البرتقاليّات

نعرفُ، الآن، نوعَين من ثمار البرتقال: المُرّ ويسمى بالنارنج، والحلو. ولم تكن أوربا تعرف غير النوع الأوّل  حتى أواخر القرن السادس عشر، كما أن اسم (برتقال) – Orange - لم يكن مُتداولاً، وكان يُشار إلى لونه  كدرجات من اللونَين الأصفر والأحمر. وبعد ذلك بِقَرنين آخَرَين، ولّما أصبح النوع الحلو أكثر انتشارًا من المُرِّ، دخلت كلمة برتقالي إلى اللغة الإنجليزية لِتدُلَّ على لون هذه الفاكهة اللذيذة. الجدير بالذكر أن شجرة البرتقال ليست برّية وإنما تُزرع، وكانت الصين أوّل من زرعها ونقلتها عنها شعوب أخرى، ولا يزال بعضها يُطلِقُ على البرتقال اسم (تفّاح الصين)!

ومن الكائنات التي اصطبغت باللون البرتقالي سمكةٌ تُعرف في الإنجليزية بالسمكة الذهبية، وهي ضئيلة الحجم، وتنتمي لعائلة أسماك (الشبُّوط) أو المبروك، وقد أُدخِلتْ إلى الصين منذ نحو ألف عام، ولم تدخل أوربا إلا في القرن السابع عشر. والغريب أن تلك السمكة كانت فضّية اللون، ثم تسبّبت طفرة طبيعية في تحوّلها إلى البرتقالي.

ومن الخضراوات التي تشارك البرتقالَ لونَه، الجَزَرُ الذي يُضفي على أطباق السَلَطة لونًا مبهجًا. وقد بدأت معرفة الإنسان للجَزَر في البرّية، وكان أبيض، ثم تعرَّض لِطفرات أو تغيّرات وراثية، فصار أرجوانيًا ثم أصفر اللون، وهو النوع الذي تمّت زراعته لِأوّل مرّة في أفغانستان، ثم عرف الهولنديون الجَزَر البرتقالي، وزرعوه في القرن الثامن عشر.
ومصدر اللون البرتقالي في الجَزَر مادّة كيميائية هي صبغُ البيتا كاروتين، التي تتفكّك عندما تصل إلى أكبادنا مُنتجة فيتامين (أ)، الذي يُحسِّنُ قدرات العين البشرية.

ويتواجد هذا الصبغ ذاته في أوراق شجرة اسمها القيقب أو الإسفندان، فيعطيها لون الجَزَر البرتقالي. والعجيبُ أن اللون البرتقالي يختفي في فصول الشتاء والربيع والصيف، لأن مادة الكلوروفيل التي تعطى النباتات لونها الأخضر، تطغى على الكاروتين، فلمّا يأتي الخريف يضعف تأثيرُها، فيتألّق اللونُ البرتقالي.
واستهوى اللون البرتقالي نوعًا من الفطريات اسمه فطر قشر البرتقال، فهو يبدو لِلرائي كأن شخصًا كان يأكل ثمرة برتقال وألقى قشرتها، وهو منتشر في قارَّتَي أمريكا الشمالية وأوربا، وصالح للأكل، ولكن الأَوربّين يتجنّبونه لِتشابهه مع أنواع أخرى سامّة.

وأغرب ما يمكن أن يتلوّن بالبرتقالي نوعٌ من الديدان المعروفة باسم (العَلَقة)، التي تعيش في مياه البُرَك والمستنقعات، وتتغذّى على الضفادع والأسماك واللافقاريات المائية، ويُعرف عنها قدرتها على امتصاص الدماء من جسم الكائنات الحيّة التي تعلقُ بها مستخدمة ممصّات خاصة، وتستخدم في الطبّ الشعبي لِمعالجة بعض الحالات المرضية، ويمكنها استيعاب كمّية من الدم تتراوح بين 5 و10 أضعاف وزنها، ويعيش النوع البرتقالي من ديدان العلقة في تشيلي.

أما الفراشة الملكة فقد استعانت بخطوط اللون البرتقالي المتبادَلة مع خطوط سوداء، أملًا منها في أن يُبعد هذا التشكيل اللوني أعداءها المفترسين. ولكن يبدو أن خطّتها لم تفلح إذ أن أعدادها يتناقص عامًا بعد عام، حتى إن علماء البيئة يعتقدون أنها ستنقرض قريبًا، وليس السبب عدم كفاءة ألوانها في إبعاد الأعداء ولكن تناقص مساحات بيئتها الطبيعية «الغابات» في البلاد التي تعيش فيها.

ويدخل اسم اللون البرتقالي في تكوين اسم إنسان الغاب المعروف بـ (الأورانج أوتان)، إذ يلوِّن فراءه لون برتقالي مشوب بالأحمر، وظيفته التمويه، فيصعب تمييز هيئته بين مكونات الغابة الأخرى.