراً, فهناك أسئلة للصيف تشغل الجميع, وتشغل هذا الباب, في هذا الشهر.

أيّ مقياس للحرارة نصدّق؟

         لفرط ما نعانيه من القيظ, نشكك كثيراً في معظم درجات الحرارة التي تعرض علينا, سواء في النشرات الجوية للإذاعة والتلفزيون أو على درجات مقاييس الحرارة العملاقة على واجهات بعض الأبنية العالية في بعض العواصم.

         وبغض النظر عن صدق أو كذب هذه الدرجات, فهي لا ينبغـي أن تكـون معياراً وحيداً لنقرر من خـلاله إذا ما كـانت حرارة الجـو محتـملة أو غير محتملة, فثـمة معـيار آخر ينبغي أن نعتمد عليه لتقرير موقفنا من حرارة الجو, هذا المعيار يسمّى: (الحرارة الظاهرية), وهي درجة الحـرارة بعد إعادة تقييـمها في ضوء نسبـة الرطوبة بالجو, فنحـن نعرف أننا نعاني أكثر من الحر عنـدما يكون مصحوباً برطوبة مرتفعة.

         وإضافة إلى معيار (الحرارة الظاهرية), ينبغي أن نأخذ في الحسبـان عمر الإنسان ومـدى ارتفاع مكانه عن سطح البحر, فخطورة الحرارة تزداد كلما كان الناس كباراً جداً أو صغاراً جداً, والارتفاع عن سطح البحر ينبغي ألاّ ينسينا أن الحاجة إلى الارتواء تزداد مع زيادة الارتفاع وفرط انخفاض الرطوبة, وعلينا ملاحظة أن التعرض المباشر لأشعة الشمس يزيد من (الحرارة الظاهرية) بما يقارب 15 ْ ف (درجة فهرنهيت).

         وبشكل عام, فإنه:

         1) عندما تكون الحرارة الظاهرية أقل من 90 ْف (حوالي 30 ْم): استمتع بوقتك خارج البيت وفي الهواء الطلق.

         2) عندما تصير درجة الحرارة الظاهرية بين 91 ْف-104 ْف (حوالي 32-39 ْم): اخرج مع الاحتياط لتأثرات الحرارة.

         3) عنـدما تزيد درجة الحرارة عن 130 ْف (أعلى من 50 ْم): لا تخـرج لممارسة أي نشاط في جو مفتوح.

هل نتوقف عن رياضة المشي؟

         المشي إلى جانب كونه أداء طبيعياً ضمن وظائف الجسد البشري, فهو وسيلة عظمى للياقة ودعم الصحة, لهذا يؤرق هواة رياضة المشي في بلداننا العربية - الحارة منها خاصة - مجيء الصيف. ولقد طرح سؤال المشي والصيف على مختصين عالميين عدة, منهم (توني شتاين) خبير رياضات المشي على سواحل ريدنجتون, فقال: (لو خيّرت بين 40  أو 90 ْف كدرجة حرارة للجو على مدار العام لاخترت الدرجة الأعلى).

         وفي الاتجاه نفسه, قال مدرب المشي (إلاين وارد) من كاليفورنيا: (الشمس تجعل المفاصل تبتهج, فعلى الرغم من بعض التهاب المفاصل يصبح مدّ مفاصلي وثنيها أيسر وأشعر بانطلاق أطرافي). أما (كازي مايرز) مؤلفة العديد من الكتب عن رياضة المشي فقالت: (في حر الصيف, يمكن أن تتخيل نفسك لن تمشي بعيداً ولن تسرع في مشيك, لكن بالتجربة وبعد قطع الميل الأول في بعض المسابقات الودّية, وجد البعض أنفسهم يكملون المسافة كما لو كانوا في طقس بارد), وفي ملاحظة مهمة يقول (مارتن رودوي) أحد منظري رياضة المشي العالميين: (في الصيف من اليسير أن تجد مكاناً جافاً وظليلاً لتنهي فيه جولة المشي بتمارين الاسترخاء لحفظ مرونة العضلات ومنع الإصابات, على عكس الشتاء الذي يصعب فيه الرقاد على حشية تمارين مثلجة), وهذه ملحوظة مهمة للغاية في رياضة المشي الذي ينبغي أن يبدأ بالتدريج من (التسخين) الخفيف, ثم المشي السريع, وأخيراً التمهّل وتمارين الاسترخاء والمرونة التي غايتها منع الإصابة بالتمزّقات والتقلصات العضلية.

         ثمة فوارق مؤكدة بين حديث هؤلاء عن الصيف لديهم وإدراكنا للصيف لدينا, لكن الملاحظات مع ذلك لا تخلو من عناصر مشتركة, ومنها ما توصي به (ماجي سبيلز) المحررة المتخصصة في الكتابة عن رياضة المشي, والتي تعطينا توجيهات عدة لجعل هذه الرياضة مستمرة المتعة والفائدة برغم حرارة الصيف, نوجز منها:

         1) اعتمد قبعة ذات حواف عريضة, ومع اشتداد حرارة الشمس يمكن أن تبللها بماء بارد ثم ترتديها مع بدء جولتك.

         2) ارتد ملابس خفيفة لتمتص العرق وتجعله يتبخّر فيعطي جسدك تبريداً طبيعياً, ولا تنس وضع (الكريم) الواقي من حروق الشمس تحت (التي شيرت) لأن النسيج الخفيف غالباً لا يمنع تسلل الأشعة فوق البنفسجية الضارة إلى جلدك.

         3) لا تنس أخذ (مطارة) الماء البارد معك لتتزود بالماء قبل وأثناء وبعد الجولة في جرعات صغيرة متواترة تقيك التعرض للجفاف.

         4) البس حذاء خفيفاً جيد التهوية وجوارب قطنية لحفظ القدم جافة, ويحسن أن يكون هناك زوجان من الأحذية لارتداء أحدهما ثم تركه يوماً كاملاً ليجف فيما ترتدي الثاني, وهكذا, لوقاية القدم من الإصابة بالنفاطات (الفقاقيع المائية المؤلمة) والفطريات.

         5) قلل الاحتكاك في الثنايا باستخدام (الكريمات) المناسبة التي لا تلوّن الجلد والثياب مثل اللانولين وأكسيد الزنك والبنزوكايين.

         6) ارتد نظارة شمسية مناسبة.

         7) الصباح الباكر والمساء هما وقتان ملائمان لرياضة المشي في الصيف لتحاشي التعرض لأشعة الشمس المباشرة وحرارتها المرتفعة.

ماذا عن ضربة الشمس؟

         في واقع الحال, توجد أربع ضربات للشمس لا ضربة واحدة, ونوجز أسباب وأعراض وتدبير كل منها فيما يلي:

         1) الغشية الحرارية: وتتأتى من بذل مجهود عضلي كبير في جو حار لأكثر من ساعتين, وفيها يصير الإنسان في شبه غيبوبة مع عرق غزير وجلد بارد ونبض بطيء, ويضعف الضغط وينخفض (أقل من 100 مم زئبق).

         وفي هذه الحالة, ينبغي نقل المريض إلى مكان بارد وجيّد التهوية وإعطائه مياهاً باردة للشرب, وقد تتطلب الحالة تدخّلاً طبياً لإعطاء محاليل ملحية بالوريد.

         2) التشنج العضلي الحراري: ويحدث نتيجة فقد الكثير من الملح (كلوريد الصوديوم) بالتعرّق الغزير, وفيه تنتاب بعض العضلات انقباضات مؤلمة وأحياناً تقلصات تستمر لبضع دقائق.

         وتتدبر الحالة بنقل المصاب إلى مكان بارد وإعطائه محلولاً ملحياً بالفم بتركيز 4 ملاعق كبيرة لكل جالون من الماء.

         3) الإنهاك الحراري: وهو ناتج أيضاً عن نقص الملح, وفيه تنخفض حرارة الجسم الداخلية مع تسارع النبض, إضافة لأعراض الغشية الحرارية والتشنج العضلي الحراري معاً.

         وتتدبر الحالة بالإجراء الإسعافي الأول كما في السابق, أي النقل إلى مكان بارد مع إعطاء محلول ملحي للتعويض وربما احتاج إلى محلول ملحي بالوريد.

