احذروا خيانة الشمس عمر فوزي نجاري

احذروا خيانة الشمس

هل أنبئكم عن تلك الزهرة الفتية، التي فقدت بسوء تصرفها لذة الاستمتاع برمال البحر الذهبية، وزرقة مياهه الصافية وسمائه اللازوردية، وشمسه الساطعة، التي تبعث في النفس البهجة والانشراح وتضفي على الطبيعة رونقا من الجمال الإلهي الخلاب؟!.

هل أنبئكم عن جلد انسلخ ووجه تصبغ وعين أرسلت الدمع مدرارا، ماذا أقول لكم عن أنين طفل متألم يشق بصوته أعماق النفس البشرية، إن من نكد الدنيا عليه أن سار فيها على غير روية وبغير تبصر، سعى إليها طلبا للمتعة والاستجمام على شاطىء بحر مافتيء يحلم برماله ومياهه، بشمسه وسمائه، بأسماكه وأصدافه، ولم يدم به الحال فانقلب إلى سوء المآل؟!.

إن الطفل الذي أحدثكم عنه لم يكن أيوب الذي تحمل عذابات مرضه، بل كان طفلا يافعا لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد، دخل عيادتي برفقة جده الهرم، صبيحة يوم من أيام الصيف المحرقة، عاري الصدر، قد لفحت الشمس جسده الغض فغدا نحاسيا عدا فقاعات من الجلد المليئة بالماء الصدىء تفجر بعضها كينابيع الجبل ماء لزجا، أما عيناه فكانتا تبكيان دمعا مالحا ملوحة البحر الذي خانه كما خانته شمس الصيف الوهاجة، وكانت الآهات المنبعثة من أعماق قلبه كالشعر الذي يخرج من قلب صاحبه ليستقر في أعماق القلوب. قدمت له من العون الطبي ماتيسر عساني أخفف عنه بعض الألم فانفرجت أسارير وجهه البريئة بعض الشيء تعبيرا عن الشكر والامتنان. وأما الجد الحنون فقد امتدت ابتسامته من الشحمة إلى الشحمة وأخذ يختار من أطياب الثناء والشكر عباراته! ثم رحلا وقد يكونان عادا للبحر ثانية، ولكنهما اليوم لاشك في بلدهما، إلا أن ذكرى ذلك اليوم لابد أنها محفورة في ذاكرة الطفل، ولابد أنه قد قص ماحدث له لأقرانه محذرا إياهم من مغبة تسليم الجسم الغض الشمس الظهيرة على شاطىء البحر في أشهر الصيف.

فيا من تحبون البحر والصيف والحياة احذروا خيانة الشمس والبحر في أشهر الصيف فلا تصموا الآذان ولا توصدوا العيون.

 

عمر فوزي نجاري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات