من الرسم والتلوين إلى الطبخ والتزيين

مشيرة‭ ‬منصور،‭ ‬كانت‭ ‬طفلة‭ ‬صغيرة‭ ‬تهوى‭ ‬الرسم،‭ ‬ودائمة‭ ‬التعلّق‭ ‬بالورقة‭ ‬والقلم‭ ‬والألوان،‭ ‬تخربش‭ ‬تارة،‭ ‬وترسم‭ ‬وتلون‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭. ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬اللوحات‭ ‬التي‭ ‬أنتجتها‭ ‬أصبحت‭ ‬أصغر‭" ‬شيف‭" ‬مختصّة‭ ‬في‭ ‬تزيين‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬بلدتها‭. ‬اليوم‭ ‬تبلغ‭ ‬مشيرة‭ ‬18‭ ‬عاماً،‭ ‬وقد‭ ‬اختارت‭ ‬المطبخ‭ ‬لتظهر‭ ‬فيه‭ ‬موهبتها‭ ‬وحبّها‭ ‬للرسم‭ ‬والتلوين،‭ ‬والتناسق‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬والأحجام‭.‬

أول‭ ‬طبق‭ ‬زيّنته‭ ‬مشيرة‭ ‬كانت‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تتذكر‭ ‬‮«‬‭ ‬كيكة‭ ‬الفراولة‮»‬،‭ ‬وتقول‭ ‬حول‭ ‬ذلك‭: ‬طلبتُ‭ ‬من‭ ‬والدتي‭ ‬أن‭ ‬أتولّى‭ ‬مهمّة‭ ‬تزيينها،‭ ‬استغربت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬منّي،‭ ‬ثم‭ ‬وافقت،‭ ‬ولِخوفها‭ ‬من‭ ‬النتيجة‭ ‬تركت‭ ‬المطبخ‭ ‬لي،‭ ‬لم‭ ‬يستغرق‭ ‬الأمر‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬لتبدي‭ ‬إعجابها‭ ‬الكبير‭ ‬عندما‭ ‬رأت‭ ‬النتيجة‭ ‬الجميلة،‭ ‬وقرّرت‭ ‬أنا‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬نفاجئ‭ ‬العائلة‭ ‬بها‭. ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬والدتي‭ ‬أن‭ ‬أتولّى‭ ‬مهمّة‭ ‬تزيين‭ ‬الطعام،‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬لكنها‭ ‬تردّدت‭ ‬عندما‭ ‬طلبت‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬أطبخ‭ ‬أيضاً،‭ ‬وبعد‭ ‬إلحاح‭ ‬سمحت‭ ‬لي‭ ‬بتلك‭ ‬الفرصة،‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬عندما‭ ‬وجدت‭ ‬العائلة‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬سفرة‭ ‬طعام‭ ‬مختلفة‭ ‬بشكلها‭ ‬وطعمها‮»‬‭.‬

تقول‭ ‬والدتها،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬مشيرة‭ ‬المطبخ،‭ ‬أصبحت‭ ‬صاحبة‭ ‬الحق‭ ‬الحصري‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬المائدة‭ ‬يومياً،‭ ‬وهي‭ ‬تبرع‭ ‬في‭ ‬تزيين‭ ‬أطباق‭ ‬السمك‭ ‬والكيك،‭ ‬وأصناف‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولا‭ ‬يأخذ‭ ‬الأمر‭ ‬معها‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلا،‭ ‬فهي‭ ‬تستطيع‭ ‬تزيين‭ ‬خمسة‭ ‬أطباق‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬مدّة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬العشر‭ ‬دقائق‭ ‬فقط،‭ ‬وقد‭ ‬تمضي‭ ‬على‭ ‬مشيرة‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬تبتكر‭ ‬وتجرّب‭ ‬طرقاً‭ ‬جديدة‭ ‬للتزيين،‭ ‬ولا‭ ‬تشعر‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬نجدها‭ ‬مستمتعة‭. ‬

تتلقى‭ ‬مشيرة‭ ‬دعماً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتها،‭ ‬فهم‭ ‬يحاولون‭ ‬توفير‭ ‬احتياجاتها،‭ ‬ويحرصون‭ ‬على‭ ‬تشجيعها‭ ‬وتقديم‭ ‬الملاحظات‭ ‬اللازمة،‭ ‬وحثّها‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬وتقديم‭ ‬الجديد‭ ‬كلّ‭ ‬مرة‭. ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬ومعارف‭ ‬مشيرة‭ ‬تابعوها‭ ‬وأُعجبوا‭ ‬فيما‭ ‬تقدمه،‭ ‬بعدما‭ ‬زيّنت‭ ‬موائدهم‭ ‬في‭ ‬مناسباتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬لكن‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يرضي‭ ‬طموح‭ ‬الشابة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تطمح‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬وإمكانياتها‭ ‬لتصبح‭ "‬شيفاً‭" ‬عالمياً‭. ‬

لم‭ ‬تجد‭ ‬مشيرة‭ ‬تخصّصاً‭ ‬يناسب‭ ‬موهبتها،‭ ‬فاختارت‭ ‬التخصّص‭ ‬في‭ ‬موهبة‭ ‬الطفولة،‭ ‬وهي‭ ‬الرسم،‭ ‬والتحقت‭ ‬بكلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬بجامعة‭ ‬الأقصى،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬تصقل‭ ‬موهبتها‭ ‬في‭ ‬تزيين‭ ‬الطعام‭ ‬بالدراسة‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬مختصّين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الدورات‭ ‬التدريبية‭ ‬لتطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬لتقديم‭ ‬الأفضل‭.‬

وحلم‭ ‬صديقتنا‭ ‬مشيرة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أوّل‭ ‬صاحبة‭ ‬مطعم‭ ‬تعمل‭ ‬بنفسها‭ ‬على‭ ‬تجهيز‭ ‬أطباق‭ ‬الطعام‭ ‬لزبائنها‭. ‬كما‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬كتاب‭ ‬خاص‭ ‬بتزيين‭ ‬الطعام‭ ‬لكلّ‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬أطباق‭ ‬ذات‭ ‬منظر‭ ‬خاص‭ ‬وفريد‭.‬

مجلة‭ ‬‮«‬العربي‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬تهنّئ‭ ‬مشيرة‭ ‬وهُواة‭ ‬الطهي‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لفن‭ ‬الطبخ‭ ‬المُستدام،‭ ‬والذي‭ ‬احتفلت‭ ‬به‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬2017،‭ ‬بهدف‭ ‬توعية‭ ‬الطُهاة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬بدورهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬الزراعية،‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬والتغذية‭ ‬والإنتاج‭ ‬الغذائي‭ ‬المُستدام،‭ ‬وحفظ‭ ‬التنوّع‭ ‬البيولوجي‭.‬