"المركز العلمي" صرح حضاري كويتي ينطلق إلى المستقبل

  "المركز العلمي" صرح حضاري كويتي ينطلق إلى المستقبل
        

عدسة: فهد الكوح

لم يكن الصيف قد بدأ بعد، لكن بشائره القائظة كانت قد باتت تلفح وجوه الناس، وهي في طريقها إلى واجهة الكويت البحرية، التي ظلت ملاذا تنكسر عليه، مع رذاذ البحر الطالع من بين شواطئه، شدة الهواء الصاهد.

         على هذه الواجهة التي تلتف دائريا لعشرات الكيلومترات حول الكويت ومحافظاتها الست, وفي الوسط منها ثمة مبنى باذخ البهاء, يقتطع مساحة ألف متر من الشاطىء الجميل, ويتمدد فوق ثمانين ألف متر مربع في منطقة (رأس الأرض) السياحية في منطقة السالمية الكائنة على الساحل الكويتي, إنه (المركز العلمي) الأول من نوعه والأكثر فرادة في الشرق الأوسط وإفريقيا.

         الفكرة بدأت بمبادرة من صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي يترأس مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي, الساعية بدأب منذ نشأتها عام 1976 إلى تطوير وتحديث العلم والتكنولوجيا في دولة الكويت من خلال رعاية البحوث الأساسية والتطبيقية وتمويل المشاريع العلمية والاقتصادية والاجتماعية, وكذلك تقديم العون للقائمين على التنمية الفكرية, ومساعدة أصحاب البحوث العلمية المتخصصة, وتقديم المنح الدراسية والتدريبية والجوائز التشجيعية للدارسين والباحثين في المجالات العلمية المختلفة.

         والتقط مجلس إدارة المؤسسة, ذات النفع العام, والذي يضم ستة أعضاء تختارهم الشركات الكويتية المساهمة في ميزانية المؤسسة لمدة ثلاث سنوات, هذه الفكرة وبدأ في مباشرة تنفيذ مشروع ترفيهي وتثقيفي بلغت تكلفته الإجمالية 25 مليون دينار كويتي (نحو 82 مليون دولار أمريكي) هو بكل المقاييس أحد المشروعات الحضارية الرائدة في منطقة الخليج إذ يجمع في مبناه أصالة الماضي وعراقته مع تطورات الحاضر وتقنياته المتقدمة, مازجاً بين العلم والفن والترفيه بأحدث الأساليب وأكثرها تأثيرا.

         ومنذ أكتوبر عام 1996 بداية الفكرة وحتى 17 أبريل 2000 موعد قيام سمو أمير دولة الكويت بقص شريط الافتتاح خاضت المؤسسة غمار التحدي لإقامة هذا المركز العلمي بعد أن وضعت أمامها هدفين, الأول أن يكون هذا المركز رمزاً حيوياً ومتميزاً يتيح لزائريه خوض تجارب فريدة للتعلم والترفيه لا تتوافر في أي مكان آخر, والثاني يتمثل في إثارة الاهتمام وتعزيز المعرفة وزيادة الوعي عند الجمهور للمحافظة على الأنظمة البيئية للخليج العربي وأطرافه الساحلية والأراضي الصحراوية المحيطة به.

         قبل الدخول إلى باحة البهو الرئيسي للمركز العلمي يلاحظ المرء كثافة أشجار النخيل التي تحيط بالمبنى وتمنحه مع زرقة مياه الخليج ألقا وجمالا, وبعد قطع الرصيف الممتد حتى المدخل الرئيسي, يجد الزائر نفسه أمام ثلاثة أقسام يتكون منها هذا الصرح العلمي والترفيهي المهم, هي الاكواريوم وقاعة الاستكشاف وسينما (آي ماكس) IMAX theater إضافة إلى مرافق أخرى مثل المطاعم ومحال بيع الهدايا, ومرسى السفن الشراعية (متحف) الذي يقع على مساحة 2000 متر مربع, ويتم فيه عرض سبع سفن شراعية تمثل نماذج للسفن التقليدية التي استخدمت في الكويت ومنطقة الخليج العربي.

         انطلقنا إلى القسم الأول في (الاكواريوم) الذي ينقسم بدوره إلى ثلاث بيئات رئيسية تتشابه ومثيلاتها في الجزيرة العربية هي البحر والساحل والصحراء. وفي تلك البيئات التي يضمها هذا الاكواريوم وهو أيضا الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط, والذي يكمن الهدف من انشائه في نشر المعرفة البيئية في منطقة الخليج العربي, يمكن للمرء أن يطلع على البيئات الطبيعية في البحار عبر أنفاق غنية بالحياة البحرية, والمواطن الطبيعية في الصحارى وفي الأطراف الساحلية بشبه الجزيرة العربية وهذه الأماكن الثلاثة تضم أصنافا من الحيوانات والنباتات الحية.

         وتضم منطقة البيئة الصحراوية العديد من الحيوانات والطيور فإلى جانب العقارب والسحالي والبوم والقنافذ, يقعي ثعلب الصحراء المعروف بالحصني, وقط الوشق, إلى جانب الجرابيع والضب والأفاعي والخنافس, والخفافيش وطيور (الترمة) و(الشرياصة) الجارحة.

         أما في منطقة الحياة البحرية فهناك العديد من الأحواض, من أكبرها ذلك الذي خصص للشعاب المرجانية وتصل سعته إلى 100 ألف لتر ويأوي العديد من الأسماك الاستوائية, إلى جانب حوض آخر تصل سعته إلى مليون ونصف المليون لتر ويأوي كائنات المياه العميقة مثل أسماك القرش واللخمات, بالإضافة إلى أحواض أصغر حجما للأسماك المألوفة والخثاق والاخطبوط والسردين والتونة وأسماك الشعاب المرجانية, في الوقت الذي يمتد فيه نفق شفاف مصنوع من ألواح الاكريليك موفرا لعشاق البيئة البحرية العميقة فرصة التعرف عليها بالدخول في هذا النفق الذي تفضي نهايته إلى حوض رئيسي يصل عمقه إلى سبعة أمتار.

         وفي المنطقة الثالثة المخصصة للبيئة الساحلية, هناك مجموعة واسعة من الكائنات بدءاً بالطيور وأسماك مناطق المد والجزر وأسماك مستنقعات القرم وانتهاء بثعالب الماء والتماسيح.

         وفي قسم الاكواريوم يبرز دور الشباب الكويتي في خدمة وطنه والعمل ليلا ونهارا لإنجاز مثل هذا الصرح.

         وتقول دينا البعيجان خبيرة الاحياء البحرية إن عملها في فريق الغوص الذي يتكون من 10 أشخاص أتاح لها فرصة نادرة لرؤية أحياء لم ترها من قبل, وتضيف: كلما شاهدت هذه الاحياء, أشعر أنه مازال هناك المزيد والغريب منها يستحق البحث والمشاهدة, وتقول إن 75% من الأسماك الموجودة في الاكواريوم هي من الكويت والباقي 25% من البحر الأحمر وجنوب إفريقيا وجنوب شرق آسيا.

         أما يعرب اليحيى وهو خبير أحياء بحرية وغواص فيقول إن الحوض الأكبر يحتوي على مليون ونصف مليون لتر ماء, وقد قسمت الأحواض لعدة تصنيفات حسب نوع الأسماك فيها ونشاطها وحياتها ودرجة حرارة المياه التي تعيش فيها, فهناك حوض أسماك الخليج ويضم أربعا من أسماك القرش إضافة إلى حوض الأحياء الساحلية وحوض البحر الأحمر. والأحواض المرجانية.

         وتقول سامية الدعيج التي قامت بدراسة علم الجينات في جامعة مانشستر ببريطانيا وتعمل خبيرة أحياء بحرية, إنها أحبت البحر وتعلمت الغوص وقامت بتأهيل نفسها لمثل هذه المهنة (وذلك لأهمية البيئة البحرية للكويتيين ولأنني من أشد المؤمنين برسالة المركز وهي تعليم الناس كنوز البيئة الكويتية. فالغوص في البداية أشعرني بنوع من الارتباك إلاأنني تغلبت على هذا الإحساس وتعلمت الكثير من هذه المهنة مثل الصبر وكيفية التعامل مع الطبيعة البحرية ومع الأجهزة المعقدة وقد أدى ذلك إلى زيادة الوعي البيئي لدي وتقديري لهذه البيئة العظيمة).

         وتضيف: ان المشاكل التي تواجهنا تتمثل في الأمراض التي قد تصيب الأسماك وهذه الأمراض قد تكون معدية للأسماك الأخرى, وتؤكد أن التعامل مع تلك الأسماك يجب أن يتم بعناية وبحذر ولطف بسبب حساسيتها المرهفة, فهي لا تقبل أبدا التغيرات المفاجئة التي تعد من العوامل الأساسية لوفاتها. وقد حدث موقف مؤثر وهو موت (لخمة عملاقة) وجدت في مياه الكويت إلا أنها لم تتحمل التغير المصاحب لانتقالها من بيئتها إلى الاكواريوم.

         كما أن حرارة المياه والضغط ودرجة ملوحة المياه ونظافتها تؤثر بشكل أساسي في حياة تلك الأسماك, تقول: (في عملنا هذا نقوم بالتركيز على التعامل التدريجي المؤدي لتكيف تلك الأسماك مع بيئتها الجديدة).

         أما عهود الرقم خريجة قسم الأحياء والكيمياء في جامعة فرجينيا وتعمل خبيرة أحياء برية فتقول: أحببت التعامل مع الحيوانات عن قرب وتعلمت فعلاً كيفية صيدها وتغذيتها والتعايش معها.

         وفي البداية كنت خائفة إلا أن الجرأة تغلبت علي واعتدت ذلك. وتضيف: اغلب الحيوانات الموجودة في الاكواريوم هي من الصحراء الكويتية وبالتحديد من منطقة كبد في الصليبية حيث مركز الأبحاث التابع للمؤسسة.

         وهذه الحيوانات يكون التعامل معها بذكاء حتى تتأقلم جيدا مع درجات الحرارة, ومتى ما بدأ التزاوج بين تلك الحيوانات نستطيع القول إنها تعيش راحة نفسية في بيئتها الجديدة.

خلية نحل

         في قاعة الاستكشاف العجيبة, كان الأمر أشبه بخلية نحل, فتلك القاعة الواقعة على مساحة 1400 متر مربع, والتي صممت لإدخال البهجة إلى قلوب الصغار والكبار على السواء, يحتشد فيها عالم من الغرائب تشمله معروضات يمكن للزائر لمسها وتجربتها فعلياً في بيئة حية يكون التعليم فيها تجربة ممتعة حقاً.

         وتنقسم صالة الاستكشاف إلى سبعة أقسام هي الماء, والأرض, والهواء, والمتعلمون الصغار, والواحة, وميناء السفن, وغرفة الموارد وتضم الكتب والمجاهر والألغاز ومركز الخرائط ومحطات الكمبيوتر الموضوعة على الإنترنت, ويسمح للزائر بأن ينتقي منها ما يثير اهتمامه وبأن يختار ما إذا كان يريد العمل منفرداً أو مع غيره من الزائرين. وبأن يبقى في قاعة الاستكشاف لبضع دقائق أو لساعات عديدة.

         ويستطيع الصغار في هذه القاعة قيادة مركبة تحميل كبيرة صفراء (نموذج كرين) لالتقاط الصور وتحميلها على شاحنة ويمكنهم الصعود إلى حجرة قيادة طائرة, والطيران حول مدينة الكويت ثم الهبوط بطائرتهم.

         ويمكن للضيوف الصغار أن يدرسوا السراب وأن يرسلوا غواصا لالتقاط المحار من أعماق البحر قبل أن يضطر للصعود ثانية, إلى السطح للتنفس, فيما يمكن المشي خلف شلال ماء والصعود إلى مركبة فضائية لتجربة عملية الملاحة في الفضاء أثناء الليل أو الصعود إلى إحدى السفن التقليدية التاريخية لاستذكار أيام الملاحة الشراعية والرحلات التجارية البحرية في الأيام الغابرة, أو استكشاف العديد من المعروضات الأخرى ذات الجمال الساحر.

         أما الزائر الأصغر سنا فله مكانه الخاص. وهو (خيمة المتعلمين الصغار) حيث يمكنه الزحف  عبر لعبة على شكل متاهة أو إدارة عجلات لجعل آلات موسيقية على شكل جدار تعزف له ألحانا, أو مراقبة انعكاسات صورته في المرآة التي تتغير أشكالها بصورة هزلية, أو الاختيار بين الإمكانات العديدة, أو مجرد الجلوس منفرداً لرسم الصور وترتيب المكعبات فوق بعضها البعض.

         الطلاب الأكبر سناً أيضاً يجدون المتعة في هذه القاعة فمنضدة البترول مثيرة لاهتمامهم بمختلف أجهزتها التي تساعدهم على استكشاف فيزياء الحركة.

         فيما يمكنهم الاطلاع على أحدث الأسطوانات المدمجة التعليمية في محطة الكمبيوتر في غرفة الموارد, أو التعرف على الطريقة التي تؤدي فيها قشرة الأرض إلى حدوث الهزات الأرضية وثورات البراكين. إن مجالات الاختيار عديدة حقاً لإجراء الاختبارات والاستكشاف وكذلك لإجراء دراسات جادة.

         إنها حقا قاعة تجمع العلم والفن والتاريخ والتراث والثقافة معا لخلق جو من الفرح والسرور للصغار يسحر الألباب, وخلق بيئة تجتذب تحدي الزائرين للاستكشاف والملاحظة والتعلم والاستفسار من خلال النشاطات العلمية العملية وربط الماضي بالحاضر وتقنية المستقبل.

تشويق ومغامرة

         ولمزيد من الاهتمام وحب الاستطلاع والاستكشاف والإثارة توجد سينما اي ماكس ومعناها الصورة القصوى) وهي من أفضل أنظمة العرض السينمائي في العالم. فهي تعرض الصور بشكل رائع ومشوق لم يسبق له مثيل من حيث الحجم والوضوح والمؤثرات مصحوبا بنظام صوتي جبار مصمم خصيصا لمثل هذه العروض ويتكون من 6 قنوات وسماعات متعددة وتنعكس هذه الصورة على شاشة ضخمة.

         إن معدات العرض والصوت تعطي الشعور بأن الزائر موجود هناك في داخل الحدث وأن مجريات الفيلم تدور من حوله فتنقله إلى أماكن بعيدة وغريبة كأعماق المحيطات أو الفضاء الخارجي بصحبة رواد الفضاء, هذا الإحساس الرائع بفضل نظام آي ماكس الصوتي الرقمي يزيد على 8000 واط يعرض أمامه على شاشة عملاقة يبلغ ارتفاعها 15 مترا وعرضها 20 متراً.

         وهذا النظام يستخدم الأفلام الأكثر عرضا في تاريخ العرض السينمائي, أفلام عرض 70 ملم تعرض أفقيا ويبلغ مدى كل إطار 15 ثقبا أي عشرة أضعاف حجم الإطار التقليدي العادي البالغ 35 ملم مما يجعل الرؤية مذهلة. إنها حقا مثيرة للاهتمام لمن يرغب في المزيد من التعلم واكتساب المعرفة لدى الكبار والصغار من جميع الأعمار.

