سعد أردش ومجدي فرج

سعد أردش ومجدي فرج

  • ليس هناك مسرح خالد دون أن تكون القضية الاجتماعية هي الأساس فيه.
  • الدعوة إلى التأصيل واللجوء إلى عناصر التراث هي دعوة إيجابية.

ولد الفنان الكبير سعد أردش عام 1924، وتخرج في كلية الحقوق والمعهد العالي للفنون المسرحية، كما درس الإخراج بأكاديمية الفنون المسرحية بإيطاليا 1961، شارك في تأسيس المسرح الحر، ثم بعد ذلك أسس مسرح الجيب وكان أول مدير له. قام بالتدريس في معهد الفنون بالجزائر، كما عمل رئيسا لقسم التمثيل بمعهد الفنون المسرحية بالكويت. تولى رئاسة هيئة المسرح في مصر، وهو الآن رئيس قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون.

يتميز إبداع سعد أردش بالفهم النظري الدقيق، فضلا عن محاولاته الدائبة نحو التأسيس العلمي والمنهجي لفن الدراما. بهذا الفهم لقيمته الفنية والفكرية، فضلا عن دوره البارز في مسرحنا العربي، توجهت العربي إليه بهذه المجموعة من الإشكاليات الفكرية، بحثا عن تأسيس علمي اجتماعي لفن المسرح العربي المعاصر وقد أدار الحوار معه الناقد والمؤلف المسرحي مجدي فرج.

  • الوعي بالدراما هو بالضرورة وعي بالواقع الاجتماعي. كيف ترى إمكانات هذا الوعي الاجتماعى داخل حركة التاريخ تأثيرا وتأثرا؟

- إن الدراما تكتسب مشروعيتها وخلودها عندما تطرح للمناقشة القضايا الاجتماعية الرئيسية. والدليل على ذلك أن عشرات الآلاف من النصوص المسرحية قد سقطت من ذاكرة التاريخ، أما الباقي فلا يتعدى مئات النصوص على الأكثر، والسبب في ذلك ببساطة أن هذه النصوص المسرحية الخالدة قد ارتبطت بالقضية الاجتماعية وبالالتزام الاجتماعي.

إن المسرح هو المؤسسة الثقافية التي تشكل البرلمان الثقافي في المجتمع، والذي لا تحده حدود ولا محاذير من القوانين واللوائح والعلاقات الإدارية، ذلك أنه مهرجان- أو برلمان- يتحقق الحوار فيه بين العرض المسرحي والجمهور في فراغ الصالة، وكلما كانت القضية الاجتماعية ساخنة كان هذا المهرجان ممتعا، وكانت النتائج أفضل.

  • يقف فن الدراما في منطقة متقدمة جدا،موازية للسلطة، تصويبا لأخطائها، أو تأكيدا على أفعالها الصحيحة داخل حركة التاريخ. كيف ترى العلاقة بين الدراما والسلطة من وجهة النظر المادية؟

تعرضت في إجابتي عن السؤال السابق للدراما في مواجهة المجتمع، وبلا شك فإن المجتمع هو الوجه الآخر للدراما، ولا تتحقق الظاهرة المسرحية إلا باكتمال هذين العنصرين، الدراما في صورة العرض المسرحي، والمجتمع في شكل الجمهور المتفرج في الصالة. وإذا كان العمل الدرامي إيجابيا فهو يدفع بالمجتمع إلى الأمام نحو أهداف العدالة والحرية والسلام والاستقرار والأمن. وغير ذلك، كما أنه يمكن أن يؤثر تأثيرا سلبيا إذا اتصف بالتفاهة مستهدفا بالدرجة الأولى محاورة الغرائز أو تقديم الضحكة اللاهية الخشنة أو تزجية وقت الفراغ.

على الجانب الآخر من القضية، فإن المجتمع، متمثلا في حركة الجماهير، يؤثر في الحركة النامية للدراما، فإذا ما قارنا الدراما الإغريقية أو دراما عصر النهضة بالدراما الحديثة فسنجد أن دراما عصرنا الحديث قد اكتسبت الكثير من تطور الحركة الاجتماعية ومتغيراتها سواء بالنسبة لتسارع الزمن، أو تشكل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أو بالنسبة إلى المبتكرات العلمية والتكنولوجية الحديثة.

