الأموال اليابانية هل تحدد مسار السينما الأمريكية؟ أحمد رأفت بهجت

الأموال اليابانية هل تحدد مسار السينما الأمريكية؟

شركات السينما الأمريكية تتهادى في أيدي اليابانيين، وهو الأمر الذي يرعب الأمريكيين - وخاصة السينمائيين منهم - ويجعلهم يتلمسون طريقا للتعامل الحذر مع الشخصية اليابانية داخل الأفلام ومحاولة الالتفاف حولها.

أصبحت الأموال اليابانية تنساب بغزارة في شرايين. وسائل الإعلام الأمريكية من صحافة وتليفزيون وسينما، ووصل الرأسمال الياباني إلى مرحلة أخيرة تتمثل في الشراء المباشر لبعض المؤسسات الإعلامية والسينمائية، وتحددت ملامح هذه المرحلة في الآتي:

نوفمبر 1987: شراء شركة سوني اليابانية لشركة "سي بي إس ريكوردز" مقابل بليوني دولار.

سبتمبر 1989: شراء شركة سوني اليابانية لشركة "كولومبيا" من كوكا كولا مقابل 4،3 بليون دولار.

ديسمبر 1990: شراء شركة ماتسوشيتا اليابانية لشركة "إم سي إيه" (وتضم شركة يونيفرسال) مقابل 1،6 بليون دولار.

ديسمبر 1990: شراء شركة بايونير إليكترو لـ 10% من أسهم شركة كارولكو مقابل 60 مليون دولار.

أكتوبر 1991: تم التفاوض لشراء توشيبا بالاشتراك مع سي إيتو لحصة مشاركة قدرها بليون دولار من تايم وورنر ولكنها لم تصل لنتيجة محددة.

أكتوبر 1991: بدأ فتح شركة إنتاج صغيرة برءوس أموال يابانية في هوليوود، لمسايرة فتح جميع شركات الترفيه الكبرى في العالم لفروع لها في هوليوود في تلك السنة.

خلال عام 1992: تمت مفاوضات لشركاء شركة كارولكو.

الالتفاف حول الزحف الياباني

ولا شك أن هذه العمليات وغيرها تنطوي على جرأة محسوبة على المستويين المادي والمعنوي بالنسبة لرجال الأعمال اليابانيين. ورغم أنهم يعلنون أن تعاملهم مع هذه المؤسسات سوف يقتصر على الأهداف التجارية دون التدخل في الأفكار أو الآراء التي تطرحها البرامج أو الأفلام التي تنتجها هذه المؤسسات أو غيرها من المؤسسات الفنية والإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن النتائج المتحققة حتى الآن تؤكد نجاحهم المذهل في مساندة الشخصية اليابانية سواء في البرامج التليفزيونية أو الأفلام، ولكن ليس بصورة كاملة ومتسيدة مما يؤكد قدرة هوليوود على الالتفاف حول كل المتغيرات واستيعاب كل المتناقضات. كيف؟!

كان السينمائيون في الولايات المتحدة على وعي تام بالدور الياباني الزاحف على الاقتصاد الأمريكي، ومنذ نهاية السبعينيات نجح "تايكونات" هوليوود الجدد (فرانسيس كوبولا وبول لوكاسي وستيفن سبيلبرج) في الالتفاف حول هذا الزحف. حاول المخرجان "كوبولا - لوكاس" مساندة المخرج الياباني الأشهر أكيرا كيروساوا من أجل أن يرى فيلمه "كاجيموشا" النور بعد أن عجز عن استكمال ميزانيته بل ويقومان بنفسيهما بدور المنتج المنفذ بالنسبة للنسخة الإنجليزية التي تم توزيعها عالميا عام 1979، ورغم أن ستوديو توهو الياباني شارك بمبلغ 5،4 مليون دولار في ميزانية "كاجيموشا" التي بلغت 6 ملايين دولار فإن المردود الدعائي والإعلامي كان للسينما الأمريكية وكوبولا ولوكاسي بوصفهما منقذي "أكيرا كيروساوا".

