درع واقية لطهارة قلبك
ما زلت تبحث عن عالم سويّ تنسجه بأناملك التي بدأت تظهر عليها تجارب وحروب خضتَها في أيام عمرك، ترسم شكلًا لكوكبك الخاص الذي ترغب في الالتجاء إليه، والاندثار تحت أشعته، بعيدًا عن كل بَليّة تبلى بها، لكن، فجأة، ومن دون سابق إنذار، وكأنك في لحظة إجلاء رشيقة، تحاصر في آخر لحظة وتقع فريسة الواقع المشوّه، وتُمضغ كل أحلامك وأفكارك في أحشاء هذه الدنيا الفانية؛ التي لا تشبع من كسرنا، وفي ثلاث ثوانٍ ينهار سد الممرات الثلاثة، الذي قضيت أوقاتًا ماسية وهمية في بنائه.
تحاول الصمود، الوقوف، الاتزان أحيانًا بقدم واحدة، تنجح تارة بعد صبرٍ وقوة إرادة، وتارة أخرى تتأرجح كأحبال الجيتار أثناء حركة قوس الكمان عليه، وتارة تصمد صلبًا كشجرة لها مئات الأعوام أمام إعصار قمعي.
أنتَ لست سوى روح مفعمةٍ بالمشاعر والآمال، لكن يجبرك جبروت أيامنا هذه وتجاربها القاسية التي اختارها الله، أن تصبح قاسي الملامح، صلب المظهر، جافًّا كأوراق قُطعت جذورها منذ أشهر.
في أوقات السهر، وأنت وحيد تنظر إلى أشعة القمر والنجوم، تعترف بهمس لنفسك قائلًا: إنك ترتدي قناعًا مختلفًا عنك، لا يشبهك، والحقيقة المرّة أنه لم يكن لائقًا بك أبدًا، ولا تحبه إطلاقًا.
إن أصعب ما يواجه المرء مجبرًا ألا يكون ذاته، أن يبني شخصيات عديدة ويقدمها للناس على أنها هو، كأنه يتقمص دورًا في مسرحية محلية ركيكة. تقف برهة من الوقت تفكر مليًّا، سائلًا نفسك كطفل كثير السؤال: هل أنت مُجبر على هذا؟ هل هذا هو الصواب؟ هل من الجيد أن أرتدي شخصيات مختلفة عن طبيعتي وحقيقتي؟
لن تجد إجابة مقنعة لنفسك، سوى أن الحياة تجبرك على تغيير نمط شخصيتك، ورسم وتكوين شخصية جديدة، لتصنع منها درعًا واقية لطهارة قلبك من شرور البشر وظلمهم ■