إلى أن نلتقي أنور الياسين

إلى أن نلتقي

النائب والناخب و.. "الفيلتر"

فرضت الفلبين على أعضاء البرلمان فيها "لائحة آداب "، ورد فيها عدة وصايا من بينها: -

يمنع على عضو المجلس منعا باتا أن يقوم بالإعلان عن بضاعة محددة والترويج لها، وخاصة السجائر.

يمنع عليه ارتياد "علب الليل ". وبعد نقاشات ساخنة وافق البرلمان على اللائحة بكل وصاياها.

سبب إقرار اللائحة هو أن أحد النواب ظهر على التلفزيون ليقنع الناخبين أن السيجارة من نوع (...) كلها فيتامينات ولا ضرر منها بل هي على العكس تساهم في تعزيز المسيرة الديمقراطية لأن من يتعاطاها يصبح " طويل النفس " كما أن نوابا آخرين ظهرت صورهم في الصحف الشعبية وهم يقطفون في علب الليل ثمار الديمقراطية.

وبالطبع فإن كثيرين يعتقدون أن لائحة الآداب هذه مجحفة بحق نواب الشعب، لأن حياة النائب الخاصة هي ملك له. ولكن مع "طفرة" الديمقراطية، خاصة في العالم الثالث، فأعتقد أنه لابد من لائحة تمنع ابتذال الحياة البرلمانية، عبر ابتذال بعض ممثليها، لأن المنصب العام، على عكس ما هو شائع، يحد من حرية صاحبه، وما يجوز للناخب لا يجوز دائما للنائب (!)، وهو ما تعرفه الديمقراطيات العريقة، ففي أمريكا مثلا، فإن سان فرنسيسكو تطرح مفارقة طريفة، إذ إن المدينة هي عرين " الشاذين " جنسيا، ومع ذلك فإنه لم يحدث في تاريخ الكونغرس الأمريكي أن دخل مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أي "شاذ" جنسيا ممثلا للمدينة.

أما في باكستان فقد جاء قرار الحكومة بمنع كل من اقترض من الدولة من دون أن يقوم بتسديد دينه من ترشيح نفسه للانتخابات العامة، وهذه قاعدة ذهبية فهي من ناحية ترد الحياة إلى بعض الديون المعدومة، ومن ناحية ثانية تقطع الطريق على مرشحين ربما يحلمون بأن يسددوا ديونهم بعد فوزهم في الانتخابات، وربما من أموال الحكومة وليس من أموالهم الشخصية. فقرار المنع هو نوع من "الفيلتر" يمنع سارقي مال الشعب من تمثيل الشعب.

وفي الهند لجأ حاكم ولاية بيهار- وهي أفقر الولايات الهندية- إلى طريقة جديدة لاكتساب الناخبين، فقد أعد موكبا يطوف به القرى، ويضم الموكب عشرات الحلاقين وعددا من سيارات الإطفاء وفي كل قرية يتوقف الموكب، حيث يقوم الحلاقون بقص شعور الأطفال الصغار، ثم يتولى رجال الإطفاء: رشهم بالمياه، بينما يعمل عدد من المساعدين على غسلهم بالصابون. وفي النهاية يتركون لكل صبي صابونة واحدة هدية، وللفتاة "توكة" أو ربطة للشعر. الهدف كما يقول الحاكم هو أن تحكم بنظافة، وأن يكون الناخب وأسرته نظيفين.

هنا لابد من وقفة. نعيد خلالها تحديد مفهوم الديمقراطية، فهي بالتأكيد ليست مبنى يحمل لافتة ويمارس السلطة التشريعية بمقدار ما هو سلوك يومي وممارسة واقعية تهدف إلى رفع مستوى الناس اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وحضاريا، فمجلس الأمة أو الشورى هو "رمز لعشرات المؤسسات والجماعات الفاعلة في المجتمع ".

ففي المملكة العربية السعودية مثلا، وقبل إنجاز الخطوة الرائدة بالإعلان عن قيام مجلس الشورى واختيار أعضائه، فقد أعلن أن عدد السجلات التجارية الخاصة بالنساء قد ارتفع في العام الماضى إلى 10233 سجلا تجاريا بزيادة قدرها 5361 سجلا على الأعوام الثلاثة الماضية، وهذه القفزة النسائية في القطاع التجاري تتواكب مع نهضة علمية تعم المملكة، مما يجعل من قيام مجلس الشورى تتويجا لنشاطات وعلاقات صحية على أرض الواقع.

ونموذج آخر من البحرين التي صدر فيها أمر أميري في نهاية العام الماضي، يقضي بتشكيل مجلس للشوري يساهم في إدارة شئون البلاد، واستنادا إلى إحصاءات رسمية، فقد بلغ عدد البحرينيين الحاصلين على مؤهل جامعي فاكثر 11 ألفا و 463 مواطنا بينهم 4781 من الإناث، في حين أنه كان في عام 1950 لا يوجد في البحرين غير اثنين فقط من المتخرجين جامعيا، أما في الكويت فإن المسيرة الديمقراطية العريقة مثال يحتذى به.

هذه النماذج تعني أن الديمقراطية تنبع في بلادنا من القاعدة، وتقوم على مؤسسات عصرية وقوى نشطة وفاعلة، ولأنها كذلك فإنها بالتأكيد لا تحتاج إلى وصايا أو لائحة آداب، متمنين أن يقوم المجتمع كله بدور الفيلتر.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات