الإسلام من منظور أدباء عظام

الإسلام من منظور أدباء عظام

ذكّرتني الندوة التي أقامها أخيرًا المركز الثقافي الروسي بالرباط والمكتبة الوطنية للمملكة 
المغربية - تخليدًا للذكرى المئتين لميلاد الكاتب الروسي الكبير دوستويفسكي - بزيارة سابقة قُمت بها إلى روسيا، بدعوة من اتحاد كتّاب روسيا، بمناسبة استضافته اجتماع المكتب التنفيذي لاتحاد كتّاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وأذكر أنه من بين الزيارات الداخلية التي برمجت لنا وقتئذ، زيارة البيت التاريخي الذي عاش فيه الأديب الروسي الشهير تولستوي، فحصل أن حفّزتني تلك الزيارة، على مواصلة الاهتمام بكتابات تولستوي، وبتلك العلاقة الخاصة التي كانت لتولستوي بالإسلام، وبحياة النبي محمد ﷺ، وبأقواله وحكمه، وأيضًا بما قاله تولستوي وكتبه عن الإسلام وعن النبي محمد ﷺ، كما في كتابه الفريد «حكم النبي محمد»، الذي يبرز فيه مدى انبهاره بالنبي محمد الكريم، وتعظيمه له، معتبرًا إياه آخر الأنبياء، الذي اختاره الله لتكون آخر الرسالات على يديه، بل عرف عن تولستوي أنه راسل مفتي مصر الإمام محمد عبده، معبّرًا عن إعجابه بالإسلام وبالنبي محمد. ولهذه الاعتبارات وغيرها، رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة طويلة مؤثرة، متضمَّنة في الكتاب السابق لتولستوي.
ولم يكن تولستوي وحده مَن اهتم بالإسلام وبنزعته الإنسانية وبالقرآن الكريم وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل إن ثمّة أدباء روسًا آخرين اهتموا أيضًا بالإسلام وبالقرآن الكريم، مثل اهتمامهم بالقضاء والقدَر في الإسلام، كما شكّل القرآن مصدر إلهام لهم في كتاباتهم وأشعارهم، بل حرصوا على الحصول على نسخة منه لدراسته والتأمل في ألفاظه ومعانيه، وعلى رأس هؤلاء الشاعر بوشكين، الذي استلهم قصيدته «الرسول» من القرآن الكريم، وله قصيدة ثانية بعنوان «محاكاة القرآن»، وكذا الأديب العظيم دوستويفسكي، الذي قال عن الرسول الكريم، إنه «الرجل العظيم الذي علّمه الله العلم والحكمة»، وكان يحتفظ بنسخة من القرآن الكريم في مكتبته الخاصة؛ إذ سبق له، وهو في السجن، أن طلب من أخيه أن يرسل إليه القرآن الكريم، بل إن حضور النبي محمد ﷺ عند دوستويفسكي قد تجاوز الأقوال والتقدير والإعجاب بشخصه وبدعوته، إلى ذكره في بعض رواياته، من قبيل «المثل» و«الممسوسون» و«الجريمة والعقاب». 
يضاف إلى هؤلاء جميعًا الشاعر والروائي الروسي ليرمنتوف، في تعرّفه على تعاليم الإسلام وتأثره بها، وفي تقربه من حضارة الشرق، التي قربته بدورها من تعاليم النبي محمد ﷺ.
وإذا كان يحسب لهؤلاء الأدباء الروس العظام نظرتهم التقديسية لله وللإسلام وتعظيمهم النبي محمد ﷺ ورسالته السمحة، فإن أحد الأدباء الكبار، ممن خلّدته بدوره الآداب العالمية؛ وهو الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي، المعروف عنه أنه كان يكتب للإنسانية جمعاء، فكتب للشرق وللغرب، كما كتب للمسيحية والإسلام؛ يحسب عليه، مع ذلك، أنه في أحد السيناريوهات المتهافتة التي كتبها تحت عنوان «محمد»، والمنشور في أحد أعداد مجلة النظرة الكريتية، التي تصدرها جمعية أصدقاء كازانتزاكي الدولية، كان مع الأسف مجانبًا لحقيقة الإسلام وجوهره وسيرة نبيه وصحابته، نتيجة ما تضمنه ذلك السيناريو من مغالطات فيما يتعلق بصورة النبي محمد ﷺ وقصة نزول الوحي وزيجات النبي الكريم وصحابته، وغيرها، مما كان يتحكم فيه الدافع المادي تحديدًا، إرضاء منه فقط - مع الأسف الشديد - لأطراف أخرى ■