القائمة الحمراء: نمط حياتنا يهدد خُمس كائنات العالم بالانقراض

القائمة الحمراء: نمط حياتنا يهدد خُمس كائنات العالم بالانقراض
        

          تكشف أزمة انقراض الأنواع المتفاقمة أن تنوع الطبيعة لا يمكنه الصمود أمام الضغوط الراهنة التي يمارسها البشر على الكوكب. ووفقًا لأحدث التقديرات، فإن معدل فقدان التنوع الحيوي اليومي يزيد ألف ضعف عن المعدل الطبيعي.. وتتعدد الأسباب وراء انقراض الأنواع: تدمير الموائل الطبيعية، وتغيير طبيعة الأراضي من أجل التوسع في الزراعة وتلبية احتياجات عملية التنمية، وتغير المناخ، والتلوث وانتشار الأنواع الغازية.

          وتؤكّدُ دراسة حديثة اعتبرها العلماء التقييمُ الأكثر شموليةً لفقاريّات العالم أن هناك أزمةَ انقراض تواجه خُمس الأنواع على كوكبنا. واستخدمت الدراسة، التي نشرت نتائجها في مجلة «ساينس»، بيانات تخص 25 ألف نوع مسجلة في «القائمة الحمراء للأنواع المُهدّدة بالانقراض» التي يعدها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعيةِ، لتَحرّي أوضاع فقاريّات العالم (الثدييات، والطيور، والبرمائيات، والزواحف والأسماك)، وللتعرف على التغيرات التي طرأت على أوضاعها مع مرور السنين. وبينت النتائج أن هناك في المتوسط 50 نوعا من الثدييات، والطيور والبرمائيات تقترب من حافة الانقراض كُلّ سَنَة بسبب تأثيراتِ التوسّعِ الزراعي، وإزالة الغابات، والاستغلال المفرط وغزو الأنواع الغريبة.

          ويقول عالم البيئة والكاتب الأمريكي الكبير البروفيسور إدوارد ويلسون: «إن العمود الفقري للتنوع الحيوي آخذ في التآكل. وخطوة صغيرة واحدة صعودا في القائمةِ الحمراءِ تعني قفزة هائلة للأمام صوب الانــقراض. وهــذه فقط نافذة صغيرة على فـــقدان التنوع الحيوي الجاري الآن على مستوى الكوكب».

          ويعاني جنوب شرقي آسيا من أقسى الخسائر، أساسا بسبب إزالة الغابات من أجل التوسع في زراعة محاصيل التصدير مثل نخيل الزيوت، والاستغلال التجاري لخشب الأشجار، وتحويل أراضيها لمزارع أرز، وعمليات الصيد المفرط غير المستدام، كما شهدت أجزاء واسعة من أمريكا الوسطى، وجبال الإنديز في أمريكا الجنوبية، وحتى أستراليا، خسائر كبيرة، على نحو خاص بسبب تأثيرِ فطرِ شيتريد القاتل للبرمائيات.

          وبينما تُؤكّدُ الدراسة على صحة ما ذهبت إليه تقارير سابقة عن الفقدان المستمر للتنوع الحيوي، فإنها الأولى التي تقدم دليلا واضحا على التأثيرِ الإيجابي لجُهودِ صون الطبيعة حول العالم. وتبين نتائجها أن التنوع الحيوي ربما كان سيتقلص بنحو 20 في المائة لو لم نكن قد قمنا بما بذلناه من جهود لصون الطبيعة.

          وكما يقول البروفيسور سايمون ستيوارت رئيس لجنة بقاء الأنواع في الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية وأحد المشاركين في إعداد الدراسة: التاريخ يعلمنا أن جهود صون الطبيعة بوسعها أن تحقق المستحيل، وهو ما يدركه كل من يعرف قصة إنقاذ وحيد القرن (الكركدنِ) الأبيضِ في جنوب القارة الإفريقية، لكن هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من أَنْ نَعْرضَ التأثيرَ الإيجابيَ الإجمالي لهذه النجاحاتِ على حالةِ البيئةِ».

جهود الحماية

          وتسلط الدراسة الضوء على 64 نوعا من الثدييات، والطيور والبرمائيات تَحسّنت أوضاعها بسبب جهود حمايتها الناجحة. ومن بينها ثلاثة أنواعِ كَانتْ قد انقرضت فعليا من البريةِ وأعيد مُنْذُ ذلِك الحينِ إطلاقها إلى الطبيعةِ وهي: كندور كاليفورنيا (نسر أمريكي ضخم)، Gymnogyps californianus، والنمْس الأسود الأقدام Mustela nigripes في الولايات المتّحدةِ، وحصان برزوالسكي Equus ferus في منغوليا.

