الطفولة لعبها وألعابها الحبيب الإمام

الطفولة لعبها وألعابها

يعتبر اللعب والألعاب أساس النمو العقلي والنفسي لدى الأطفال. وكما قال بعضهم: " الطفل الذي لا يلعب فاقد للحياة". ولقد لازمت اللعبة الإنسان منذ قديم العصور. وتثبت الحفريات والأبحاث التي قام بها بعض علماء الآثار والإنثروبولوجيا في مصر، أن الدمية أو العروسة، قد وجدت حتى في العصر الفرعوني، وأن الإنسان كان قد وضعها ووظفها لأغراض لا تختلف كثيرا عما هي عليه الآن.

في عصرنا الحاضر، نجد أن اللعب والألعاب هي الوسائل الأكثر شيوعا في الاستعمال اليومي لتربية الناشئة. وتوظف لها المجتمعات المتقدمة بنية أساسية ضخمة ومقدرات استثمار كبيرة، مما أهلها لأن تكون من أهم الصناعات الثقافية.

أما المجتمعات الأقل تقدما فلا تزال حظوظ اللعب والألعاب فيها غيرذات بال، باستثناء بعض البلدان الآسيوية، رغم ما يوفره خامها اليومي والتقليدي من ثراء في مواد اللعب التلقائي والعفوي، وكذلك ما يحتفظ به إرثها الحضاري والتاريخي من مخزون يمكن أن يكون ركيزة لتأسيس بنية ثقافية إضافية، ومجالا رحبا لإثراء مصادر وأدوات تنشئة الطفل التنشئة الأصيلة التي تستمد رموزها وأبعادها ودلالاتها من عمق التاريخ الثقافي والحضاري للمجتمع.

كما أن الساحة العلمية والفكرية لا تزال تفتقر إلى الأعمال والبحوث التي تساعد على تناول موضوع اللعب والألعاب بصفته حقلا معرفيا.

مفهوم اللعب

لم يرد في الأدبيات العربية مفاهيم محددة للعب. والغالب، أن الحديث عن اللعب جاء في سياق الحديث عن التربية. ففي كتابه "إحياء علوم الدين " ( ج 3، ص 59) يذكر الإمام أبوحامد الغزالي ما يلي: "ويعود الولد- في بعض النهار- المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل ". وفي موضع آخر يقول: "وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا، يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالعلم يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا ". وفي كتاب " القانون " يذكر الغزالي ما يلى: "وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم، ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة، ثم يطعم شيئا يسيرا، ثم يطلق له اللعب وقتا أطول، ثم يستحم ثم يتغدى. وإذا بلغ ست سنوات، فيجب أن يقدم إلى المؤدب والمعلم ويدرج أيضا في ذلك، فلا يحمل على ملازمة الكتاب كرة واحدة، وبتقدم السن ينقص من إجمامهم ويزاد تعبهم " (ج 1، ص 79)

فاللعب، في المجتمع الإسلامي لم يكن يحمل قيمته في ذاته. بل هو نوع من الفراغ أو النشاط الزائد، يمارسه الطفل للترويح والاستجمام، وكسب الجهد اللازم لتصريف شئون التعلم.

ويعتبر أفلاطون أول من اعترف بأن للعب قيمة عملية، ويتضح ذلك من خلال مناداته، في كتاب " القوانين "، بتوزيع التفاحات على الصبية، لمساعدتهم على تعلم الحساب، وبإعطاء أدوات عمل واقعية مصغرة لأطفال سن الثالثة الذين كان عليهم أن يصبحوا بناءين في المستقبل. وكان أرسطو يعتقد أن الأطفال ينبغي أن يشجعوا على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جدي كراشدين.

وقد ساد هذا المفهوم التوظيفي للعب حتى نهاية القرن التاسع عشر، وبداية ظهور الدراسات التي تتعرض للعب كسلوك تام.

وفي سنة 1928، درست " بارتن " PARTIN سلوك اللعب لدى الأطفال، وأمكنها أن تصف اللعب طبقا لمقدار السلوك الاجتماعي. وقد حددت ذلك على النحو التالي:

- اللعب الانفرادي: ويمارسه الطفل وحده مستقلا عن الآخرين ولا يبذل أي جهد للتقارب معهم.

- اللعب الخالي تماما من السلوك الاجتماعي: حيث يبدو الطفل وكأنه لا يلعب بالمرة. ولكنه يشغل نفسه بكل ما يشد انتباهه مؤقتا. وعندما لا يكون هناك ما يثيره، فإنه يلعب بجسمه كأن يصعد على كرسي ثم ينزل، أو كأن يدور هنا وهناك.

- سلوك المتفرج: حيث يقضي الطفل معظم أوقاته في مشاهدة الآخرين، ويسأل ويقدم مقترحات ولكنه لا يشارك في اللعب.

- اللعب المتماثل: حيث يمارس الطفل ألعابه مستقلا عن الآخرين رغم التشابه في الألعاب المتعاطاة بدون أي اتجاه نحو التأثير فيما تمارسه المجموعة.

- اللعب المشترك: حيث يمارس الطفل نشاطه اللعبي في حدود تبادل لمواد اللعب ومع تماثل وتشابه في نوع النشاط، لكن دون تنظيم أو خضوع لميول الجماعة.

- اللعب التعاوني حيثا تستند المجموعة في نشاطها إلى توجيه واحد أو اثنين لتوزيع الأدوار.

تطور اللعبة

وتعتبر الآن صناعة لعب الأطفال من الصناعات الثقافية التربوية البالغة الدقة والأهمية، وهي تحظى برواج كبير في السوق العالمية. وتتصدرها الصناعات الأمريكية والصينية واليابانية، وهي الأكثر انتشارا في العالم.

وبالنسبة لبعض الباحثين، فإن تطور لعب الأطفال يعود إلى الإمكانات الصناعية المتوافرة. ويقسم بنون PINON هذا التطور إلى ثلاث مراحل:

- المرحلة البدائية: وهي التي يتحصل فيها الفرد على لعبته بواسطة جهده الخاص أو من محيطه.

- المرحلة التقليدية: وهي المرحلة التي أصبحت فيها اللعبة نتاجا حرفيا.

- المرحلة الصناعية: وهي المرحلة التي أصبح فيها إنتاج اللعب وليد صناعة متكاملة، خاضعة لمقومات السوق ومتطلباته. بحيث أصبحت صناعة اللعب لا تقل قيمة عن أي صناعة ثقافية أخرى، إذ تقام من أجلها المعارض والصالونات وتنظم لها المؤتمرات والملتقيات، وتمنح لصانعيها الجوائز والأوسكارات.

ونظرا للطابع التثقيفي والتربوي لهذه الصناعة فإن أهل المهنة، وخاصة في البلدان المتقدمة، غالبا ما يهرعون إلى التربويين للاطلاع على أحدث الطرق والأساليب التي تمكنهم من تصميم اللعب الملائمة. وتقوم بتوجيه هذه الصناعة لجان تربوية وصناعية وسيكولوجية وطبية وجمالية، وهي تعمل على تحقيق الغايات التالية:-

- اختيار اللعب حسب التقسيم العمري للأطفال.

- تجربة السلاسل والمجموعات.

- تصنيف اللعب.

- نشر كتب الإشهار والدعاية للتعريف بالدور التربوي للعب.

- دراسة دور اللعب والألعاب في أوقات الفراغ.

- دراسة المكونات الجمالية للعب.

أهداف الألعاب وأسسها

1 - أهداف صناعة اللعب والألعاب: تهدف اللعب والألعاب إلى تنمية قدرات الطفل المختلفة وإلى تحرير طاقته والترويح عنه. وبواسطة اللعب يختبر الطفل الحياة ويتعرف على عالمه، ويختبر أولى محاولاته للتأثير في العالم الخارجى لإثبات الذات وتكوين الروابط وصنع الأشياء. وعن طريق اللعب يتمكن الطفل من تحقيق نمو جسمي متناسق. كما يساعد الحواس على التدرب ويهيئها للتعلم. كما يضمن اللعب تجدد الطاقة اللازمة للحيوية والنشاط. أما من ناحية الحركة، فإن اللعب يضمن إتقان الإشارات وبناء المهارات وتنمية التآزر الحسي الحركي مثل خبرات التحليل والتركيب، وينفس عن التوتر الجسمي والإرهاق العضلي. وينمي خبرة اختيار اللعب الابتكارية والتعليمية.

2 - أسس صناعة اللعب والألعاب:

* الأسس النفسية:

تقام هذه الأسس على ضمان الأهداف التالية:

- إرضاء دوافع الطفل وحاجاته النفسية، كالحرية والنظام والأمن والحل والتركيب والقيادة والاجتماع.

- تهيئة الطفل لاكتساب القدرة على التلقي والتعلم وتنمية أدوات الترميز كاللغة والحركة.

- إتاحة الفرص للطفل للتعبير عن حاجاته وميوله ورغباته.

- تمكين الطفل من التعرف على واقعه النفسي والتحكم فيه.

- تمكين الطفل من مواكبة خبراته ومراقبة نفسه ومتابعة أطوار نموها.

* الأسس العقلية:

تمكن اللعب والألعاب الطفل من تطوير قدراته وطاقاته العقلية والإدراكية. وهي تضمن المؤهلات التالية:

- تنمية القدرة على الفهم.

- تنمية الحواس وتدريبها على الإدراك والتعقل.

- توفير فرص الابتكار والإبداع.

- تنمية قدرات الطفل على التفكير المستقل.

- توفير فرص الانتقال من العمليات العقلية إلى نواحي النمو المختلفة.

* الأسس الاجتماعية:

ترتكز هذه الصناعة على ضمان الأبعاد الاجتماعية التالية:

- الانتقال من الفردية إلى الجماعية.

- الانتقال من الفردية السالبة إلى الروح الجماعية الموجبة.

- المشاركة الوجدانية والتضامن والمنافسة والطاعة.

- القيام ببعض الأدوار الاجتماعية والإيجابية.

التصنيف حسب العمر

إن تجربة ملاءمة اللعب مع النمو العمري للطفل تتطلب الكثير من الدقة. ونحن لن ندعي من خلاها أننا قد حددنا دليلا ليكون مرشدا لمديري حدائق ونوادي الأطفال. كما أننا لا ندعي الريادة في الموضوع، فهناك من سبقنا إلى مثل هذا العمل. بل كل ما يمكن أن نقوله هو أننا نحاول الإسهام في وضع توضيح لعلاقة اللعب والألعاب بعمر الأطفال.

- بداية من الشهر الثالث: في هذه السن المبكرة جدا يمكن للطفل أن يتعامل مع لعبة واحدة وهي لعبة الخشخاشة.

- بداية من الشهر الخامس: هذه السن هى بداية لمرحلة التعدد بالنسبة للطفل التي يمكن له خلالها أن يتعامل لأ أكثر من لعبة واحدة، إذ بالإضافة إلى الخشخاشة هناك الحلق البلاستيكية وما شابهها.

- بداية من الشهر الثامن: في هذه السن تصبح اللعب المقدمة ذات أحجام كبيرة نسبيا مثل الدمي والعرائس البلاستيكية أو المطاطية.

- بداية من الشهر الثاني عشر: خلال هذه المرحلة تصبح اللعب ذات حيوية وباعثة للنشاط ( الملء، التفريغ ، الطي، التمزيق) ولعبا مقلدة للحيوانات لإثارة الرغبة في اللمس.

