إسرائيل نحو مزيد من «الإسبارطية»!.. أنطوان شلحت

إسرائيل نحو مزيد من «الإسبارطية»!.. أنطوان شلحت
        

          منذ أن انطلقت التحركات الجماهيرية العربية التي تداعت في إثر الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر وليبيا، والتي جرى وصفها على لسان رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وغيره من قباطنتها بأنها زلزال يهزّ الوضع القائم، وينبئ بواقع مغاير وبنشوء شرق أوسط جديد، والأنظار في إسرائيل مشدودة نحو ما يمكن أن يشهده الشرق الأوسط من تحولات قد تلقي بظلالها على آفاق الصراع العربي - الإسرائيلي.

          لعل أول ما يجدر ملاحظته في هذا الإطار هو أن مركز الزلزال من ناحية إسرائيل تمثل في ثورة 25 يناير المصرية، ذلك بأن مصر كانت في نظر الدولة العبرية على مدار العقود الثلاثة الفائتة بمنزلة «عنوان الاستقرار الإقليمي»، لكنها غدت بين عشية وضحاها أشبه ببركان لا يعرف أحد متى يخمد، أو أين سيلقي حممه. وعليه كان من الطبيعي أن تحظى بالاهتمام الأكبر.

          ومهما تكن الاستنتاجات التي طُرحت إلى الآن في شأن مترتبات تلك التحركات على آفاق الصراع، فإن معظمها ما زال مفتوحًا على عديد من الاحتمالات، ما عدا استنتاج إستراتيجي واحد مؤداه أن إسرائيل لا يمكنها لضمان مستقبلها سوى أن تنحو نحو مزيد من النزعة الإسبارطية المستحكمة فيها، أي نحو تدجيج قوتها العسكرية وترسانة أسلحتها، الأمر الذي يستلزم زيادة الميزانية الأمنية الإسرائيلية، كقول نتانياهو نفسه.

          وكان وزير الدفاع إيهود باراك أرفع مسئول في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يعلن ذلك على رءوس الأشهاد عندما قال لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية «يوم 8 / 3 / 2011» إن إسرائيل تتوقع الحصول على مساعدات أمنية أخرى من الولايات المتحدة بحجم 20 مليار دولار، بسبب الأحداث الأخيرة في العالم العربي، مؤكدًا أن وجود إسرائيل قوية «سيشكل عنصر استقرار مهما في منطقة تشهد اضطرابات كثيرة». ورغم أنه لم يدل بأي تفصيلات حول منظومات الأسلحة التي ترغب مؤسسته في الحصول عليها من الولايات المتحدة، فإن النية تبدو متجهة نحو التزود بمزيد من أسراب الطائرات المقاتلة الحديثة، ومنظومات قتالية أخرى جرى دراستها أخيرًا في إطار خطة عمل الجيش الإسرائيلي للسنوات 2012- 2016 والتي استكملت في هذه الأيام حصرًا. باستثناء ذلك فإن السيناريوهات المتداولة تتراوح بين التفاؤل الرغبي والتشاؤم المتسرّع. والسيناريو الأكثر تشاؤمًا كان أن «حالة عدم الاستقرار في مصر ربما تتيح لعناصر إسلامية إمكان السيطرة على السلطة، الأمر الذي من شأنه أن يلحق ضررًا كبيرًا باتفاق السلام مع إسرائيل».

          في موازاة هذا، تجمع ردات الفعل الرسمية السياسية والعسكرية في إسرائيل، وكذلك معظم التحليلات الإعلامية، على أن الثورة المصرية دشنت عهدًا جديدًا في هذا البلد سينعكس على الشرق الأوسط برمته. كما تجمع على أن ملامح هذا العهد الجوهرية لم تتضح جليًا بعد، فضلاً عن وجود احتمالات قوية بأن تؤجج الثورة في مصر ثورات أخرى في المنطقة تهدف إلى إحداث تغيير في أنظمة الحكم القائمة. ولا بُدّ من تسجيل أن الموقف الإسرائيلي الرسمي اتسم في البداية بتأييد سلطة الرئيس السابق حسني مبارك، وجاء مفارقًا لموقف الإدارة الأمريكية وسائر الدول الغربية بل ومؤنبًا له، لكنه سرعان ما ضبط خطاه على إيقاع الموقفين الأمريكي والغربي مؤكدًا أن أي تغيير نحو مزيد من الديمقراطية لا يتعارض مع مصلحة إسرائيل. ومع ذلك فإن المسئولين السياسيين والعسكريين في إسرائيل ظلوا يؤكدون أن الأمر الأهم بالنسبة إليهم هو الحفاظ على اتفاق السلام مع مصر الذي يعتبرونه رصيدًا إستراتيجيًا بالغ الأهمية، نظرًا لكونه عنصرًا مركزيًا في استقرار المنطقة، والذي يعتبر في نظرهم في نهاية المطاف أهم كثيرًا من الديمقراطية. ولذا فإن ترحيب الحكومة الإسرائيلية ببيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية الذي أعلن أن مصر ستستمر في التزام الاتفاقات التي وقعت عليها بما في ذلك اتفاق السلام مع إسرائيل كان كبيرًا، وثمة من رأى أنه يشف عن تنفسّهم الصعداء. كذلك يمكن توقع أن تشدّد إسرائيل أكثر شيء على ما يلي:

          أولاً، إنه في حال فسح المجال أمام «قوى متطرفة» «إسلامية» لاستغلال عمليات ديمقراطية من أجل السيطرة على السلطة ودفع غايات غير ديمقراطية، كما حدث في إيران ودول أخرى، فإن النتيجة ستكون إلحاق أضرار بالسلام والاستقرار.

          ثانيًا، إن إيران ستحاول تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وأول إشارة إلى ذلك تمثلت في قيام سفينتين حربيتين إيرانيتين في آخر أسبوع من فبراير 2011 بعبور قناة السويس نحو البحر الأبيض المتوسط في طريقهما إلى سورية، وذلك بعد أن تم تجنّب القيام بخطوات من هذا القبيل منذ اندلاع الثورة الإسلامية فيها سنة 1979.

          ثالثًا، إن حاجات إسرائيل الأمنية سوف تزداد، الأمر الذي يقتضي زيادة الميزانية العسكرية الإسرائيلية، وإجراء تعديلات على جهوزية الجيش الإسرائيلي في ضوء احتمال «تجدّد خطر الجبهة الجنوبية» «مع مصر» إلى جانب ما يلوح من أخطار في «الجبهة الشرقية» بتأثير ما يحدث في العراق. وعبّر الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي، في آخر اجتماع لهيئة الأركان عقد برئاسته «يوم 10 / 2 / 2011»، عن خلاصة موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حينما أشار إلى أن جبهات المواجهة في الشرق الأوسط قد اتسعت في الآونة الأخيرة، مؤكدًا أن التغيرات التي تحدث في مصر ودول أخرى في المنطقة «تتطلب من الجيش الإسرائيلي أن يكون على أهبة الاستعداد للحرب المقبلة التي ستكون شاملة في بضع جبهات»، وأن «السلام مع مصر هو رصيد إستراتيجي بالنسبة لإسرائيل». وشدّد على أن «مستجدات الواقع الذي يحيط بإسرائيل، وفي مقدمها تعزّز قوة المعسكر الراديكالي في كل من لبنان وتركيا، تنطوي على مخاطر جمة، وبالتالي فإنه يتعين على إسرائيل أن تكون مستعدة في أكثر من جبهة، الأمر الذي يحمل دلالات مهمة بالنسبة للجيش. في الوقت نفسه فإنه يجب تجهيز الجبهة الإسرائيلية الداخلية كي تصبح أفضل مما كانت عليه في أثناء حرب لبنان الثانية «صيف 2006».