السفن الشراعية

         بعد تحرير دولة الكويت وجد الكويتيون أنفسهم, وقد فقدوا كثيراً من مقتنياتهم التي لا تعوض بثمن كالقطع النادرة في المتحف الوطني والمخطوطات وغيرها. ومن أهم المفقودات (بوم المهلب) وهو سفينة شراعية كانت تستخدم قديما في نقل البضائع, كان راسيا في المتحف الوطني قبل أن يتم حرقه وتدميره تماما أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990, هذا ما قاله المهندس مجبل المطوع مدير المركز العلمي الذي أضاف أنه منذ تلك اللحظة أمر سمو أمير دولة الكويت رئيس مجلس ادارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بالبحث عن (بوم) بديل. وقد كلفت المؤسسة مركز البحوث والدراسات الكويتية القيام بتلك المهمة حتى عثر الدكتور يعقوب الحجي الباحث في مركز البحوث على البوم السفار (فتح الخير) في ميناء دبي في عام 1991, للتاجر الكويتي محمد ثنيان الغانم وقتذاك وكان مستمراً في نقل البضائع من موانئ إيران إلى موانئ الإمارات. وقد قامت المؤسسة بشرائه من مالكه وتم نقله من موانئ دبي إلى ميناء الدوحة في دولة الكويت ومن ثم إلى ميناء (رأس عشيرج) بمنطقة الدوحة شمال الكويت وكانت تكلفة شرائه وسحبه بواسطة سفينة أخرى وترميمه وتصليحه ما يقارب (80) ألف دينار كويتي (نحو 250 ألف دولار أمريكي).

         ولحسن الحظ فإن من بنى بوم (فتح الخير) الحاج علي عبدالله عبدالرسول في عام 1938 كان على قيد الحياة. حيث كلفته المؤسسة ترميمه في عام 1992.

         وبذلت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي جهودا كبيرة في نقل (بوم فتح الخير) من البحر إلى اليابسة بمنطقة الدوحة, حيث أنشأت من أجله متحفا بحريا لارتياد الزائرين من الجمهور خلال الفترة من عام 1994 وحتى عام 1999 تم خلالها تصميم وإنشاء المركز العلمي التابع للمؤسسة الذي يتضمن مرفأ حديثا مخصصا لبوم (فتح الخير) وأنواع أخرى من السفن الشراعية التراثية. وهي (البتيل والسنبوك والجالبوت والشوعي والتشاله والماشوه والهوري والكيت), والتي تعتبر من سفن الغوص على اللؤلؤ الرئيسية التي اشتهرت قديما في الكويت وغيرها من موانئ الخليج حتى ساحل إيران.

         وفي الأول من رمضان الماضي تضافرت الجهود من أجل نقل (بوم فتح الخير) من اليابسة في منطقة الدوحة إلى البحر وسحبه إلى مكانه الأخير في منطقة السالمية حيث مقر المركز العلمي.

         وقد كلفت المؤسسة في تلك العملية فريق الغوص التابع لجمعية حماية البيئة الكويتية الذي يضم مجموعة من الشباب المدرب على أساليب الغوص الحديث وإخراج السفن التالفة من قاع البحار, بقيادة وليد الفاضل الذي أوضح لنا أن عملية النقل كانت صعبة للغاية, ولكن إصرارهم على إنجاح هذه العملية كان حلاً لهذه الصعوبات, وقامت المؤسسة باستشارة النوخذة الحاج عيسى بشارة بكل خطوة في تلك العملية. وقد كان موجودا في موقع العملية حتى ساعات متأخرة من الليل وفي ساعات مبكرة من الصباح. جدير بالذكر أن النوخذة عيسى بشارة كان هو النوخذة (قائد السفينة الشراعية) لبوم فتح الخير من عام 1941 إلى عام 1953. وقد أعرب النوخذة بشارة عن سعادته البالغة حين رأى بوم فتح الخير بعد رحلة طويلة من الزمن فقال: تأملنا هذه السفينة ونحن لا نصدق أنها عادت بالفعل إلى البلاد بعد 57 عاماً من صناعتها.

         وقد تعرف على البوم من خلال مواصفات خاصة تأكد بها أنها هي السفينة الكويتية نفسها ومن العلامات المميزة للبوم (فتح الخير) وجود عمودين يحملان السطح العلوي (المندات) أحدهما من خشب الأبنوس (السيسم) والآخر من خشب المنطيح. إضافة إلى دليل آخر وهو أن هناك خشبة ممتدة على السطح العلوي تدعى (الفتن), ولقد أوصى النوخذة بشارة حين تسلم قيادة البوم بأن يوضع فوق (الفتن) لوح آخر لتقويته مشيرا إلى أن هذا اللوح مازال موجوداً حتى الآن, كما أن الألواح الستة السفلى من السفينة من ناحية القاعدة والتي تسمى (البيض) جميعها من خشب المنطيح ولما تم فحصلها تأكد له أنها كذلك.

         وصل البوم السفار بأمان إلى مكانه الأخير الواقع خلف مبنى المركز العلمي التابع لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي, ليظل رمزاً للتراث البحري الكويتي.

بداية الانطلاق

         وقد توج افتتاح المركز العلمي سمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وبرفقته رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة العماد إميل لحود, أما بقايا بوم المهلب الذي حرق فقد تم الاحتفاظ بها في المتحف الوطني, وقد أمر صاحب السمو أمير البلاد باعادة بناء المهلب حسب المواصفات التي كان عليها, وتم انجاز العمل على نفقة صاحب السمو الأمير, وقام بناة السفن الكويتية القديمة ببنائه في موقعه في المتحف.

         وألقى الدكتور علي عبدالله الشملان المدير العام لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي كلمة قال فيها: (إن هذا الصرح العلمي أنشىء بتوجيهات من سمو الأمير الحكيمة البناءة, ليكون هدية باسم سموه للأجيال القادمة وهذا المركز يحمل رسالة واضحة لنشر المعرفة وتنمية الوعي بالتاريخ وتقدير التراث والمحافظة على البيئة, والتعايش السلمي مع بديع صنع الله في هذا الكون).

         وأوضح الدكتور الشملان أن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي قامت بإنشاء شركة مساهمة مقفلة تعود ملكيتها بالكامل للمؤسسة وسميت (شركة إدارة المركز العلمي) وهي شركة تجارية تقوم بإدارة وتشغيل المركز العلمي وتعمل تحت مظلة واشراف مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

         ومن جهته, قال مدير المشروع المهندس مجبل سليمان المطوع (إن هذا المركز هو أحد المشروعات الحضارية الرائدة في محيطنا الخليجي وهو مشروع فريد في نوعه جمع أصالة الماضي وعراقته وتطورات الحاضر وتقنياته المتقدمة. ومزج بين العلم والفن والترفيه بأحدث الأساليب وأكثرها روعة وتأثيراً).

         ثم قام سمو أمير دولة الكويت وضيفه بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية للمركز, ثم قاما بجولة في أرجائه شاهدا فيها الأكواريوم ببيئاته الثلاث, وقاعة الاستكشاف التي تضم أكثر من مائة لعبة ومعروض علمي, ثم انتقلا إلى مرسى السفن وما يحتويه من أنواع من السفن التقليدية الخشبية المصنعة يدويا إضافة إلى بوم فتح الخير.

هدايا وعروض

         في إحدى ردهات المركز وقرب المدخل الرئيسي يوجد محل تبلغ مساحته 322 مترا مربعا يعرض مجموعة واسعة من البضائع المتعلقة بالعروض المتنوعة التي يراها الزائر للمشروع فهو أشبه بامتداد طبيعي لتجربة الزائر للمركز. فالمعروضات تشمل هدايا تصلح للزينة وللاستخدام العلمي. كما يتضمن المحل المجوهرات وكتب الأطفال والكبار ولعبا ثقافية وألعابا أخرى قرطاسية وأفلام فيديو واسطوانات مدمجة ومجموعة مختارة من أشرطة الفيديو عن الطبيعة,  كما يحتوي على القمصان والقبعات وربطات العنق وغيرها من الأشياء التي تحمل جميعها شعار المركز العلمي. إضافة إلى البطاقات البريدية المحلية للتركيز على التراث الحضاري المتميز لدولة الكويت, وإلى جوار هذا المحل المخصص للهدايا هناك المشروع الآخر الضخم في حجمه والهائل في إمكاناته والفريد في نوعه قد يحتاج من المرء إلى فترة طويلة قد تمتد لساعات للتجوال فيه, فإذا أحس بالجوع مثلا فلا يخلو هذا المشروع من مطعم ضخم يتسع لـ 250 شخصا. بإمكان الجمهور تناول وجباتهم في الخارج في الجزء المظلل, والمواجه للبحر. ولا تقتصر خدمات هذا المطعم على ضيوف المركز فهو متاح لخدمة الجمهور الذي يتمشى على الممشى الخارجي أيضاً.

         إن هذا المركز العلمي في النهاية هو صرح حضاري مهم انطلق من دولة الكويت ليشير إلى أن هذا البلد الخليجي قد تجاوز جروحه الأليمة, وأنه يسعى بجهد كبير للتعامل مع لغة العصر حيث يكون للعلم كلمته الحاسمة, ومنطقه الذي يفهمه الجميع في زمننا هذا.

أعضاء مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

  • عبدالرزاق الخالد الزيد  ـ رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت.
  • سعد علي الناهض.
  • أنور عبدالله النوري.
  • د. علي عبدالله الشملان (المدير العام).
  • حمد يوسف العيسى.
  • خالد عبدالله الصقر.
  • د. فهد محمد الراشد.
  • ويقوم بأعمال أمانة سر المجلس سليمان العوضي.

الدكتور فاروق الباز لـ"العربي":
أشعر بالفخر لوجود هذا الصرح العلمي المتميز في بلد عربي

         عقب حضور افتتاح المركز العلمي قال عالم الفضاء العربي الدكتور فاروق الباز في لقاء مع (العربي): عايشت فكرة المركز منذ البداية في عام 1992 عندما زارني الأخ الزميل د. علي الشملان وهو جيولوجي مثلي وأول جيولوجي كويتي يحصل على درجة الدكتوراه, عرفته 1974 منذ ربع قرن ولذلك نحن دائما التشاور في أمور البحث العلمي في العالم العربي.

         وقد ذكر لي فكرة سمو الأمير الخاصة بعمل مركز للأحياء البحرية وتناقشنا حوله, ثم تطورت الفكرة من متحف الأحياء المائية إلى مركز علمي متكامل يشتمل على الأحياء العلمية وطبيعة الكويت الصحراوية وكذلك مركز للاطفال للتعرف على الأشياء العلمية. وكذلك ايجاد مكان للسينما المجسمة, أي يكون مركزا عاما يستفيد منه الناس في التعرف على العلم, ويزداد شغف الأطفال بالذات عن طريقه بالمعرفة والمبادئ الأساسية للظواهر الطبيعية.

         وقد شرفني أن اشارك في إعداد الفكرة لبعض المعروضات عن الكويت والصحراء العربية, ونتيجة الابحاث التي قمنا بها عن طريق الصور الفضائية لدولة الكويت اقترحت إعداد خريطة كاملة للكويت من الفضاء بجانب (4) معروضات تشرح وضع الكويت في شبه الجزيرة العربية, وكذلك فهناك شيء مهم تعرفت عليه نتيجة لدراستنا وهي أن الكويت كانت من قديم الزمان دلتا لنهر جف فيما بعد. وكذلك تعرفنا على تفاصيل المياه البحرية القريبة من الساحل وكيف تتحرك التيارات البحرية في مياه الخليج, اضافة الى بيان تفصيلي لمدينة الكويت والتطور العمراني الذي حصل نتيجة لتخطيط سليم, وإقامة الطرق الدائرية لربط المدينة بعضها بعضا.