وفي العام نفسه كان ستيفن سبيلبرج يقدم فيلمه الكوميدي الضخم "1941" وفيه تغزو غواصة يابانية - بطريق المصادفة - منطقة سانتا مونيكا في جنوب كاليفورنيا، وبينما يجعل قائدها الظريف "توشيرو ميفوني" هدفه المباشر ضرب "هوليوود" كانت ردود الفعل بين أفراد الجيش الأمريكي وأهالي المنطقة تتسم بالتخبط والعشوائية في ظل الأنانية الفردية وتسلط الشهوات والصراعات العنصرية والطبقية، وينتهي الفيلم وعمدة المنطقة تحيط به أطلال المباني المهدمة والأجساد المنهكة وعلى لسانه كلمات ساخرة عن وحدة المجتمع الأمريكي وقدرته على طرح خلافاته مهما كانت التضحيات!

ويعاود "كوبولا - لوكاسي" المشاركة في إنتاج فيلم عن اليابان المعاصرة بعنوان "ميشيما" 1985 إخراج بول شريدر، وكان كل الممثلين والطاقم الفني من اليابانيين وأيضا الجزء الرئيسي من ميزانيته كان لشركة "توهو" ولكن المحصلة أن الفيلم أصبح يقدم بوصفه إنتاجا أمريكيا لكوبولا ولوكاسي. كما لم يتوقف سبيلبرج عن التعامل الإيجابي مع الشخصية اليابانية سواء في نسج أفلامه أو في المشاركة في إنتاج الأفلام التي قام اليابانيون بإخراجها مثل فيلم أكيرا كيروساوا "أحلام" 1990.

شخصيات يابانية مبتكرة!

النتيجة هنا أن هذه المجموعة استطاعت الاستحواذ على أكبر سوق للفيلم الأمريكي وهي السوق اليابانية، وأتاحت الفرصة لمزيد من تطوير ستوديوهاتها بالتكنولوجيا اليابانية الجديدة في مجال الصوتيات والمرئيات، ونجحت في حشو أفلامها بإعلانات يابانية تقدر بعشرات الملايين، ومن هنا كان يجب أن يحدث التغير في التعامل مع الشخصية اليابانية في الأفلام، ولكن دون تجاهل حقيقة خطيرة وهي أن دور اليابانيين لم يتوقف عند شراء الشركات السينمائية أو التليفزيونية، وأن مجموع ما اشتراه اليابانيون حوالي 25% من التوظيف المالي الأجنبي في الولايات المتحدة وهو ما يرعب الكثير من الأمريكيين الذين يعتقدون أن اليابان في طريقها لشراء أمريكا، وهو أمر يجعل السينمائي يتلمس طريقه بحذر وهو يتعامل مع الشخصية اليابانية داخل الأفلام، فهو معها ولكن بأسلوب الالتفاف الذي يجعله في نهاية الأمر مع "أمريكا".

ولو حاولنا أن نلقي نظرة سريعة على الشخصيات اليابانية المبتكرة التي قدمتها هوليوود خلال السنوات الأخيرة لواجهتنا شخصيات عديدة تظهر في إطار المواقف والمتغيرات السياسية العالمية. والتي يصاحبها أكبر قدر من عناصر العنف والإثارة. ويمكن حصر هذه الشخصيات في الوجوه الآتية:

1- مناهضو الإرهاب: لقد اختفت شخصية الياباني الذي يجنح إلى التمسك بالعنف والإرهاب في عشرات الأفلام الأمريكية التي قدمت في السبعينيات وبداية الثمانينيات، وبدلا منها ظهر الياباني - الأمريكي ضحية الإرهاب الآري والأنجلو سكسوني في فيلم "1988 "Hard Die إخراج جون ماكتيرنان، وقدم الياباني ضحية عملاء مركز أبحاث الحرب البيولوجية في وزارة الدفاع الأمريكية في فيلم "القتل بصمت" 1988 إخراج سكوت توماس، ثم ظهر الياباني كمناهض للإرهاب الروسي ضد الولايات المتحدة في فيلم "النسر الأسود" 1989 إخراج إريك كارسون، ثم قدم وهو يساهم مع الأمريكيين في تكوين أفضل فريق في العالم لمقاومة الإرهاب العربي في فيلم "موت النينجا" 1990 إخراج إيميت اليستون. وظهر كخبير في التفاوض مع الجماعات الإرهابية الدولية في فيلم "نار هادئة" إخراج لورانس جيكوبز.

لا جدال أن هذه الأفلام ساهمت في إعلاء شأن الشخصية اليابانية، ولكنها في الوقت ذاته حاول بعضها أن يتوارى خلف الشخصيات المناهضة لليابانيين للتلميح إلى قيم سلبية في حياتهم أو طريقة تفكيرهم أو أسلوبهم في الهيمنة على الاقتصاد الغربي، ففي فيلم "Hard Die" سنجد الإرهابي الألماني هانز جروبر الذي كان عضوا نشطا في إحدى المنظمات الألمانية الغربية الراديكالية يستغل خبراته في مجال الإرهاب السياسي للسطو على مؤسسة ناكاتومي إحدى المؤسسات اليابانية الضخمة في ولاية كاليفورنيا. إن السرقة هي هدفه ولكن خبراته السياسية تدفعه إلى النطق بكلمات تعكس حقده من التوغل الياباني الاقتصادي في الحياة الغربية، فهو يصف المؤسسة اليابانية بأنها "ميراث الجشع على الأرض" ويذكر رئيسها الياباني الذي قرر قتله بالإسكندر الأكبر الذي "عندما رأى حطام سلطانه بكى لأنه لم يعد هناك أي عالم يغزوه". ويهاجم العاملين من الأمريكيين في المؤسسة "إني أعرف ما تفكرون فيه أيها القوم، هل تريدون التطوير أم الهدم"، كلمات ربما يرفضها المتفرج من مجرم يدفعه الفيلم إلى كراهيته، ولكنها في النهاية تعكس ما يدور في أعماق كثير من الأمريكيين، وربما في مقدمتهم صناع الفيلم أنفسهم.

2- إحياء أحداث هيروشيما ومانزانار: وبعد أن كانت هناك إشارات طفيفة في أفلام هوليوود حول مأساة إلقاء القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي ظهر في عام واحد 1990 فيلمان عن هيروشيما وتأثير القنبلة الذرية على الإنسان الياباني، وهما "هيروشيما: خارج الرماد" إخراج بيتر ويمر وهو مأخوذ عن كتاب "مذكرات هيروشيما" للياباني ميشيهيكو هاشييا. والثاني "أحلام" إخراج أكيرا كيروساوا وفيه يقدم مجموعة من الحكايات التي تعكس أحلامه وخيالاته ورؤيته من بينها حكايتان عن تأثير القنبلة الذرية على الشعب الياباني.

وفي العام نفسه تبلورت رغبة مفاجئة في التعامل مع ما حدث لليابانيين الأمريكيين في أعقاب الهجوم الياباني على بيرل هاربر.

فقد قدم المخرج الكبير الآن باركر فيلمه "تعال وشاهد الجنة" 1990 ويرصد فيه تأثير القرار التنفيذي رقم 9066 الذي أصدره الرئيس روزفلت في أعقاب بيرل هاربر والذي تم بمقتضاه ترحيل الآلاف من اليابانيين إلى معسكرات الاعتقال في صحراء مانزانار في ولاية داكوتا ويركز على تأثير هذا القرار على عائلة يابانية وقصة حب بين نقابي أمريكي من أصل أيرلندي وابنة هذه العائلة والتي تنتهي بزواج يحبطه قرار روزفلت.

3- دعاة الحكمة والسلام: وتشكلت ملامح شخصيات أخرى منها الساحر الحكيم في سلسلة أفلام النينجا، وصانع السلام الذي يدعو زميله المحارب الأمريكي إلى البعد عن الحروب والأرض الخراب في فيلم "الفجر الحديدي" 1988 إخراج لانس هول، والعجوز الحكيم صاحب القلب العظيم ومعلم الكاراتيه الفذ في سلسلة أفلام "فتى الكاراتيه" وكلها شخصيات نسجت ملامحها بذكاء وحققت ردود أفعال جماهيرية إيجابية.

العرب - تحولات في أسطورة "الشوجان"!

ولقد استمرت عصور الشوجان - وهم الحكام العسكريون الذين جعلوا من إمبراطور اليابان شخصية صورية حتى القرن السابع عشر. والمحاربون أو "الساموراي" وسيطرة الأخلاق الكونفوشية التي تقوم على أساسها كل العلاقات داخل اليابان القديم عناصر مشتركة في العديد من الأفلام الأمريكية التي كان في مقدمتها المسلسل الشهير "شوجان" 1980 المأخوذ عن رواية لجيمس كلافيل وفيه يلتقي الشوجان "توشيرو ميفوني" ببحار إنجليزي "ريتشارد تشمبرلين" تغرق سفينته على الشواطئ اليابانية، ويجد نفسه في ظل تعاليم "الساموراي" والعادات الكونفوشية يتحول من عاداته الغربية إلى عادات الشرق الياباني، ولقد صادف هذا المسلسل نجاحا مشهورا في جميع أنحاء العالم. ولكن كيف قدمت شخصية "الشوجان" بعد أن اشترت اليابان هوليوود؟ لقد تحولت هذه الشخصية في ظل الهيمنة اليهودية على هوليوود إلى سلاح يوجه إلى الأعداء التقليديين لليهود، وجاء فيلم "شوجان ماييدا" 1991 إخراج جوردون هيسلر عن قصة لـ"شو كوسوجي" ليجعل أهداف الشوجان العظيم تواجه بمؤامرات يشارك فيها القسس الكاثوليك الإنجليز- العرب!!

في "شوجان ماييدا" تقع اليابان في القرن الـ17 فريسة الصراع بين شوجان الجيش الشرقي "توكو جاوا آياسو" وشوجان الجيش الغربي "توبوتوجي" مما أدى إلى معركة "سيكيجهارا" التي خسرها الشوجان آياسو ولكن برز فيها قائده ماييدا أكثر المحاربين احتراما وتقديرا. ورغم أنه فقد زوجته وابنه أثناء المعركة فإنه استمر على قدرته في الصمود والتحدي.

ويدرك الشوجان "آياسو" أنه لكي ينتصر يجب أن يمتلك جيشه بنادق جديدة جيدة الصنع، فيقرر إرسال قائده "ماييدا" ليقابل ملك إسبانيا ويعقد معه صفقة أسلحة على أن يرافقه في رحلته رابع أبناء الشوجان "يوريمون" والقس الداهية "فاسكو" الذي يتخذ الترتيبات الضرورية للرحلة على ظهر السفينة الشراعية "أمير البرتغال" ويدير في الوقت نفسه مؤامرة مع عائلة الشوجان "تويوتوجي" للتخلص من "ماييدا" و"يوريمون" أثناء الرحلة.

ويقود السفينة الشراعية قبطان إنجليزي سكير في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، وتأتي عاصفة قاسية فتبتلع الذهب المخصص لشراء الأسلحة وتكاد حياة الركاب تضيع، ولكنهم بعد العديد من المغامرات يجدون أنفسهم في قبضة سلطان المغرب الذي يتآمر معه القس فاسكو للتخلص من "ماييدا".

وفي المغرب يصبح "ماييدا" و"يوريمون" عبدين، الأول يدير كالحيوان ساقية عملاقة والثاني يعمل في الإسطبلات، ويحدث أن يهرب "ماييدا" من الساقية ويندفع لينقذ "يوريمون" ولكن رجال السلطان يقبضون عليه ويمنحه السلطان الفرصة ليقاتل أحد أسراه من الإسبان حتى الموت، فإذا فاز فسوف يطلق سراحه ومن معه.