عام الزلازل السياسية

          وطبقًا لتقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» بشأن عميلة لإسرائيل. من ناحية أخرى، فإن التقديرات تتوقع أن يسقط لبنان في قبضة حزب الله، وأن تصبح شبه جزيرة سيناء منطقة عشية انتهائها. ومن المعروف أن هذه التقديرات السنوية تقف عادة في صلب خطط العمل التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي. وتتوقع هذه التقديرات أن تمرّ السلطة الفلسطينية بتغيرات كبيرة، وأن تؤثر الثورة المصرية في جوهر لهجة السلطة وتعاملها إزاء موضوع الاتصالات مع إسرائيل، وثمة توقعات بأن يحدث تراجع في العلاقات الأمنية بين السلطة وإسرائيل، كي تتجنب النظر إليها باعتبارها سلطة عميلة لإسرائيل. من ناحية أخرى، فإن التقديرات تتوقع أن يسقط لبنان في قبضة حزب الله، وأن تصبح شبه جزيرة سيناء منطقة أكثر إشكالية لأنها ستكون بمنزلة ثغرة لعلاقات تعاون مع سلطة «حماس» في قطاع غزة. ورأى معلقون عسكريون إسرائيليون أن هذه التقديرات تستلزم إقدام إسرائيل على استعدادات سياسية وعسكرية يكون هدفها منع هذه التغيرات من أن تتحوّل إلى تهديدات إستراتيجية. كما أشاروا إلى أن التقديرات السائدة في إسرائيل تؤكد أنه لن تحدث تغيرات جوهرية في سياسة مصر الخارجية والأمنية حتى شهر سبتمبر 2011 «موعد انتهاء ولاية السلطة الحالية في مصر»، وحتى ذلك الحين سيكون لدى المسئولين في إسرائيل متسع من الوقت للتفكير بما يجب اتخاذه إزاء التطورات المقبلة في مصر. وبرأي غيورا أيلاند، الجنرال في الاحتياط والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية و«مجلس الأمن القومي»، فإنه على مدار الأعوام الـ 32 الفائتة «أي منذ توقيع اتفاق السلام الإسرائيلي- المصري في 1979» كان في إمكان إسرائيل أن تشن حروبًا وعمليات عسكرية على أطراف عربية، بما في ذلك حربان على لبنان «في 1982 و2006» وعملية «السور الواقي» في الضفة الغربية في 2002، من دون أن تخشى ردة فعل عسكرية مصرية، لكن في حال ازدياد نفوذ الإسلام المتطرف على السلطة في مصر فإن هذا الأمر لن يحدث في المستقبل، كذلك فإنه كان في إمكان الجيش الإسرائيلي أن يجازف قليلاً في كل ما يتعلق بمجال بناء قوته العسكرية ما دامت مصر لا تشكل خطرًا كبيرًا عليه، غير أن الوضع الجديد ربما سيضطر إسرائيل إلى زيادة ميزانيتها الأمنية وتغيير سلم أولويات جيشها. وفي قراءته فإن «العزاء الوحيد لإسرائيل الآن هو أنه حتى في حال تحقق مثل هذا السيناريو فإن السلطة الجديدة في مصر ستكون بحاجة إلى بضعة أعوام كي تجعل مكانتها مستقرة داخليًا. وبكلمات أخرى: إذا ما حدث تغير إستراتيجي نحو الأسوأ فسيكون لدى إسرائيل متسع من الوقت لدراسته والاستعداد له كما يجب» (صحيفة «يديعوت أحرونوت»، 31 / 1 / 2011).

الثورة المصرية ومستقبل الصراع

          ويتفق مع هذا الرأي إفرايم سنيـه، العميد في الاحتياط الذي شغل في السابق مناصب وزارية متعددة ومنصب نائب وزير الدفاع، والذي دعا إلى بناء قوة الجيش الإسرائيلي بمنأى عن الفرضية السائدة منذ أكثر من 30 عامًا وفحواها أن مصر لم تعد عدوًا عسكريًا لإسرائيل، وإلى تسريع عملية بناء الجدار في منطقة الحدود مع مصر، وإلى إعادة احتلال «محور صلاح الدين» «فيلادلفي» في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر، وإلى تعزيز المحور الإسرائيلي- الأردني- الفلسطيني، مؤكدًا أن مصر ما بعد الثورة لن تستمر في إتباع السياسة التي كان الرئيس مبارك يتبعها إزاء إسرائيل، كما أنها ستحسن علاقاتها مع سلطة «حماس» في غزة، وبناء على ذلك فإن المقاربة التي تتعامل مع إسرائيل باعتبارها خطرًا إستراتيجيًا سوف تتعزّز (صحيفة «يديعوت أحرونوت»، 1 / 2 / 2011).

          ويربط مسئولون عسكريون آخرون، منهم الجنرال في الاحتياط داني روتشيلـد، رئيس «مؤتمر هرتسيليا حول ميزان المناعة والأمن القومي في إسرائيل»، بين التحولات المتوقعة برسم الثورة المصرية وبين تغيّر سلم أولويات الولايات المتحدة، في ضوء تراكم إشارات تشي بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بات على قناعة- في ضوء نتائج انتخابات التجديد النصفية للكونجرس - بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2012 ستحسم بناء على أدائه في السياسة الداخلية الأمريكية وليس بناء على إنجازاته أو إخفاقاته على صعيد السياسة الخارجية. وعليه فإنه يوجه، بوعي تام، اهتمام إدارته لينصب على التحديات الداخلية. وقد عبر خطاب أوباما حول «وضع الأمة»، في أواخر شهر يناير 2011، عن هذا التوجه بشكل واضح وجلي، ولعل سلوك إدارته تجاه الرئيس المصري السابق جاء ليؤكد ذلك قولا وعملا. بالإضافة إلى هذا فإن التركيز على الانسحاب من العراق، والانتقال إلى الدفاع في أفغانستان، وجهود إصلاح الاقتصاد الأمريكي، تعتبر كلها خطوات مهمة حاليا من أجل بقاء أوباما السياسي أكثر بما لا يقاس من أهمية العملية السياسية في الشرق الأوسط. وفي قراءة روتشيلد فإن الرؤية السائدة في الشرق الأوسط بشأن ضعف الولايات المتحدة وتضعضع مكانتها الإقليمية، تضعف إسرائيل والدول المعتدلة في المنطقة، وتصب في مصلحة تعزيز تمدّد الهيمنة الإيرانية على بقاع آخذة في الاتساع، بدءًا من محور حماس- حزب الله- سورية وتركيا، مرورا بدول الخليج، وانتهاء بمصر والسعودية. وهذه العملية ما زالت تكتسب زخما، بل ويمكن أن تزداد خطورة ما لم يحدث تغير جوهري في السياسة الخارجية الأمريكية (خطاب في «مؤتمر هيرتسليا الـ 11»، يناير 2011).

          وإلى أن تنجلى الصورة أكثر، فإن خريطة «جبهات المواجهة» التي اتسعت- وفقًا لتقويم قائد الجيش الإسرائيلي السابق- أصبحت تشمل الجبهة المصرية، فضلاً عن الجبهة الشمالية «سورية ولبنان»، والجبهة مع قطاع غزة. وعلى صلة بهذا الموضوع، فإن نتانياهو يلوّح كثيرًا في الآونة الأخيرة بـ «فزاعّـة» جديدة هي «الجبهة الشرقية»، والتي كانت قد رأت النور لأول مرة عقب حرب يونيو 1967، وجاءت لتسويغ مفهوم إستراتيجي في «نظرية الأمن الإسرائيلية» فحواه أن نهر الأردن يجب أن يكون جزءًا من «حدود إسرائيل الأمنية»، لكونه يضمن لها «حدودًا يمكن الدفاع عنها»، بموجب ما ورد في حينه في ما عرف باسم «خطة يغئال ألون» «التي اقترحت أن يظل غور الأردن في يد إسرائيل، من ضمن مناطق عربية محتلة أخرى». وفي جولة جديدة قام بها في غور الأردن يوم 8 / 3 / 2011 تعهد نتانياهو بأن يبقى الجيش الإسرائيلي مسيطرًا على الغور في أي تسوية يتم التوصل إليها مع الفلسطينيين في المستقبل، مؤكدًا أنه إذا كان هذا الأمر صائبًا قبل الزلزال العربي الذي ضرب المنطقة فإنه أصبح ضروريًا أكثر بعده، في ظل حالة من عدم الاستقرار لا يدرك أحد نهايتها، وتستلزم ضمان وجود أسس أمنية صلبة، وحدود آمنة يمكن الدفاع عنها. كما شدّد على أنه في حال بقاء الخط الحدودي في غور الأردن مخترقا فهذا يعني أنه يمكن تهريب صواريخ وقذائف صاروخية والوصول بها إلى أي مكان في إسرائيل، إلى تل أبيب والقدس، ولذا فإنه لا يوجد أي بديل من خط الدفاع الذي يوفره الجيش الإسرائيلي. ووفقًا لصحيفة «هآرتس» (9 / 3 / 2011) فإن رئيس الحكومة بدأ حملة خاصة لدى زعماء دول مركزية في العالم تهدف إلى الحصول على تأييدهم الاحتفاظ بوجود عسكري إسرائيلي في منطقة غور الأردن في نطاق أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين في المستقبل. وهو ما يتسّق مع مسعاه لجعل «السلام مستندًا إلى الأمن». ونشير هنا إلى أن رئيس هيئة الأركان العامة الأسبق موشيه يعلون «ليكود»، الذي يشغل حاليا منصب النائب الأول لرئيس الحكومة ووزير الشئون الإستراتيجية، أكد في سياق سابق أن أول خطاب سياسي ألقاه نتانياهو في جامعة بار إيلان في يونيو 2009 عكس تحولا مهما في سياسة إسرائيل يتمثل في «العودة إلى المفاهيم التقليدية المعتمدة على الأمن مفتاحًا لتحقيق سلام دائم».

مفهوم الأمن وعملية السلام

          كما أفلح نتانياهو في «إنجاز» إقرار صريح من جانب الرئيس أوباما، في أثناء اللقاء الذي جمع بينهما في يوليو 2010، أن «لإسرائيل متطلبات أمنية خاصة، بالنظر إلى حجمها وتاريخها وموقعها والمخاطر التي تواجهها...»، ما حدا بالأول خلال جلسة حكومته المنعقدة يوم 11 يوليو 2010 إلى تأكيد أنه خرج بانطباع مؤداه «أن الرئيس «الأمريكي» يصغي إلى الاحتياجات الأمنية الخاصة لدولة إسرائيل ويتفهّمها».

          وطبقًا لخطابات نتانياهو الأخيرة فإن «أسس الأمن» بحسب رؤيته تنطلق من إدراك حقيقة ما يعرّض إسرائيل إلى الخطر، ذلك بأنه منذ اتفاق أوسلو «1993» تضافر على حدّ قوله «عنصران قويان في المعادلة الراهنة ويجب أن تأخذهما أي معاهدة سلمية بعين الاعتبار وتتجاوب معهما: الأول هو صعود إيران وتوابعها، والثاني صعود مفهوم حرب الصواريخ والقذائف». وتابع أنه يجب تحقيق تسويات سلمية تقدم الحلول لكل من هذه التهديدات، وضمان عدم تغلغل الصواريخ والقذائف والوسائل القتالية الأخرى أو «العناصر الإرهابية» إلى أي مناطق يُطلب من إسرائيل إخلاؤها ضمن التسوية السلمية. كما أضاف إلى هذه التهديدات المحتملة عنصر ثالث توارى عن الأنظار خلال العقد الأخير منذ هزيمة صدام حسين في العراق، وهو إمكان تكوّن الجبهة الشرقية مجددًا. ويمكن القول إنه بذلك يواصل تقاليد مديدة لرؤساء حكومات إسرائيليين رأوا في غور الأردن خط الدفاع المتقدم لدولة إسرائيل، وكان في مقدمهم إسحق رابين وأريئيل شارون. علاوة على ذلك، تحيط بنتانياهو مجموعة من كبار المسئولين العسكريين الإسرائيليين السابقين، التي تنكب بدورها على كتابة نصوص تفسّر احتياجات إسرائيل الأمنية في ظل السلام بمقتضى جعلها تتصدّر واجهة جدول الأعمال العام. وشارك بعض هؤلاء في مؤتمر سنوي نظمه مركز الأبحاث الإسرائيلي «المركز المقدسي لشئون الجمهور والدولة» في صيف 2010، وصدرت مداخلاته في كتاب باللغة الإنجليزية تحت عنوان «حاجات إسرائيل الأمنية الحاسمة لصنع سلام قابل للتطبيق». واستأثرت مسألة «الحدود التي يمكن الدفاع عنها» بحصة الأسد من أعمال هذا المؤتمـر، باعتبارها في طليعة تلك الحاجات الأمنية. ويعتقد هؤلاء أن مستقبل غور الأردن أغفل في الخطاب العام المتعلق بالعملية السياسية، ولا بُدّ من أن يعود الآن إلى صدارة هذا الخطاب. ومن نافل القول إن التلويح بـ «اتساع جبهات المواجهة» يهدف إلى تمرير رسالة إلى الفلسطينيين والعرب في صلبها أن خطوط 1967، وكذلك خط الجدار الفاصل، لا يمكن أن يشكلا خط حدود يمكن الدفاع عنه، ولذلك فإن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غور الأردن بأكمله كمنطقة أمنية تستند إلى نهر الأردن كخط حدودي، واتخاذ ترتيبات عسكرية في «محور صلاح الدين»، هما الكفيلان فقط بـ «ضمان الأمن لإسرائيل». وهي بالتأكيد رسالة تفضح جوهر «السلام» الذي تتطلع إسرائيل إليه في ظل حكومة نتانياهو، بقدر ما يفضحه المنحى الإسبارطي المهيمن على التفكير الإسرائيلي إزاء آخر التحركات الشعبية في الشارع العربي.
-------------------------------
* كاتب استراتيجي فلسطيني.

 

 

أنطوان شلحت*