         4) السكتة الحرارية: وهي حالة خطرة تحدث نتيجة تعطّل آليات التوزيع الحراري في الجسم نتيجة تعرض مفرط لحر شديد (حتى لو كان في الظل) يربك مركز التنظيم الحراري في المخ, وفيها: يصير الجلد محمراً ساخناً وجافاً, وتقفز الحرارة إلى 41 ْم ويزيد النبـض علـى 160, ومعـدل التنفـس 20-30/الدقيقة (لكليهما), وتتضيق حدقة العين في البداية (ثم تتوسع في المرحلة المتأخرة والأكثر خطورة), ويكون الضغط مرتفعاً في البداية, ثم يهوي بعد ذلك. تضعف المنعكسات العصبية ويحدث القيء الدافق والاختلاجات العامة كعلامتين شديدتي الخطر.

         والإجراء الإسعافي يتطلب غمراً في ماء مثلج وتغطية المصاب ببطانية منقوعة في ماء بارد مع استمرار عملية التبريد هذه حتى تهبط الحرارة إلى 39م فما دونها.

         والحالة تحتاج إلى تدخل طبي سريع حتى يتم تدبّر المضاعفات كالنزف وهبوط التنفس والفشل الكلوي أو الكبدي واضطراب نظم القلب.

         وكإجراء وقائي, يقطع الطريق على حدوث أي شكل من أشكال (ضربة الشمس) سالفة الذكر, ينبغي التنبّه إلى أنه عند الشعور بصداع, غثيان ووهن مفاجئ, في جو حار, فيجب التوقف فوراً عن أداء أي أنشطة أو تمارين في مكان مفتوح والانتقال إلى مكان بارد وشرب سوائل باردة مع الاسترخاء وتقليل الحركة قدر الإمكان حتى تتحسن الحالة.

كيف نتحاشى الجفاف؟

         إن أخطر الآثار السلبية لفرط التعرّق في حر الصيف هو الإصابة بالجفاف, وصحيح أن الركض أو عمل تمارين التهوية (إيروبيك) في يوم حار يمكن أن يتسبّبا في فقدان الجسم لعدة لترات من السوائل يومياً تقرّبنا من حد الخطر إذا لم نعوّضها, إلا أن نشاطات أقل عنفاً مثل رياضة المشي, يمكن أن توصلنا لذلك إن لم نؤدها بحذر, وفي الأوقات المناسبة.

         يشكل الماء 70 % من وزن أجسامنا, وإذ هبطت النسبة عن 60%, فإن خلايانا تعجز عن أداء وظائفها جيداً وندخل في الجفاف الذي تبدأ أعراضه ببعض الصداع والشحوب والإجهاد مع العطش, ثم تتطور إلى الدرجة الأشد التي تترافق بإمرار بول قاتم اللون مع تقلصات عضلية كثيرة وتنتهي بقصور القلب.

         بعض احتياجات أجسامنا من الماء نحصل عليها من الأطعمة التي نلتهمها, والبعض الآخر يأتي من السوائل التي نشربها ومن بينها الماء العادي. ونحن نفقد الماء على مدار الساعة, في عملية التنفس (الزفير), وإفراز البول, والتعرّق الذي يزداد إفرازه بزيادة النشاط العضلي الذي نؤديه خاصة في الجو الحار, وحتى لا نتعرض للإصابة بالجفاف ينبغي تعويض الماء الذي نفقده, وقد ثبت أنه لا يعوّض هذا الفقد للماء إلا شرب الماء أساساً, بل إن هناك سوائل يظنها البعض معوّضة عن فقد السوائل, بينما هي تزيد هذا الفقد لاحتوائها على مادة الكفائيين التي تعمل كمدر للبول ومنها الشاي والقهوة والكولا, ناهيك عن الكحول المحرّم شرعاً والمذموم ذوقاً.

         تقدر الكمية التي يحتاج إليها الجسم لتعويض ما يفقده من ماء يومياً بحوالي نصف الى ثلاثة أرباع جالون من الماء. وتوجد مياه مستوردة مدعمة بالأملاح في بعض الأسواق لتعويض المفقود من الملح في حر الصيف, لكن لا ينصح باستخدامها إلا في رياضات المسافات الطويلة كالماراثون, والعدو لأكثر من 6.2 أميال, وركوب الدراجات لأكثر من 20 ميلاً, ومن المعروف في الطب الرياضي أن العدّائين هم أكثر الرياضيين عرضة للإصابة بالجفاف لأنهم يصابون كثيراً بالإسهال خاصة إذا كانوا يعتمدون في طعامهم على وجبات غنية بالألياف, ومن ثم يفقدون الكثير من سوائل أجسادهم عبر القولون إضافة لما يفقدونه عبر جلودهم من عرق.

