المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية
        

  • اتفاقية: قبل انطلاق مهرجان «ربيع الشعر العربي»
    مؤسسة جائزة البابطين توقّع اتفاقية تفاهم مع مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات

          عقدت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بالكويت دورتها الرابعة لمهرجان «ربيع الشعر العربي» تحت عنوان «ملتقى أحمد السقاف وغازي القصيبي» وذلك خلال الفترة من 21 - 23 مارس 2011، وافتتحه رئيس مجلس الأمة جاسم محمد الخرافي، الذي أكد على الدور الريادي الذي تقوم به مؤسسة البابطين في إبراز الشعر العربي، منوها بالجهود الكبيرة التي يقوم بها الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، وهو الأمر الذي يعكس وجه الكويت الحضاري أمام العالم أجمع.

          وقال رئيس مجلس أمناء المؤسسة خلال حفل الافتتاح إن المؤسسة تحتفل بمهرجان «ربيع الشعر العربي الرابع» تماشيا مع ما قررته الأمم المتحدة أن يكون 21 مارس من كل عام يوما للشعر العالمي ولفت إلى أن المؤسسة بدأت مهرجاناتها منذ العام 2008 وتحتفي هذا العام بعلمين شعريين عربيين هما: د. غازي القصيبي وأحمد السقاف، حيث تم تخصيص ندوتين عن إبداعاتهما وإصدار كتاب عن كل منهما.

          وقبل انطلاق فعاليات اليوم الأول لمهرجان «ربيع الشعر العربي» وُقعت اتفاقية تفاهم بين مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري ومكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات والذي يمثله السيد جورج سامبايو (الرئيس السابق للبرتغال).

          وانطلقت مذكرة التفاهم من إدراك الطرفين للحاجة إلى بناء جسور بين الثقافات والمجتمعات عن طريق الحوار، وجاء فيها أن العولمة ساعدت على التقريب والجمع بين مختلف الأفراد والمجتمعات، وأن التحدي يكمن في طريقة إدارة العلاقات بين هذه الثقافات المختلفة. وأشار البابطين إلى أن المؤسسة تهدف إلى تعزيز نشاطاتها في مجال حوار الثقافات حول العالم من خلال تأمين الاستشارات والخبراء والدعم المادي للمبادرات التي تخدم حوار الحضارات.

          وأشارت الاتفاقية إلى أن مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات يهدف إلى تسهيل الاتصال والحوار بين مؤسسات المجتمع المدني من أجل تحسين علاقات التعاون بين الأمم والشعوب عبر الثقافات والأديان.

          واتفق الطرفان على أن يبلغ كل طرف الطرف الآخر بنشاطاته من أجل تحقيق الأهداف والحفاظ على التواصل لتحديد الاهتمامات المشتركة وتطبيقها، كما يتاح للطرفين التعاون مع شركاء آخرين بما في ذلك المنظمات الدولية والإقليمية والهيئات العامة ومؤسسات المجتمع المدني من أجل إقامة برامج ومشاريع تصبُّ في مصلحة حوار الحضارات. ونصت المذكرة على أن هذا التعاون يهدف إلى إضافة قيمة جديدة وبذل أقصى جهد ممكن لاستخدام الموارد المتاحة لإنجاح المسعى في حوار الحضارات.

          واتفق الطرفان على نشر النشاطات المتعلقة بالأهداف والأولويات المشار إليها بمذكرة التفاهم على مستويات مختلفة، بما في ذلك المدارس والجامعات واللقاءات مع الهيئات على المستوى المحلي والريفي والإقليمي.. الخ.

          ومن جانبها تقدم المؤسسة الدعم لتحقيق الأهداف المتفق عليها، بينما يرعى مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات أسبوعا واحدًا سنويًا من خلال مشاركة شبان (حتى عمر 30 سنة) من مختلف المناطق والعرقيات والثقافات والأديان والخلفيات والطبقات الاجتماعية والاهتمامات، مع دعم النشاطات اللاحقة لشبكة خريجي المدارس الصيفية التابعة للأمم المتحدة لتحالف الحضارات بهدف تعزيز الحوار بين مختلف الأديان والتعاون على المستوى المحلي.

