أبنائي الأعزاء

منذ‭ ‬كنا‭ ‬صغاراً‭, ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬أعماركم‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭, ‬كنا‭ ‬نسمع‭ ‬من‭ ‬أهلنا‭ ‬عن‭ ‬كذبة‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ (‬نيسان‭), ‬إذ‭ ‬يسمح‭ ‬الناس‭ ‬لأنفسهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬بممارسة‭ ‬كذبة‭ ‬بيضاء‭, ‬هي‭ ‬خبر‭ ‬مفرح‭ ‬عن‭ ‬صديق‭, ‬أو‭ ‬خبر‭ ‬مزعج‭ ‬عن‭ ‬عدو‭, ‬أو‭ ‬تلفيق‭ ‬إشاعة‭ ‬أو‭ ‬دعابة‭, ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإيقاع‭ ‬بأحد‭ ‬المعارف‭ ‬في‭ ‬مكيدة‭ ‬أو‭ ‬مقلب‭, ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭, ‬أن‭ ‬تتصل‭ ‬بصديق‭ ‬لك‭ ‬وتدعوه‭ ‬إلى‭ ‬بيتكم‭, ‬حيث‭ ‬تنتظر‭ ‬الصديق‭ ‬مفاجأة‭ ‬مذهلة‭! ‬يأتي‭ ‬الصديق‭ ‬مسرعاً‭ ‬ليكتشف‭ ‬أنك‭ ‬قد‭ ‬خدعته‭ ‬وغادرت‭ ‬البيت‭ ‬وتركت‭ ‬له‭ ‬ورقة‭ ‬صغيرة‭ ‬ومكتوب‭ ‬فيها‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭: ‬‮«‬تعيش‭ ‬وتشرب‭ ‬غيرها‮»‬‭.‬

من‭ ‬أين‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭? ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬كانت‭ ‬تحتفل‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬بعيد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬لأنه‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬تقويمها‭. ‬وعندما‭ ‬غيَّر‭ ‬ملكها‭ ‬التقويم‭ ‬وصار‭ ‬بدء‭ ‬السنة‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يناير‭ (‬كانون‭ ‬الثاني‭), ‬بقي‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يحتفلون‭ ‬بعيدهم‭ ‬القديم‭ ‬ويمارسون‭ ‬فيه‭ ‬المزاح‭ ‬واللهو‭.‬

ومن‭ ‬باب‭ ‬التقليد‭, ‬صار‭ ‬الإنجليز‭ ‬يمارسون‭ ‬الكذب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭. ‬وأشهر‭ ‬كذبة‭ ‬كانت‭ ‬حين‭ ‬تسلم‭ ‬سكان‭ ‬لندن‭ ‬دعوة‭ ‬مجانية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬أبريل‭ ‬عام‭ ‬1860م‭, ‬للحضور‭ ‬إلى‭ ‬برج‭ ‬لندن‭, ‬لحضور‭ ‬احتفال‭ ‬كبير‭ ‬لغسل‭ ‬الأسود‭ ‬المفترسة‭. ‬فيُخدع‭ ‬الناس‭ ‬ويذهبون‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬سوى‭ ‬أنهم‭ ‬وقعوا‭ ‬في‭ ‬فخ‭.‬

الإسبان‭ ‬والألمان‭ ‬لا‭ ‬يكذبون‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أبريل‭, ‬لأنهم‭ ‬يقدسون‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭. ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭, ‬فإن‭ ‬الكذب‭ ‬عموماً‭ ‬من‭ ‬أرذل‭ ‬العادات‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭, ‬وهو‭ ‬المدخل‭ ‬لانهيار‭ ‬الأخلاق‭, ‬وأن‭ ‬الصدق‭ ‬هو‭ ‬أسمى‭ ‬وأرفع‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭, ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الأيام‭ ‬والزمان‭.‬