من المكتبة العربية: الممارسات الثقافية للشباب العربي.. بشائر التغيير

من المكتبة العربية: الممارسات الثقافية للشباب العربي.. بشائر التغيير
        

          تنتشر ثقافة الشباب في المجتمعات الصناعية منذ نهايات الخمسينيات من القرن المنصرم، وكان القائمون عليها ينتمون إلى الطبقة العاملة لموقفهم الضدي من الثقافة المهيمنة لذائقة البرجوازية أو الثقافة الرفيعة آنذاك. لذلك ارتبطت ثقافة الشباب بالثقافة الشعبية وانتشار موسيقى وفن البوب الخارج عن قيود الجماليات الفنية التقليدية وتمييزها بين الفن الرفيع والوضيع. وكان لإنتاج الشباب المرئي دور في تنشيط الحداثة في إطار تعريف الحداثة بأنها العمل الإبداعي المناهض للمستقر لتنشيط الخيال والقدرات الإنتاجية في المجتمع.

          ومعظم ممارسات الشباب الثقافية في المجتمعات العربية تستعير بعض الأنماط الغربية لاختلاطها بعناصر شعبية محلية، وهي بذلك تقاوم التقليدي دون التخلي عنه، كما تتجاوز المحددات الطبقية، لانتهال ثقافة الشباب من الوسائط الإلكترونية القديمة (التلفزيون) والحديثة (الوسائط الرقمية). وتتعدد ممارسات الشباب الثقافية باختلاف المستويات التعليمية التي تحددها الخلفيات الاجتماعية المتفاوتة، وعلى الرغم من الفوارق الاقتصادية تظل متشابكة ومتقاطعة.

          وعادة ما تعامل الممارسات الثقافية للشباب في العالم العربي باستخفاف من قبل المحافظين، لخروجها عن الأنماط المألوفة أو المتفق عليها في الموسيقى، والفنون المرئية بوسائطها المتعددة، والكتابات الإبداعية، فالخطاب السائد للمحافظين يعد الشباب متلقيا سلبيا يحتاج إلى التوجيه، وتجاربه الثقافية مغامرات طائشة ينبغي ترويضها. ولم يتنبه «الكبار» إلى أن التغيير الثقافي راهنا يتخذ مسارًا مغايرًا للمسار المتخذ سالفًا، حيث كانت ثقافة الشباب مرهونة بتعاليم الأسرة أو الجماعات القبلية، أو المؤسسات التعليمية. فقد تغيرت الأحوال في العقود الأخيرة نتيجة للتلاقح الثقافي عبر الفضائيات والرقمنة عبر شبكة المعلومات، لكن لم يلتفت معظم المتابعين للتحولات الثقافية إلى أن ممارسات الشباب الثقافية قد ساهمت في تجديد المحيط الثقافي بتهجين المستحدثات الثقافية والإملاءات السلوكية في مجتمعات تطغى عليها التقاليد.

          ولم يول أحد الاهتمام بالشباب العربي بالقدر الكافي في الدراسات الإنسانية، حتى غدت الحاجة ملحة للالتفات إلى قضاياهم وهم بصدد اختيار التوجهات المستقبلية، لذا جاء صدور كتاب الممارسات الثقافية للشباب العربي، عن تجمع الباحثات اللبنانيات ليلبي تساؤلات ملحة، تناولتها مجموعة من الباحثات والباحثين لتغطية أحوال الشباب في معظم المجتمعات العربية.