- من الشهر الخامس عشر إلى الشهر الثامن عشر: خلال هذه الفترة يصبح الطفل قادرا على التعامل مع كتب الرسوم ذات صور اللوحة الواحدة. ويمكن أن تكون هذه الكتب من القماش القابل للغسل أو من الورق المقوى المطعم بمادة البلاستيك.

- بداية من الشهر الثامن عشر: في هذه المرحلة تصبح الدمية أو العروسة هي اللعبة المحبذة لدى الطفل يمكن تقديم نماذج للعب صغيرة مقلدة عن الحيوانات الأهلية والأليفة.

- بداية من الشهر الواحد والعشرين: بداية من هذه السن إلى نهاية السنة الثانية، يمكن أن نقدم للطفل كل أنواع اللعب التي تؤدي وظائف التنظيم والتجميع والملء والتوسيع والتضييق والتضخيم والتقليص، مثل المكعبات والعلب والقوارير البلاستيكية وغيرها.

- خلال السنة الثانية: خلال هذه السن يمكن تدريب الطفل على ألعاب الاتزان والتوازن.

- خلال السنة الثالثة: في هذه المرحلة تقع مواصلة التدرب على وظيفة التوازن مع تمكين الطفل من وسائل عمل ومساعدة على التحفز الذاتي للقيام بذلك النشاط باستعمال العربات البلاستيكية والدراجات ذات العجلات الثلاث والسلالم. كما يمكن حث الأطفال على ممارسة قدراتهم على الخلق كأن نطلب منهم تنفيذ بعض الألعاب المعتمدة على التصوير باستعمال الأقلام اللينة والجيدة، أو بعض الألعاب الأخرى التي تعتمد على عمليات القطع بواسطة المقصات ذات الأطرف المنحنية وأوراق الزينة المختلفة، على أن يتم ذلك في وضع الوقوف.

- خلال السنة الرابعة: في هذه المرحلة يمكن للطفل القيام ببعض الأشغال البدنية مثل الجري والقفز والتسلق والتأرجح. كما يمكنه الاستفادة من الكتب المجسمة بالصورة ومن الاسطوانات الموسيقية ومن الصور الثابتة على أن تكون خالية من التعقيد.

- من سن سبع سنوات إلى سن الثانية عشرة: خلال هذه المرحلة تصبح مجالات الاختيار متعددة فيمكن أن تكون مقروءة أو مسموعة أو خيالية أو عقلية أو محسوسة أو مجردة. كما تتاح للطفل مجالات للذوق الفني والجمالي. وتصبح الحركة جزءا من محيط النشاط: ويصبح التركيز مقافا أساسا على ملاءمة حركة الطفل الذاتية مع الفضاء الخارجي.

إن قيمة اللعبة لا تكمن في نوعية المادة التي صنعت منها ولا في مدى شهرة المؤسسة التي صممتها أو أنجزتها، بل إن كل القيمة تكمن في الأبعاد التي ترمي إليها والقيم التي تحملها. لذا، فإن أي محيط حقيقي، ومهما كانت بساطته الظاهرية يمكن أن يكون مجالا مهما وثريا للعب. إلا أن المربي هو الذي يعطي للعبة قيمتها الحقيقية، من خلال الطرق التي سيعتمدها في تحديد المجال اللعبي. ويبقى الوعي بقيمة النشاط المنجز هو المحدد الأساسي له، فلا مجال للعجز أمام الافتقار الظاهري الذي تشكو منه بعض المجتمعات غير المصنعة لوسائل اللعب العصرية، ولا فائدة ترجى من وراء التهافت الرهيب على اقتناء ما تروجه الأسواق الاحتكارية العالمية. أما التجاوز فإنه ممكن بفضل قوة الإرادة التي يجب أن يتحلى بها المربي وكذلك بفضل قدرته على الاستنباط والابتكار.

 

الحبيب الإمام

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات