ثـلاثـون عـامـا مع الشعر والشعراء رجاء النقاش

ثـلاثـون عـامـا مع الشعر والشعراء

عرض: الدكتورة نسيمة الغيث

" ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء" عنوان اختاره الناقد الأستاذ رجاء النقاش لمقالات مجموعة صدرت عبر هذا الزمن (وهو ليس بالقصير) في دوريات صحفية مختلفة، وبهذا يكون الكتاب إحدى حسنات الصحافة، التي "تجبر" الناقد على سرعة الإنجاز، ودقة المتابعة، وتحقق- من ثم- قدرا كبيرا من التلاحم الحي بين الإبداع والنقد.

في العادة لابد أن يكون للنقد عبر الصحافة بعض السلبيات، ولكن موهبة رجاء النقاش، الذواقة، القادرة على اكتشاف الجوهري والأصيل، ونفي الزائف والسطحي في عبارات سريعة حاسمة، قد خففت من هذا الجانب السلبي إلى أقصى حد كما سنرى.

وقد يكون السؤال الأول، المفترض نظريا، بمجرد قراءة عنوان الكتاب: هل تغيرت مقاييس النقد، وأسباب الحكم عند هذا الناقد الجاد عبر هذه الأعوام الثلاثين التي تغير فيها كل شيء من حولنا، ولا مناص له من أن يتغير؟ لقد حاول الأستاذ النقاش أن يقدم إجابة مبكرة- في المقدمة- عن هذا التساؤل بإعلانه عن تصوره للأدب، وأساس الحكم عليه، بقوله فيها: إن وحدة الرؤية تتحقق بشخصية المؤلف، وبوحدة العصر أو الفترة الزمنية التي كتبت فيها هذه الدراسة، ولكن الأهم- فيما نرى- أنها تتحقق بـ "طريقته في البحث والتفكير والتذوق " و"إنني- أي الأستاذ رجاء النقاش- من الذين يؤمنون بما يمكن تسميته بالمنهج الجمالي الإنساني، أي أنني أبحث دائما في فن عن الجمال، وأبحث عن الإنسان، والفن عندي لابد أن يكون ممتعا ومثيرا للفكر والشعور، والجمال الفني وحده لا يمكن أن يكون كاملا إلا إذا استطاع التعبير عن شخصية الإنسانية في صراعها من أجل الحياة والسعادة البحث عن معنى الوجود".

هذا التحديد- في صدر الكتاب- مهم جدأ، لأننا نجتاز فترة اضطراب وتداخل، تتصارع فيها لمصطلحات، وترتفع أصوات الإنكار والرفض الذي يبلغ حد التجريح والاتهام بالعجز، بعبارة صريحة: إن رافعي شعار الجمالية الشكلية (أو الشكلانية كما يحلو لبعضهم أن يكتب)، المهتمين بالبنيوية يديرون نقدهم على أساس الفصل بين الأثر الإبداعي، ومبدعه، فالنص مغلق على نفسه، يفسر من داخله، هو مستغن عن كاتبه، وهكذا تتحول النصوص إلى أرقام ورسوم وإحصاءات وهذا كله مقبول، ولكن التوقف عنده يحول الجمال إلى نسب وعلاقات خالية من الحياة. أما الأستاذ النقاش فإنه في بحثه عن الإنسان مبدعا للفن، والإنسان موضوعا للفن، والإنسان متفاعلا مع الفن، إنما يؤصل مبدأ التفاعل الحق، فالإنتاج الأدبي يبدعه الأديب للناس، وليس لنفسه، ومكانته تتحدد بقدرته على التأثير والتنوير والتطوير، وليس بمجرد تحقيق علاقات رقمية، وإحصاءات وجداول. سنجد الموقف النقدي لرجاء النقاش واضحا في احتفائه بالالتزام وتحفظه تجاه الغموض الذي بدد الأثر العملي والجمالي للإبداع عند المتلقين، ويحول العمل الأدبي إلى سر أو شفرة خاصة موجهة إلى عدد محدد ممن "يؤمن " بالكاتب وطريقته.

أصول الموقف النقدي

إنه يطرح السؤال، ويقدم مؤشرات الجواب الذي يرتضيه، في عبارة جامعة صريحة، متألمة، إذا يقول "إننا لسنا ضد التجديد والتجريب إذا كان كل منهما مبنيا على صدق المعاناة، وصدق الرؤية، وأمانة التعبير عن النفس والعصروالواقع والتطورات الجديدة في الأدب والفكر، ولكننا نتساءل بشدة: لماذا لا يرتبط الضميرالأدبي عندنا ارتباطا وثيقا بالضمير الوطني كما هو الأمر في كل الآداب العالمية الكبرى؟

ولماذا لا تكون الهموم الأساسية الكبرى للوطن العربي نبعا للفن العظيم عند الأجيال الجديدة من الموهوبين؟ " إن رجاء النقاش يطرح تساؤله الواضح المتألم تحت عنوان يوازن بين "قصيدة النار وقصيدة الغبار" (ص 433) فالقصيدة المسرفة في الغموض دون داع، والقصيدة المغرقة في جماليات الشكل، كالقصيدة المنحرفة في مضمونها عن الالتزام بقيم الأمة العربية. واحترام تاريخها وشخصيتها، والتجاوب مع أحلام ضميرها وسعي أجيالها لبناء المستقبل، إنها جميعا نوع من الغبار، يطمسه الرؤية ويعمي الأهداف تحت أوهام الحداثة، في حين نجد جارسيا ماركيز- كما يقول الناقد- يتصدر قائمة أدباء ما يسمى بالحداثة في العالم المعاصر لكنهلم يرض لنفسه أبدا أن يستخدم مواهبه الرفيعة فيما لا يخدم الإنسان والعصر وفيما لا يحرك الضمير العالمي كله نحو الإحساس العميق والفهم الصحيح لمشكلات المجتمع الإنساني وهمومه، فـ " ماركيز" هو القائل: إن الأدب الملتزم هو الأدب الجيد.

هذه هي أصول الموقف النقدي لرجاء النقاش، وقد التزم بهذه الأصول وأصر عليها في تسع وأربعين مقالة، استقلت كل منها بعنوانها، وإن لم تستقل تماما بموضوعها، تمثل محتوى هذا الكتاب الموسوعي، وعلى أساس من هذه الأصول، كان رفضه الحاد المباشر لأهم دعاة الحداثة في شعرنا العربي المعاصر، الشاعر على أحمد سعيد، المعروف بأدونيس تحت عنوان: "أيها الشاعر الكبير إني أرفضك "، ومناقشته لأسلوب الشاعر حسن طلب، وتحفظه على إسرافه في استخدام الجناس، وموقفه من فن هذا الشاعر يدل على دقة البصر بفن الشعر، ورهافة التمييز بين الاعتدال المقبول والإسراف المفسد في استخدام الجماليات، فحسن طلب له أسلوب فريد يعتمد على موسيقى اللفظ العربي، والحرف العربي "ويحاول أن يستخرج من هذه الموسيقى جوا عجيبا مثيرا للانتباه والتفكير والإحساس العميق بالطرب والنشوة" (مقالة: شاعر إلى حد الجنون) ص (452)، وفي وقفته مع ديوان "سيرة البنفسج "، يقتبس من قوله في قصيدة بعنوان ضد البنفسج :

في الليل الحالك من أوصى لك
أن تدعي أوحالك تفسد حالك

والناقد النقاش يقبل هذا القدر من استخدام الجناس، وأكثر منه حين يوظف فنيا ويصبح من صميم المضمون للقصيدة، لكنه يضع عليه محاذير، وهي أولا أنه ليس شعر جماهير، بل هو شعر الخاصة من أصحاب الثقافة اللغوية، كما أن الاستسلام للجمال الشكلي في شعر حسن طلب سوف يحرمه من إمكان الترجمة إلى لغة أخرى، لأنه فى الترجمة يفقد الكثير من جماله المعتمد على التحكم في الألفاظ والحروف.

