«الفيس بوك» العربي.. Facebook من الثورة إلى الرقابة الشعبية

الفيس بوك» العربي.. Facebook من الثورة إلى الرقابة الشعبية
        

          بعد أسابيع قليلة من بدء الثورات الشعبية التي اندلعت شرارتها في تونس وانتقلت منها إلى مصر ثم اليمن وليبيا وغيرها من دول المنطقة العربية، أعلن المسئولون عن الموقع الاجتماعي الأكثر شهرة في العالم اليوم «الفيس بوك» عن ارتفاع قيمة الموقع إلى 65 مليار دولار، محققًا رقمًا قياسيًا في القيمة المادية لأي موقع اجتماعي على شبكة الإنترنت، ومؤشرا إلى دلالة كبيرة على التوسع الرهيب الذي أنجزه الموقع كوسيلة اتصال اجتماعي يسهم في إثراء العلاقات الاجتماعية والمعلوماتية بين ملايين البشر في أرجاء العالم.

          والحقيقة أن «الفيس بوك» بفضل دوره الذي ذاع في وسائل الإعلام المختلفة كوسيلة من وسائل تحقيق التفاعل في نقد الممارسات السلبية من قبل بعض السلطات العربية، وقضايا الفساد، وخلق رأي عام عربي ضد كل تلك السلبيات نجح في أن يتوج هذه التفاعلات بخلق تحركات شعبية واسعة المدى طالبت بالتغيير ونجح بعضها في تحقيق مطالبها، وبفضل هذا كله تمكن الموقع الاجتماعي من أن يحقق ثقلا كبيرا في قيمته كأداة لا يستهان بها في هذا الصدد، إضافة إلى ما حظي به من سمعة طيبة جعلت أحد المواطنين المصريين الذي أنجب طفلة خلال أحداث الثورة في مصر يسميها «فيس بوك»، تيمنا بالثورة، ولكون الفيس بوك إحدى أدوات تحريكها الأساسية، وفقا لما بثته إذاعة البي بي سي قبل فترة.

«هايد بارك»

          قبل عام ونصف العام تقريبا وتحديدا في عدد مارس 2010 نشرت مجلة «العربي» في زاوية ثقافة إلكترونية موضوعا بعنوان «الفيس بوك..هايد بارك عربي على الإنترنت»، تناول رصدا للمجموعات التي كانت تتنامى على موقع الشبكة الاجتماعية ومحتواها ودورها الجلي في تشكيل حالة من الحوار الصاخب الذي ربما لم يكن له أن يتحقق لولا أن توافرت له مثل هذه الوسيلة. ويبدو اليوم أن هذا التفاعل والحوار والجدل والنقاش السياسي والفكري والاجتماعي قد أفرز حالة من الوعي المختلف والذي يمكن أن يكون، ضمن روافد عديدة، أحد مفجرات ثورتي تونس ومصر، أو على الأقل من بين عوامل تنسيقها وتحركها.

بين الشرق والغرب

          واللافت للانتباه أن استخدام الفيس بوك في المجتمعات الغربية يختلف تماما، وبشكل جذري، عن استخدامه بين المستخدمين العرب، فبينما لا يتجاوز استخدام الفيس بوك من قبل المستخدمين في أوربا مثلا الدخول إلى الحساب كل بضعة أيام، وربما المشاركة برابط لإحدى الأغنيات، أو القطع الموسيقية، أو حتى خبر من الصحف، أو أن يكون استخدام الحساب بشكل أكبر بالنسبة للأجيال الشابة والأصغر عمرا، فإن استخدامهم للموقع الاجتماعي أيضا لا يتجاوز التعليق على مزاجهم أو ما قد يتعرضون له من مواقف في الحياة أو ما يخططون لعمله.

          أما الحالة العربية في استخدام الفيس بوك فهي تختلف جذريًا، إذ تصل لأن تكون حالة من الحراك الفكري والسياسي، ومن النقاش الفكري حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية، والنقد اللاذع لممارسات سياسية سلبية ومظاهر للفساد، تمتد من مجرد كتابة رأي والتعليق عليه، إلى تعليق روابط من الصحف والقنوات التليفزيونية حول أخبار محددة أو قضايا معينة تثير اهتمام المستخدمين، وتكوين مجموعات رأي مهتمة بشأن اجتماعي معين أو سياسي، بحيث يتم تفعيل نوع من الحوار القوي حول الموضوع، أو إنشاء مجموعات يكون هدفها الضغط على أصحاب القرار تجاه موضوع من الموضوعات بمطلب شعبي أو فئوي.

من تونس إلى مصر

          وكان لافتاً أن «الفيس بوك» بقدر ما كان أحد المصادر الأساسية للمعلومات حول الأحداث في تونس منذ اندلعت ثورتها وتتبع التحركات الشعبية والمواجهات مع قوات الأمن وصولا لإسقاط بن علي، فإنه سرعان ما تحول إلى مصدر لمساعدة الثوار المصريين في تحركاتهم خلال الأيام الأولى للثورة, خصوصا يومي 25 و28 يناير، عبر النصائح التي كان يقدمها لهم الثوار في تونس عن كيفية مواجهة الشرطة والتعامل مع الغازات المسيلة للدموع مما منح هذا الموقع الاجتماعي إمكانية جديدة في التواصل الثوري بين مجتمعين فصلت بين ثورتيهما أسابيع قليلة وحقق كل منهما تقريبًا النتائج نفسها في تنحية نظامين ديكتاتوريين عن السلطة في غضون أسابيع محدودة، وبالتحديد 23 يوما في تونس، و18 يوما في مصر.

          في الفترة التي قررت فيها الحكومة المصرية التي كان يرأسها أحمد نظيف في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، قطع الإنترنت والاتصالات الهاتفية مساء ليلة جمعة الغضب 28 يناير، قام المصريون في الخارج بدور كبير من خلال الإنترنت في محاولة تقصي ونقل المعلومات عما يحدث في مصر، واطلاع الإعلام الغربي عليها، خصوصا في ظل سياسة التضليل الإعلامي التي مارسها الجهاز الإعلامي المصري الحكومي في عهد أنس الفقي الذي يحاكم الآن في جرائم فساد.

          وبعد عودة خدمات الإنترنت مرة أخرى, بعد تعيين حكومة أحمد شفيق المؤقتة، شهد «الفيس بوك» أكبر حراك تفاعلي بين المستخدمين من مؤيدي الثورة ممن استشفوا منذ البداية أنها ثورة حقيقية بمعنى الكلمة، ينبغي أن تحقق أهدافها التي وصلت، بعد تأخر الرئيس المخلوع في رد الفعل، إلى حد المطالبة بإسقاطه، وليست مجرد تظاهرة أو تحركات جماعية فئوية كما حاول البعض أن يصورها، وأيضًا مع توالي نشر وقائع الفساد المتتالية وبينها مخالفات رجال الشرطة في عهد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، الذي أعطى أوامره للضباط بالانسحاب بعد فشلهم في مواجهة الثوار مع نهاية يوم جمعة الغضب.

          وقد كان «الفيس بوك» ساحة يومية لتوثيق وقائع الثورة وما يتعرض له المتظاهرون، ولمطالبهم، وكذلك لردود الفعل الرسمية والإعلامية، يوما بيوم، بل ساعة بساعة، وما يوازي ذلك من تعليقات غاضبة أو مستفزة، أو متعجبة مما ينشر من وقائع الفساد أو غيرها.

الإعلام الشعبي من قلب الحدث

          كما كان لـ «الفيس بوك» أيضا دور كبير جداً في تغذية الإعلام المرئي بفيديوهات يتم تصويرها من قلب التظاهرات، أو من تجمعات الشباب الغاضبين المطالبين بإسقاط النظام وغيرها من المطالب، ففي إطار القيود التي فرضتها الحكومة المصرية على بث وقائع الثورة، لعب الإعلام الشعبي دورًا كبيرًا في تكوين رأي عام عالمي عما يحدث في مصر، وفي توثيق وقائع قتل المتظاهرين على يد البلطجية وقبلهم رجال الأمن، وفي تونس من قبلها، ثم في البحرين واليمن وليبيا في وقت لاحق.