          كما اتفق الطرفان على خدمة وتهيئة برامج أساسية لتعزيز القيم والأولويات للأمم المتحدة لتحالف الحضارات في الكويت ومنطقة الخليج، وتنظيم محاضرات من خلال خبراء وعلماء دين من أجل تعزيز التسامح والوقوف في وجه التطرف ضمن الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان (الأسبوع الأول من فبراير).

          وأكد الطرفان على ضرورة دعم إقامة دورات للغة العربية من أجل الحوار بين الحضارات لفهم أفضل للثقافة والحضارة الإسلامية كجزء من استراتيجية مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات في المتوسط، في لشبونة، ودعم تنظيم مناظرة عالمية بعنوان «أصوات الإسلام» في عام 2013 من قبل مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات.

          ونصت مذكرة التفاهم على دعم ترجمة الأوراق التابعة للأمم المتحدة لتحالف الحضارات أو الأعمال التي تتعلق بحوار الحضارات بالتعاون مع مركز البابطين للترجمة.

          وقد أعلنت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري موافقتها على جميع بنود الاتفاقية شريطة ألا يتعارض أي منها مع سياسة دولة الكويت واستراتيجيتها.

          وعقب توقيع الاتفاقية أكد رئيس جمهورية البرتغال السابق والممثل الأعلى للأمين العام للأمم المتحدة لتحالف الحضارات جورج سامبايو أهمية الحوار في حياة الشعوب، مشيرا إلى أن التبادل الثقافي يسهم في تعميق أواصر العلاقات بين البلدان، متمنيا امتداد هذا الاتفاق ليشمل المجالات كافة، مضيفا أن مؤسسة البابطين لها إسهامات ثقافية وإنسانية مدت جسور التعاون، قائلا: «يسعى مكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات إلى التعاون مع المؤسسات التي تهدف إلى تعزيز نشاطها الثقافي والحضاري على المستويين العالمي والقاري، كما أن ثمة إيجابيات كثيرة تتجسد في تأصيل لغة الحوار، في مقدمتها تطوير العلاقات الثنائية وكذلك نشر الثقافات المختلفة».

          وكان رئيس مجلس النواب في جمهورية مالطا مايكل فريندو ضمن شهود تلك الاتفاقية التي وقعت بين مؤسسة البابطين ومكتب الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، وقد ثمَّن النتائج الإيجابية للمشاريع التي تقيمها مؤسسة البابطين، وأشار إلى أن حكومة مالطا تبرعت بمبنى خاص لهذه المؤسسة الثقافية، سيتم فيه تنظيم الدورات الخاصة باللغة العربية وأبحاثها، وكذلك الندوات المتعلقة بحوار الحضارات.

          من جانبه، أوضح البابطين اهتمام الأمم المتحدة بالنشاط الثقافي في الكويت، مؤكدا أن مؤسسته تدعو إلى التعايش بين البلدان ونبذ الكراهية، وتعميم السلام العادل، مبينا أن المؤسسة استطاعت إثبات أنها وصلت إلى العالمية من خلال بلوغها هذه المكانة الدولية المرموقة.

          ثم انطلقت فعاليات مهرجان «ربيع الشعر العربي» بافتتاح معرض أعمال وصور للشاعرين الراحلين د. غازي القصيبي وأحمد السقاف، وما قدمته مؤسسة البابطين من إصداراتها للشاعرين، وأعقب ذلك أمسية شعرية شارك فيها مجموعة من الشعراء، وقرئت فيها قصائد للشاعرين القصيبي والسقاف اللذين عقدت عنهما جلستان صباحيتان في أيام «ربيع الشعر العربي»، كما عقدت أمسيتان شعريتان أخريان بمشاركة شعراء من الكويت ومن بعض الدول العربية.