وينتصر "ماييدا" ولكن رغم ذلك يخونه السلطان ويقرر استمرار حبسه داخل قصره، ويبدأ الصراع بين شجاعة الشرق الياباني وخسة الشرق العربي!! وينتهي بطبيعة الحال بانتصار "ماييدا" و"يوريمون" وتلوح السفينة "أمير البرتغال" في الأفق ناشرة كل الأشرعة، في رحلة عودتها إلى "اليابان".

والواقع أن شخصيات "الشوجان" و"الساموراي" رغم كل ما تعكس من بطولات يابانية وأحداث ترتبط أحيانا بالتاريخ الحقيقي لليابان. فإن تكرار التعامل معها في السينما الأمريكية سواء من خلال مخرجين أمريكيين أو يابانيين من أمثال "أكيرا كيروساوا" في فيلمه "كاجيموشا" يعكس إلى حد ما رغبة دفينة للتأكيد على تقاليد العنف الموروثة في الشعب الياباني وتنشر شعورا لدى المتفرج الغربي بأنه لا يستطيع أن يقبل الصورة المعاصرة للدولة اليابانية المسالمة دون صياغة السلوك الياباني في ظل ملامح التاريخ القديم الممزوج أحيانا بأساطير تقدم في قالب عصري مثلما يحدث في سلسلة أفلام "النينجا" الشهيرة، ما دام الخوض في ذكريات الحروب الحديثة بين اليابان والغرب، لم تعد الظروف السياسية أو الاقتصادية تسمح به مثلما كان في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

الانتقام بالاقتصاد!

وفي إطار الالتفاف حول الشخصية اليابانية قدمت السينما الأمريكية أفلاما تضمنت الكثير من هموم المواطن الأمريكي من الغزو الاقتصادي الياباني، على أن هذه الهموم لم تقدم في إطار جامد من المناقشات والصراعات السياسية، إنما قدمت في قالب بوليسي مثير، وبذل فيها جهود لتصبح أفكارها واضحة للمتفرج دون أي رغبة في إظهار الشخصية اليابانية في قالب واحد. ففيها شخصيات تملك الحدة والجشع وحب التملك والخسة والرغبة في تحقيق المصلحة الشخصية بأكثر الوسائل عنفا ووحشية. وهناك من ناحية أخرى شخصيات يابانية تتميز بالصراحة والأمانة والفهم والإحساس المرهف.

ولقد بدا غريبا أن بعض هذه الأفلام ساهم في إنتاجها وإخراجها فنانون وفنيون من اليابان والبعض الآخر تم تصويره داخل المدن اليابانية فبينما شارك اليابانيون في تمثيل فيلم "المخلب الحديدي" إخراج مارك ليستر 1990 نجدهم يسمحون بتصوير فيلم "المطر الأسود" إخراج رايدلي سكوت 1990ل في مدينة أوساكا وبمشاركة عشرات من الممثلين والفنيين اليابانيين، ثم نجدهم يشاركون في إنتاج فيلم "المتاهة الحديدية" 1991 الذي أخرجه الياباني هيرواكي يوشيدا معتمدا في أحداثه على قصة "In a Crove" التي كتبها الياباني ريونو سيوكي اكيتاجاوا وأعد لها السيناريو على نهج قصة الفيلم الياباني الشهير "راشومون".

وتنبعث نغمة التسلط الياباني على المجتمع الأمريكي في فيلمي "المخلب الحديدي" و"المطر الأسود" من خلال عصابات الياكوزا - وهي المافيا اليابانية التي يعود تاريخها إلى مجموعة من المحاربين القدامى في القرن الثاني عشر- في الفيلم الأول تتسلط "الياكوزا" على منطقة طوكيو الصغيرة في مدينة لوس أنجلوس وتحاول السيطرة على صناعة وتوزيع الخمور في ظل سطوة الـ"اويابون" الأب الروحي في عصابات الياكوزا، الذي يواجه صناع الخمور الأمريكيين بمعتقداته حول العلاقات الاقتصادية الجديدة "أيها السادة لقد سقطت الأحلاف.. لم تعد روسيا قوة عظمى وأفلست أمريكا بسبب السياسة والجنس وتتجه أنظار العالم الآن إلى اليابان للزعامة الاقتصادية".

أما تعاليم الـ"اويابون" في فيلم "المطر الأسود" فتأتي من أغوار أحد مصانع الصلب الضخمة في مدينة أوساكا التي لعبت دورا في تجديد شباب الاقتصاد الياباني من أجل تسيد العالم وغزو أمريكا بالاقتصاد وليس بالحرب والقنابل النووية التي هزمت بها اليابان من قبل، و"الاويابون" لا يكتفي بصناعة الصلب لتحقيق انتقامه إنما يعتمد على وسيلة أخرى وهي تزييف الدولار الأمريكي بإتقان ياباني لإغراق العالم به مما يؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي الأمريكي من أساسه!!

أما الفيلم الثالث فهو يبتعد عن عصابات "الياكوزا" ليقدم جريمة قتل تختلف فيها الدوافع والحقائق على ألسنة الشهود. ولكن تصبح البؤرة مركزة حول الضحية "سيوجينا" رجل الأعمال وابن البليونير الياباني الذي يخطط لبناء مدينة ملاه ضخمة، بعد إزالة مصنع أمريكي للصلب كان في الماضي مصدرا لتصنيع الذخائر والأعتدة الحربية لمحاربة اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ويصبح هدف "سيوجينا" غامضا هل هو يهدف بمشروعه الترفيهي إلى إغراق الشباب الأمريكي في مظاهر الحلم الأمريكي الخلاب بعيدا عن الأدوات الحقيقية لهذا الحلم، وهي المصانع والمنشآت الاقتصادية، أم أنه يهدف إلى تحويل رمز يذكره بالحرب إلى أداة لنشر المتعة والسعادة بين البشر؟.

وتحرص هذه الأفلام على أن تقدم المواقف الثأرية المعادية للمجتمع الأمريكي باعتبارها مواقف فردية لا تعكس رؤية يابانية عامة، ففي الفيلم الأول يشارك ضابط أمريكي من أصل ياباني في التخلص من زعيم الياكوزا، وفي فيلم "المطر الأسود" تشارك إدارة بوليس أوساكا في مطاردة عصابات الياكوزا، بل إن مخرجه رايدي سكوت يخلق مطاردة بين الضابطين الأمريكي والياباني اللذين يقودان هذه المطاردة تكون نتائجها في صالح الضابط الياباني الذي نراه ينتقد زميله الأمريكي في صميم سلوكه وأخلاقياته "يجب أن يكون تفكيرك في مجموعتك أكثر من تفكيرك في نفسك، حاول العمل مثل اليابانيين. لقد عملت منذ صغري مع جنودكم، لقد كانوا حكماء، أما الآن فالموسيقى والأفلام غزت أمريكا بأسرها، نحن نجعلهم يتغيرون، ونحن نبني المستقبل ونبحث عن السلام"، أما الفيلم الثالث فتصبح فيه الأمور معلقة في ظل تناقض الحقائق حول مقتل الثري الياباني.

وأخيرا لقد اشترى اليابانيون أهم ستوديوهات السينما الأمريكية، وتبدلت ملامحهم في بعض الأفلام ولكن هل هذا يعني قدرتهم على مقاومة العبقرية "الهوليوودية" في الالتفاف حول الشعوب؟ لا أعتقد!!.

 

أحمد رأفت بهجت

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




القائد ماييدا يصارع لأول مرة العرب في فيلم شوجان ماييدا





الفتاة اليابانية وراء أسلاك معسكر الاعتقال الأمريكي في فيلم تعال وشاهد الجنة





العائلة اليابانية في فيلم تعال وشاهد الجنة





المخرج الياباني أكيرا كيروساوا احتضنته تايكونات هوليوود