         لذلك فإن الزائر للمركز العلمي يمكن ان يتعرف على موقع الكويت وخصائصها الأساسية كما تشاهد من الفضاء, كذلك اقترحت اعداد رسم مجسم لطبقات الصخور الموجودة تحت قبة الجزيرة العربية بأكملها لكي يوضح اليابسة وما حولها من بحار شاملا البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عمان ومضيق هرمز والخليج العربي.

         ثم نوضح في هذا الشكل تضاريس الطبقات تحت سطح الأرض لكي يتعرف الناس على سمك القشرة الأرضية وما تحتوي عليه من أنواع الصخور ومكامن النفط.

         في هذا المكان يستطيع المشاهد أن ينظر إلى قطاع من شبه الجزيرة العربية ليتعرف على شكل التضاريس تحت سطح الأرض بوسيلة طريفة فيها بعض الترفيه ولكنها مخصصة للعلم والمعرفة لبيئة الكـويت وما حولها وما تحتها.

         وعندما افتتح المركز ـ وقد جئت خصيصاً لمشاركة الزملاء في الافتتاح ـ شعرت حقيقة بالفخر لوجود هذا الصرح العلمي المتميز في دولة عربية, الغرض الوحيد منه هو نقل العلم والمعرفة عن الكويت وبيئاتها وما يجري حولها, إضافة إلى التعرف على جزء مهم للغاية من تاريخ الكويت وهو تاريخ الإبحار للسفن, إذ يحتوي المركز على مرسى به نماذج من المراكب التي كان يستخدمها أهل الكويت في قديم الزمن ولذلك نجد أن هذا الصرح يشتمل على تراث الكويت والتعرف على أهم خصائصها بالتكنولوجيا المتقدمة وخاصة الصور الفضائية.

         وأنا في نظري أنه سوف يأتي إلى الكويت زوار من منطقة الخليج  للاستمتاع بزيارة هذا المركز.

         وأملي أن تقوم في باقي الدول العربية مراكز مماثلة حتى يمكن تأمين مستقبل جيد للجيل الناشئ, وخصوصا في جانب التعرف على التراث إضافة إلى العلم الحديث.

 

وفاء جوهر   

 




صورة الغلاف





المركز العلمي صرح حضاري كويتي ينطلق إلى المستقبل





الحوض الرئيسي للأحياء البحرية بعمق 7 أمتار





سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح يشاركه الرئيس اللبناني اميل لحود في قص شريط افتتاح المركز العلمي





شعار المركز العلمي يمثل البيئة البحرية الكويتية





الدكتور فاروق الباز يشرح لسمو أمير البلاد وضيفه العرض الجيولوجي لشبه الجزيرة العربية





سمو أمير البلاد يرأس اجتماع مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي





إحدى ردهات المركز العلمي تظهر فيها خطوط العمارة الإسلامية





خزانات الأسماك ومتابعة مستمرة من فريق العمل





طرق إبحار السفن الشراعية والمراكب هي أحد الألعاب التربوية في صالة الاستكشاف





متابعة من أحد المرشدين أثناء اختبار إحدى الألعاب





النوخذه عيسى بشارة





مرسى السفن الشراعية الواقع خلف المركز العلمي ويضم بوم فتح الخير بالإضافة إلى مجموعة من السفن الشراعية الكويتية القديمة





البيئة الساحلية وتتضمن طيورا من البيئة الكويتية





فريق الغوص أمام أكبر أحواض الاكواريوم الذي يسع مليونا ونصف مليون لتر من الماء





المهندس مجبل المطوع مدير المشروع





أنابيب الفقاعات أمام قسم الأكواريوم





قط الوشق النادر يوجد في البيئة البرية





أحد أحواض الشعاب المرجانية





تظهر رسومات السدو العربية على أطراف ممرات المركز