لقد أطلنا الوقوف- نسبيا- مع النقاش فيما كتب عن الشاعر حسن طلب بما لا يتسع المقام لمتابعته مع شعراء آخرين، لنشير إلى اهتمامه بالشعراء الشبان، والأصوات الجديدة، وعدم رفضه للحداثة حين لا تكون ضد رسالة الثقافة (الاجتماعية والسياسية) ولنشير أخيرا إلى نزعة الناقد إلى تأصيل الظاهرات الفنية المستحدثة، فهذه العناية بالشكل لها جذور في التراث العربي، بدءا من أوس بن حجر، وعبر من عرفوا بعبيد الشعر، وقد بلغت مداها عند أبي تمام، وقد طرحت جانبا من هذا الموضوع في دراستي المنشورة تحت عنوان " التجديد في وصف الطبيعة بين أبي تمام والمتنبي ".

الاهتمام بالمواهب الجديدة

ويمكن أن نلاحظ أن عددا ليس بالقليل من مقالات الكتاب خصصت لتقديم مواهب جديدة، أو غير مشهورة في ذلك الوقت، مثل حسن طلب، وأحمد مطر صاحب " اللافتات " وأنس داود في ديوانه الأول " حبيبتي والمدينة الحزينة"، والشاعر الفلسطيني راشد حسين. بل عرض لدراسات نقاد جدد فأشاد بجهودهم وصوب ما رآه من انحراف في المنهج أو تقصير في التقصي، مثل مناقشته لكتاب نسيم مجلي عن شاعرية أمل دنقل ص (231) وإشارته إلى جهده الشجاع، وضرورة أن يضاف إليه فصلان.ويتم هذا باهتمام ورعاية لا تنقص أبدا عن اهتمامه بمشاهير الشعراء وما يثار حول شعرهم من قضايا، مثل نزار قباني، وفاروق جويدة، ونازك الملائكة، وفؤاد حداد والد الشعراء، ومحمود درويش، وسميح القاسم، فضلا عن أدونيس الذي استحق إعجاب رجاء النقاش، كما استحق رفضه لانحرافه عن العروبة، وتحريفه لقيم الدين الحنيف. وتلبيسه حق الوطن بباطل التغريب.وكما اهتم بالأحياء من الشعراء فقد اهتم بالراحلين الذين لاتزال أشعارهم تثير الفكر النقدي، وتعين على التصور الصحيح لدعاوى دعاة الحداثة، على الأقل من خلال المقابلة، ووضع التطور الشعري في سياقه الزمني والحضاري، ليظل الشعر العربي عربيا، يتفاعل وحاجات النفس العربية، وتطلعاتها للمستقبل مثل شوقي والشابي، كما اهتم أيضا بدراسات النقاد من ذوي الشهرة والقدرة، مثل دراسة جهاد فاضل عن شعر نزار قباني. وإذا كانت عناية رجاء النقاش بالمواهب الجديدة (حينها) تؤكد شجاعة قلمه، ودقة بصره بالشعر، وأنه يتحمل أمام القارىء مسئولية تقديم الأصوات الجديدة، فقد أثبت الزمن أنه لم يكن يرسل القول بلا دليل، ولم يكن متعجلا، في قراءة ديوان أو إصدار حكم، فقد أصبح هؤلاء، عبر الثلاثين عاما من أصحاب القدم الراسخة في الإبداع.

إن القراءة الأولى لكتاب "ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء" تدل على مقدار ما بذل فيه من جهد المتابعة، وتأصيل القضايا، فإذا كانت مادته الأولى قد وجدت طريقها إلى القارىء عبر صحيفة عامة أو متخصصة، فإن هذا لم يكن مبررا للسرعة في التناول أو التعميم في الأحكام، بل على العكس، سنجد أن الأستاذ رجاء النقاش يملك مقدرة واضحة في الانطلاق من القضية الشخصية أو المحددة، وتوسيع دائرة المناقشة لتكون قضية عامة، تتجاوز الشخص إلى الفن، وتمتد من المرحلة إلى الظاهرة عبر العصور، أو عبر البيئات الأدبية العربية، وهذا مما يكسب الحوار النقدي قوة الموضوعية، ويجعل منه متعة فكرية حقيقية، فمثلا، فيما كتب عن الشاعرة نازك الملائكة، كان المنطلق شائعة أنها توفيت ثم ظهر كذب الخبر، فوجد فيه فرصة للكتابة عن فن تلك الشاعرة المتميزة الرائدة، المنطوية على نفسها، المخاصمة للدعاية، والرغبة في الظهور، ومن ثم اختار ما يميز فنها وهو ظاهرة الحزن، وفي مناقشته وتعليله لانتشار الحزن في قصائد نازك لم تستغرقه الأسباب الذاتية، بل وضع الشاعرة في إطار مرحلتها وبيئتها، لنرى كم كانت كل الأشياء تدفعها لتكون منطوية حزينة، ثم يطور الأستاذ النقاش مقالته الأولى إلى البحث في قضية تشترك فيها نازك عدد من المفكرين والنقاد، وهى ما يمكن أن يطلق عليه "التراجع عن التجديد" مثلما حدث من طه حسين، وهيكل، العقاد وغيرهم. غير أن الناقد النقاش يرفض التفسير الواحد، أو المفتاح الواحد الذي يفتح كل الأبواب، ومن هنا فإنه يرى في بعض تراجعات المجددين نوعا من "تصحيح المواقف "، ونجد هذا المنطلق الخاص، وتطويره إلى قضية فنية عامة، ربما في أكثر فصول الكتاب، فحين يكتب عن قصيدة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ويقول إنها كانت بداية طريق الشهرة للشاعر أمل دنقل، تتداعى في ذاكرته الغنية قصائد أخرى كانت هي- أيضا- باب الشهرة لأصحابها، فقصيدة "شنق زهران " هي التي قدمت صلاح عبدالصبور إلى جمهور الشعر، وكذلك كانت قصيدة "من أب مصري إلى الرئيس ترومان " بالنسبة للشاعر عبدالرحمن الشرقاوي (ص 238). إن هذه الإضافات، أو هذا النوع من الربط، على بساطة مظهره، لا يستطيعه إلا راصد دقيق، يقظ الفكر لحركة الشعر، ومواطن القوة لدى الشعراء.

هناك ميزات أخرى - غير ما ذكرنا- يحققها أسلوب الأستاذ رجاء النقاش في كتابه هذا، فعنده القدرة الناصعة على جمع الخصائص الفنية في عبارات مركزة، محددة، ففاروق جويدة- مثلا- شاعر الرومانسية الجديدة في عصر الواقعية الصلبة، ويتميز شعره بالصفاء والبساطة (ص 272)، أما محمود درويش فأهم خصائص فنه: الغنائية، والصور المتناقضة، والتكرار، والتجسيد (ص 324) أما حسن طلب، وشعراء جيله في مصر خاصة، فإن "صدمة المدينة" هي التجربة الروحية الكبيرة التي صدر عنها نسبة كبيرة من أدب هذا الجيل (ص 399).

أما أمل دنقل فهو "شاعر الرفض " بصيغة القصر القاطعة (ص 225). وأبوالقاسم الشابي " شاعر المدينة الفاضلة " وهكذا.

الشاعر والقضية

وقد وقف الناقد عند شعراء بذواتهم، وليس عند دواوين محددة لهم، ومع هذا- وانسجاما مع منهجه العام - فقد جعل من كل شاعر "قضية" أو أخذ من علاقة حياته بفنه ما يطرح قضية تشغل المثقفين والنقاد، وتحفظ لهذا الشاعر صورته " الإنسانية " بعيدا عن الادعاء والمبالغة أو تصور أن حياته كلها شعر في شعر (وقد أشار إلى هذا في مقدمته). وهكذا عرج إلى ما كتب سكرتير أمير الشعراء أحمد شوقي، ما كتب ابنه عن سلوكيات شاعرنا الكبير وطرائف معتقداته، وإلى علاقة الحب بين الناقد المعداوي والشاعرة فدوى طوقان، والى نزار قباني وعلاقة حياته الخاصة، وتكوينه الأسري، ووظيفته بالدفاع عن الحرية، والصمت عن صنوها، ونعني "العدالة"!! لقد أضاء النقاش مساحة واسعة من حيوات هؤلاء الشعراء، وجعلهم أكثر قربة إلى مشاعرنا جعلنا أكثر قدرة على تذوق أشعارهم، وفهم دوافعهم، وقد قال بحق: "لا يمكننا أن نفهم شاعرا من الشعراء على الوجه الأكمل إلا إذا فهمنا ثقافة هذا الشاعر فهما صحيحا كافيا" (ص 235) وقد حقق الناقد هذا في أغلب ما أثار من قضايا، وقد كتب عن علاقة شاعرية صلاح عبدالصبور وشاعرية أمل دنقل، بشعر الشاعر اليوناني المصري كفافي، أو كفافيس، صفحات نادرة، أضافت وضوحا ومعرفة، تغري بمتابعة الكشف عن المنابع الحقيقية التي كانت روافد مهمة لشعرائنا، الذين لم يتعودوا، ولم نطالبهم، أن يكشفوا عن مصادر تأثرهم.ظنا منهم أن هذا ينقص من تقديرنا لمواهبهم، كما كشف عن سر من أسرار منع أشعار نزار قباني في مصر عقب انتشار قصيدته " هوامش على دفتر النكسة" ثم ما كتب به نزار إلى عبدالناصر، الذي أمر برفع الحظر عن أشعاره، وعن منعه من دخول مصر!!

الناقد وإحساسه القومي

ومع أن هذا الكتاب الضخم قد وجهت مقالاته- بصفة عامة- إلى القارىء في مصر، فإنه يقدم الدليل على قومية الناقد، المنبثقة عن قومية الثقافة العربية الأصيلة، فمع حرصه على تبني مواقف مصرية صريحة، يدافع فيها عن وطنه حين يواجه بالجحود والنكران، أو يستهدف الظلم، فإن "العروبة" ماثلة في هذا الكتاب، بجميع أقطارها تقريبا، يكفي أن نجد فصولا كاملة، متتابعة عن: نزار قباني، ونازك الملائكة، والماغوط، وراشد حسين، ومحمود درويش، وفدوى طوقان، وأحمد مطر، وأدونيس، والشابي، وغيرهم في سياقات أخرى، بحيث يتأكد لنا أن الشعر كان ولايزال ديوان العرب، وخير ما يجمع العرب، فهو الديوان، وهو الديوانية أيضا.وقد لا يستطيع مقال موجز يكتفي بالعرض السريع أن يفي بحق الأستاذ النقاش وكتابه، فالذكاء، والإنسانية، وواقعية الفكر وصدق الحكم تطل من كل صفحة تقريبا، مع هذا، تبقى ملاحظات تمنينا لو أن هذا الأثر البديع تجنبها، وقد سبقت الإشارة إلى أن الكتاب وقدرته على متابعة الإبداع أولا بأول هو إحدى حسنات الصحافة، لكنها أدت أحيانا إلى وجود شيء من التكرار في سرد بعض المعلومات (ما كتب عن أدونيس مثلا) مما كان يستلزم إعادة النظر في المادة، مادامت المقالات ستأخذ أماكن متقاربة في مكان واحد، ولعله من "سلبيات " الكتابة النقدية عبر الصحافة هذا الميل إلى "سك " بعض الشعارات المثيرة، مثل وصف الحداثة- عندنا نحن العرب- بأنها حق يراد به باطل (ص 470) أو مخاطبة أدونيس بعبارة " الشاعر الكبير المضلل أدونيس " (ص 488) وهذا قليل على كل حال، ولا يلحق أدنى ضرر بالفكرة، فهو صحيح في جوهره، ولكنه ليس من لغة النقد.

أما تعليله لاهتمام نزار قباني بقضية الحرية، وإغفاله لقضية العدالة فإنه لم يقنعني، فإذا كان نزار بنشأته في أسرة ثرية، وعمله بالدبلوماسية هو الذي جعله لا يشعر بالحاجة إلى العدل، فإن هذه الأسباب نفسها هي التي جعلته بمنأى عن الشعور بالظلم أيضا، فلماذا إذن كان هذا الهتاف الحار للحرية، والسكوت عن العدل؟!

ولقد ذكرنا من فضائل الكتاب والكاتب الكثير، وبقي له الكثير مما لم يتح لنا ذكره، ولكن: هل ننسى أنه قدم تحليلاته الذكية لعشرات من القصائد، لشعراء مختلفين في العصر والاتجاه، فأكسبها من ذوقه ودقته ما جعلنا نستجيب لها أروع استجابة، وهذا في ذاته مقياس لا يخطىء لأهمية النقد، وثقافة الفكر.

 

رجاء النقاش

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب





رجاء النقاش





أمل دنقل





نزار قباني





أدونيس





محمود درويش