أحمد فضل شبلول - الكويت

  • احتفال: ملتقى السويداء الدولي للنحت:الصخر يحكي والبازلت ينبض بالحياة

          فاحت رائحة البازلت البركاني من تحت ضربات مطارق كوكبة من الفنانين  في ملتقى السويداء الدولي الثالث، على مدى شهر، مبشرة بميلاد حالات من الجمال ستعبر بوابة هذا الملتقى إلى حيث الحياة، لتعيش جيلا بعد جيل، ومع صبيحة اليوم الأول من عمر الملتقى بدأت العلاقة تنضفر بين هذه الخامة النوعية من الحجر وحشد من مهارات وثقافات إبداعية تلونت بمنابت النحاتين وتنوعت بتنوع مشاربهم، لتعلن في اليوم الثلاثين عن ولادة تسع عشرة تحفة فنية رائعة يفخر بها أبناء السويداء وتتمتع بها كل عين عابرة تراها، وكانت نتيجة حتمية لفترة إعداد مضنية ودؤوبة واختيار دقيق للفنانين المشاركين والعاملين معهم.

          وحظي الملتقى بالكثير من الاهتمام في الأوساط الفنية والإعلامية، ونال شهادات مشرفة من فنانين كبار، منهم الفنان الكبيرالنحات سامي محمد الذي رفرف علم الكويت فوق هضبة سيع تكريما له، وآدم حنين النحات المصري الكبير وصاحب أكبر مشروع فني في الدول العربية وهو ملتقى «أسوان الدولي» الذي يستعد لدورته الخامسة عشرة، والفنان الأردني خلدون الداوود الذي اعتبر نفسه من أكبر المهتمين بهذا الملتقى، مؤكدا أنه تجربة مميزة تستحق الدعم والاستمرار، إضافة إلى عدد من الفنانين السوريين الذين تلمسوا ولادته النوعية، فقد وصفه عميد كلية الفنون الجميلة بدمشق النحات والناقد د.محمود شاهين قائلًا: لقد رأيت الحجر ينبض، فيما قال عميد كلية الفنون الجميلة في السويداء د.عبدالكريم فرج: أنتج هذا الملتقى أعمالا جميلة تجاوز الكثير منها حالة الملتقيات إلى حالة أكثر عمقا وأكثر حرفية، لدرجة أنها تجاوزت التجريب، نحو حالات بحثية وأكاديمية فحقق بذلك نتائج يعول عليها الكثير.

          فؤاد أبو عساف - أو وحش البازلت كما تطيب لي تسميته - وبصفته المدير الفني قال: نحن مصرون على الاستمرار والعطاء، فنحن من محافظة لها بصمة تشكيلية بارزة ومميزة، ولابد أن نكمل رسالتنا في تأكيد كفاءاتنا العالية في تقديم منتج رائع يرفع من مستوى الوعي التشكيلي والثقافي عبر رفع أفق التجارب الفنية وتحسين الذائقة البصرية.

          أما مدير عام الملتقى سميح العوام، مدير دار العوام المنظمة للملتقى، فأكد أنها خطوة كبيرة إلى الأمام، في مجال العمل التطوعي والحراك الأهلي الذي تقتضيه مواكبة عملية البناء والتنمية التي تشهدها سورية، وهو حالة إيجابية جدا على صعيد العلاقة مع الجهات الرسمية.  ومن فوق تلك الهضبة المتصدرة صحن الطبيعة الساحرة، حيث تتداخل كروم العنب وبساتين التفاح وحراج البلوط مع التلال والمنحدرات، تطل المشغولات على صفحة مدينة السويداء الوديعة، ممهورة بتواقيع الفنانين، ومنهم الفنانون السوريون:

          - عادل خضر الذي يطرح دعوة لحماية الحياة، في مسلة يتربع على قمتها طير يشبه الحمامة، يخترق وسطه مربع يرمز إلى حالة التطويق، مشغول برمز من رموز الولادة والتجدد وهو البيضة.

