ملف: في مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي

ملف: في مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي
        

          في وصفه لمسار الصراع بين العرب والإسرائيليين، عقد جاكوب تالمون (1916 - 1980) أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة العبرية في القدس مقارنة بين هذا المسار، وبين الصراع الذي دار بين الإسبان والهولنديين خلال القرنين السادس والسابع عشر. لقد كانت هولندا جزءًا من الأراضي التابعة للإمبراطورية الإسبانية في مطلع القرن السادس عشر. إلا أن هولندا كانت ذات طبيعة مغايرة لأكثر المناطق الأخرى التابعة للإمبراطورية. فهذا البلد صغير المساحة أخذ يتوسع، كما لم يفعل غيره، عن طريق تجفيف مياه البحر.

          في حين أن أكثر المناطق الأخرى كانت تدين بالكاثوليكية، اتجهت هولندا إلى اتباع البروتستانتية وخاصة الأفكار التي بشر بها المصلح الديني جون كالفن. فضلا عن ذلك، فقد احتلت البورجوازية الهولندية مكانة مهمة في المجتمع الهولندي مما ساهم في إطلاق حركة إصلاح واسعة تناولت جانب الاقتصاد والسياسة والفكر والثقافة والفن.

          هذه السمات التي اتصفت بها هولندا أثرت على صلتها بالإمبراطورية الإسبانية وأدت إلى توترات بين الطرفين، وحفزت الهولنديين مرارًا إلى حمل السلاح دفاعًا عن خصوصيتهم وعن معتقداتهم. ثم لم تلبث الثورات المتفرقة أن تحولت إلى حروب مستعرة بين الطرفين. وفي بداية هذه الحروب، لم يكن هناك تكافؤ بين الطرفين. فهولندا البلد الصغير الحجم، والقليل في عدد السكان الذين لم يتجاوزوا خلال القرن السادس عشر المليوني نسمة، كان بعيدًا عن مضاهاة الإمبراطورية الإسبانية التي كانت تضم أضعاف عدد الهولنديين، كما ضم ممتلكات ما وراء البحار وخاصة في القارة الأمريكية. ولكن على الرغم من هذا التفاوت، فقد تمكن الهولنديون الذين كانوا متقدمين على الإسبان بفضل اعتناقهم المبادئ الليبرالية وحيويتهم في مجالات الصناعة والإنتاج واندفاعهم في ميادين القتال، تمكنوا من التغلب على إسبانيا.

          وهكذا تحولت الإمبراطورية الإسبانية تدريجيًا إلى دولة أوربية ثانوية الأهمية، بينما تحولت هولندا خلال القرن السابع عشر إلى إمبراطورية علمية تمتد أراضيها إلى أقاصي آسيا والقارة الأمريكية الجديدة.

          يرى تالمون في الصراع الهولندي - الإسباني صورة لمسار الصراع العربي - الإسرائيلي ومستقبله. وقد تبلور هذا المسار منذ نهاية القرن القرن التاسع عشر في صراع بين مشروعين:

          - مشروع صهيوني ينبسط على مساحة الشرق الأوسط الذي يشبهه أبا ايبان، أول وزير خارجية لإسرائيل، بأنه «لوحة نسيج مزخرفة تزدحم بالألوان المتنوعة «الدينية والسلالية والثقافية والعرقية» ولكن الخيط الأبرز الذي حاك هذه اللوحة مصنوع من التجربة اليهودية التي تبلورت على مدى قرون من الزمن».

          وعلى الرغم من أن زعماء إسرائيليين كثر أشاروا في تصريحاتهم وأقوالهم إلى طموح الحركة الصهيونية إلى السيطرة على الشرق الأوسط وليس إلى احتلال فلسطين فحسب، فإن ما جاء على لسان أبا إيبان على هذا الصعيد يتسم بأهمية خاصة لأنه لعب دورًا رئيسيًا في رسم تصور الحركة لصهيونية للشرق الأوسط ودور إسرائيل فيه، ولأنه في الوقت نفسه اعتبر أحد ممثلي خط الاعتدال في إسرائيل.