          وكانت جُهود الحمايةِ ناجحة جداً على نحو خاص في مكافحة الأنواع الغازية على الجُزُرِ فقد ارتفع عدد طيور أبوِ حناء- عقعق سيشيل، Copsychus sechellarum، مِنْ أقلِ مِنْ 15 طيرا في العام 1965 إلى 180 في العام 2006 من خلال السيطرةِ على الحيوانات المفترسة، مثل الجرذِ البني، Rattus norvegicus، وتربية هذه الطيور النادرة في الأسر وإعادة إطلاقها إلى البرية. وفي موريشيوس، تحسنت أوضاع ستة أنواع من الطيور، من ضمنها عوسقِ موريشيوس Falco punctatus (نوع من الصقور) الذي تكاثر عدده مِن أربعة طيورِ فقط في العام 1974 إلى ما يقرب من 1000 الآن.

          وفي أمريكا الجنوبية، أدت المحميات الطبيعية وتضافر جهود اتفاقية التجارة الدوليةِ في الأنواع المهددة واتفاقية الفيكونا إلى إنقاذ حيوان الفيكونا (حيوان أمريكي جنوبي شبيه بالجمل). وبالمثل، أدت التشريعات التي منعت صيد الحيتان إلى انتقال الحوت الأحدب من مرتبة «مهدد» إلى مرتبة «في وضع يدعو للقلق»، لكن لسوء الحظ لا ينطبق الأمر على معظم البرمائيات التي لم تتحسن أوضاعها، غير أن الجُهودَ الدوليةَ تَتواصل، بما في ذلك برنامج لإعادة إطلاق ضفدعِ كيهانسي Nectophrynoides asperginis إلى البريةِ في تنزانيا.

          ويحذر العلماء الذين وضعوا الدراسة من أن دراستَهم تُمثّلُ فقط تقديرا أدنى للتأثير الحقيقي لجهود الحماية، ويؤكدون أن حوالي تسعة في المائة مِنْ الأنواعِ المُهدّدة قد زاد عددها في واقع الأمر.

          وتشير الدراسة إلى أن نسبة الأنواع المهددة بين الفقاريات تتراوح بين 13 في المائة مِنْ الطيورِ و41 في المائة مِنْ البرمائيات. وبالرغم من أن هذه الدراسةِ ركّزتْ على الفقاريّات، فإنها استعرضت أيضا مستويات التهديدِ بين عِدّة مجموعات من الأنواع الأخرى التي قيمتها «القائمة الحمراء للأنواع المُهدّدة» التي يعدها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعيةِ، بما في ذلك الـ14 في المائة المهددة من أعشاب البحر، و32 في المائة مِنْ جرادِ البحر الذي يعيش في المياه العذبة و33 في المائة مِنْ المرجانِ الباني للشعاب المرجانيةَ.

          وكانت معدلات التهديد بين السيكاسيات (فصيلة نباتات من عاريات البذور شبيهة بالنخل) شديدة الخطورة، حيث وجدوا أن 63 في المائة منها مُهدّدة بالانقراض وتتعرض هذه النباتات، التي تعتبر أقدم نباتات حية على ظهر الأرض تزرع بالبذور، لمستويات عاليةِ جداً من الحَصاد والتجارة غير القانونيين، وهي مهددة بقوة للسير على خطى الديناصورات.

          وشارك في إعداد هذه الدراسةُ 174 مُؤلفا مِنْ 115 مؤسسةِ و38 بلدا. وظهرت إلى النور بفضل مساهمات تطوعية من أكثر مِنْ 3000 عالم تحت رعاية لجنة بقاءِ الأنواعِ في الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية، وشراكة واسعة من منظماتِ ومؤسسات دولية، مثل منظمة بيرد لايف إنترناشونال، والمنظمة الدولية لحماية الحدائق النباتية، ومنظمة الحدائق النباتية الملكية في المملكة المتحدة، وجامعة سباينتزا في رومت، وجامعة إيه أند إم في تكساس.

          وكانت دراسة حديثة رعتها الأمم المتحدة تحت عنوان «اقتصادات الأنظمة الإيكولوجية والتنوع الحيوي» قد قدرت تكلفة فقدان الطبيعةِ بما يتراوح بين 2 و5 تريليونات دولار سنويا، بالدرجة الأولى في الأجزاءِ الأفقرِ مِنْ العالم. كما وجدت دراسة أخرى أن خطر الانقراض يهدد خمس أكثر مِنْ 5000 نوع من الكائنات التي تعيش في المياه العذبة في إفريقيا، الأمر الذي يهدد بدوره مصادر رزق ملايينِ الناسِ التي تعتمد في عيشها على هذه المصادرِ الحيويةِ.

خمس النباتات مهددة

          ويبدو أن نسبة الخمس هي الرقم الصعب في معدلات فقدان التنوع الحيوي إذا استمر البشر في استنزاف موارد الأرض وفي نمط حياتهم الحالي ولم يغيروه إلى نمط جديد صديق للبيئة يراعي قواعد الاستدامة في تعامله مع الطبيعة. وقد وجدت دراسة كبيرة أخرى أن خمس نباتات العالم- وهي أساس الحياة على كوكبنا- معرض لخطر الانقراض، وذلك بعد أن أخضع العلماء المشاركون فيها حوالي 4000 نوع من النبات للبحث، ووجدوا أن نسبة 22 في المائة يجب تصنيفها تحت «النوع المعرض للخطر» وهي النسبة ذاتها الموجودة لدى الثدييات. ووجدوا أيضا أن 33 في المائة من الأنواع النباتية الأخرى لا يمكن تقييمها بسبب فقر فهمنا لها.

          وأجرى هذه الدراسة فريق مشترك من علماء مؤسسة الحدائق النباتية الملكية في المملكة المتحدة ومتحف التاريخ الطبيعي والاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية. وأثبتت الدراسة أن معظم أنواع النباتات، التي يقدر عددها بنحو 380 ألف نوع تتعرض لمخاطر دائمة مثل فقدان الموائل الطبيعية وإزالة الغابات من أجل استغلال أرضها لتلبية احتياجات التوسع في الزراعة.

          وأظهرت الدراسة أن نباتات الغابات الاستوائية معرضة لخطر كبير. واعتبر العلماء أن هذه الدراسة، التي أطلقوا عليها اسم «فهرست القائمة الحمراء للنباتات المهددة بالانقراض»، ليست سوى محاولة لتقديم بيانات دقيقة وشاملة خاصة بهذا الشأن، حيث كانت الدراسات السابقة تعنى بشكل كبير بأنواع النباتات الأكثر تعرضا لخطر الانقراض.

          ويقول فريق العلماء إنها الأكثر دقة ومصداقية نظرا لأنهم أخذوا عينات من كل مجموعة من مجموعات النباتات الخمس. وقد اعتبر مدير حدائق كيو البروفيسور ستيفن هوبر أن الدراسة ستوفر قاعدة أساسية يمكن الانطلاق منها لمعرفة الخسائر التي ستحدث في المستقبل.

          وأشار د.هوبر إلى أنه: «لا يمكننا الجلوس ومشاهدة الأنواع النباتية تختفي، فالنباتات هي أساس الحياة على الأرض وهي مصدر الهواء النقي والماء والغذاء والوقود».

          هذا وقد قام الباحثون بدراسة الأنواع الرئيسية من النباتات بما فيها الطحالب والزهور والبقول مثل الفول والبازلاء.

          ويعرب علماء النبات عن مخاوفهم من أن تنقرض هذه الأنواع قبل إجراء أبحاث عليها وبالتالي احتمال فقدان الخصائص الطبية القيمة.

          وتعتبر أنواع العلاج المستمدة من النباتات هي المصدر الوحيد للعلاج في البلدان الأكثر فقرا في العالم، وقد أثبتت هذه الأنواع فاعليتها في مكافحة الملاريا وسرطان الدم. ويشعر العلماء أيضا بقلق من أن ينحدر الوضع فيظل البشر يعتمدون على مجموعة صغيرة من النباتات ذات قاعدة وراثية محدودة.

أرقام

          توفر الحيود المرجانية الغذاء، والحماية من العواصف، وفرص العمل ومصادر الدخل لأكثر من 500 مليون إنسان في سائر أنحاء العالم، غير أن 70 في المائة من هذه الحيود المرجانية يتهددها التدمير أو دمرت بالفعل.

          17291 نوعا من الـ 47677 نوعا التي تم تقييمها مهددة بالانقراض. من بين 5490 نوعا من الثدييات التي نعرفها، هناك 79 نوعًا انقرضت من البرية بالفعل، وهناك 188 نوعا معرضة لتهديد بالغ، و449 مهددة و505 أنواع في وضع صعب.

          من بين 6285 من أنواع البرمائيات على كوكبنا، هناك 1895 نوعا مهددة بالانقراض، وهو ما يجعلها المجموعة الأكثر تهديدا على وجه الأرض.

          من بين حوالي 4000 نوع من النبات خضعت للبحث، هناك 22 بالمائة منها يجب تصنيفها تحت «النوع المعرض للخطر»، وهي النسبة ذاتها الموجودة لدى الثدييات.

          معدلات التهديد بين السيكاسيات (فصيلة نباتات من عاريات البذور شبيهة بالنخل) شديدة الخطورة، لأن 63 في المائة منها مُهدّدة بالانقراض. وتعتبر هذه النباتات، وهي أقدم نباتات حية على ظهر الأرض تزرع بالبذور، مهددة بقوة للسير على خطى الديناصورات.

 

 

أحمد خضر الشربيني   
 




«أبو منجل» المُتَوَّج الآسيوي، من الأنواع المهددة





الحوت الأحدب





حصان برزوالسكي أنقذته جهود الحماية الدولية في منغوليا





«الفيكونا» عاد من على حافة الانقراض





النمْس الأسود الأقدام





ضفدعِ كيهانسي أعيد إطلاقه للبرية في تنزانيا