          وبعد تعرض المتظاهرين في مصر لأعمال عنف من قناصة الداخلية ومن البلطجية، الذين هاجموا المتظاهرين في ميدان التحرير في موقعة عرفت بـ«موقعة الجمل»، حيث انطلق هؤلاء البلطجية الى التحرير على ظهور بعض الخيل والجمال، ارتفعت حدة غضب المتظاهرين وارتفع سقف مطالبهم إلى تنحية الرئيس السابق حسني مبارك عن سدة الحكم، ورفض كل ألوان الحوار التي كان قد دعا إليها نائبه اللواء عمر سليمان، وتزايدت شعبية الثورة بين المواطنين وحتى يوم إعلان مبارك تنحيه عن السلطة وتسليم السلطة للجيش يوم 11 فبراير.

          وبتنحي مبارك عن السلطة سارعت كل الجهات الإعلامية الرسمية في مصر وبينها كل الجهات التي كانت توالي سلطة مبارك إلى تغيير موقفها إلى النقيض وأعلنت تضامنها الكامل مع الثورة الشعبية، في موقف اتسم بالانتهازية، وتسبب في انتقاد شعبي عارم، دعا الثوار وكل القوى الوطنية للمطالبة بالدعوة إلى إقالة جميع الرموز الإعلامية التي كانت قد هاجمت الثورة منذ أول أيامها حتى تنحي مبارك.

الشعب يراقب الحكومات

          منذ هذه اللحظة تحول الفيس بوك إلى وسيلة رقابة شعبية لمتابعة مطالب ائتلاف شباب الثورة، وملاحقة الفساد، وفلول النظام السابق، والضغط على السلطة العسكرية المؤقتة لمحاكمة رموز الفساد.

          وتجلت هذه الظاهرة في تونس قبل مصر ممثلة في تزايد وتسارع إنشاء المجموعات الافتراضية على الإنترنت، مثلما كان الشأن في تونس: مثل مجموعة «الثورة التونسية»، ومجموعة «أطلقوا سراح الصديقة مونيا عابد» وهي مجموعة تونسية اختصت بمتابعة أخبار المعتقلين التونسيين في أثناء الثورة، ثم «تونس اليوم»، «مليون توقيع لأجل دولة برلمانية تونسية»، «ثورة الياسمين»، «تونس بعد الثورة» وعشرات المجموعات غيرها بعضها باللغة الفرنسية.

          وعلى الطريق نفسها سارت جماعات الرقابة الشعبية على «الفيس بوك» في مصر حيث شهدت الأيام الأولى للثورة وبعدها نشأة مجموعات عدة منها: «شبكة الرصد السياسي»، «اللجنة الشعبية لدعم نصرة ثورة الغضب في مصر»، «التجمع المصري لحماية ودعم ثورة الشباب»، «أحرار للنهاية»، «مصر دولة مدنية» وغيرها. وقد ظهرت العديد من المجموعات التي تناصر ثورات الدول العربية من قبل شعوب دول أخرى ومنها مثلًا «كويتيون من أجل مصر» وهي مجموعة نشأت منذ الأيام الأولى لثورة 25 يناير، «ندعم المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا» الذي أنشئ بواسطة مجموعات من التونسيين في الأساس، «مصريون وندعم ثورة ليبيا»، «أنقذوا ليبيا»، «اللجنة المصرية لدعم ثورة اليمن»، «ثورة الياسمين في اليمن». بالإضافة لعدد آخر كبير من المجموعات التي انشئت لدعم انتفاضات وتحركات شعبية أخرى في العالم العربي وبينها البحرين التي شهدت أيضا العنف في مواجهة المتظاهرين من قبل قوات الأمن.

استيعاب الدرس

          ويبدو أن «الفيس بوك» أثر بقوة في الذهنية العربية وخصوصا لدى النخب حيث قام المجلس الرئاسي العسكري في مصر بإنشاء صفحة على الفيس بوك للتواصل مع المواطنين وخصوصا الشباب، حيث يقوم فيها بنشر كل البيانات الرسمية وتوضيح الحقائق حول أي موضوع من الموضوعات المطروحة على الساحة.

          وتشهد هذه الصفحة (عدد المنضمين إليها يناهز 30 ألف شخص) نوعا من التفاعل الكبير بين المواطنين المصريين والقوات المسلحة حيث يعبر فيها المواطنون عن آرائهم ومطالبهم وشكاواهم. ومن الطريف أن أحد تلاميذ المدارس كتب يشكو للقوات المسلحة أنه ذهب إلى المدرسة ونسيّ الكشكول فعاقبه المدرس بإيقافه في الفصل وهو يرفع حقيبته على مدى حصتين متتاليتين! كما اشتكى الطالب من مدير المدرسة الذي يحمل معه «كرباج» أو سوطا جلديا يضرب به التلاميذ، واختتم صاحب الشكوى بأنه إذا لم تقم القوات المسلحة بحل هذه المشكلات التي يتعرض لها الطلبة في المدرسة فإنهم سوف يقومون بالتظاهر!

          كما كتب أهالي المعتقلين من شباب المتظاهرين الذين أخذوا بجريرة البلطجية، لكي يلتمسوا العفو عن أبنائهم، وغير ذلك من عشرات المظالم مما يجعل من الصفحة تقدم نبض الشارع المصري بصدق للمجلس الرئاسي المؤقت. ومن البديهي ان ائتلاف الثورة قد أنشأ صفحة أيضا ينشر فيها مطالبه ويحث المتظاهرين على التجييش للمظاهرات أو النقاش معهم حول المطالب التي يرفعها للمجلس الرئاسي، وهي من الصفحات التي تحظى بشعبية كبيرة (عدد المنضمين للمجموعة يتجاوز 60 ألف شخص).

          وكذلك مجلس الوزراء المصري برئاسة رئيس الحكومة المكلف من الشعب الدكتور عصام شرف.

صحوة ذهنية

          وهكذا يبدو الواقع الافتراضي معبرا بصدق عن أكبر حراك سياسي واجتماعي تمر به المنطقة العربية منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، ويقدم شهادة حية على ما يحدث اليوم في أرجاء واسعة من المنطقة العربية فيما يبدو كأنه صحوة كبرى تولد اليوم صراعا صحيا بين أتباع الماضي وأنصار المستقبل، وهو التعريف العملي لفكرة الثورة في التاريخ.

          وهو دليل مهم على بدء العرب, ربما للمرة الأولى في استخدام التقنيات الحديثة بشكل إيجابي وفعال، بدلا من الاكتفاء بالاستهلاك السلبي الذي ميز السلوك العربي في مجمله لعدة عقود، وهو تطور له دلالة مهمة في كونه يشكل تحولا في فكر وذهنية الشخصية العربية لصالح النهضة والدخول إلى عالم الحرية والتعبير الحر عن الرأي، بما يعنيه ذلك من تحيز لقيم الحداثة والدخول إلى عصر جديد أكثر رقيا وبحثا عن العدالة والجمال الأخلاقي والمجتمعي معًا.

          وتكشف هذه التطورات التي لعبت الساحة الافتراضية فيها دورا بطوليا لا يستهان به، أن هناك توجها شعبيًا عربيًا لطرح كل الأسئلة على الساحة للنقاش بلا خوف أو تحفظ، وبينها أسئلة عن الهوية والمستقبل كفيلة بأن تقود التغيير إلى ذرى سامقة لم نكن نستطيع حتى تخيلها قبل عدة شهور، وجزء كبير من أزمة العقلية العربية أنها اكتفت، دهرا، بإثارة الشكوك والريبة والهواجس في نفسها وقدراتها ومستقبلها ومصيرها، بينما يتكشف لها اليوم أنها «فاعلة»، و«مريدة» أي صاحبة إرادة وقدرة على الفعل، وبالتالي قادرة على تغيير المستقبل لصالحها. وهو تغيير غير مسبوق، وبالرغم من أن الساحة الافتراضية كانت ساحة اختبار لاستعراض مثل هذه الذهنية المتشككة في الثورة وقوة فلول القوى القديمة، وفي تشتتها بين معنى الاستقرار كما اعتادته، والشائعات المضللة دون أن تدرك أن ذلك الاستقرار المزعوم لم يكن سوى إحساس وهمي لأن شيئا لم يكن مستقرا سوى الفوضى والفساد وبصور تبدو خيالية من فرط عبثيتها ومبالغة المفسدين في الاجتراء على حريات الآخرين وأمنهم وأموالهم لصالح مصالحهم الضيقة.

ثورة زمانية

          ومن بين ما يمكن التفكير فيه أيضا أن ارتباط هذه الثورات التي تتنقل في المنطقة العربية من بلد إلى آخر بأدوات الاتصال الحديث قد أسبغ على هذه الثورات شيئًا مهمًا، ولعل المتابعين لهذه الزاوية يذكرون موضوعا كان قد نشر هنا تحت عنوان «الزمان والمكان على الإنترنت» تناولت فيه فكرة ظاهرة انضغاط الزمان والمكان بفضل العالم الافتراضي، وأظن أن ما أنجزته ثورة تونس في 23 يوما بإزاحة الرئيس الأسبق بن علي عن السلطة وما استتبع ذلك من إجراءات لتأسيس دولة الحريات والديمقراطية يعدان بمنطق الواقع الحقيقي إنجازا يفوق الخيال بالنظر إلى حجم المنجز مقارنة بالزمن الذي أنجز فيه، وكذلك الأمر في مصر، وهو ما يشير بشكل ما إلى تأثير غير مباشر لخاصية من خواص العالم الافتراضي على العالم الحقيقي.

جريدة «الثوار».. منبر إلكتروني جديد

          الظاهرة الأخيرة التي كشفتها الساحة الافتراضية ممثلة في «الفيس بوك» و«تويتر» والفضاء الافتراضي إجمالا، وقد كانت متوقعة ولعلها ضرورية، هي شروع الشباب الثوار في البحث عن وسائل إعلامية تعبر عنهم، بعيدا عن آلات الإعلام الرسمية الحكومية والخاصة التي بدت في ملاحقاتها للأحداث عاجزة، أو متلكئة، غير قادرة على الاستيعاب، تنتمي لعصر الشيخوخة الفكرية والسياسية أكثر بكثير من الحيوية والنزاهة التي تعبر عنها الثورة، وهكذا ظهرت أولى الصحف الإلكترونية التي انشأها الشباب باسم «الثوار» althwar.com والتي تأسست تأكيدا على فكرة استمرار الثورة حتى تحقق كل مطالبها وللتعبير عن إبداعات الثورة، والأفكار التي يمتلكها الشباب من صانعي الثورة وما يودون التعبير عنه، إضافة إلى فضح كل عمليات الفساد التي خلفها النظام السابق، وكذلك نشر والدعوة إلى العمل الأهلي الخاص بتثقيف المجتمع وزيادة وعيه وهي المشروعات التي تدخل في إطار إبداعات الثورة والتي انطلقت جميعها من الواقع الافتراضي وسوف تكون موضوعا لهذه الزاوية الشهر المقبل.

كلمة أخيرة

          هذه الثورات الشعبية الجديدة تتسلح جميعها بوسائط الاتصال الحديث لتكشف أن التغيير قادم من عقول عصرية، تتحدث لغة مختلفة، ولديها أفكار مختلفة، ووعي مختلف تماما، لعل أبرز تجلياته يمكن اختزالها في «موقعة الجمل» الشهيرة في مصر، فقد بدا المشهد بينما الخيول والجمال تتقدم إلى ميدان التحرير لتهاجم المتظاهرين المسالمين كأنه ينتقل بنا للعصر المملوكي فجأة، وربما إلى عصر الجاهلية، وقد فضحت هذه الصورة الخيال القديم الذي يمتلكه النظام البائد وفلوله ومدى شيخوختهم الفكرية والذهنية، ولهذا يبدو جليا أن الحداثة ستفرض صوتها في هذه المعركة لأنها مع شروطها الأخلاقية والجمالية تبدو أقوى بكثير من كل أسلحة الديكتاتور.

 

إبراهيم فرغلي    
























من شهداء ثورة مصر