التبعية للغرب في مجال التعليم الهندسي موسى منصور المزيدي

التبعية للغرب في مجال التعليم الهندسي

مظاهر التبعية للغرب في مجال التعليم الهندسي كثيرة في وطننا العربي، أبسطها يبدو واضحا في تبني النظم الغربية لهذا النوع من التعليم مرورا بصحف التخرج للطلبة وانتهاء باستعمال اللغة الإنجليزية في التدريس.

من أمثلة النظم الغربية التعليم الهندسي نظام المقررات والذي ينص على تقسيم السنة الأكاديمية إلى فصول دراسية يدرس خلالها الطالب عدة مقررات حسب خطة دراسية يشترك مرشده معه في وضعها مستنيرا بصحيفة تخرجه. وصحيفة التخرج هذه هي أيضا أحد مظاهر التبعية للغرب في مجال التعليم الهندسي حيث يتم تحديد مجموعة من المقررات يتم توزيعها على عدة سنوات يقوم الطالب بدراستها جميعا إذا أراد لنفسه أن يكون خريجا.

ومظاهر التبعية تبدو واضحة في نوع الكتب والمصادر المستعملة في التعليم الهندسي فهي جميعا بلا استثناء غربية مكتوبة باللغة الإنجليزية وهي هي نفسها المراجع والكتب التي تستعمل في التدريس لدى الجامعات الغربية.

واستعمال اللغة الإنجليزية في التدريس هو كذلك مظهر قوى جدا من مظاهر التبعية هذه. فهل يعاب علينا أن نكون كذلك أم أن مظاهر التبعية هذه لا عيب فيها؟ نحن معشر المهندسين نفهم تماما أن التبعية في علوم الكون ومنها علم الهندسة ليس عيبا ولا ينبغي أن يكون كذلك. فقوانين الكون واحدة ليست حكرا على مجموعة من البشر، دون غيرهم بل هي مفتوحة للجميع لمن أراد أن يسبر غورها ويستفيد منها ويسخرها لمصلحته.

تبديد الطاقة

ليس عيبا أن نتبنى نظام المقررات في تدريس العلوم الهندسية إذا رأى المهندسون ذلك. والمهندسون في تبنيهم لهذا النظام هم قوم عمليون يأخذون من هذا النظام ما يوافق واقع الوطن العربي والظروف البيئية فيه. ففي الوقت الذي يكون فيه الفصل الصيفي مثلا مناسبا جدا لتدريس العلوم الهندسية في شمال الولايات المتحدة فهو غير ملائم للوطن العربي الذي يمتاز بشدة الحرارة فيه أثناء الصيف. وقد يكون استحداث فصل شتوي قصير بين فصلين دراسيين اعتياديين حلاً مناسباً. وإصرار المهندسين على التدريس في الفصل الصيفي في بعض الدول العربية ومنها دول الخليج يتطلب تكييف الفصول الدراسية طيلة أيام الصيف لتكون صالحة للتدريس وفي ذلك ما فيه من تبديد للطاقة الكهربائية إلى جانب المعاناة التي يلاقيها أعضاء هيئة التدريس والمهندسون في التنقل ما بين الجامعات وأماكن السكن.

هذا مثال واحد، والمهندسون في دول الخليج مطالبون بتقييم تجربة التدريس في الفصل الصيفي ليتلاءم ذلك مع واقعهم العملي.

مشاكل عدم الترجمة

ليست عيباً أن نتبنى كتب الغرب في مجال العلوم الهندسية ونجعلها مراجع أساسية لنا في الدول العربية، وذلك إذا رأى المهندسون هذا الرأي. فهم بهذا يتماشون مع آخر تطورات علم الهندسة في العالم آخذين بعين الاعتبار واقع العالم العربي. ففي الوقت الذي نجد المهندسين في بعض الدول العربية مثل سوريا قد قرروا ترجمة هذه الكتب للغة العربية مراعاة لواقع الطلبة هناك نجد أن المهندسين في دول أخرى لم يبذلوا جهداً في ترجمة هذه الكتب ولم يعطوا لهذا العمل أي اعتبار، بل لوائح الترقيات المهنية والأكاديمية لديهم تشير إلى عدم أهمية هذا العمل. وإصرار المهندسين في تلك الدول على عدم أهمية الترجمة قد أوقعها في مشاكل كثيرة ولا سيما بين طلبة الهندسة في جامعاتها، حيث إن ارتفاع نسبة التسرب من كليات الهندسة إلى غيرها قد أصبحت ظاهرة لا ينكرها المهندسون. ويزداد الشعور لدى المهندسين أن أقوى الأسباب التي تكمن وراء هذا التسرب يرجع إلى عدم توافر كتب عربية مترجمة في مجال الهندسة.

هذا مثال آخر، والمهندسون في تلك الدول العربية مطالبون بتقييم تجربة الترجمة وإعطائها البعد المناسب لتتلاءم مع واقعهم العملي.

مشكلة المصطلح

ليس عيباً أن نوضح المصطلحات العلمية أثناء التدريس باللغة الإنجليزية وليس عيباً أن يتفق المهندسون على أن تكون لغة التدريس للعلوم الهندسية هي اللغة العربية التي يتكلمون بها ويفهمونها، فهم بذلك يماشون واقعهم وواقع غيرهم في البلدان الأخرى غير العربية ويكفي أن يعلم المهندسون أن إسرائيل دولة العدو تدرس العلوم الهندسية باللغة العبرية وهي تعرف أن استيعاب طلبة الهندسة يزداد كثيراً عند ذلك. وإصرار المهندسين على التدريس باللغة الإنجليزية في معظم جامعات الدول العربية يحتاج إلى وقفة طويلة ويحتاج إلى مراجعة المسيرة الأكاديمية في علوم الهندسة.

هذا مثال ثالث، والمهندسون في تلك الدول مطالبون بتقييم تجربة سوريا في تدريس طلبتها في كلية الهندسة باللغة العربية.

مظاهر التبعية للغرب في مجال التعليم الهندسي تحتاج إلى تفصيل. وبعض هذه المظاهر يحتاج إلى تقييم مستمر وبعضها الآخر يحتاج إلى رفض أو تأجيل، والتبعية كمفهوم يحتاج إلى تأصيل في أذهان الطلبة في كليات الهندسة في جامعات الدول العربية.

طلبة الهندسة والقائمون على تدريس علوم الهندسة والمهندسون جميعا ليسوا مرغمين على اتباع النموذج الغربي في تدريسه علوم الهندسة أو تطبيقها بل قد يرون أن التبعية تكون جزئياً بما يتلاءم وواقعهم وبما يجعلهم مواكبين للتطور، وهم في الوقت نفسه قد يرون ضرورة إيجاد معادلة أخرى تختلف عن معادلة الغرب في تطوير علوم الهندسة تكون أكثر كفاءة وأقرب إلى جعل بلدانهم تضاهي بلدان الغرب في علم الهندسة والتكنولوجيا القائمة عليه. وقد تأتي الأيام لتثبت أن منطلقاً مثل هذا المنطلق هو أنفع للدول العربية في وقتها الراهن.

 

موسى منصور المزيدي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات