بسبب «تويتر» و«إنستجرام» و«فيس بوك».. مفاهيم جديدة للشهرة صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي

بسبب «تويتر» و«إنستجرام» و«فيس بوك».. مفاهيم جديدة للشهرة  صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي

ماذا لو كان الفنان الراحل عبدالحليم حافظ يعيش اليوم في عصر «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستجرام»؟ أسأل هذا السؤال الافتراضي انطلاقا من أن الفنان الراحل كان واحدا من أذكى الفنانين العرب في مجال التعامل مع الإعلام، وواحدًا من أنجح من استثمروا هذه المهارة للتخديم على موهبته وتحويلها إلى أسطورة.

 

من المؤكد أن الفنان الراحل عبدالحليم استطاع أن يحقق شهرة واسعة في زمن قياسي، في وقت شهد وزامن وجود قمم غنائية وفنية تربعت على عرش النجومية والطرب العربي مثل قامة محمد عبدالوهاب، وكوكب الشرق أم كلثوم وسواهما، كما جاوره في الموهبة والعمر عدد آخر من المطربين، لكنهم لم يستطيعوا أن يحققوا نفس مكانته وشهرته ليس لقلة مواهبهم، أو لقلة قدراتهم الفنية والغنائية، بل ربما لأنهم لم يستوعبوا قواعد الدعاية والإعلام التي كان عبدالحليم قد سبقهم فيها بمسافات طويلة.
 لا أريد أن أبدو كمن يضرب الودع أو يقرأ الطالع والمستقبل، لكي أضع تخيلا متصورا لعبدالحليم في عصرنا الراهن، وهو يمتلك حسابا على «تويتر» يبلغ فيه الملايين من معجبيه أنه يحضِّر لهم مفاجأة جديدة في اللحن والغناء، أو أنه سيكون في رحلة فنية إلى فرنسا أو لندن في مطلع الشهر، أو أن يكشف بعض تفاصيل مشروع فيلم جديد من أفلامه الغنائية، حتى يعاتب واحدا من منتقديه، ولكن بلون من القياس يمكن القول إنه كان سيمتلك على حسابه ملايين المعجبين من المتابعين، وسوف يتم عمل «ريتويت» هائلة لأي مما يصدر عن هذا الحساب. 
وربما أيضا كان سيفاجئنا كعادته في ابتكار وسائل جديدة لتحقيق وتأكيد صورته الشابة الأسطورة التي صنعها في زمن الإعلام التقليدي، وفي عصر المذياع، ومن دون وجود شبكة الإنترنت، وخصوصا أن هذه الوسائط الجديدة اليوم بقدر ما أسهمت في زيادة شهرة بعض الأفراد أو الفنانين أو البرامج، لكنها قد لا تؤثر كثيرا بالنسبة لأصحاب الشهرة الكبيرة من الفنانين أو رجال السياسة أو الأدب أو غيرهم.
 على أي حال، فكل ما افترضته هو ضرب من التخيل، ولا يمكن التكهن بدقة بما كان يمكن له أو لغيره من أساطير الزمن القديم أن يفعلوا في زمن العالم الافتراضي الذي يضرب اليوم، وبقوة، عديدا من المستقرات والثوابت، فارضا أساليب جديدة للحياة، وأفكارا مختلفة عن العديد من المستقر والثابت، بما في ذلك مفهوم الشهرة والنجاح ومعناها في زمن يعرف اليوم بأنه زمن الصورة والستالايت أو الأقمار الاصطناعية، التي ترصد كل ما يجري على سطح الكوكب عبر كاميرات عملاقة تدور في مدارات فضائية حول الأرض. وإن لم تصدقني فافتح جهاز موبايلك الآن وضع تطبيق «جوجل إيرث» للحظات وستراه موضحا لك مكانك بالضبط وبالعنوان الدقيق.

