جبرا إبراهيم جبرا.. بوتقة التنوير والإبداع

جبرا إبراهيم جبرا..  بوتقة التنوير والإبداع

لم يكن الأديب الكبير، الروائي والشاعر والناقد والفنان، جبرا إبراهيم جبرا يحسب يوماً أن الدار التي ابتناها أوائل ستينيات القرن الماضي بحي المنصور في بغداد لتكون «السكن - التاريخ» له وعائلته، ستدمرها يوماً «سيارة ملغمة» وتحيلها أكواماً من الحجارة والتراب، آتية على كثير مما كان فيها، ومن كان فيها: السيدة التي كانت تسكن الدار وتُعنى بها، وابنها، والأعمال الفنية التي تمثل مقتنياته من أبرز أعلام الفن العراقي، إلى جانب أعماله هو، ومكتبته الشخصية، وآلاف الأوراق والوثائق التي تنطوي على مادة أدبية وتاريخية مهمة.
ففي ذلك الصباح العبوس من أبريل (نيسان) العام 2010، جاءت سيارة يقودها انتحاري مستهدفة مبنى «القنصلية المصرية» المجاور لداره, وبدلاً من أن يفجرها أمام المكان المستهدف، فجَّرها أمام دار جبرا الذي كان يريدها «متحفاً شخصياً» له، وقد أعد من الصور والوثائق وما كان يلزم لمتحف شخصي، فالتهمت نار التفجير كل ما كان قد أعد لذلك، منهية حلمه في أن يكون له في بغداد ما يحمل تاريخه الشخصي!
جبرا الذي جاء بغداد أواخر عام النكبة، (1948)، حاملاً ثمانية وعشرين عاماً من سني العمر، وذاكرة ازدحمت بتفاصيل الحياة والتاريخ في مدينتيه: بيت لحم، والقدس.. وجد في هذه المدينة، التي ألفتْهُ وألفها منذ لحظات اللقاء الأولى، الفسحة التي كان يبحث عنها ليجعل منها فضاءً لحلمه: بأدب جديد، وشعر جديد، وفن يفتح آفاق الرؤيا الجديدة, فكان أن جعل من سني حياته التي عاشها في هذه المدينة بين العام 1948 والعام 1994(عام رحيله) حياة تميزت بالحيوية والعطاء الإبداعي، والغنى الأدبي, كما كانت سنوات تفاعل حي مع معطيات الحياة والتاريخ فيها.
غير أن ذلك الانفجار الذي أدى إلى محو كل ما كان على الأرض في تلك الدار لم يتمكن من أن يمحو ما لجبرا من حضور يقترن في الأذهان بما لهذه الشخصية الأدبية الفذة، والكبيرة، من معطيات الفكر والفن والإبداع الأدبي.
وهذا الملف الذي تقدمه «العربي» تحية لذكراه التاسعة عشرة يحمل تأكيداً، وتكريساً لهذا الحضور، فضلاً عما يحمل من معاني الوفاء لهذا الأديب الكبير الذي أغنى بمؤلفاته وترجماته، (التي بلغت 64 كتاباً) واقع الثقافة العربية في مدى أكثر من نصف قرن.
رحل جبرا.. واندثرت داره، وتوارت أعماله ومقتنياته، واحترقت أوراقه، وثائق حياته ومسيرتها, ومع فداحة ما حصل، نجده، من خلال الاهتمام المتجدد به، ينبعث من هذا الرماد، كما ذلك البطل الأثير عنده: «تموز» الذي خلَّدته الأسطورة البابلية!
 (العربي)