بين الفَتحة والكَسرة والضَمَّة

ترن‭... ‬ترن‭... ‬ترن‭...‬

هكذا‭ ‬ضرب‭ ‬جرس‭ ‬الفُسحة‭... ‬وخرج‭ ‬التلاميذ‭ ‬من‭ ‬فصولهم‭ ‬في‭ ‬هرج‭ ‬ومرج‭ ‬كعادتهم‭ ‬فرحين‭ ‬بهذا‭ ‬الوقت‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬يُمارسون‭ ‬فيه‭ ‬هواياتهم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قراءة‭ ‬ومُوسيقى‭... ‬هذا‭ ‬خلاف‭ ‬تناول‭ ‬الساندوتشات‭ ‬اللذيذة‭ ‬التي‭ ‬تعدها‭ ‬أمهاتهم‭ ‬لتناولها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يُضيع‭ ‬وقت‭ ‬الحصص‭ ‬الدراسية‭.‬

وساد‭ ‬الفرح‭ ‬جميع‭ ‬أرجاء‭ ‬المدرسة‭... ‬فالكُل‭ ‬سعيد‭ ‬وفرحان‭... ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬وسط‭ ‬تلك‭ ‬السعادة‭ ‬منطقة‭ ‬وحيدة‭ ‬سادها‭ ‬الهم‭ ‬والغم‭ ‬مُنذ‭ ‬صباح‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬الجميل‭... ‬وهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬صفحات‭ ‬كتاب‭ ‬النحو‭.‬

فعلامات‭ ‬ضبط‭ ‬الكلمات‭ ‬‮«‬الفتحة‮»‬‭ ‬و«الكسرة‮»‬‭ ‬و«الضمة‮»‬‭ ‬وأختهم‭ ‬الكبيرة‭ ‬‮«‬سكون‮»‬‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬حُزن‭ ‬وضيق‭... ‬وحدث‭ ‬بينهم‭ ‬حوار‭ ‬عنيف‭ ‬بدأته‭ ‬‮«‬الفتحة‮»‬‭ ‬قائلة‭: ‬آه‭... ‬لقد‭ ‬تعبت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭... ‬

أيدتها‭ ‬‮«‬الضمة‮»‬‭ ‬و«كسرة‮»‬‭ ‬قائلتين‭ ‬معها‭ ‬بالشدة‭ ‬نفسها‭: ‬ونحن‭ ‬أيضاً‭ ‬تعبنا‭.‬

تعجبت‭ ‬أختهما‭ ‬الكبيرة‭ ‬‮«‬سكون‮»‬‭ ‬قائلة‭: ‬مم‭ ‬تعبتن‭ ‬يا‭ ‬أخوات‭... ?! ‬إننا‭ ‬جالسات‭ ‬على‭ ‬حروف‭ ‬كتاب‭ ‬النحو‭ ‬لا‭ ‬نفعل‭ ‬شيئاً‭... ‬فمم‭ ‬تعبتن‭...?!‬

ردت‭ ‬عليها‭ ‬الفتحة‭ ‬بشدة‭: ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعبت‭ ‬منه‭ ‬يا‭ ‬أختاه‭... ‬فإننا‭ ‬نجلس‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحروف‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭; ‬ولا‭ ‬نفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬ذلك‭... ‬أليس‭ ‬أمراً‭ ‬مُملاً‭...?!‬

أجابتها‭ ‬السكون‭: ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬وظيفتنا‭... ‬فوظيفتنا‭ ‬ضبط‭ ‬نهايات‭ ‬الكلمات‭ ‬وحروفها‭... ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬أمراً‭ ‬هيناً‭... ‬أليس‭ ‬كذلك‭?!‬

اغتاظت‭ ‬‮«‬الضمة‮»‬‭ ‬وردت‭ ‬بصوت‭ ‬قوي‭: ‬لا‭ ‬تجعلي‭ ‬من‭ ‬نفسك‭ ‬شيئاً‭ ‬يا‭ ‬أختاه‭... ‬فنحن‭ ‬عديمات‭ ‬القيمة‭... ‬ليتنا‭ ‬حروف‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الحروف‭ ‬التي‭ ‬نقف‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬عمل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭... ‬فإننا‭ ‬شيء‭ ‬هامشي‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭!‬

ضحكت‭ ‬السكون‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭: ‬لا‭ ‬تُقللي‭ ‬من‭ ‬شأنك‭ ‬هكذا‭ ‬يا‭ ‬أختاه‭... ‬أتعلمين‭ ‬أننا‭ ‬نضبط‭ ‬نُطق‭ ‬تلك‭ ‬الحروف‭ ‬كي‭ ‬تدل‭ ‬الكلمة‭ ‬على‭ ‬المعني‭ ‬الصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يُريده‭ ‬ناطقها‭... ‬فمن‭ ‬دوننا‭ ‬يختلف‭ ‬نُطقها‭ ‬ولا‭ ‬يفهم‭ ‬مغزاها‭ ‬أحد‭.‬

ضحكت‭ ‬الكسرة‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭: ‬ها‭ ‬ها‭ ‬ها‭... ‬نحن‭ ‬نُغير‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭...?! ‬كيف‭ ‬هذا‭...?! ‬

أشارت‭ ‬‮«‬السكون‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬الموجودات‭ ‬فيه‭ ‬قائلة‭: ‬انظرن‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مثلاً‭ ‬‮«‬كِتابُ‭ ‬النحو‮»‬‭... ‬ما‭ ‬معناه‭ ‬يا‭ ‬أخوات‭...?!‬

ردت‭ ‬‮«‬الضمة‮»‬‭ ‬بسرعة‭: ‬إنه‭ ‬كتاب‭ ‬قواعد‭ ‬الكلمات‭ ‬وكيف‭ ‬تتعامل‭ ‬الكلمات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭...‬

تحدثت‭ ‬‮«‬السكون‮»‬‭ ‬بسرعة‭: ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أختنا‭ ‬‮«‬كسرة‮»‬‭ ‬موجودة‭ ‬أسفل‭ ‬حرف‭ ‬الكاف‭ ‬أليس‭ ‬كذلك‭...?!‬

أجابها‭ ‬الجميع‭: ‬نعم‭...‬

فاستكملت‭ ‬‮«‬الكسرة‮»‬‭ ‬حديثها‭ ‬قائلة‭: ‬أتدرون‭ ‬أنكن‭ ‬إذا‭ ‬غيرتن‭ ‬من‭ ‬وضعكن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬فستُغيرن‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭.‬

تعجبت‭ ‬الضمة‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭: ‬كيف‭ ‬هذا‭...?!‬

ابتسمت‭ ‬‮«‬السكون‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تصطحب‭ ‬أختها‭ ‬‮«‬ضمة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬حرف‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭; ‬وأبعدت‭ ‬أختها‭ ‬‮«‬كسرة‮»‬‭; ‬وهي‭ ‬تقول‭: ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬إذا‭ ‬جاءت‭ ‬أختنا‭ ‬‮«‬ضمة‮»‬‭ ‬في‭ ‬البداية‭...?!‬

نظر‭ ‬الجميع‭ ‬للعنوان‭ ‬وهُن‭ ‬مُتعجبات‭ ‬من‭ ‬تغييره‭; ‬فاستكملت‭  ‬‮«‬السكون‮»‬‭ ‬حديثها‭ ‬قائلة‭: ‬سيصير‭ ‬العنوان‭ ‬‮«‬كُتَّاب‭ ‬النحو‮»‬‭... ‬لذا‭ ‬سيصير‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مُخالفاً‭ ‬تماماً‭ ‬لمعناه‭; ‬لأنه‭ ‬سيكون‭ ‬كتاباً‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الكُتاب‭ ‬الذين‭ ‬يكتبون‭ ‬النحو‭... ‬وليس‭ ‬كتاباً‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬النحو‭ ‬وقواعده‭; ‬فقد‭ ‬تغير‭ ‬المعنى‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تغير‭ ‬موضع‭ ‬إحداكن‭ ‬من‭ ‬مكانها‭... ‬لذا‭ ‬أعرفتن‭ ‬فائدتكن‭?! ‬فإننا‭ ‬كالجندي‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬ليحرس‭ ‬مُعسكره‭ ‬ولا‭ ‬يترك‭ ‬موقعه‭... ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬هذا‭ ‬الجندي‭ ‬ينهزم‭ ‬المُعسكر‭ ‬من‭ ‬الأعداء‭... ‬ومن‭ ‬دوننا‭ ‬تتغير‭ ‬معاني‭ ‬جميع‭ ‬كلمات‭ ‬كتاب‭ ‬النحو‭.‬

هُنا‭ ‬برقت‭ ‬أعين‭ ‬‮«‬الكسرة‮»‬‭ ‬و«الضمة‮»‬‭ ‬و«الفتحة‮»‬‭; ‬وعُقد‭ ‬لسانهن‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭; ‬فلقد‭ ‬عرفت‭ ‬كُل‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬فائدة‭ ‬مهمة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬فائدة‭ ‬الحروف‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬عليها‭... ‬وابتسم‭ ‬الجميع‭... ‬وشعرن‭ ‬بالسعادة‭.‬

وضرب‭ ‬الجرس‭ ‬من‭ ‬جديد‭... ‬وعاد‭ ‬التلاميذ‭ ‬إلى‭ ‬فصولهم‭ ‬ليتعلموا‭ ‬النحو‭ ‬ويتعلموا‭ ‬مكانة‭ ‬علامات‭ ‬ضبط‭ ‬الكلمات‭ ‬وفضلها‭.‬