بين مجتمعين .. الانتماءُ لأيِّ أرض؟ والولاءُ لِـمَن؟

بين مجتمعين ..  الانتماءُ لأيِّ أرض؟ والولاءُ لِـمَن؟

تميز عبدالله غلوم الصالح خلال السنوات القليلة الماضية بإنتاجه الثقافي في مجال العلوم الاجتماعية، وألَّف عدداً من الكتب في هذا المجال الذي تندر فيه الدراسات في هذه المنطقة من العالم. لكن الكتاب الأخير، الذي صدر عن دار مدارك للنشر في دبي (الطبعة الأولى يونيو 2012) تحت عنوان «بين مجتمعين .. الانتماء لأي أرض؟ والولاء لمن؟» والذي شاركته في تأليفه الدكتورة مها ناجي غنام، يمثل نقلة نوعية في الدراسة الاجتماعية والبحث في المسألة الديمجرافية وتطور المجتمعات الخليجية. يحوي الكتاب 370 صفحة، ويعتمد على أكثر من مرجع علمي وإعلامي، عربي وأجنبي. 

 

يعتمد الكتاب على سبعة فصول أساسية حيث يطرح الأستاذ عبدالله غلوم الصالح رؤيته في مسألة محددة من مسائل البحث، وتطرح الدكتورة مها ناجي غنام وجهة نظرها في المسألة المطروحة في الفصل. وقد ركزت الفصول على المواضيع التالية:
بين ثنائية الهوية وازدواجية الجنسية.
الحراك الاجتماعي في المجتمع الكويتي.
ديمجرافية السكان الكويتيين.
الكويتيون أقلية في بلادهم.
الأقليات المتمايزة.
الربيع العربي ينعش آمال الأقليات بوطن قومي.
نماذج لأقليات تصدرت صانعي القرار في دول المهجر.
أكد المؤلفان في مقدمة الكتاب أهمية وضعية الكويت في الخليج العربي وتميزها من حيث التأسيس والتكوين، وأشارا إلى أن تأسيسها في القرن السابع عشر الميلادي تزامن مع هجرات شرقية وغربية وجنوبية وشمالية. كذلك فإن التطور الحديث في الكويت، ومنذ بداية عصر النفط في أواخر أربعينيات القرن الماضي، واكب هجرات مهمة إلى البلاد من البلدان المجاورة والبعيدة، وتمكن عدد كبير من هؤلاء المهاجرين من كسب جنسية البلاد وظل آخرون بمنزلة وافدين مستقرين ومتحركين. وفي إطار التدقيق في المواطنة يوضح الكاتبان أن هناك ازدواجية في الولاء للمواطنين بين أصولهم ووطنهم الجديد وتتفاوت هذه الازدواجية على عوامل عديدة أهمها؛ المدى الزمني للاستقرار في البلاد وعناصر التحضر التي جاء بها هؤلاء الوافدون. كذلك هناك قضية الوافدين من غير المواطنين الذين قدموا إلى الكويت وغيرها من بلدان الخليج من أجل العمل وكسب الدخل الملائم لمواجهة أعباء الحياة ودعم أهليهم في بلدانهم، ومدى تأثير هؤلاء على نوعية الحياة في بلدان الخليج وتماسكها المجتمعي، وأيضاً، التأثير على الأنماط السلوكية، وأهمها ما يتصل بمنظومة القيم في العمل والإنتاج والمساهمة الاقتصادية من قبل الأجيال الشابة من المواطنين في بلدان المنطقة.

بين ثنائية الهوية وازدواجية الجنسية
طرح موضوع ازدواجية الجنسية في الكويت خلال السنوات الماضية بطريقة مقيتة وغير موضوعية واستخدم من أجل كسب الود السياسي. ومن المعلوم أن حكومة الكويت خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وبعد اعتماد المرسوم رقم 15 لسنة 1959 الخاص بالجنسية الكويتية ومنح شهادات الجنسية للمواطنين الذين وجدوا أو وجدت أصولهم، في الكويت قبل عام 1920، قامت بتجنيس العديد من الوافدين العرب، وخصوصاً من أبناء القبائل المتحركين شمالاً وجنوباً، وكذلك عدد من القادمين من الجانب الفارسي من الخليج. ذلك التجنيس، يذكر الكثير من المخضرمين، بأنه جرى لأسباب سياسية، وتغيير الأوضاع السكانية بما يضعف من الدور المحوري للكويتيين الأصليين في العملية السياسية بعد أن اعتمدت البلاد نظاماً دستورياً. يعتقد عدد من الكويتيين، أن الكثير من هؤلاء المتجنسين قد كسبوا المواطنة دون استحقاق وأنهم منحوا الجنسية بموجب المادة الأولى من القانون، بما يعني مساواتهم بالمواطنين الأصليين. كما أشار من أثار مسألة الازدواجية إلى أن العديد من هؤلاء احتفظ بجنسيات أوطانهم الأصلية، ومنها بلدان خليجية أو سورية أو العراق، بيد أن طرح هذه المسألة بعد مرور أربعة أو خمسة عقود من الزمن أصبح مثيراً للأزمات ويزيد من التوجس في أوساط عديدة في المجتمع الكويتي. كان يفترض أن يتم استيعاب المتجنسين، مهما كانت مبررات تجنيسهم أو سلامتها، من خلال ثقافة وطنية تؤدي إلى انصهارهم في بوتقة الحياة الكويتية «Melting Pot» كما جرى في مجتمعات عديدة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ومنها المجتمع الأمريكي والمجتمع الأسترالي.. ولا شك في أن الشعور بالازدواجية لدى أي مواطن في أي بلد في هذا العالم الواسع يؤكد فشلاً مؤسسياً وعجزاً في النظام التعليمي والحياة الثقافية التي لم تؤطر التنوع بما يخدم التماسك الاجتماعي. وغني عن البيان أن هناك من الكويتيين من يتحفظون على منح الجنسية للآخرين بدعوى أن هؤلاء يطمحون للحصول عل مزايا المواطنة في دولة تعتمد سياسات رعوية، أو دولة الرعاية والرفاه دون أن يتجشموا عناء المساهمة في العمل الإنتاجي، كما يحدث في المجتمعات الأخرى التي تحمل كل مواطن ومقيم التزامات مهمة تجاه الدولة من أهمها الضرائب على الدخل والالتزام بتحمل تكاليف الخدمات الأساسية كافة.

الحراك الاجتماعي في المجتمع الكويتي
يتطرق الكاتبان في هذا الفصل لمسألة التطور الاجتماعي والسياسي في الكويت، خصوصاً منذ بدايات القرن الماضي. بيد أنهما يتطرقان لتأسيس المدرسة المباركية في عام 1911، ويؤكدان أهمية هذه المدرسة التي أقيمت بجهود مجتمعية وبأموال الأسر الميسورة في الكويت، وبعد ذلك أقيمت المدرسة الأحمدية بدعم من أمير الكويت الراحل المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح... كذلك تمكن الكويتيون في العقد الثاني من القرن العشرين، وتحديداً في عام 1913، من تأسيس جمعية خيرية، ويشير الكاتبان إلى أهمية قيام «المكتبة الأهلية» في عام 1922 وبعدها «النادي الأدبي» في عام 1924. هذه التطورات في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين أكدت تحسن المستوى الثقافي وانتشار الفكر التنويري في البلاد. ولابد من الإشارة لتأثيرات العمل التجاري الذي مكّن من التواصل مع بلدان عديدة مثل الهند والعراق والبحرين، حيث كانت المستويات التعليمية والثقافية في حال تطور. هذه الأنشطة التجارية والتواصل مع الشعوب الأخرى عززا الاهتمام لدى نخبة من الكويتيين بعملية التعليم وتأصيل الثقافة في البلاد. وبالرغم من وجود عناصر محافظة في المجتمع الكويتي فإن الكويتيين ظلوا تواقين لتحصيل العلم والمعرفة. كما أن فترة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح أدت إلى تعزيز عملية التحصيل التعليمي في البلاد، وقد تأسس التعليم النظامي في عهده عام 1936.
 ويتطرق الأستاذ عبدالله غلوم الصالح إلى مسألة الحراك السياسي في الكويت، حيث يشير إلى المطالبات بالمشاركة في صناعة القرار والتي توجت بقيام مجلس شورى منتخب في عام 1921، بعد تسلم الشيخ أحمد الجابر الصباح للحكم، إلا أن هذه التجربة لم تعمر طويلاً. كذلك يشير إلى قيام «الكتلة الوطنية» في عام 1938 والمطالبة بمجلس تشريعي، حيث انتخب ذلك المجلس والذي صاغ دستوراً للبلاد بمفاهيم وقيم متقدمة. لكن ذلك المجلس لم يستمر لأسباب تتصل بالصراع الذي جرى في ذلك العام بين أعضاء المجلس وحاكم الكويت، ثم انتِخب مجلس آخر لكنه حل، أيضا، في عام 1939. وكانت أحداث تلك الفترة مثيرة ومهمة وتداخلت معها التباسات إقليمية، مثل مطالبة الملك العراقي غازي بضم الكويت إلى العراق، من خلال إذاعة قصر الزهور.
بيد أن من المهم الإشارة إلى أن هذا الحراك السياسي والثقافي تعزز في العقود اللاحقة، وخصوصاً بعد أن ابتعثت الكويت العديد من أبنائها للدراسة في بغداد والقاهرة وبيروت، اعتباراً من عام 1939. كذلك بدأت الكويت بتدريس البنات في العام الدراسي 1937/1938، وبذلك خطت البلاد خطوة مهمة في عملية التعليم وتجاوزت التحفظات، التي كانت مثارة، ضد تعليم الإناث. ولا شك في أن هذه التطورات يجب أن تحسب للشيخ أحمد الجابر الصباح، أمير البلاد آنذاك، والشيخ عبدالله الجابر الذي تولى رئاسة مجلس المعارف والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، رجل الدين المتنور وصاحب الرأي الرشيد والمتواصل بشكل جيد مع حاكم الكويت.
وقد أجاد الكاتبان في توضيح مسائل مهمة تتعلق بالتطورات التعليمية والثقافية والسياسية، والتي تمثل أهمية لعملية الحراك الاجتماعي في البلاد، وغني عن البيان أن الطلبة الكويتيين الذين سافروا إلى مصر ولبنان مثلوا طليعة مهمة في المجتمع الكويتي وتمكنوا بعد عودتهم إلى البلاد، خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، من قيادة عملية التحديث، وكذلك تأسيس منظمات ثقافية وسياسية وإصدار مجلات ودوريات ثقافية عززت من حال الوعي لدى فئات واسعة من المواطنين، خصوصاً الطلبة والموظفين وعمال النفط. كما أشار إلى أهمية رحلة التطور التي بدأت في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح والذي تولى الحكم في بداية عام 1950 حيث جرى التوسع في العملية التعليمية وتمكنت البلاد، بفضل إيرادات النفط، من تحديث البنية التحتية والارتقاء بالمستويات المعيشية للمواطنين. كما أن تدفق عشرات الآلاف من الوافدين العرب وغيرهم حسَّن من مدارك المواطنين وتواصلهم مع الحياة الحديثة. خلال هذا العقد، عقد الخمسينيات من القرن الماضي، تأسست في الكويت أحزاب غير مرخصة من أهمها حركة القوميين العرب وجماعة الإخوان المسلمين وعدد آخر من الحركات اليسارية. لكن الأهم من ذلك أن هذه القوى دفعت إلى تأسيس منظمات ونقابات مثل النقابات العمالية واتحاد الطلبة والنوادي الثقافية، خصوصاً النادي الثقافي القومي، وروابط الكتاب والأدباء وخريجي الجامعات. هذه التحولات الموضوعية قادت إلى ارتقاء بالوعي السياسي في البلاد ولكنها، أيضاً، أحدثت صدامات ونزاعات مع السلطة السياسية التي لم تكن على استعداد لاستيعاب مطالب العديد من تلك الفئات، والتي ربما استعجلت في مطالب الإصلاح.

ديمجرافية السكان الكويتيين
يوضح الكتاب في هذا الفصل أن نشأة الكويت يمكن أن تكون في مطلع عام 1613، بالرغم من شكوك عدد من المؤرخين الذين يؤكدون أن الكويت تأسست في أواسط القرن الثامن عشر، نحو 1756، بالرغم من وجود تجمعات بشرية في عدد من أنحائها قبل ذلك التاريخ. لكن المهم أن ما يطرح ضمن الكتاب أن الاستيطان في الكويت اعتمد على هجرات من الجزيرة العربية، نجد، الأحساء، والعراق، خصوصاً جنوب العراق، البصرة والزبير، فضلاً عن هجرات من الجانب الشرقي للخليج العربي من فارس. كانت أعداد المهاجرين محدودة، لكنها كانت مدفوعة بالسعي لحياة مسالمة ومستقرة وهرباً من النزاعات في المناطق التي جرت الهجرة منها، أو لأسباب اقتصادية والبحث عن الرزق. كما أن طبيعة الحكم في الكويت وتواصله مع أهل الكويت شجعت الكثيرين على التوطن فيها. ويشير الأستاذ عبدالله غلوم إلى أن موجات الهجرة تزايدت بعد الإعلان عن اكتشاف النفط في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، ثم بعد أن بدأ العمل في منشآت النفط، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتصدير أول شحنة من النفط في عام 1946. وقد تم تحديد الكويتيين في مطلع الخمسينيات بشكل واضح، وهم أساساً سكان مدينة الكويت التي تم تسويرها في عام 1920، وأهالي المناطق القروية مثل الفنطاس والفحيحيل جنوباً، والجهراء شمالاً. واعتبر الكويتيون الأصليون هم الذين استوطنوا البلاد قبل عام 1920، أي قبل حرب الجهراء وقبل إقامة السور الثالث الذي أحاط بالمدينة من الشرق حتى الغرب لحمايتها من هجمات جماعات الإخوان القادمين من جزيرة العرب لنشر مذهبهم الديني المتشدد. لكن خلال سنوات الخمسينيات أصبحت الكويت منطقة جذب نظراً لتحسن مستويات المعيشة واتساع نطاق الأعمال فيها.

الكويتيون أقلية في بلادهم
يؤكد عنوان هذا الفصل حقيقة مهمة فــي التطور الديمجرافي في الكويت، بل، أيضاً، في بلدان الخليج الأخرى. هذه الظاهرة مرتبطة مع تطور اقتصاديات النفط وتحول النظام الاقتصادي إلى النهج الريعي، ويشير الكتاب إلى أن الكويت «لم تعرف العمالة المهاجرة قبل استقلالها عام 1961، لأن السواد الأعظم من الكويتيين كانوا عمالاً يعملون في الأغلب على ظهر السفن الشراعية التجارية، أو تلك التي تستعمل في البحث عن اللؤلؤ في المياه الإقليمية الكويتية، والذين أصبحوا في ما بعد عمالاً في شركة نفط الكويت، أو قطاعات مهنية وخدمية وكانت محدودة للغاية آنذاك». بيد أن بداية الهجرة كانت في أواخر أربعينيات القرن الماضي، بعد أن تم تصدير أول شحنة من النفط إلى الخارج في مايو 1946، ومن ثم بداية تدفق إيرادات للخزينة العامة.. وقد اضطلعت الإدارة الحكومية منذ ذلك الوقت بالإنفاق على الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية. ولذلك فقد تم استقدام عمالة مهنية ومعلمين وأطباء من البلدان العربية وغيرها، فضلاً عن جلب عمال الإنشاءات. ويؤكد تعداد عام 1957 أن نسبة الكويتيين كانت 55 في المائة من إجمالي عدد السكان آنذاك والبالغ 215 ألف نسمة. وهكذا فإن هذا التدفق للعمالة الوافدة مع توسع الأنشطة وتزايد الأعمال وقيام العديد من المؤسسات الاقتصادية وارتفاع أعداد المدارس والعيادات الطبية كان لا بد أن يزيد من نسبة الوافدين في الحجم السكاني للبلاد. وكما ذكر في هذا الفصل فإن نسبة الكويتيين أخذت بالتقهقر بدأت بعد الاستقلال ووصلت إلى 47 في المائة عام 1965 وانخفضت إلى 27 في المائة في عام 1989، بعد أن تم تحييد أعداد فئة البدون من خانة الكويتيين.
ولا شك في أن هذه المسألة، أي مسألة الاختلال في التركيبة السكانية تظل قضية صعبة العلاج حيث إن الكويتيين مازالوا أقلية في بلادهم حتى هذا العام (2013) ولا تتجاوز نسبتهم في المجتمع السكاني العام في البلاد أكثر من 32 في المئة.. وما دامت أعداد الكويتيين في سوق العمل منخفضة، لا تزيد على 16 في المائة، وتتكدس في الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام، فإن تعديل التركيبة السكانية لن يتم ما لم تحدث تطورات غير منظورة. كما أن النظام التعليمي الراهن لا يساعد على تجاوز هذه المعضلة نظراً لعدم الاهتمام بالتعليم المهني الذي يمكِّن من تحقيق الإحلال المناسب في مواقع العمل في مؤسسات القطاع الخاص أيضا أن طبيعة الاقتصاد الريعي عززت السلوكيات الاتكالية وتزايد الأنماط الاستهلاكية المترفة ومن ثم الاعتماد على عمالة هامشية متدنية التعليم ومتدنية الأجور.

الأقليات المتمايزة
يتطرق الكاتبان في هذا الفصل إلى مسائل تتعلق بتطور البلدان ذات الأقليات المختلفة وكيفية تطويع العلاقات بينها بموجب القوانين والمسئوليات الاجتماعية، والاعتماد على منظومة الحقوق الإنسانية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويجري ذكر العديد من الحالات التي مرت بها العديد من البلدان مثل الولايات المتحدة وأستراليا وغيرها. ثم يتم التطرق لحال الكويت ويحدد الأقليات مثل الأقلية الشيعية، وهي أقلية من الطائفة الشيعية التي تكونت من إثنيات متنوعة بعد قدوم العديد من الأفراد، خلال القرنين الماضيين، من بلدان مجاورة مثل العراق والأحساء والبحرين وإيران بحثاً عن حياة أفضل في الكويت التي كانت، بالرغم من المصاعب المعيشية فيها، نموذجاً من المجتمعات ذات الوئام والسلام الاجتماعيين. كذلك يجري ذكر وجود أقلية مسيحية وفد معظم أفرادها من البصرة، بالإضافة إلى تجنيس عدد من الوافدين الذين قدموا إلى البلاد في خمسينيات القرن الماضي والقادمين من فلسطين أو سورية أو لبنان.
هناك أقلية «البدون» من الذين استوطنوا الكويت منذ بداية عصر النفط بعد أن قدموا من البلدان المجاورة مثل العراق والسعودية وإيران وعدد آخر من سورية، ومنهم من البدو الرحل أو القادمين من الأرياف في البلدان المجاورة. وقامت الحكومة، خلال العقود اللاحقة للاستقلال بتوظيف أعداد كبيرة في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن. لكن العديد من هؤلاء غادروا الكويت خلال فترة الاحتلال, مما أدى إلى انخفاض أعدادهم من 250 ألفاً في عام 1990 إلى ما لا يزيد على 110 آلاف الآن. ولا شك في أن الكثير من هؤلاء قد سعوا للحصول على الجنسية الكويتية في الوقت الذي تؤكد المصادر الرسمية أن الذين يستحقون الجنسية من بينهم لا يزيد عددهم على 34 ألفاً لديهم قيود في تعداد 1965، بموجب ما يؤكد القانون على ضرورة وجودهم قبل ذلك التاريخ في البلاد.. هذه قضية محورية تستحق المعالجة الموضوعية من السلطات بما يتوافق مع مبادئ وقيم الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان دون التورط بتجاوزات التجنيس السياسي، كما حدث في عقود ماضية في القرن الماضي.

الربيع العربي ينعش آمال الأقليات 
بوطن قومي
يأتي هذا الفصل للحديث عن أوضاع الأقليات في البلدان العربية على ضوء الحراك السياسي المستمر في عدد من هذه البلدان، أو يطلق عليه تجاوزاً الربيع العربي.. لكن الكويت ليست من البلدان التي تعاني من مشكلات سياسية واقتصادية أو معيشية لتنعش إمكانات التغييرات الجذرية. هناك ضرورة لتبني الإصلاح السياسي وإعادة البناء الاقتصادي، لكن ليست هناك من مطالبات ملحة في البلاد. وإذا كانت هناك من مطالبات لمعالجة أوضاع سياسية معنية أو عدد من قرارات حكومية، فإن الآليات المتاحة مثل القنوات الدستورية والقانونية أو القضائية كافية لمعالجة العديد من هذه الأوضاع.
الربيع العربي، وإن كانت التسمية مبالغاً فيها، جاء بفعل القهر السياسي والطغيان اللذين ظلت تعاني منهما الفئات المثقفة والواعية، وكذلك نتيجة للتهميش الاجتماعي والاقتصادي واسع النطاق في مختلف المجتمعات العربية الأساسية في مصر واليمن وتونس وليبيا والعراق والسودان.. وقد أورد الأستاذ عبدالله غلوم في مداخلته حول هذا الموضوع بيانات مهمة تبين مستويات الدخل الوطني والقومي وتزايد أعداد العاطلين عن العمل وارتفاع أعداد الشباب وصغار السن وتزايد أعداد الأميين في هذه المجتمعات العربية، وهي مؤشرات مهمة وباتت معلومة من المسئولين وغيرهم دون معالجات واقعية. لكن هذا الربيع العربي لم يكن صناعة الآخرين أو بفعل مؤامرة، كما حاول الكاتبان الإيحاء به، بل إن الشرق والغرب فوجئا بمستوى التمرد والسخط اللذين اتسمت بهما الانتفاضات العربية خلال العامين الماضيين. المعضلة في هذا الربيع العربي أنه أتى في ظل ثقافة عربية متراجعة وذات توجهات متخلفة، وهي ثقافة لا تمت للديمقراطية بصلة.  هذه هي مأساة المجتمعات العربية خلال السنوات القادمة، حيث ستعاني الصراع بين الحداثة والرجعية، ومن غير المؤكد أن تحسم هذه الصراعات بسلام، أو بما يؤدي إلى تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدان المنطقة.
أما ما يتصل بالكويت فإن ما ورد في الكويت بشأن الاحتجاجات والتظاهرات التي جرت خلال عامي 2011 و2012 لا يعدو أن يكون سوى مطالبات شعبوية، وإن تغلفت بالشعارات الإصلاحية. وبتقديري أن المجتمع السياسي في الكويت مازال بعيداً عن مفاهيم الديمقراطية والفكر الحديث بالرغم من مرور نصف قرن على التجربة الدستورية.

نماذج الأقليات تصدرت صانعي القرار في دول المهجر
هذا الفصل يستعرض الكتاب التطورات التي نتجت عن الهجرة في العديد من البلدان وتمكن أبناء المهاجرين من الوصول إلى مواقع قيادية في الحياة السياسية والاقتصادية، ويشير إلى حالات في أمريكا اللاتينية وأوربا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا. وذلك أمر مفهوم واعتيادي في بلدان تأسست على تقاليد الهجرة والاستيعاب ومنها بلدان اعتمدت الأنظمة الديمقراطية التي تعامل الأفراد كمواطنين مؤهلين لتقلد المناصب دون الاهتمام بأصولهم أو دياناتهم. ما يتعلق بالكويت في هذا الشأن مسألة أخرى نتيجة لطبيعة التشكيل المجتمعي والقيم العربية المستعصية على فكر التسامح والاستيعاب، ولذلك فإن التطور لن يتحقق حتى تتعزز ثقافة عصرية تكون نتاج أنظمة تعليمية متطورة تتجاوز التراجع الذي جرى لها خلال العقود الخمسة الماضية. وعندئذ يمكن للشيعة والبدو وغيرهما الشعور بالمساواة بعد أن يتأكد للجميع أن الهوية الوطنية هي الهوية الوحيدة المعتمدة في البلاد ولا مكان للهويات القبلية والطائفية والعصبيات العائلية. ولا شك في أن هناك زمناً مهماً قد يمضي قبل أن تتحقق آمال الديمقراطيين الكويتيين والمؤمنين بالدولة المدنية.

خاتمــة
لا ريب في أن الكتاب يمثل إضافة مهمة للدراسات الاجتماعية في الكويت. وكان بودي أن يركز الكتاب على الأوضاع في الكويت بشكل أكبر، وبدقة, ويبتعد عن الطروحات السياسية غير المواتية مثل الأفكار المتعلقة بأسباب الربيع العربي ونظريات المؤامرة والمؤتمرات المتعددة بشأن إصلاح الأوضاع العربية. كان من الأجدى محاولة فهم الأسباب التي عطلت تحويل الكويت إلى دولة مدنية متحضرة ثقافياً وسياسياً بالرغم من مرور نصف قرن على بداية الحكم الدستوري فيها. كما كان من المفيد محاولة تفسير ظواهر التجنس السياسي والاعتماد على البدون في مؤسسات الجيش والشرطة والأمن بالإضافة إلى الاعتماد الهيكلي على العمالة الوافدة. هل يمكن أن تتطور الكويت اجتماعياً، ولماذا لا يتم تفعيل دور المواطنين في الحياة الاقتصادية ومن ثم تطوير قيمهم السياسية والثقافية؟ ■