أبنائي الأعزاء
المعلم أولاً وثانياً وثالثاً ... وهذا هو عيده
اشتكى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام مجموعة من الصحافيين العرب من صعوبة العثور على طرف الخيط في عملية الإصلاح الشاملة للأوضاع في مصر, فقالت له الكاتبة الكويتية فاطمة حسين العيسى: لا صعوبة في الأمر, البداية بمعلم وقلم وورقة.
مغزى الكلام يا أعزائي أن المعلم الذي يعطيكم قلماً وورقة بيضاء ويمنحكم من وقته وجهده لتتعلموا على يديه رسم الألف والياء, ومعه تركبون قطار المعرفة المسافر من بياض الورقة الفارغة, إلى ورقة العلم الناطقة بالحساب والعد والقصة والشعر والأغاني, بعد أن يسكب القلم على مساحتها الفارغة خلاصة علوم البشر ومعارفهم, هو ممثل صادق وحقيقي لإنجازات العقل.
لا شك في أنكم سمعتم بالجاحظ, أكبر كتاب العربية في تراثنا القديم, وكان في طفولته يبيع السمك والخبز, وكان ما يربحه من قروش وما يزيد من السمك والخبز كفيلين ليعيش هو وأمه على الكفاف.
وكان على مقربة من مكان البيع حلقة لمعلم يلقي فيها الدروس, وحين حضر الجاحظ أول درس, شعر بالسعادة الغامرة, ولذا انقطع عن البيع وصار يقضي وقته بين التلاميذ يسمع الدروس من معلمه ويسجل ويكتب, فجاع هو وأمه, وشعر بالكآبة والحزن, واحتار بين العودة للبيع أو أن يكمل طريقه في التعلم.
المعلم الذكي اكتشف أن تلميذه العبقري والموهوب يعاني من ظروف صعبة وقاهرة, فسأله عن الأمر, وحين عرف القصة أعطى الجاحظ خمسين ديناراً, وهكذا استمر الجاحظ في تلقي الدروس من معلمه, وصار كما تعرفون الأديب والعالم والحكيم والفيلسوف الذي وصلت شهرته إلى جميع أركان المعمورة آنذاك, ويطلب مجالسته الأمراء والخلفاء, وما كان هذا ليتحقق لولا ذلك المعلم المجهول الذي أغراه لمتابعة حضور حلقات الدرس, فبقي ذكر الجاحظ خالداً على مر الزمان.
وفي هذا الشهر, شهر أكتوبر, تقفون جميعاً ونحن نقف معكم, لنحتفل بعيد المعلم, ونبذل له التكريم الذي يستحق, فهو الذي يقود ركب الحضارة, أولاً بعقله وأخلاقه وتربيته, وثانياً بقلمه الساهر على نقل المعارف من الأسلاف إلى الأخلاف, وثالثاً بورقته التي تحتضن الأبجدية النبيلة والأعداد السحرية. ويبقى شطر بيت الشعر الذي يقول «كاد المعلم أن يكون رسولا» صالحاً لكل زمان ومكان.