          - إبراهيم عواد الذي قدم في عمله دعوة لحماية الإنسان، فانطلقت يداه مسلطة أزاميله نحو كتلة صخرية كبيرة، ليتمخض عنها وجه متصدع اتضحت معالمه من جانب، وغاب معظمها من الجانب الثاني، فيما ظهر ما تبقى منها مجعدا، ليرمز إلى الآثار التي تتركها التقنيات على الحياة وتفاصيلها وبالتالي على الإنسان.

          - وتذهب نجود الشومري في عملها لتسكب حرارة مطارقها على قصة الخلق، من خلال شكل تجريدي لآدم وحواء، وهما في حالة تقابل، تتوسط فراغا جعلته الفنانة بين الاثنين تفاحة متقنة التنفيذ معلقة بينهما بتوازن مطلق، توحي بأنه لم يعرف من الذي امتلكها.

          - وأطلق الفنان سعد شوقي على عمله اسم «زنوبيا من تدمر إلى السويداء»، وراح يتغنى ببطولات زنوبيا، ويربط آثار مدينة تدمر بآثار مدينة السويداء من خلال الوجه الملكي الذي يتوسط العمل وآثار تدمر على الجانب الأيمن، وعلى الجانب الأيسر رمز للسويداء.

          - ويركز غازي عانا في عمله التجريدي على مجموعة علاقات تحددها خطوط وسطوح تخلق حالة من تناغم كثيف بين الحجوم والفراغ الذي يحتضنها.

          - ويختار صفوان شرف الدين حالة بصرية جمالية فيقوم ببناء علاقة وطيدة بين الكتلة والفراغ، حيث تذهب في تشكيل يتوجب على عين الناظر استكمال جماليته.

          - أما مصطفى علي فاعتمد كتلة لوجه بشري مسطح الملامح، تاركًا للمشهد البصري أن يحقق انعكاساته على المشاهد ليسوقه إلى حالة تأمل أكثر عمقًا.

          ويغادر مسعد رضوان وهو شيخ المشاركين من حيث السن، المكان إلى بلاد الرافدين وترك عمله المستوحى من شريعة حمورابي، التي تأخذ بمبدأ العين بالعين والسن بالسن، مدوّنا على أسفل العمل عبارة «والبادئ أظلم»، في تأكيد تقريري على مبدأ عقاب الظالم أو المفتري.

          بينما اختار كمال أبوسعدي لعمله التجريدي شكل متوازي المستطيلات، جعل على سطوحه غابة من الالتواءات والانحناءات التي أجاد تنفيذها وأراد من خلالها أن يجعله شبيها بالطبيعة.

          وأعطى وائل دهان لعمله بعدًا فلسفيًا وأطلق عليه اسم: «رجل تحول إلى ريح» وهوعمل تجريدي حمل بعض الخطوط المتوازية حينًا وغير المتوازية حينًا آخر، لتتشابه مع الأخاديد التي يتركها الزمن على الجسد، فيتحول الإنسان بعدها إلى ذرات ثم إلى ريح.           

          - أما إياد دوارة فأطلق العنان ليديه، لتعيشا حالة انسجام مطلق مع فكرته، فيتحفنا بعمل يمثل جسدًا أنثويًا جالسًا على مقعد ويرتفع إلى السماء بشكل تعبيري مبسط وجميل.

          ومن تركيا جاءت سونغل تاليك، ويحكي عملها قصة الصراع الأبدي بين البشر والسلطات بمختلف صنوفها وقد جعلت الفنانة السلطات على هيئة أشكال حادة مكعبة قاسية من الجانبين، ويتوسط العمل البشر الذين وضعوا بأشكال دائرية وانسيابية كدلالة على الليونة والمرونة. وجاء عمل فالنتينا دوسافيتسكايا من روسيا في شكل متطاول لوجه أنثوي ينظر إلى السماء في رمز إلى الرغبة الدائمة في التحليق والارتقاء دون الاكتراث لعلاقة الإنسان بالمادة، حيث تتراجع حالات السمو إلى مستويات دنيا.

          أما الفلسطيني زكي سلام - وهو فنان هاجرت أسرته مع مَن هربوا من بطش العدو في 1948 واستقرت في السويداء لعامين، واحتضنها الأهالي حينها بمحبة، مما ترك أثرًا لم ينسه المهجرون من وطنهم فشكّل عمله أسرة مكونة من أب وأم وولد في زي فلسطيني، وهم في حالة عناق مع انحناءة تدل على العاطفة الداخلية لهذه الأسرة في إشارة واضحة للوحدة والمصير.

          الألمانية سوزان باوكر استمدت فكرة عملها من الميثيولوجيا الإغريقية حيث الأسطورة التي تمجد بريسيوس قاتل ميدوزا المخلوقة الشريرة، ذات الشعر الذي يتدلى كالثعابين، وهي التي كانت تمسخ كل من ينظر إليها إلى حجر، وجاء عمل الفنانة دعوة لدفع الأشرار.

          ومن بولونيا جاءت هانا ماريا وعملها عبارة عن تشبيه للعمارة التي تشيد على أرض وتتطاول إلى السماء وقد تركت الفنانة خيالات لطيور على العمل لتؤكد أنه مهما ارتفع البناء هناك دائما أشياء أعلى.  أما الأردني شادي داوود فقد اختار موضوع «العشاء الأخير» الذي جمع السيد المسيح مع حوارييه فنفذ قاعدة بازلتية توضع عليها مجموعة من الأسماك المثبتة على قضبان معدنية ورمز للسيد المسيح بسمكة كبيرة أعطاها اللون الأبيض فيما رمز لتلامذته بالأسماك الصغيرة. وقبل أن يتوجه النحات الأسترالي لورنس بيك إلى السويداء قرأ كثيرًا عما عاشته عبر التاريخ وقرأ عن ديونيزياس أحد الآلهة، فحاول أن يجسد علاقته بالمكان فأقام عملًا تجريديًا لجسد مقلوب يرمز للارتباط بين ديونيزياس وما يحيط به من تأثيرات.

          أما النحات الإماراتي محمد أبو لحية فقد اختار شكل القارب التراثي ورفع عليه علمي بلده دولة الإمارات العربية المتحدة وسورية البلد المضيف في شكل مبسط.

          وبهذا نخلص إلى مجموعة أعمال جميلة جدًا تنوعت في مدارسها ومذاهبها وغالبيتها ذات دلالات إنسانية واسعة وهذه إيجابية كبيرة توقف عندها معظم الزوار الذين زادوا عن الثلاثين ألفًا، أكدت أننا نستطيع أن نبتكر من جلمود الصخر تمثالًا يحسّ وينبض بالحياة، ونقول له: انطق.

ناصر جميل الحجلي - السويداء

  • معارض: أهم أعمال الفنان شفيق عبّود في «معهد العالم العربي» بباريس

          يقيم «معهد العالم العربي» بباريس خلال الفترة من 22 مارس إلى 19 يونيو 2011 معرضًا لأهم أعمال الفنان التشكيلي اللبناني شفيق عبّود (1926 2004)، الذي يشكّل مساره الفنّي محطة بارزة في تاريخ الفنّ العربي المعاصر، حيث يعتبر أحد أبرز الفنانين الذين أسّسوا للغة تشكيلية بدأ معها الفن العربي مغامرته الجديدة.

          بدأت رحلة شفيق عبّود في لبنان، حيث استفاقت لوحته على شموس لا تنطفئ من الإبداع والسحر والخيال، ثمّ جاء إلى باريس ليصبح جزءًا من مدرستها الفنية، لكنّه ظلّ يتميّز بخصائص طبعت نتاجه بأكمله، وهو نتاج متنوّع ومتعدّد، ويتألف من أعمال زيتيّة، وليتوغرافيا، وحفر، وسيراميك، وسجّاد، ونسيج، ونحت. من لبنان، حمل عبّود ضوء المتوسّط وذكريات الطفولة وحكايات الجبل اللبناني وتراثه الشرقي، وفي باريس التي كانت تعيش يوم وصوله إليها عام 1947 ثورة فنية، خاض أسئلة تلك المرحلة ورافقت تجربته الحركات التجريدية الفرنسية وتجارب فنانين أمثال إستيف وبازين، كما جذبته أعمال بيار بونار وروجيه بيسيير ونيكولا دو ستايل.

          هذا المعرض الباريسي الذي راود عبّود وظلّ حلمًا لفترة طويلة، يتحقّق اليوم بفضل الجهد الكبير الذي بذله كلود لومان (صاحب صالة العرض الباريسية التي تحمل اسمه) للتعريف بأعمال الفنان بالصيغة التي تليق بتاريخه الفني وتجربته المميزة. وهو يتضمّن 190 عملًا فنيًا من الأعمال التي تختصر المسار الفني لعبود بين 1948 و 2003.

          تتحرّك أعمال شفيق عبّود بين قُطبَي الجمالي والإنساني، وهذا ما يمنحها بريقًا لا يخفت، بل يتجدّد باستمرار وتبطل معه الفواصل بين الحدود، لأنّ عبّود من أولئك المبدعين الذين تشكّل أعمالهم جسرًا أصيلًا بين الشرق والغرب، ولبنَة أساسية في بناء حوار متكافئ بين الحضارات.

          ويرجع الفضل في جمع لوحات هذا المعرض إلى كلود لومان، الناقد الفني اللبناني الأصل، وصاحب صالة العرض التي تحمل اسمه في حي مونبارناس في العاصمة الفرنسية باريس.

          يقول لومان إن الوقت قد حان كي تستضيف باريس معرضًا للفنان شفيق عبّود، الذي يعتبر أكبر فنان لبناني خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والذي تشكّلت أعماله الفنية من أجل الحرية واللون والضوء، حيث كان عبود متعلقًا جدًا بوطنه، أرضًا ومشاهد وضوءًا وذكريات طفولة.

          ويرى لومان أن شفيق عبّود ليس فنان الصورة الواحدة المكرَّرة كسلوكٍ مقولب، على تنوّعه. بل إن عمله الفني يعكس معرفةً وتبصرًا وبحثًا ثابتًا. يختبر، ويفرح عند عثوره على شيء ما، يشك ويضع نفسه موضع تساؤل، لكنه يبقى وفيًا لموضوعاته الثابتة بمختلف جوانبها: الفصول، النوافذ، المحترفات، الغُرف، الليالي، المقاهي، عالم الطفولة، والشعراء العرب القدماء.

          ويذّكر كلود لومان بأهمية عبّود الذي اعترف النقاد الفرنسيون والعرب باكرًا بقيمة فنه، حيث كان في عام 1953 أول فنان عربي يحقق كتبًا فنية بتقنية الحفر على النحاس مع طباعة كلاسيكية بالأبيض والأسود، مثل كتاب «البونا»، وبتقنية الطباعة الحريرية بالألوان، مثل كتاب «الفأرة»، كما أنه الفنان العربي الأول والوحيد الذي شارك في أول بينالي باريس عام 1959. وخلال خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، كان أحد الوجوه الكبيرة للحياة الثقافية والفنية في بيروت «مدينة الأنوار» في الشرق العربي، التي عرفت آنذاك مرحلةً مجيدة من الحرية والإبداع والازدهار وفن العيش جلبت لها شهرةً دولية. وحتى عام 1975، اعتاد الفنان تمضية أشهر الشتاء الثلاثة في لبنان، حيث مارس التعليم في الجامعة اللبنانية وانشغل في تنظيم معرضٍ شخصي سنوي له في أهم صالات العرض في المدينة، وحتى عام 1968، تمكّن من عرض أعماله إلى جانب أعمال أكبر وجوه الساحة الباريسية، كما شارك منذ عام 1983 بمعرض «فياك» الفني الدولي. وفي عام 1994، سجّل معرضه في بيروت، بعد 15 عامًا من الحرب، نجاحًا ساطعًا على المستويين الإعلامي والتجاري. ولدى وفاته في إبريل 2004، وبعد حفلة وداع مؤثّرة نظمها أصدقاؤه له في حديقة مونسوري الباريسية التي تقع في جوار مرسمه الصغير، نال استقبالًا حارًا في بيروت وجبل لبنان حيث دُفن وفقًا لرغبته.