خفوت السلطة التقليدية

          ففي بحث تمحور حول «الشابات اللبنانيات: مستمعات، مشاهدات، قارئات»، توصلت كل من عزة شرارة بيضون ومود إسطفان هاشم إلى أن انفتاح الفضاءات في عصرنا الراهن قد مكن الشابات من الانفلات من السلطات التقليدية المتمثلة في المؤسسات الاجتماعية العامة والخاصة. فالسلطة التقليدية لم تعق المساواة الجندرية (النوع الاجتماعي) في معظم المجالات، مما جعل التنوع بين الممارسات الثقافية للشباب الناجم عن اختلاف الانتماءات الطائفية والاجتماعية يفوق الاختلاف الناجم عن الاختلاف الجندري. فالمتعاطيات مع الثقافة الأجنبية يقتربن في استهلاكهن الثقافي من الشبان في القراءة، والاستماع، والمشاهدة. فالوسائط الرقمية قد استدرجت الشباب بنوعيه إلى تمضية الوقت في المنازل، ولم يعد البقاء في المنزل حيزا خاصا بالنساء كما كان، كما زال الاعتقاد بتفوق الشباب على الشابات في التقنيات الرقمية، وان تخوفت رشا الامير من تأثير الرقمنة على مكانة الكتاب ومبيعاته، فالواضح من دراسة اسطفان هاشم وشرارة بيضون عدم وجود تأثير مباشر من الرقمنة على ممارسة القراءة، حيث أشارتا إلى أن الانتماءات الاجتماعية هي أكثر المحددات للإقبال على القراءة، فتتدنى في الجنوب نسبة القراءة بينما ترتفع في بيروت.

أزياء الغواية والستر

          كما سعى محمد علي بن زينة في دراسته «المراهقون والمطالعة في تونس» إلى تبين مدى تأثير وسائل الاتصال والإعلام الحديثة على ممارسة الشباب للمطالعة، بوصفها كفاءة تقنية قد تختلف باختلاف الترتيب الاجتماعي. ولا يرى للرقمنة أو الاتصال بالإنترنت تأثيرًا سلبيًا على مطالعة الكتب الورقية، بل على العكس انتهال المعرفة عبر الوسائط الإلكترونية يعد تشجيعا عليها، على عكس التلفاز الذي كان له تأثير سلبي على القراءة. وتختلف رؤية وعد إبراهيم خليل حيث يرى تأثيرًا إيجابيًا للتلفاز بتتبعه «أثر المسلسلات المدبلجة على الشباب العراقي». فقد دفعت الظروف الأمنية في العراق الشباب إلى الاقبال على المسلسلات التركية بوصفها تمثل ثقافة ذات تركيبة إسلامية غربية، مما كان له الأثر في تمردهم على أوضاعهم ويرى خليل أن هذا قد يكون بوابة التغيير.

          وربما تقدم المسلسلات التركية بديلا عن «أزياء الغواية والستر» التي انتشرت في لبنان والمجتمعات العربية كافة كما توضحه لنا رجاء نعمة عند تناولها مضمون الزي ولغة الجسد. وتتبع نعمة خارطة الأزياء بوصفها من الظواهر الاجتماعية الثقافية التي لا تنبع عن إرادة حرة وإحدى دلالاتها انهيار الحركات السياسية النشطة التي سادت في المجتمعات العربية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

          وعلى اختلاف هذه الثنائيات المتعارضة في الممارسات الحياتية، تأتي لنا نهى بيومي ببدائل في ممارسات الشابات الثقافية كما تتجلى في أعمال ثلاث روائيات من لبنان، وسورية، والسعودية لم يتجاوزن الثلاثين عاما، جاءت كتابات تلك الشابات عن التجارب العاطفية تحمل موقفا نقديا إزاء الذات والمجتمع في آن معا، وقد كشفت عن اللامعقول فيها، حيث تؤسس الإعاقة المجتمعية للمشاعر لبنية هرمية تسلطية تفضي إلى الانتهازية. وإن كانت الروايات تتمحور حول الأجساد فمعاناتها تصرخ بالمضمر، ورغباتها تفصح عن الاختلاف الجندري في العطاء والتلقي. وإن كانت الروايات الثلاث تظهر تباينا ثقافيا بين البلدان العربية التي تدور بها الأحداث، إلا أنها تجتمع على أن الخلط الفكري والقيمي الناجم عن القمع يترتب عليه الاغتراب عن الجسد، ومن ثم انقسام الذات الذي يفضي إلى التفكك المجتمعي. يبدو لنا من روايات الشابات أن الفساد المجتمعي يستولده تحريم الإفصاح على عكس ما هو مشاع.

          ويعمل الشباب على الفكاك من السياج الاجتماعية في الممارسات الحياتية أيضا وقد رصدت كل من منى حرب ولارا ديب في دراستهما مساومات الشباب للسلطات الأخلاقية وأماكن التسلية الجديدة في ضاحية بيروت»، واختلاف الشباب والشابات الشيعة عن الطليعة الإسلامية التي تصدرت الساحة في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. فقد صممت أماكن تجمعات الشباب وفقا لأحدث الديكورات، بينما تتمسك بـ «المحافظة» بامتناعها عن تقديم الخمور أو لحم الخنزير، أو الموسيقى الراقصة، وتبيح الاختلاط العلني دون التلامس. فقد أفضى تعدد التفسيرات للنصوص الدينية، إلى حرية اختيار كيفية التزام الشباب الأخلاقي، مما يسر لهم تأكيد حقهم في الاستمتاع بأوقات الفراغ.

          كما تتلاشى السياج القائمة بين الممارسات اليومية والممارسات الثقافية، فيما توضحه حنان الحاج لدى ممارسات شباب جماعة «شمس» وهي جمعية تعاونية ثقافية لشباب المسرح والسينما في لبنان، تعدت هذه الجماعة مفهوم الفن بوصفه نشاطًا منفصلاً عن الحياة ليكون فعلاً ثقافيا له رؤية فلسفية وأبعاد سياسية تضع منهاجا للعمل في مجتمع انهارت فيه القضايا الكبرى وتشتت المجتمع اللبناني بفعل الطائفية. كما نشهد هذه الممارسة الجماعية في النشاط المسرحي في الجزائر أيضا، الذي تتبعه جميلة الزقاي «بين فترتي الاستعمار والاستقلال» وترصد توجه الكتابة الشبابية للمسرح أحيانا للتأليف الجماعي. وتكونت ورش للكتابة المسرحية لتهيئ الفرصة للشباب لكتابة النص المسرحي على ضوء تحضيرات جماعية. وتتعدد الفرق الشبابية المسرحية في الجزائر فمنها مسارح شعبية على شاكلة مسرح الشارع، وأخرى تجديدية تشارك في المهرجانات، كما تتوافر مسارح الهواة التي استبدل فيها المؤلف بالمخرج الذي يعتمد اعتمادا كليا على التقنيات.

          ويبدو أن العروض المسرحية هي أكثر ما يستهوي الشباب في البلدان العربية، حيث تبرز لنا ميسون صقر أهميتها بالنسبة إلى الشباب السوري كوسيط لطرح الأسئلة الحياتية التي تتعلق بالعلاقات الجنسية والسياسية في الأساس باستخدام أسلوب التجريب المسرحي غير المباشر ليكون على المتلقي تركيب السياق السياسي والاجتماعي للحدث، تفاديًا للرقابة.

المسرح الشبابي الكويتي والهوية العالمية

          ويختلف استخدام الشباب للتقنيات المساعدة لتعتيم أعين الرقيب عن القضايا السياسية والمجتمعية التي يتناولونها، حيث أوضحت وطفاء حمدي ذلك في متابعتها لعروض الشباب المسرحية بالكويت، فرأت في التجارب الشبابية اتجاها إنتاجيا يستخدم التقنيات الحديثة في السينوغرافيا لتقديم رؤى بديلة عبر التقنيات الرقمية، وآخر توفيقيًا يستند إلى التراث المتوارث، مضيفا إليه رؤى الزمن الراهن. وبشكل عام يتميز المسرح الشبابي بالتجديد مما يعكس التنوع الثقافي في الكويت، كما يصبو لتجاوز المحلية الضيقة بتحقيق الهوية العالمية.

          واستخدام التقنيات الرقمية في المسرح، كما في الوسائط كافة يبين رغبة الشباب في الاندماج مع المجتمع الدولي، عبر تلك الوسائط الرقمية يقيمون إمكانيات جديدة للتواصل عبر عوالم تخيلية لا تبعدهم عن الواقع كما يذهب المحافظون - بل تعيدهم إليه من مواقع مغايرة لما صار متفقا عليه.

          وفي دعوة أحمد بيضون إلى أن تكون المطالعة جزءًا مكملاً للمشاهدة والاستماع في ممارسات الشباب الثقافية والحياتية في مقاله «لا تندم على شيء قرأته» صدى في الواقع، حيث تبين لنا دراسات عدة تفاعل المطالعة الرقمية والورقية والمشاهدة والاستماع للوسائط الثقافية والإعلامية في تغيير الممارسات الحياتية لدى الشباب.

