مَهْر افتراضي

مَهْر افتراضي

قبضت شرطة الإنترنت على فتحي رضوان الشهير بـ «الفتى الشرير»، وجارٍ البحث عن رجب الصمدي، الشهير بـ «ريخو»، والذي هدد بارتكاب جريمة مساء يوم الخميس القادم؛ بعد يومين.
لم يكن فتحي ورجب صديقين، ولم تلتقِ أهدافهما إلّا هذه المرة. يجلس فتحي الآن في تخشيبة نقطة الشرطة يضرب رأسه بقبضتيه بعُنف، لأنّ رجب أمهر منه في الهروب من الشرطة، ولأنّ التهديد الذي أعلنه كل منهما، منفصلًا ومن دون اتفاق، سينفذّه رجب وحده، بينما هو ملقى هنا لا يأبه به أحد.
 حاول أن يرشو أحد العساكر ليعيره الموبايل لمدة عشر دقائق فقط، فلم يجد استجابة، برغم أنّه عرض أكثر من ألف جنيه، فالقضية خطيرة هذه المرة ولن ينجو من يتواطأ فيها بأي شكل من الأشكال، صرخ الفتى الشرير وهو يدور في الزنزانة كمدمن لم يحصل على جرعته في ميعادها «أريد موبايل عليه نت، عشر دقائق فقط، سأدفع ألف جنيه، ألفين، أريد موبايل عليه نت»، كان يعلم أن فيديو واحد مدّته دقيقتان أو ثلاث من التخشيبة يمكن أن يغيّر الموقف، لكنّه عندما تعب من كثرة الصراخ جلس على الأرض وحدّق في أرضية التخشيبة وعقله يتساءل: هل كانت سماح هرم تستحق كل ما حدث؟
كان ريخو يختبئ في المكان الذي لا يمكن أن يخطر على بال أحد، في حجرة الكراكيب فوق سطح بيت سماح هرم، فقد وضع بالحجرة الماء والطعام الذي يكفيه ليومين، ثم أذاع تهديده الشهير على قناته على «يوتيوب» (خطوبة سماح هرم بعد يومين، يوم الخميس، ويوم الخميس في تمام الثامنة مساء، أثناء لبس الدِّبَل سأكون موجودًا، وستندمين يا سماح ندم السنين)، وقد تعجّب ريخو، لأن الفتى الشرير؛ غريمه الأول، أذاع تهديدًا مشابهًا بعد دقائق، فانتهز الفرصة ونشر فيديو مدته عشر ثوان يسخر فيه من الفتى الشرير الذي لا يفعل شيئًا سوى تقليد ريخو الكبير.
كان رجب سعيدًا بلقبه الجديد (ريخو الكبير)، الذي حصل عليه بمجهود مُضنٍ خلال الأشهر الأخيرة، اسم عائلته «رخا»، ولأنّ زملاءه في المدرسة كانوا يعتبرونه «أرخم خلق الله» و «المادة الخام للرخامة»، فقد أطلقوا عليه اسم «رجب رخامة»، ثم «الرِّخم»، وطوّره هو إلى «ريخو»، وبعد نجاح قناته في الفترة الأخيرة أصبح «ريخو الكبير». 
فتح علبة «كانز» ليمون، شرب قليلًا، وابتسم سعيدًا بنفسه، متذكرًا قصة نجاحه، فلم يمضِ على افتتاح قناته على «يوتيوب» عام واحد، حتى أصبح لديه أكثر من ثلاثة ملايين مُتابع، الشهور الأولى كانت صعبة، أعداد قليلة تدخل على القناة، كان يسجّل فيديوهات قصيرة يعرف الآن أنها غير جاذبة، حتى أوحى له اسمه ما يجب عليه أن يقدّمه، استطاع أن يعمل كـ «جرسون» في مهرجان الجونة السينمائي، وانتهز فرصة وجود الممثل الشهير بـ «نمبر وان» على السجادة الحمراء، وجرى محتضنًا إياه، تضايق منه الممثل ودفعه بعيدًا، سقط على الأرض، وقام يحتضن الممثل مرّة أخرى، فضربه بقبضته في وجهه، ومن حُسن حظ ريخو أن الدّمَ سال من أنفه، فاحتضن الممثل مرة أخرى وهو يصرخ «اضرب يا نجم، وربنا ضربك لي شرف كبير، دمي فداك»، ولم يتخلص منه النجم إلّا بمساعدة حرسه الشخصي، فألقوه بعيدًا، فبكى قليلًا، ثم ضحك قليلًا، ثم شكر النجم بتملُّق كبير، ثم سبّ النجم وأهله سبًا مقذعًا، كان كل هذا أمام كاميرا اتفق مع أحدهم على تصوير المشهد بها، وأخذ يقطع اللقطات ويذيعها على قناته مع تعليقات مختلفة، فوجد تفاعلًا كبيرًا لم يكن يحلم به، وانطلقت قناته ليتجاوز عدد مشاهديها المليون في شهرين. فرغت علبة الكانز، فألقى بها جانبًا، وزفر زفرة غيظ، إذ قلّده الفتى الشرير وحصد أكثر من مليون ونصف المليون متابع.
كان الفتى الشرير في التخشيبة يتذكّر مبتسمًا ضربته الكبرى، مهرجان القاهرة السينمائي، السجادة الحمراء، وقف بجوارها موجهًا كاميرا الموبايل الخاصة به إلى جزء واحد في الجسد الإنساني للممثلات اللاتي يتبخترن فوق السجادة الحمراء، ثم أجرى على قناته مسابقة كبرى لاختيار أفضل خلفية، حصد بهذه المسابقة آلاف الإعجابات واللعنات التي تراكمت لتصبح ملايين المتابعين، والتي زادت بعد أن أعلنت النجمة الشهيرة فانيا سفاسف فخرها بفوزها بالمركز الأول في المسابقة.
منذ كانا طفلين يقلّد الفتى الشرير ريخو في كل خطواته، والغريب أنه يحقق فوزًا أكبر، لذلك كان يشعر بالإحباط هذه المرة لوجوده في «التخشيبة»، وكان ريخو يشعر بالسعادة، لأنه أخيرًا سيحقق ضربة كبرى لن يستطيع الفتى الشرير تقليده فيها، وإن كان كل منهما يسأل نفسه السؤال ذاته: هل كانت سماح هرم تستحق كل ما حدث؟
تعشق سماح التاريخ بحُكم وجودها منذ صغرها بقسم التاريخ والآثار بكلية الآداب، حيث تعمل أمها عاملة نظافة به، لذلك عندما أرادت أن تطلق على نفسها لقبًا اختارت أعظم الآثار لتنتسب إليه، ولأنها تؤمن بفكرة الجمع بين الأصالة والمعاصرة التي تعلّمتها من بعض المعيدين والأساتذة؛ كلٌ على حدة في غرفة منفصلة، فقد حرصت في كل فيديوهاتها على أن ترتدي ملابس فرعونية، أو يكون التصوير في هرم سقارة أو خوفو أو معبد الكرنك أو قلعة قايتباي أو خان الخليلي أو خانقاه السلطان برقوق أو غيرها، ويكون رقصها شرقيًا أصيلًا، وتكون النغمات من أغاني المهرجانات المعاصرة، إضافة إلى فكرتها عن قداسة الجسد البشري التي جعلتها تغطي منه أقل قدر ممكن، كل ذلك أعطاها بسهولة أكثر من ثلاثة ملايين متابع في أسابيع قليلة من انطلاق قناتها.
ذهب ريخو لطلب يد سماح، وكان قبلها بيوم قد سجل فيديو يخبر متابعيه أنه سيقْدم على أهم خطوة في حياته، ففوجئ بالفتى الشرير يجلس مع والد سماح يطلب يدها هو أيضًا، كاد ريخو يُجنّ، لأنه لم يكن يعرف أن الفتى الشرير استدرج أمّ ريخو في الكلام، فأخبرته بالأمر، جلست سماح ووالدها مع الخاطبين، كان والد سماح ديمقراطيًا طوال عمره، وزادت ديمقراطيته بعد وفاة زوجته وتكفّل سماح بتولّي الإنفاق على البيت بما فيه مزاج والدها، قام الأب واقفًا وسأل الشابين عمّا يريدانه من مشروبات، وذهب إلى المطبخ، معلنًا لهما بأبوة حانية وحاسمة «سماح ابنتي الوحيدة، ولن أفرّط فيها، هي تختار مَن تريد بإرادتها الحرّة، على أن تظل تنفق على البيت بعد الزواج».
تعرف سماح الشابين جيدًا، زمالة دراسة، وسكن في الشارع نفسه، ومغامرات صغيرة تعرّفت فيها على تفاصيل كثيرة عنهما، كما تعرَّف كل منهما على ما يريد منها، حيث أصبح يريد أكثر، لذلك لم يحتاجوا إلى كلام كثير، قالت سماح: «يشترك في قناتي أكثر من ثلاثة ملايين قابلين للزيادة، ولا يصح أن أتزوج رجلًا يكون لدى قناته أقل من ضِعف هذا العدد»، تمتم الفتى الشرير: «ونعم بالله»، وقال ريخو: «صح، الرجل ضعف المرأة»، وأمهلتهما سماح ثلاثة أشهر؛ من يحصل خلالها على ضعفَي مشتركي قناتها يفوز بقلبها.
كانت المنافسة بين الشابين شرسة للغاية، حرص كل منهما على سبّ الآخر وشتمه، واستمالة المتابعين إلى جانبه، وفضح أسرار أهل الشارع، ومشاكسة نجوم الفن وكرة القدم، وادّعاء حكايات لم تحدث، لكنها يمكن أن تكون «تريند»، لكنّ الأشهر الثلاثة مرّت، ولم يصل أي منهما حتى إلى عدد مشتركي قناة سماح نفسها، ثم فاجأت سماح الجميع بأنها ستُخطب يوم الخميس القادم، وأن خطيبها مفاجأة كبرى، وأنها اتفقت مع خطيبها أن يذيعا حفل الخطبة «لايف» على قناته وقناتها، وبينما كان الجمهور يخمّن مَن هو الخطيب المنتظر الذي «سيصعد إلى قمة الهرم»، كان الفتى الشرير وريخو يغليان من الغيظ، وينشران فيديوهات سبّ وقذف في سماح، وتهديد بإفشال الخطبة ولو بالقوة، فقدّمت سماح شكوى إلى مباحث الإنترنت، وطلبت حماية حفل خطبتها بقوة من الشرطة.
كان ريخو يعلم أنه لن يستطيع إجبار سماح على شيء، فأراد أن يستفيد من حفل خطبتها بحصد عدد من المتابعين بأن يظهر في الحفل، ويقدّم لها ولخطيبها التهاني المخلصة، وبذلك يقدّم نموذجًا للتسامح والحبيب المضحّي، لكنّه عندما سمع ضجيج الطبول التي تستقبل سماح وخطيبها عائدَين من الكوافير وقف يطل من شباك حجرة السطوح، فذهل عندما رأى الخطيب المنتظر، كان أحمد عدنان صاحب قناة «الداعية الجديد» بلحيته الأنيقة وابتسامته المهذبة/ اللزجة حسب المتلقي، والذي تتعيش قناته على نشر ما تذيعه قناة كلٍّ من ريخو والفتي الشرير، ثم يشجبه ويرفضه بما يحفظه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وبرغم رفض الكثيرين من الشيوخ لهذا الشاب، وتأكيدهم أنه نصاب جاهل، فإنّ الداعية الجديد كان يحصد دائمًا كل متابعي قناتي ريخو والفتى الشرير، إضافة إلى متابعيه هو شخصيًا، فالجميع يشاهد الفيديوهات كاملة على قناته، ثم يتطهّرون معه بشجبها.
صوَّر ريخو لقطة نزول الخطيبين من السيارة متألقين بابتسامات ناصعة، وبثّها فورًا على قناته مع تعليق أصبح «تريند» لعدة أيام، قال فيه وهو يطيل في حرف الألف بلوعة حقيقية «يا ابن الكااااااالب»! ■