وإذا أخذنا مثلا نص "بستان الكرز"، لـ "تشيكوف "، ونصا آخر لـ "يونيسكو" فسوف نجد فرقا شاسعا في البنية، في قطع الشخصيات، في الإطار الفكري العام، في توقع الكاتب لذكاء المتفرج وقدرته على التلقي، وكلاهما قد صيغ في عصر واحد تقريبا. فالدراما تتأثر بالحركة الاجتماعية والاقتصادية بالقدر نفسه الذي تؤثر به فيها.

والعلاقة بين الدراما والسلطة على مدى التاريخ علاقة قياسية، بمعنى أنها يمكن أن تكون ترمومترا، لديمقراطية السلطة، ومدى ثقتها بنفسها، ومدى اطمئنانها إلى أن الثقافة بوجه عام، والمسرح بوجه خاص، هما أداتان مهمتان، إلى جانب الاقتصاد والصناعة والتجارة والزراعة وسائر المؤسسات الأخرى، من أدوات تطوير المجتمع.

هذه العلاقة الترمومترية، أو الخط البياني، بين السلطة والدراما تكون على مدى التاريخ خطا متعرجا، تارة صاعدا، وأخرى هابطا، بحسب موقف السلطة من الدراما، لا بحسب موقف الدراما من السلطة.

بطبيعة الحال فإن موقف الدراما من السلطة يتخذ باستمرار موقف المكافح المصر الذي لا يستجيب ولا يستسلم للقهر، وما يهمني هنا هو موقف السلطة من الدراما. أحب أن أتوقف هنا عند علاقة السلطة بالدراما في الأرض العربية، لأن هذا ما يهمنا بشكل أساسي. إن السلطة تقف من الدراما موقف الخائف، وهذا الخوف نستطيع أن نبرر به حقائق كثيرة في تاريخ  المسرح العربي، أهمها:

أولا: أن المسرح العربي الرسمي ظل منذ منتصف القرن الماضي حتى الآن مجرد شعارات، أو إشارات عن وجود مسرح، ولم يزرع في الأرض العربية ولم يوضع على جدول المواطن العربي، بمعنى أن يتغلغل في مناهج التعليم وفي مقرراته، بداية بالتعليم العام، ويصبح خطا من خطوط التربية في المجتمع.

ثانيا: رغم تعاقب الأجيال في أقطار كثيرة في الوطن العربي، وإصرار رجال المسرح على تنمية المؤسسة المسرحية وإعطائها المزيد من حرية الحركة في مواجهة المجتمع والسلطة، فإننا نرى أن الرصيد المسرحي العربي، برغم التوسع الكمي والكيفي، أقل بكثير من مراحل نمو المجتمع العربي كما وكيفا.

نخلص من ذلك إلى أن العلاقة بين الدراما والسلطة العربية في كل أشكالها هي علاقة خوف وعدم ثقة، وقد آن الأوان لأن نطرح هذا الموضوع لمناقشة جادة وعادلة، وأن ننتهي إلى موقف متوازن ونتائج مشجعة للإبداع، حتى لا نفاجأ يوما ما بانقراض المسرح العربي.

  • انحسر البطل في الدراما الحديثة، كقناع أو ممثل لطبقة، وحلت مكانه فكرة المجموع، قد ينعدم عندهم ذلك النبل الإنساني الرفيع الذي كان يتميز به ذلك البطل (المثال). ما هي الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تهيىء لعودة هذا البطل المثال ليحتل مكانه الطبيعي مرة أخرى على خشبة المسرح وفي الواقع الاجتماعي على السواء؟

- ضمور شخصية البطل في المسرح من وجهة نظري هو نتيجة منطقية للحركة الاجتماعية المعاصرة. فبداية بعصر الصناعة، وأزمة ما بين الحربين، ثم الحرب العالمية الثانية وما ترتب عليها من أزمات طاحنة، سياسية واقتصادية واجتماعية في العالم كله، ثم ما تلا ذلك من ثورة علمية وتكنولوجية، كل هذه العوامل أدت إلى أن تنتقل الحركة من البطل الفرد المثال الزعيم في الواقع إلى التكتلات الاجتماعية.