جيل الشبكة

          وقد استخلصت فاطمة علي من متابعتها للشبكات الاجتماعية التي نسجها الشباب البحريني عبر «الفيس بوك»، كيفية تشكل القناعات عبر الحوار، فتحفز على إبداع المباني الثقافية المغايرة، لتضيف طروحات مبتكرة للتغيير. هذا ما تؤكده كلاديس سعادة أيضا في دراستها عما أطلقت عليه «جيل الشبكة»، حيث استنكرت استخفاف المحافظين بانشغال الشباب بالشبكة العنكبوتية، واعتباره نوعا من اللهو، بينما تتوافر في الإنترنت إمكانات هائلة لابتكار أسس جديدة للتعلم. كما أضافت آمال حبيب ما جاء بالنصوص الدولية كالمادة 21 من وثيقة ريو دي جانيرو أو بيان الأمم المتحدة عام 1985 - على سبيل المثال - أهمية فتح المجال للممارسات الثقافية للشباب ودور الثقافة الرقمية في خلق التضامن الاجتماعي. والملاحظ من ممارسات الشباب الرقمية تمحورها في محيط التشبيك الاجتماعي، وهذا ما تؤكده أيضا دراسة رجاء فنيش عن «القراءة الرقمية والتغيرات الاجتماعية الثقافية لدى الباحثين والطلبة التونسيين»، فاستخدامهم الوسائل الرقمية في البحث والقراءة محدود بالقياس إلى استخدامهم إياها لنسج علاقات اجتماعية، وهو شيء لا يستهان به. فالشبكة العنكبوتية قد عملت على تذليل معضلة المحلي/العالمي، لينشأ تفاعل مغاير للمعهود يفضي إلى بناء اقتصاد معرفي جديد مؤسس عبر المبادلات المجانية بين الشباب التي لا تلتزم بالمؤسساتية. فالشبكة المعلوماتية تتيح فرصا عديدة للتلاقح الثقافي في فضاء تخيلي صار يشكل للشباب المخرج الوحيد من التزمت الاجتماعي الذي يحاصره بدعوى التمسك بالتقاليد.

          والممارسات الثقافية عبر الوسائط الإلكترونية ليست هي المجال الأوحد للتحرر من أصفاد محدودية الفكر، وتحقيق المواطنة العالمية، فالموسيقى أيضا تمنح الشباب فرصا مثالية لتحقيق ذلك. ويقارب الباحث الإنسي للموسيقى بورخولتر موسيقى الشباب اللبناني بوصفها «نحن الحكومة الجديدة»، فلا يرى فاصلا بين المتغيرات السياسية والاجتماعية والتحديث الموسيقي. فموسيقى الشباب اللبناني تمزج بين ضجيج الحرب الأهلية التي نشأ عليها وتربى على إيقاعها، إلى جانب الموسيقى الدعائية في وسائط الإعلام، وكل ما يذاع عبر الأثير والقنوات الفضائية. وتعكس تلك الموسيقى أثر العولمة والرقمنة على مستويات عدة، دون الادعاء بالتمسك بالمعادلة التوفيقية بين الشرق والغرب. فالأصالة من منظور الشباب لا تستمد من الموسيقى التقليدية، بل من الصخب المحيط بهم والنغمات التي يتعايشون معها، فالأصالة تكمن في استعادتهم لمخزون ذاكرتهم السمعية.

موسيقى الشباب

          كما أوضح لنا نيكولا بويغ أن التجديد الموسيقي قد امتد إلى «المخيمات الفلسطينية في لبنان». فموسيقى المخيمات تمزج الشعبي بالطرب، مستفيدة من الراب المعروف بأنه أداة النقد الاجتماعي، وتتمثل الهوية السياسية لدى الشباب الفلسطيني في استحضار النغمات التراثية بينما تبتعد عن التحزب السياسي. وتنوع الأداء الموسيقي في المخيمات الفلسطينية إنما ينبئ عن هوية مركبة يستحيل عليها العيش منعزلة، لانخراطها في هوية تتعدى الحدود الجغرافية والعوازل الطبقية والجندرية.