معايير مختلفة للنجاح
كان العقد الماضي على أي حال قد شهد تغيرا في مفهوم الشهرة والنجاح بشكل كبير، في الغرب وفي عالمنا العربي على حد سواء، وعلى سبيل المثال فبينما كانت الشهرة ولسنوات طويلة تقف على نجوم إمبراطورية الغناء في أمريكا وبريطانيا وفرنسا، عبر نماذج عديدة من الفنانين والفنانات الذين تحولوا إلى أساطير حقيقية تتابع أخبارهم الملايين في أرجاء العالم، ولم ينافسهم فيها إلا بعض الأثرياء من المليارديرات الذين كثيرا ما كان سبب شهرتهم ليس نفوذهم المادي بقدر ما قد يعود لارتباطهم بعالم الفن عبر علاقة عاطفية أو ارتباط عائلي.
لكن مع اتساع سوق صناعة النجوم وما يرتبط به من صناعات تصميم الأزياء مثلا، ظهرت شخصيات أيقونية بلا مواهب خاصة من أي نوع سوى الجمال أو الانتماء إلى عائلات ثرية مثل كيم كارديشيان وباريس هيلتون على سبيل المثال وغيرهما. فمثل تلك الشخصيات الأيقونية تربعوا عرش الشهرة فجأة، عبر الصور التي تنشر لهم في الصحف والإنترنت والتلفزيون؛ للاستفادة بهن في الترويج لأزياء معينة أو موضات خاصة أو في التجميل واستعراض مفاتنهن. وتزايد نفوذ إمبراطوريات الإعلام والدعاية للترويج لمنتوجات جديدة وأصبح هناك اتجاه جديد لصناعة نجوم من مقدمي البرامج التلفزيونية الذين لم يكن بعضهم يزيد على كونه مقدم برامج طهي، مثلا، أما كرة القدم فعنها وعن صناعة أساطيرها من نجوم اللعبة حدِّث ولا حرج.
ولربما لا يكون تغير أو اتساع نطاق رأس المال هو السبب الوحيد في هذه الانتقالة في عالم صناعة النجوم والمشاهير، بل ربما يعود أيضا إلى التغيرات الثقافية التي مرت بها المجتمعات المختلفة، وبالتالي اختلاف مقاييس الجمال، واختلاف الذوق، والميل إلى الاستهلاك الخفيف بشكل عام، وهو ما أدى إلى خلق صرعات جديدة بينها ظاهرة «البابراتزي» (المصورون المحترفون من متتبعي النجوم لتصويرهم) التي تستهدف الحياة الخاصة للمشاهير ونقلها لمجتمع وأصبح استهلاك النميمة والحياة الخاصة للآخرين جزءا من ثقافته، ثم انتقلت حتى للسينما وصناعة الكتاب، حيث بدأ الترويج لأفلام سينمائية جماهيرية سطحية وخفيفة، أصبح أبطالها نجوما، وخصوصا في مصر، كما واكب ذلك انتشار ظاهرة «البيست سيللر» في الكتب التي روجت لكتب مسلية ومشوقة يمكن قراءتها من قبل جمهور واسع لا يحتاج لأي درجة من الثقافة الرفيعة أو حتى للتدرب على قراءة الأدب. 

فردية أم نرجسية؟
ولكن مع دخول العالم في مرحلة انتشار شبكة الإنترنت، وما خلقته من عوالم افتراضية جديدة، ووسائط إعلامية جديدة، ومواقع تواصل اجتماعي مختلفة، تغيرت  فكرة الشهرة، ولم تعد مقصورة على أصحاب المواهب والشخصيات المؤثرة في المجتمع، وأسبغت الوسائط الجديدة للاتصال سمة الفردية، ليس فقط بالمعنيين الثقافي والفلسفي، بل وحتى على مستوى تأسيس منظومات دعاية فردية للأشخاص من مستخدمي الإنترنت، فقد أصبح بإمكان أي شخص اليوم أن ينشئ مدونة يكتب فيها ما يعنُّ له من أفكار، ويمكن لهذه الأفكار أن تنتشر بشكل واسع جدا بفضل انتشار شبكة الإنترنت، ثم يؤسس لنفسه حسابا في الفيس بوك، ويكتب على صفحته الشخصية ما يعن له من أفكار أيا كانت، ضحلة أو عميقة، قيمة أو تافهة، أو أن يبث روابط من مقاطع لفيديوهات يحبها أو أغنيات، ويوسع من دائرة علاقاته الافتراضية، بحيث يشعر بأنه أصبح ضمن دائرة ما، تتواصل مع ما يفكر فيه إن سلبا أو إيجابا. ثم يكون بإمكانه أن ينشئ حسابا آخر على موقع تويتر، وربما بقليل من خفة الظل، أو بالاهتمام بالشأن السياسي، أو بالتعليق على الآخرين سلبا أو إيجابا، أن يلفت انتباه المستخدمين الآخرين ويصبحوا من متابعي ما ينشره على صفحته، وبين ليلة وضحاها قد يصبح نجما. 
وليس ما سبق من قبيل الخيال، فقد بدأت شهرة المذيع المصري، الطبيب باسم يوسف، على سبيل المثال من الإنترنت، ومن خلال موقع يوتيوب، حيث بدأ بإنتاج حلقات ساخرة عن الأوضاع في مصر عقب الثورة وبثها على الموقع، ومنها انتقلت شهرته إلى آفاق واسعة في مصر وخارجها، وبفضل الإنترنت انتقل إلى الشاشات وأصبح برنامجه واحدا من أشهر البرامج في العالم العربي. واليوم يصل عدد متابعيه على حسابه الشخصي في «تويتر» إلى مليوني متابع.
 مثال آخر من الولايات المتحدة بطلته ميجان أمرام، التي أنهت دراستها في هارفارد في العام 2010، وأنشأت حسابا شخصيا على «تويتر»، وقد تمتع هذا الحساب، عبر تغريداتها المتوالية، بخفة ظل لافتة جعلتها تتحصل على أكثر من 90 ألف متابع في زمن قياسي، وبسبب إعادة تغريد تدويناتها المكثفة خفيفة الظل، استطاعت أن تحصل على فرصة للكتابة التلفزيونية لمصلحة إحدى المحطات الأمريكية، ثم على عدد آخر من الوظائف المدفوعة المرتبطة بالكتابة، واليوم لديها على حسابها على صفحة تويتر ما يزيد على 350 ألف متابع.

شهرة «تويتر»
 كما أن الأحداث في مصر على سبيل المثال، خلال ثورة 25 يناير وما بعدها أدت إلى انتشار شعبية العديد من الناشطين السياسيين مثل نوارة نجم وعلاء عبدالفتاح والحقوقي حسام بهجت والدكتورة رشا عبدالله والناشطة رشا عزب التي لعبت أدوارا مؤثرة في الميادين في فترات شهدت توترات شديدة بين الشرطة والجمهور أو بين أنصار الإخوان وبين غالبية المواطنين وغير ذلك.
وهي نماذج من بين عدد هائل من النشطاء ومستخدمي تويتر الذين أصبحت لهم شهرة كبيرة بسبب تدويناتهم عليه.
 طبعا تؤدي مثل هذه الظاهرة وخصوصا بالنسبة لبعض مستخدمي تويتر من الأصغر عمرا أو الأقل نضجا إلى أن يصابوا بسبب إحساسهم بالشهرة من خلال تويتر بنوع من الغرور، أو التمادي في الاعتداد بالرأي حتى لو خالفه الآخرون، وغيرهما من سمات النرجسية التي تتسبب فيها «بطولات التويتر» الكلامية.
أما المتغير الجديد أيضا في ما يتعلق بموضوع الشهرة والنجومية بسبب وسائل الاتصال الاجتماعية الجديدة، فهو موقع إنستجرام، فهو في الأساس موقع تواصل اجتماعي يقوم على أساس تبادل ومشاركة الصور الشخصية التي يلتقطها أصحاب الحسابات الشخصية في الموقع على صفحاتهم، وهي تجد رواجا كبيرا بين الفتيان والفتيات في سن المراهقة ويعتبرونها وسيلة تواصل مهمة بالنسبة لهم.
ولأن «إنستجرام» في الأساس هو تطبيق يعتمد على الصورة، وبسبب الطفرة الهائلة التي حدثت في الكاميرات المتضمنة في أجهزة الهواتف الذكية الجديدة مثل آيفون وتطبيقات آندرويد وغيرها، أصبح في إمكان أي شخص أن يلتقط صورة في أي مكان يوجد فيه ويبثها فورا على صفحته على الإنستجرام. 
والمشاهير في الولايات المتحدة مثلا أو غيرها هم بشر في نهاية الأمر، يتحركون ويذهبون مع عائلاتهم لقضاء عطلات، أو يترددون على بعض المتاجر، ومن المؤكد أنهم في الأثناء يلتقون إما المعجبين أو غيرهم، مما سيجعل في رؤيتهم فرصة ذهبية لتصويرهم وبث الصور على الإنستجرام.
وهذا الموضوع يؤثر بشدة في مستقبل «الباباراتزي»، لأنهم يبذلون جهودا كبيرة في تتبُّع النجوم، ومحاولة اختراق خصوصياتهم من أجل التقاط صور لا يمكن لغيرهم أن يلتقطها ثم يقومون ببيعها لكبريات صحف النمائم وأخبار المشاهير مقابل مبالغ خيالية.
لكن الإنستجرام الذي يبث عليه الأفراد صور هؤلاء المشاهير لمجرد المرح يمثل تهديدا حقيقيا لمهنة المصورين الباباراتزي.

«إنستجرام» و«تويتر» ضد الباباراتزي
 ليس هذا فحسب، فالحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي وبينها الإنستجرام أصبحت وسيلة المشاهير للدفاع عن أنفسهم، أو الرد على الباباراتزي وفضحهم. وبعد ما كانت هناك العديد من الوقائع التي انفلتت فيها أعصاب النجوم بسبب مطاردات المصورين لهم، وقيام بعض هؤلاء النجوم بالاعتداء على بعض منهم، فقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير في المنهج.
على سبيل المثال، فقد قام أحد المصورين بتصوير صورة أشعة موجات فوق صوتية للفنانة إيفان راشل وود، في واحدة من زياراتها الدورية لطبيبها الذي يتابع حملها في مراحله الأولى. وقد أثار نشر صورة الجنين في بطنها استياء وود بشدة وقد عبَّرت بذلك على حسابها على تويتر بكلام شديد اللهجة للشخص الذي اقتحم خصوصيتها وخصوصية طفل لم يولد بعد على هذا النحو اللاإنساني.
لكن هل يحتاج المشاهير ونجوم المجتمع إلى «تويتر» لتأكيد شهرتهم أو توسيع انتشار هذه الشهرة؟ لا أظن أن حساب تويتر للاعب مثل رونالدو مثلا يمكن أن يزيد من شهرته، وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من نجوم البوب الأمريكيين، أو حتى النجوم العرب. لكنه يمكن أن يؤكد ثقلهم ويدعم مكانتهم الفنية من خلال وجود أرقام كبيرة من المتابعين.
لكن ليس هذا هو السبب الرئيس، فإقبالهم على وسائل الاتصال ووجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح في الحقيقة ذا أهمية كبيرة بالنسبة للمشاهير أولا، لأنه يحقق لهم التواصل المباشر مع الجمهور، ويتيح لهم بالتالي التعرف بشكل مباشر وبلا مجاملة على رأي الجماهير في ما يقدمونه من أعمال فنية، بل وأحيانا قد يكون التواصل وسيلة لتحقيق نوع من التواصل المهني، وعلى سبيل المثال فإن الفنانة المصرية حورية فرغلي على صفحتها على الفيس بوك أعلنت عن وصول سيناريو سينمائي لها من كاتب شاب، واستطلعت آراء متابعيها ومعجبيها حول الفكرة العامة وعنوان الفيلم قبل أن تقدم موافقتها للكاتب.
وهو أمر شائع اليوم، فالكثير من الكتَّاب وبينهم كويليو أو سلمان رشدي أو موراكامي، مثلا يحاور متابعيه أو يجيب عن أسئلة بعض منهم، وكذلك مجتمع كبير جدا من الكتاب غير المشهورين من أرجاء العالم ممن يعلقون على استفسارات من القراء والمتابعين. 
وبعض المشاهير يقومون باستخدام تويتر لمزيد من الدعاية لأنشطتهم وبرامجهم التلفزيونية، أو حتى لاستخدام تويتر نفسه كوسيلة عمل في برامجهم، مثل برنامج The Ellen Show الذي ترفع مقدمته إلين ديجينرز  Ellen DeGeneres وهي في الأساس ممثلة كوميدية شهيرة، شعارا لافتا على حسابها في تويتر قائلة Do you want to be interviewed? DM me، أي هل تريد أن نجري معك مقابلة تلفزيونية؟ «راسلني على الخاص»!
وسوف نجد أن هناك العديد من الفنانين الذين استخدموا حساباتهم الشخصية على الفيس بوك وتويتر لأغراض لا علاقة لها بنجوميتهم، بل استخدموها للتأثير في العمل السياسي، وباعتبارهم نشطاء سياسيين، وهو ما فعله مثلا كل من الفنان عمرو واكد الذي كان يناصر ثورة 25 يناير من بدايتها وقدم نقدا لاذعا للحكومات الانتقالية من المجلس العسكري مرورا بالإخوان وحتى اليوم، وكذلك الفنانة سيمون التي كانت تستخدم ولاتزال حسابها للتعليق على الأوضاع السياسية برصانة، وهو نفس ما يفعله الفنان نبيل الحلفاوي الذي يشارك برأيه في كل ما يجري في مصر من أحداث, وغيرهم كثيرون في مصر وسورية ولبنان والمغرب، وكذلك سنجد أن عددا من الكتاب والفنانين العرب في السعودية والكويت يستخدمون حساباتهم لنفس الغرض.
إن الوسائل الافتراضية الحديثة - على ما يبدو - قد فتحت ثغرة كبيرة في جدار الأفكار المستقرة والقيم الاجتماعية وحريات التعبير، ولا أظن إلا أنها ستكبر يوما بعد آخر وسوف ترسي قواعد جديدة، نأمل جميعا أن تكون كوة الانفتاح على عالم المستقبل والحداثة والتنمية والتغيير ■