يكفي أن نشير هنا إلى حركة الثورة الحديثة في العالم ابتداء من الثورة الماركسية في روسيا ومرورا بثورة سنة 1952 بمصر وما تلاها من ثورات. هذه الثورات لم تكن نتيجة لزعامة حزب ولا مجموعة من الأحزاب، بل كانت ردود فعل إيجابية لحركة اجتماعية واسعة، الطوائف، المهن، الطبقات، وكان من الطبيعي أن تنقل هذه الحركة أثرها إلى الدراما بحيث تحل الجماهير محل البطل الفرد. ومع ذلك فإني لا أعتقد أن دور البطل الفرد قد اختفى في الدراما كما اختفى في الواقع، فمازال دوره مؤثرا حتى في المسرح الجدلي "بريخت "، فنحن في هذا المسرح نرى بعض الشخصيات الفردية المقطوعة المنحوتة نحتا ممتازا، " أزدك " و" جروشا " في " د ائرة الطباشير القوقازية ". "شن تي شون تا" في "الإنسان الطيب من ستشوان "، هذه الشخصيات وإن لم يكونوا أبطالا فرديين، إنه هم شخصيات مثالية يعتبرها الكاتب مناط الموضوع الفكري الذي يطرحه، ومن هنا يمكن اعتبار أن هذه الشخصيات هي البديل للبطل التراجيدي وبطل الكوميديا بمعناها الكلاسيكي.

وقبل ذلك قدم لنا إبسن النوعيتين، "نورا" و"هيلمر"، في مسرحيته "بيت الدمية"، لا كبطلين، بل كنموذجين لحركة اجتماعية، داخل السياق الاجتماعي الذي يجمعهما، كما يقدم لنا في "سيد البنائين " بدايات ناضجة جدا لحركة الجماهير، حتى ولو لم يكن إبسن قد قارب ما يمكن أن نسميه بالتقدمية بالمعنى المعاصر، هذه بدايات نستطيع أن نرى نهاياتها في المسرح الحديث عند "بريخت ".

كذلك، قدم مسرح العبث مجموعة من الشخصيات المنضبطة والتى بنيت بإحكام فني معجز، كما يقدم "صموئيل بيكيت " في مسرحيته "في انتظار جودو" شخصيات رصينة، عندما تقترب منها وتضعها تحت ميكروسكوب التحليل والشرح والتفسير تحس أنها خلاصة حركة التاريخ، بماذا التاريخ من سياسة واقتصاد وصراع وطبقية وصعود وهبوط. هم ليسوا أبطالا بالمعنى الكلاسيكي، بل هم شخصيات ترتقي إلى مستوى الأفكار والمثال.

البطل والسقوط

  • ما هي رؤيتك للبطل المعاصر في حركته ومناوراته وتحالفاته وسقوطه (أو استشهاده) النهائي في ضوء الفلسفة الحديثة؟

- باعتبار أن المسرح مؤسسة اجتماعية تعكس الحركة الدائبة في المجتمع، فمن الطبيعي أن يسجل كاتب المسرح الحق والباطل معا، فيسجل للملتزمين التزامهم، مهما كانت القسوة والجبروت والاضطهاد الذي يعانونه في مواجهة السلطة، أو في مواجهة العداوات المشهرة في وجه المجتمع الإنساني، كما يسجل إلى جانب ذلك صورة المتسلقين والمنافقين. ونرى ذلك بوضوح في الكثير من المسرحيات المعا صرة " اوستروفسكي " في مسرحيته " البقمة "، "سارتر" في مسرحيته "نيكراسوف "، كما نلمح في مسرح "بريخت " الكثير من الشخصيات التي تلعب مهادنتها دورا سلبيا في تطور الحركة الاجتماعية، كذلك فإني لا أعتقد أن "ستريندبرج " قد وصل إلى درجة عالية من الوعي التقدمي في الصراع بين الشخصيات، غير أنه يقدم في مسرحيته "مس جوليا" شخصية الخادم محوطا بدرجة عالية من امتهان المتفرج، لأن هذا التطلع إلى الطبقة التي يخدمها، وهذا النفاق والمكر والخبث هو تأسيس الحقيقة لكل الشخصيات التي جاءت بعد ذلك سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاجتماعي أو الأسري التي سجلت هذا التزلف والتملق وأدانته إدانة كاملة. إن هذه الشخصيات بلا شك تعد انعكاسا للحركة الاجتماعية ذاتها.

في مسرحية "صلاح عبدالصبور" "بعد أن يموت الملك " هناك شخصيات تنافق الملك بأن توهمه أنه لايزال قادرا على العطاء، بينما يعلم هو علم اليقين أنه فاقد القدرة على العطاء، لأنه عاجز عن أن يهب الملكة الطفل الذي تتشوق إليه.

لقد غاص مسرح الخمسينيات والستينيات في هذا النوع من الشخصيات بالمقارنة بالشخصيات المحايدة أو الإيجابية، فيما يتصل بالالتزام قبل المجتمع، فنحن نرى في مسرح "سعد وهبة" و"نعمان عاشور" و"ألفريد فرج " و"يوسف إدريس ". و" لطفي الخولي " و"علي سالم " و"نبيل بدران " و"يسري الجندي " ومن تبعهم من الأجيال، نرى أن هناك مجموعات من الشخصيات التي تلتزم القضية الاجتماعية، ومجموعات أخرى محايدة تقف موقف المتفرج، ومجموعات ثالثة معادية للحركة الاجتماعية أو لتقدم المجتمع، تحقيقا لمصالحها الشخصية، وهذا بلا شك انعكاس دقيق وطبيعي للحركة الواقعية في المجتمع.

المسرح وقضية المفكر العربي

  • الظرف الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع العربي يتطلب نوعا جديدا وخلاقا من الدراما، لا تستهدف تطهير النفس كما عند "أرسطو" بقدر ما تطمح إلى مناقشة الواقع، أتصور مسرحا أقرب إلى مسرح القضية، تسجيليا أو وثائقيا. مارأيك؟

- القضية الأساسية في مسرحنا العربي هى قضية المفكر العربي، والفيلسوف العربي، والعالم العربي، والمثقف العربي، وقد أجمعت كل التقارير والكتابات والدراسات على أن المثقف العربي أجبر على ترك مكانه الريادي في المجتمع العربي لأسباب واضحة، قد يكون من بينها بالدرجة الأولى المتغير الاقتصادي الذي أعطى للمادة بالمعنى الاقتصادي دور الريادة في الحركة الاجتماعية.

أوافق على ما أجمعت عليه هذه الدراسات والكتابات، وذلك يظل المثقف العربي والفيلسوف العربي والعالم العربي يتحملون المسئولية برغم الأقدارالقاهرة التي دفعت بهم إلى سفح الهرم الاجتماعي، سواء تسمت هذه الأقدار بالسلطة أوالنظام السياسي أو أيادي الاستعمار الخبيث التي تلعب في الخفاء أو الاقتصاد (الطاعون) المتفشي في العالم العربي.

القضية إذن ليست قضية الشكل المسرحي أوالبنية المسرحية التي نحلم بها للتحاور مع الواقع العربي المطروح ،بل إن المأساة هي الواقع العربي ذاته، فهو يعاني فراغا فكريا وفلسفيا وعلميا نتيجة انحدار الطبقة المثقفة من مكان الريادة إلى سفح الهرم. وعلى هؤلاء المثقفين أو "الانتلجنسيا" أن يبحثوا عن وسيلة للتجمع مرة أخرى لحماية هذا المجتمع من المزيد من الانهيار.

وبالطبع فإن مصير المسرح العربي مرتبط بهذه المعجزة.

التراث على المسرح

  • التجارب التى حاولت إحياء الفورمات الشعبية التراثية: السامر، المحبظين، مسرحة مقامات الحريري والهمذاني، ما رأيك في فكرة استخدام التراث على المسرح وهل نجحت؟

- لا شك أن الدعوة إلى التأصيل واللجوء إلى عناصر التراث سواء كان أدبيا أو تاريخيا أو شعبيا أو حتى أسطوريا هى دعوة إيجابية وأن العمل بها أفاد كثيرا في تطوير المسرح العربي، ودفعه بعيدا عن العقلية الغربية التي قام عليها المسرح العربي الرسمي المعاصر.

كما أن الدعوة التي طرحها "يوسف إدريس " وكثيرون غيره من رجال المسرح ومنظريه في الوطن العربي كله، أدت إلى نوع من التهجين أسلم إلينا ثروة كبيرة جدا من الدراما العربية، وهذا في حد ذاته شيء جيد، ويجب أن نثابر عليه.

ولكن هذه الحركة لم تكن في وقتها المناسب، كانت متقدمة عن زمنها، وكان من الواجب قبل طرح هذه الدعوة القيام بدراسة واقع المسرح العربي، والبحث في مقوماته الأساسية وهل الاستجابة لهذه الدعوة كانت تحتاج إلى إعادة التفكير في البنية الأساسية، للمسرح العربي بشكل كامل؟ نعم، وتبقى المكاسب التي حققتها حركة التأصيل جيدة وتقدم عناصر إيجابية لمستقبل حركة مسرحية عربية.

أزمة المسرح العربي

  • سيطرة القطاع الخاص على الاقتصاد تعنى عندي بالضرورة انتشار القطاع الخاص وانحسار مسرح الدولة. ما هي الأسس الفكرية والتطبيقية التى يمكن أن يعود بها مسرح الدولة إلى إنجازه الرفيع مرة أخرى على نحو ما كان في الستينيات؟

- دعني أجبك بشيء من التفصيل، إن البنية الأساسية لمسرح الدولة في مصر أصبحت متخلفة جدا بالنظر إلى الواقع الاجتماعي، ولقد وضعت جذور هذه البنية سنة 1935، ودخل عليها الكثير من التطوير الكمي والكيفي، والاقتصادي والبشري والمعماري في الخمسينيات والستينيات بفضل وزيرنا العظيم ثروت عكاشة. وإذا قمنا بدراسة مقارنة بين واقع المسرح المصري من عام 1935 حتى عام 1970، وهذا الواقع الآن 1993 فسوف نجد الهوة واسعة جدا، سواء بالنسبة لتعداد السكان (58 مليونا)، أو بالنسبة للوظيفة الثقافية التنموية التنويرية للمسرح.

من هنا فأنا من الداعين إلى إعادة النظر بشكل كامل فى البنية الأساسية لمسرح الدولة، بمعنى تحديد الهدف أولا، ماذا نريد من هذا المسرح؟ هل نريد تنمية حقيقية؟ أي أن يساهم في التنمية الاقتصادية والحضارية والثقافية. وغيرها؟ إذا كان كذلك فلابد أن نعيد النظر في هذا الدعم بحيث يتناسب هذا الهدف، هذا أولا، وثانيا يجب أن يتناسب هذا الدعم كذلك مع التعداد الرهيب لسكان مصر.

لابد من إعادة النظر كذلك في العمارة المسرحية، لأن المسارح الموجودة تشكل نسبة ضئيلة جدا إذا قورنت بمساحة مصر الجغرافية والعمق التاريخي وعدد السكان.

كما أنه من الواجب أيضا إعادة النظر في البنية البشرية، بمعنى أننا كنا على صواب حين أخذنا بمبدأ توظيف الفنانين من 1953 حتى 1970، أما اليوم فإن الكثير من القيم قد تغيرت، وحتى المسارح القومية في العالم لا تأخذ بمبدأ توظيف الطقم الكامل في المسرح. هناك مسارح قومية تقوم بتوظيف الإدارة والمال فقط، وتقوم بإنجاز الريبرتوار بالتعاقدات ، وبعض المسارح القومية الأخرى مثل "الكوميدي فرانسيز" تجمع بين الحسنيين، أي تقوم بتوظيف مجموعة من الرواد، وتكمل الريبرتوار بمجموعة من أجيال الفنانين الصاعدين بتعاقدات مجزية.

بقدر أهمية الهدف وإخلاصنا وصدقنا في التوجه إلى التنمية والتنوير، وبقدر إيماننا بأن المسرح والثقافة بوجه عام هما الرغيف المعنوي اللازم والجوهري بجانب الرغيف المادي، بقدر هذا الإيمان يجب على أجهزة الدولة أن تقوم بدورها في استنهاض الثقافة والمسرح، وعلى وجه الخصوص جهاز التعليم، بمعنى أن المسرح والفنون عامة لابد أن توضع على مناهج ومقررات التعليم بداية بالحضانة فالمرحلة الابتدائية، بحيث نضمن في المستقبل مواطنا متعلما فاهما لقيمة الاقتصاد والقرش، بالإضافة إلى قيمة الإبداع والجمال والثقافة، يسير في الطريقين معا في تواز خلاق حتى لا يتحول إلى حيوان مستهلك.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




سعد أردش





مجدي فرج





لقطة لإحدى المسرحيات الكويتية





لطفي الخولي





علي سالم