          أوضحت لنا الموسيقى الشبابية أن التحولات التي طرأت عليها إنما تنبئ عن هويات عربية متحولة تنقض النمطية العالقة بصورة العربي في المجتمعات العربية، بل في العالم أجمع. والتهجين الموسيقي لا يقتصر على الشباب المتصل بالمجتمعات الأجنبية فحسب بل امتد إلى الموسيقيين الشعبيين أيضا. وتبرز لنا جنيفر بيترسون كيفية استلهام شباب المناطق الشعبية في مصر أغاني «المولد» لتجديد ألحانهم باستعارة جمل لحنية ونصوص من الإنشاد الصوفي لمزجها بالموسيقى الشبابية الراقصة. وقد يبدو المزج بين روحانية المولد وحسية الموسيقى الترفيهية متناقضا، ولكنه يحمل دلالة ثقافية فهو ينشأ عن الفوضوية التي تتسم بها حياة الشباب في محاولتهم للتكيف مع متطلبات دينية يفرضها المجتمع ومتع المحرمات التي تتطلبها أجسادهم.

          والتوفيق الموسيقي بين المحلية والعالمية تتبعه مريم القزاح أيضا في التجربة الموسيقية للشباب المغاربة الهولنديين، ففي سعيهم للتوليف بين الأداء الموسيقي والمعتقد الديني، يؤلفون موسيقى «هيب هوب» إسلامية تتمازج فيها الخلفية الإثنية، والخيال الاجتماعي، والوضع السياسي الاجتماعي الهولندي، إلى جانب الخصوصية الإسلامية التي ما زالت تمثل رابطا مهما بينهم، ونقطة وصل بالشرق الأوسط، وتعد الممارسة الموسيقية أحد الخيارات لأسلوب حياتي متميز لتجديد الهوية.

          كما تبرز الورش الفنية المقامة للشباب العربي في الشتات إمكانيات مغايرة لإعادة إنتاج الهوية للابتعاد عن الأنماط التقليدية، وفقا ليمنى شلالا، فإقامة المعارض العامة للإبداع الفني تتيح تعرف الشباب المشارك على العلاقة بين الثقافتين الغربية والعربية بشكل متوازن. فلم يعد الشباب عنصريا رافضا للأمركة، بل مجيدا لتحديد الخيارات، وأكثر وعيا في المعاملات، والتفاعلات الاجتماعية. وقد رصدت في مساهمتي للكتاب التفاعلات الثقافية في الممارسات المرئية للشباب واستخلصت ما رأيته من «تناقضات الحداثة في الممارسات المرئية للشباب» في مصر، فتراودني إمكانية تقييم ممارسات الشباب بوصفها إعادة تفعيل لحركة الحداثة التي طرأت على المجتمعات العربية في حقب زمنية ومراحل عدة في الفنون المرئية تحديدا، حيث يتمثل فيها التقاء التقنية الغربية بالتراث العربي والأوسطي. وتتنوع استعارات الشباب من الوسائط التكنولوجية القديمة والحديثة لتتمازج والثقافة الشعبية في محاولة لتغيير الخطاب السائد، وحتى إن تبين لنا تورطهم في إعادة إنتاج هذا الخطاب في بعض الأحيان، يعد هذا التناقض إحدى علامات الحداثة المتأخرة. جاء هذا الكتاب لتفادي اتخاذ موقف أبوي من ممارسات الشباب، ولتفهم خياراتهم الثقافية وعدم التزامهم بالسياقات الثقافية السابقة، أو الكيانات الثابتة. يترتب على ذلك تقييم ممارساتهم بوصفها محاولة مستمرة لإعادة تعريف الهوية التي باتت متغيرة - عبر مناهضة المستقر، وإن شابت ممارساتهم بعض التناقضات.

          الكتاب صادر عن تجمع الباحثات اللبنانيات. الكتاب الرابع عشر، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2010. وقام بتحريره: مود اسطفان - هاشم، عزة شرارة - بيضون، نازك سابا، وطفاء حمدي.
------------------------------------
* أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الكويت.

 

 

عرض: ماري تريز عبدالمسيح*