          ويواكب هذا المعرض إصدار كتالوج فخم أعدّه ونشره كلود لومان ويحتوي على صور بالألوان لعدد من أعمال عبّود، بالإضافة إلى نصوص تجمع بين الشهادة الفنية والرؤية النقدية وتحمل تواقيع كلّ من شفيق عبّود، وكريستين عبّود، وليديا هارامبور، وصوفي كريبس، وكلود لومان، وعيسى مخلوف.

          ولابدّ من الإشارة أخيرًا إلى أنّ هذا المعرض المقام في «معهد العالم العربي» سيكون فاتحة لمعارض أخرى للفنان في بعض العواصم العربية ومنها بيروت، وهي معارض ستكشف عن ثراء نتاج شفيق عبّود في أبعاده المختلفة.

حسام أبو جبارة - دبي

  • جامعة: سيمنار الجامعة الأمريكية يحيي ذكرى المؤرخ رؤوف عباس

          أقام قسم الحضارات العربية والإسلامية بكلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سيمنار التاريخ السنوي تحت عنوان «العمل والعمال في تاريخ مصر في العصرين المتوسط والحديث».

          أحيا السيمنار ذكرى المؤرخ الراحل د. رؤوف عباس (1939 - 2008)، وشارك فيه العديد من الباحثين ومنهم: د. عبدالعال الباقوري، ود. عاصم الدسوقي، وقد تحدثا عن الراحل د. رؤوف عباس، والقس د. باسيليوس صبحي، أمين وحدة البحث ونشر التراث القبطي بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بالقاهرة، الذي تناول «حرفة الناسخ القبطي»، موضحًا أن هناك العديد من الدراسات تناولت المهن والحرف المرتبطة بإعداد المخطوطات، وزخرفتها ونسخها، حتى انتهاء العمل بها وعرضها للبيع، مثل مهنة الورّاق والمُجلد والناسخ والمزخرف وغيرها من المهن والحرف. وعلى الرغم مما قدمته هذه الدراسات من معلومات قيمة وفوائد علمية لا يستهان بها، إلا أنها لاتزال لم تكشف كل أغوار هذه المهنة المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالثقافة والفكر في مختلف العصور.

          وأوضح باسيليوس كيف اشتهر الأقباط بالمهارة في مجال النساخة وصناعة الورق بشهادة بعض المؤرخين العرب، مثل: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (توفي سنة 279 هـ / 892 م)، الذي شهد بذلك في كتابه «فتوح البلدان»، وأبو الفرج محمد بن اسحق ابن النديم (توفي سنة 385 هـ) الذي وصف الورق الفرعوني، وشهد له وغيرهما.

          وأشار إلى أن النساخين كتبوا على ورق البردي بأقلام مصنوعة من قصب حاد، كما كانت هناك أقلام ذات رؤوس معدنية، واستخدموا السّخام المخلوط بالماء حبرًا.

          وذكر أن مصر كانت المصدر الوحيد للقراطيس وأوراق البردي حتى أوائل العصر العباسي، كما شهد بذلك بعض المؤرخين العرب، وأوضح أن تجارة القراطيس وأوراق البردي كانت مصدر رزق للمصريين.

          وحول «تدريب العمال والمدارس الصناعية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين» كان بحث الفرنسية أنالورا توريانو، التي قدمت خلفية تاريخية حول نشأة المدارس الصناعية أوائل القرن العشرين، ثم تطرقت إلى العلاقة بين التطور الصناعي في مصر والتعليم الصناعي.

          فيما تناولت د.هبة الطودي، التي مثلت جامعة إدنبره الحرفيين والنقوش الكتابية على الآثار الاسلامية بالوجه البحري، موضحة أنه على العكس من النقوش الكتابية على العمارة الإسلامية بالقاهرة، زخرت نقوش المباني في باقي أقاليم مصر بأسماء حرفيي البناء.  وقد قام المرحوم حسن عبدالوهاب بتعديد مجموعة من توقيعات هؤلاء الحرفيين وتتبع تراجمهم في بحثه «توقيعات الصناع على آثار مصر الإسلامية»، ومنذ ذلك الوقت اهتمت بحوث عدة بذكر هؤلاء البنائين والحرفيين الذين أسهموا في صنع صروح حضارتنا الحديثة، وفيها نجد استنتاجات حول كثرة توقيعات صناع الأقاليم مقارنة بالقاهرة.

          وربما يرجع هذا إلى صعوبة اقتران اسم الحرفي بطبيعة المنشأة ذات الصلة بالحاكم في العاصمة، ومن هنا تأتي أهمية النقوش الكتابية بالأقاليم كمصدر تاريخي يجب دراسته إلى جانب المصادر الأخرى، لأنها تبقى خطابًا لهؤلاء الحرفيين يتكلمون فيه عن أنفسهم وعلاقاتهم من خلال التوقيعات والألقاب والأدعية.

          ومن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قدم محمد مصلوح ورقة حول «القيمة الاجتماعية للعمل في مصر في العصور الوسطى من خلال المصادر الأدبية»، وفيها درس الحالة الاجتماعية للعمال عبر النصوص الأدبية التي استلهمت فترة حكم المماليك والعثمانيين لمصر.

          وتعرضت د. أمينة البنداري من الجامعة الأمريكية بالقاهرة لاحتجاجات السوق في نهاية العصر المملوكي وعلاقته بالأزمات الاقتصادية، بينما  تتبع يوسف محمد الطبقة العمالية بين الأحزاب السياسية والدولية.

          فيما كانت ورقة محمد واكد، الممثل لجامعة أمستردام، عن «العمال والثورة في مصر»، وأخيرًا أعطتنا د.إيمان يحيى، الأستاذة بجامعة قناة السويس، قراءة في «كيف يكتب العمال تاريخهم: طه سعد عثمان نموذجًا».

          بقي أن نقول إن المحتفى به الراحل د. رؤوف عباس بدأ حياته العملية في العمل الأكاديمي وتدرج فيه حتى حصل على درجة أستاذ التاريخ الحديث في 30 ديسمبر 1981م، وتولى رئاسة قسم التاريخ بجامعته من 1982 إلى 1988، وعمل وكيلًا للدراسات العليا والبحوث بالكلية من 1996 إلى 1999.

          شغل د. رؤوف عباس منصب أستاذ زائر بجامعات: طوكيو، قطر، الإمارات العربية المتحدة، السربون، كييل، وإسن ، وهامبورج، وفرايبورج، وكاليفورنيا، وستانفورد، وجورجيا، والجامعة الأمريكية بالقاهرة. وهو صاحب مدرسة في التاريخ الاجتماعي، تولى من خلالها تكوين جيل من الباحثين في تاريخ مصر الاجتماعي وساهم في تكوين بعض الباحثين في هذا المجال في اليابان، وألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وله العديد من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، كما قام بترجمة الكثير من الأعمال المتميزة إلى اللغة العربية.

مصطفى عبدالله - القاهرة  

 

 





البابطين وجورج سامبايو يتبادلان اتفاقية التفاهم





من الأعمال المشاركة في الملتقى لفؤاد أبو عساف





 





 





المؤرخ الراحل د. رؤوف عباس