          - مشروع عربي يرمي إلى إقامة كيان بين الدول العربية في المنطقة. وقد تنوعت مستويات وأشكال هذا الكيان ما بين الدولة المركزية الواحدة التي تندمج فيها الدول، وبين تكتل إقليمي وظيفي مرورًا بدولة فيدرالية أو اتحاد استقلالي (كونفدرالية).

          في الصراع بين المشروعين وبين الفريقين تميزت إسرائيل على العرب، في نظر تالمون، بالتقدم العلمي وبالكفاءة القتالية العالية وباعتناقها وتطبيقها للمبادئ الديمقراطية. أما العرب، فإنهم فاقوا الإسرائيليين، مثلما فاق الإسبان الهولنديين، من حيث عدد السكان من حيث اتساع أراضيهم. كما أنهم فاقوا إسرائيل من حيث حيازتهم على موارد نفطية ضخمة توازي في حجمها وتماثل في أصولها الخارجية الذهب الذي كان يتدفق على إسبانيا من المستعمرات وخاصة من أمريكا. إلا أن تالمون يرى أن الميزات التي تسم إسرائيل هي الأبعد أثرًا في الصراع العربي - الإسرائيلي، تمامًا مثلما كانت لميزات الهولنديين الأثر الحاسم في تغلبهم على إسبانيا.

تقييم كفاءة إدارة الصراع

          بالمقارنة بين الميزات التي يتمتع بها الإسرائيليون وتلك التي يتملكها العرب، فإن الأولى هي صفات حازت عليها جماعة بشرية بسبب عزمها وتصميمها وتضحياتها، أما ما حازه العرب من ميزات هو ما أغدقته عليهم الطبيعة ولا دخل لهم في ذلك إذ إنهم أمة «راكدة» وتعيش في حالة سكون وتخلف أبديين، وليست لها القدرة على الإفادة من الإمكانات والموارد البشرية والمادية والطبيعية المتوافرة لها. وفيما يضمن النوع الأول من الصفات لأصحابه التفوق على الآخرين في صراع البقاء والتقدم، فإن النوع الثاني من الصفات لا يوفر لأصحابه، كما شهد التاريخ، لأصحابه أي ضمانة أكيدة بالتفوق أو حتى بالاستمرار. في ضوء هذه المقارنات، رأى تالمون أنه إذا استمر الصراع على حاله، وإذا استمر العرب على عنادهم وبقوا على معاداتهم لإسرائيل، فإنهم  سوف يلقون مصير الإسبان من تدهور في حالهم وبين الأمم ومن خسارة لكل الميزات التي رفعت بلادهم إلى مرتبة الإمبراطوريات.هذه النظرة إلى مسار الصراع العربي - الإسرائيلي، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، تلخص العديد من النظرات المتداولة والمنتشرة بين الإسرائيليين وبين مؤيدي المشروع الصهيوني. وتشبه مقارنة الصراع الهولندي - الإسباني بالصراع العربي - الإسرائيلي استحضار رواية داود وجوليات الجبار التوراتية للمقارنة بينها وبين انتصار الإسرائيليين على العرب بفضل بسالتهم وحسن تدبيرهم، وهزيمة العرب بسبب عنجهيتهم وعدوانيتهم. ومثل هذه القصص العديد من الروايات التي تغذي مخيلة الإسرائيليين ومناصريهم حول حتمية انتصار إسرائيل على أعدائها واحتلالها المركز الذي حفظه لها التاريخ والميثولوجيا الصهيونية كمنارة بين الأمم تهديهم إلى الخلاص الأبدي.

          تستقي هذه النظرة مبرراتها من انتصارات ملموسة حققتها الصهيونية. فبالفعل تمكنت هذه الحركة من إقامة الكيان العبري على أرض فلسطين، ومن مضاعفة حجمه وموارده الطبيعية واستجلاب الملايين من اليهود للإقامة في هذا الكيان، ومن تعزيز مواقعها الاستراتيجية في وجه العرب. حققت الحركة الصهيونية هذه الأهداف عبر بناء قوة عسكرية متفوقة أظهرت فاعليتها القصوى خلال حربي عام 1948 و1967. ولاتزال هذه القوة تشكل الأداة الرئيسية التي تستخدمها إسرائيل من أجل تحقيق أهدافها.

          وبمقدار ما نجحت الحركة الصهيونية ونجح الإسرائيليون في تحقيق هذه الأهداف، فإنهم حققوا نجاحًا أكبر، في تقديري، في صراعهم مع المشروع العروبي. فقد استنفد الإسرائيليون طاقاتهم وقدرات الآخرين لشن حرب ضد المنظومة الإقليمية العربية وبغرض تحطيمها وتعطيل فاعليتها وتسفيه أسسها الفكرية. وقدر الإسرائيليون - وهم على حق في ذلك - أن نجاح هذه المنظومة سيؤدي إلى عزلة إسرائيل ومنعها من التحول إلى مركز للشعب اليهودي وإلى أهم عامل في خلاص اليهود، كما جاء في مذكرات ناحوم غولدمان الذي تولى رئاسة المجلس اليهودي العالمي. وبيدو لي أن النجاح الصهيوني في إضعاف المشروع العربي، وتهميش النظام الإقليمي العربي والهوية العربية قد فاق نجاحها في بناء إسرائيل ككيان قوي ذي مكانة عالمية.

          من الشواهد المهمة على نجاح السياسة الإسرائيلية الموجهة ضد تجليات الشخصية العربية الجماعية هي في قيام ما دعي بمحور الاعتدال في منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2008 أو «حلف البنائين» كما سمته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والذي ضم إسرائيل وحكومة الرئيس المصري السابق حسني مبارك. فقد بدا هذا المحور وكأنه البديل الإقليمي عن المحور الثلاثي الذي ضم مصر والسعودية وسورية والذي لعب دورًا مهمًا في الحفاظ على المنظومة الإقليمية العربية منذ حرب أكتوبر عام 1973 حتى منتصف  العقد المنصرم تقريبًا.

          وبإضافة هذا المحور إلى سلسلة من المشاريع الأوسطية والمتوسطية التي اجتاحت المنطقة، فقد بدا وكأنها احتلت موقع الصدارة في قاطرة التحالفات الإقليمية في المنطقة، وأن الطريق قد انفتح أمامها لكي تندمج في المنطقة العربية، أو بالأحرى لكي تمسك بمقودها بالتعاون مع شركاء عرب ينصاعون بسهولة للحاجات وللطلبات الإسرائيلية.

          الانتصارات الكثيرة التي حققتها الصهيونية على العرب قد تخلب ألباب مؤيديها ومناصريها المتحمسين والمروجين لها في إسرائيل وفي دول الغرب المتعاطفة مع المشروع الصهيوني، وهي قد تبرر لهم الاعتقاد بأن هذه الانتصارات تؤكد مشروعية إسرائيل وتمدها بعوامل الارتقاء الذاتي وتضفي على المشروع الصهيوني مسحة الواقعية التاريخية. ولكن ليس لهذه الإنجازات أن تزود إسرائيل أو بأي مسوغ أخلاق لقيامها ولا أن تشرعن للحركة الصهيونية أهدافها وأساليبها لا أن ترسم مصير الصراع العربي - الإسرائيلي. بالعكس أنها تضع إسرائيل تحت المجهر، وتنزع عنها طابع الكيان الصغير الذي يواجه الجبابرة الأقوياء، وتحث المجتمع الدولي على معاملته وفقا لمعايير الشرعية الدولية، وأخذًا بعين الاعتبار موازين القوى الحقيقة بينه وبين الدول العربية وهو ما كان دومًا في غير مصلحة إسرائيل.

توقعات أم نبوءات؟

          إن هذه الموازين تميل بقوة اليوم ووفقًا لكثير من الحسابات لمصلحة إسرائيل مما يغري الإسرائيليين بمواصلة رحلة التوسع، ويزودهم بأسباب إضافية ومهمة للتمسك بالأساطير الصهيونية واعتقادهم الراسخ بأنهم منتصرون ولابد على العرب. بيد أن هذه التوقعات تحمل كل مثالب الحتميات والقراءات الأيديولوجية للمستقبل، وفي مقدمتها التنطح إلى قراءة الغيب على النحو الذي يناسب العقيدة التي يحملها صاحب النبوءة. مما يفقد هذه النبوءة أية قيمة معرفية أو علمية ينسبها إليها أصحابها. كما أن هذه التوقعات التي ينشرها صهاينة ومؤيدون لإسرائيل حول حتمية انتصارها على العرب، تقلل بل وحتى تلغي العامل الإنساني في صنع التاريخ وما يأتي به هذا العامل من متغيرات لم يحسب لها حساب. ويحمل التاريخ، إلى الذين يؤدلجونه ويسعون إلى توظيفه لخدمة أهداف ومشاريع حمقاء ومفاجآت غير سارة ومنعطفات لا تخطر على بال. إن كيانات ودولا وجماعات بشرية كثيرة تبدأ رحلة الانحدار والتقهقر حينما تظهر وكأنها في ذروة الانتصار والصعود. وفي كتابه الأخير «الحضارة: الغرب والآخرين» يقول نيال فيرغوسون أستاذ التاريخ في جامعة هارفرد، إن الكيانات القوية والسلالات الحاكمة لا تتراجع دائمًا بصورة تدريجية، ولكنها كثيرًا ما تسقط وتنهار بصورة مفاجئة. هذا ما حدث في الإمبراطورية الرومانية القديمة وفي الصين التي حكمتها سلالة منج خلال القرن السابع عشر، وفي فرنسا تحت حكم البوربون في القرن الثامن عشر، وفي بريطانيا خلال القرن العشرين. ومن يدقق في التاريخ يرى أن هذا السقوط المدوي لم يكن مفاجئا إذ جاء نتيجة تراكم عوامله وأسبابه، حتى ولو بقيت هذه العوامل بعيدًا عن أعين الإنسان العادي بل وحتى ولو لم تلفت في وقتها انتباه أهل العلم والمعرفة.

          ما قاله فيرغوسون ينطبق إلى حد بعيد على إسرائيل اليوم. فهي تبدو قوية ومنيعة إلى الخارج وهي تتسلح بالانتصارات التي أحرزتها على العرب، ولكنها تواجه معضلات متراكمة مرشحة لأن تفتك بها كما فتكت بروما وبغيرها من الكيانات المشار إليها أعلاه. ويأتي في مقدمة هذه المعضلات والتحديات ما يلي:

          أولا: المتغيرات على الصعيد العربي والإقليمي:

          فالحركة الصهيونية بنت تصوراتها ومشاريعها على أساس أن العرب أمة راكدة، وأنها غير قادرة على التغيير وعلى التحديث وعلى الأخذ بأسباب النهضة والتطور. وفي كتابات هيرتزل يغدق النبي الصهيوني على العرب الكثير من الصفات والأدوار التي تخصص عادة للأمم الوحشية والتي تتأهب - مع بعض المساعدة - لدخول مرحلة الانقراض.

          ولكن ما يجري اليوم في الوطن العربي يدل على أن هذه التصورات باطلة وغريبة عن العلم والمعربة وهي تقع خارج التاريخ. فالانتفاضات التي حققت انتصارات ملموسة في مصر وتونس أكدت أن العرب أمة طبيعية وأنهم يتسمون بكل ما تتسم به الأمم الحية من ميزات ونقائص. وفي هذه الانتفاضات أفاد الشباب العرب من سائر ميزات التقدم العلمي ووسائل الاتصال الاجتماعي، وأكدوا على سلمية وسائلهم وإصلاحية أهدافهم، ونقاء حوافزهم ورقي سلوكهم،  ولم يستخدموا آلات الدمار الجهنمي في قتل المدنيين كما تفعل إسرائيل. والتضحيات التي يقدمها المواطنون والمواطنات في المجتمعات العربية المختلفة تدل على عمق إيمانهم بالحرية والتقدم والعدالة. وقد وجد كثيرون في هذه التضحيات ما يعيد  الكرامة إلى الإنسان ويحد من تسليع البشر الذي بات عنوانا للعولمة المعاصرة. وترددت أصداء نداءات أحفاد عمر المختار وسعد زغلول وعرابي والثعالبي وخيرالدين التونسي في أقاصي البلاد حيث وجدنا السلطات الصينية تبذل جهدًا أمنيًا مكثفًا للحيلولة دون لجوء شباب الصين إلى اقتباس الأمثولات من ثورة الياسمين وميدان التحرير. إذ يطرق العرب باب التغيير والإصلاح، فإنهم يضعون الصراع العربي - الإسرائيلي على سكة جديدة تتسم بصراع حقيقي بين الطرفين يزج فيه العرب بطاقات جيدة كانت مكبوتة وملجومة. وعلى الصعيد العربي أيضًا، وضعت الانتفاضات على المحك، «صناعة دفن العروبة» التي سخر لها الصهاينة ونفر من حلفائهم في المجتمعات الغربية طاقات كبيرة. وكان لافتًا للنظر أن يسحب الكثيرون من شركاء الصهاينة في هذا المجال استثماراتهم وأن يكتشفوا أن الفقيد قد غادر مرقده وأنه يتجول بين العواصم والمدن العربية ويزكي فيها التطلعات النبية وإرادة الحياة والتغيير والنهوض. وكان لافتًا للنظر أن يكتشف محللون كثيرون في المنطقة وخارجها مدى التطابق في الشعارات والرموز وأساليب التحرك والأهداف والنداءات التي أطلقتها هذه الانتفاضات العربية. لقد باتت كلمتا «الشعب يريد..» هي المدخل الطبيعي لأي تحرك في أي بلد عربي، وتحولت الأبيات الشعرية التي أطلقها أبو القاسم الشاب حول إرادة الحياة إلى نشيد الانتفاضات العربية. في ظل ذلك كله بات من المعتاد والمألوف أن تردد في كل الكتابات والتحليلات حول أحداث المنطقة تعابير الدومينو العربي والعدوى العربية. ولسوف يكون من الصعب جدًا على النظام الإقليمي العربي أن يفلت من آثار هذه العدوى ومن آثار الدومينو. هذا بدوره جدير بأن يؤثر في مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي لمصلحة العرب وليس لمصلحة الإسرائيليين. أما على الصعيد الإقليمي، فإن الصراع العربي - الإسرائيلي سوف يتأثر ولا شك بالانقلاب الكبير في سياسة كل من تركيا وإيران تجاه العرب والإسرائيليين. لقد استفادت إسرائيل لعقود متعددة من «تحالف الأطراف» الذي ضمها مع تركيا وإيران. واستفادت إسرائيل في السنوات الأخيرة من العلاقة «المميزة» و«الخاصة» بين حسني مبارك وحكومة بنيامين نتنياهو، واستطرادا من «حلف البنائين». لقد أصبح «حلف الأطراف» أثرًا من الماضي، ولن يبدل من هذه الصورة ما نشهده اليوم من توترات في علاقات إيران ببعض الدول العربية النافذة. إن مصالح إيران وصلاتها التاريخية بالمنطقة سوف تملي عليها السعي الحثيث إلى إزالة النتوءات في علاقتها مع العرب وإلى تمتين تحالفها معهم ضد إسرائيل. ومن المرجح ألا يسعى أي حاكم في أي بلد عربي إلى إقامة علاقة مميزة مع حكام إسرائيل، وأن تسعى النخبة المصرية الحاكمة الجديدة إلى إعادة القاهرة إلى دورها الطبيعي في قيادة المنطقة وفي الزعامة العربية.

          ثانيًا، العامل الدولي

          لئن وفر الدعم الأمريكي لإسرائيل كل الوسائل التي أرادتها من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، فإننا نقف اليوم أمام متغيرات دولية كبرى تتمثل في الانتقال من نظام عالمي أحادي إلى نظام تعددي. هذا الانتقال يبدو وكأنه حالة جبرية. فالذين يتمسكون -ومنهم الإسرائيليون وحلفاؤهم - بالنظام الأحادي علقوا آمالاً عريضة على تفكك الاتحاد الأوربي وعلى فصم العلاقة الألمانية - الفرنسية بصورة خاصة. واعتبر هؤلاء أن هذا الهدف أصبح أقرب منالاً مع وصول ساركوزي إلى الرئاسة الفرنسية وإنجيلا ميركل إلى منصب المستشارية في ألمانيا حيث إنهم ليسا من المتحمسين للاتحاد ولا حتى للعلاقة الخاصة بين ألمانيا وفرنسا. إلا أننا اليوم أمام تغيير كبير في هذه الصورة حيث اتفق الاثنان على تمتين الاتحاد الأوربي عبر تعزيز منطقة اليورو وتحويلها إلى عصب للاتحاد.
-------------------------------
* باحث ومفكر لبناني.

 

 رغيد الصلح*