         الرياضة المعتدلة في جو حار, كرياضة المشي, وفي الأطر السابق تحديدها, لا تحتاج إلى هذه المياه المستوردة لتعويض الملح - إضافة للماء - خاصة أن هذه المياه المدعمة تضيف مشكلة غير مرغوب فيها هي إعطاء شاربيها حفنة من السعرات الحرارية هم غالباً في غنى عنها, إذ يرجّح أن تكون ممارستهم لرياضة المشي هادفة إلى تقليل أوزانهم أو الحفاظ عليها. وللوقاية من الجفاف في حالة ممارسة الرياضة المعتدلة والتي يمتد المشي فيها إلى أكثر من ساعة في جو حار, فيكفي شرب كوب من الماء كل 10-20 دقيقة, وتُزاد الكمية كلما ازدادت نسبة الرطوبة في الهواء, ومع الارتفاعات, ومع بعض العقاقير كمدرات البول ومضادات الهيستامين (أدوية الحساسية) ومضادات الاكتئاب.

تدابير بلا عقاقير
طفح الحرارة

         طفح جلدي ينتج من فرط التعرّق في حر الصيف, ويأخذ شكل حبيبات رفيعة وردية اللون تسبب ضيقاً نفسياً بمظهرها ومعاناة جسدية عند أقل احتكاك.

         تحذير قبل التدبير: يجب مراجعة الطبيب إذا (1) شمل الطفح معظم الجسم (2) ترافق الطفح بالحمى والإنهاك (3) لم تقل المعاناة برغم الانتقال إلى مكان بارد.

         العلاج بالطعام: ينصح بزيادة الحموض الدهنية الأساسية في الطعام, وهي موجودة في أسماك المناطق الباردة كالسلمون, وفي زيت الكتان (الزيت الحار), كما أنها متوافرة في الخضراوات ذات الأوراق العريضة الداكنة كالسبانخ.

         العلاج بالماء: تؤخذ حمامات عدة ذات مياه قلوية, بإضافة كوب من (صودا الخبيز) (بيكربونات الصوديوم) إلى مياه حوض (البانيو) أو ما يماثله شرط أن تكون دافئة (94 ْف) أي ما يقارب  35 ْم, ويغمر الجسد في هذه المياه لمدة نصف ساعة في كل مرة.

الرمادي للعيون أفضل

         النظارات الشمسية لم تعد مظهراً للوجاهة في الصيف, بقدر كونها حماية مهمة للبصر, فهي تعيق الإصابة بالسّاد أو إعتام عدسة العين (كاتاراكت), وتنكّس بقعة الشبكية, ولقد صرّح الدكتور جيفري ويفر مدير مركز العناية الإكلينيكية لرابطة البصريين الأمريكيين بسانت لويس في معرض إجابته عن سـؤال حول كيفية اختيار النظارة الشمسية المناسبة, فقال: إنها ينبغي أن تكون حائلة دون مرور 99% من الأشعة فوق البنفسجية, وأن تكون العدسات رمادية أو أقرب إلى اللون الرمادي, فالألوان الأخرى وإن كانت أكثر مناسبة من حيث المظهر, إلا أنها تشوّه ألوان الإشارات المرورية مما يضلل السائقين ويؤدي إلى وقوع الحوادث, وينبغي أن تكون العدسات كبيرة بما يكفي لتغطية محيط العين بحيث لا يتسرّب الضوء من الجوانب, وأن تحتوي على مادة الـ(بولي كاربونات) المانعة لتشتت الضوء, ومع كل هذه المواصفات التي ينبغي أن تكون واضحة في شهادة الضمان الملصقة أو المرفقة بكل نظارة, يشدد مدير مركز العناية الإكلينيكية بالعين على أنه لمزيد من العناية يحسن ارتداء قبعات بحواف تظلل العينين, أو السير في الأماكن الظليلة قدر الإمكان.

 

محمد المخزنجي   

 




باتخاذ الاحتياطيات الوقائية تستمر رياضة المشي برغم الحر





لا شيء يعوض ما نفقده من سوائل في الحر إلا ماء الشرب العادي





قبعة من قماش تظلل الرأس والعينين وسيلة بسيطة تقي من أذى الشمس





أزهار العباد تتوجه نحو الشمس التي نهرب منها في الصيف