من المكتبة الأجنبية: نهاية «وول ستريت»

من المكتبة الأجنبية: نهاية «وول ستريت»
        

          يشرح هذا الكتاب أسباب الأزمة المالية العالمية الأخيرة وأحداثها، ويستعرض أفضل السبل للتأقلم مع نتائجها، ويختزل المؤلف في مقدمة كتابه سبب الأزمة بالطمع المفرط والثقة الزائدة، والتي قادت الأفراد والمصارف والشركات إلى إقراض واقتراض أموال طائلة أنفقوها بطرق غير حكيمة، حيث اشترى الأفراد عقارات تفوق قدراتهم الشرائية، ورفع المضاربون أسعار الأسهم إلى أرقام فلكية، واستثمرت المصارف أموالًا لا تمتلكها في ديون متعلقة بالرهون التي انهارت قيمتها، هذا عدا القروض التي كانت تمنح للأفراد والشركات دون أية ضمانات حقيقية.

          مؤلف هذا الكتاب، دايف كانساس محرر صحفي اقتصادي، أمضى أربع سنوات من عمره محررًا لقسم المال والاستثمار في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية ذائعة الصيت، وعمل رئيسًا لتحرير موقعها الإلكتروني لعدة سنوات، قبل أن يلتحق بمشروع «فايلاف. كوم» للخدمات المالية الشخصية في «داو جونز» وشركة «أي. إي. سي»، وله كتابان، أحدهما حول الاستثمار في «وول ستريت»، والآخر عن الاستثمار عبر الإنترنت، وكتابه هذا هو الثالث، وقد حاز تقدير المحللين الاقتصاديين في «وول ستريت» لغنى محتوياته وخبرة مؤلفه الطويلة في الاستثمار وعلاقته بالمؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة.

          يقول المؤلف في الفصل الأول من كتابه إن المفهوم القائل بأن الأسعار سترتفع ثانية بعد كل أزمة تعصف بالاقتصاد هو قول غير دقيق، ذلك أن تحسن الأسعار لا يحصل بسرعة دائمًا، فلا يزال الأشخاص الذين قاموا بشراء الأسهم اليابانية، مثلًا، خلال مرحلة «هبوط الأسعار» أوائل تسعينيات القرن الماضي بانتظار استعادة جانب من خسارتهم الفادحة، والأمر ذاته ينطبق على أولئك الذين اشتروا عددًا من أسهم شركات الإنترنت بعد أن شهدت انخفاضًا حادًا في قيمتها. مؤكدًا أن الأعداد المهولة من المشاريع العقارية والرهن العقاري وسياسات الإقراض غير المسئولة قادت إلى إخفاق مؤسسات التسليف والإقراض - وفي مقدمتها المصارف - ما استدعى تدخل الدول ودفع مليارات الدولارات الأمريكية لإنقاذ تلك المؤسسات وبالتالي حماية اقتصاداتها من الانهيار. ولأن النظام الاقتصادي العالمي ظل لسنوات طويلة يتجاهل إمكانية حدوث أزمة، وبالتالي أهمل الاستعداد لها.

          ويضيف المؤلف في الفصل الثاني أن ابتكار أدوات استثمار معقدة قد أغنى «وول ستريت» ورفع أسعار أسهم شركاتها بشكل جنوني، ولكنه أعطى أولئك الموجودين خارج البورصة شعورًا خاطئًا بالأمان. فمع انتعاش السوق العقاري ابتكرت الشركات طرقًا كثيرة للحصول على مزيد من الرسوم والعوائد من هذا القطاع. ظاهريًا كان الهدف من هذه الأدوات التخفيف من الأخطار الناجمة عن إمكان وجود ديون معدومة أو صعبة التحصيل، أما في الواقع، فقد أدخلت دينًا هائلًا إلى النظام، بحيث تفاقمت في نهاية الأمر المشكلات التي لازمت هبوط أسعار العقارات، فغرق النظام فجأة.

          وتحت عنوان «طيور الكناري»، يقول المؤلف إن أحد الأوجه الغريبة للأزمة المالية العالمية يتمثل في نموها البطيء وبلوغها الذروة بشكل مفاجئ في غضون ما يزيد عن سنة بقليل. إن ما حدث لم يكن مختلفًا عما قد يحدث في منجم فحم حجري لدى تسرّب الغاز السام إلى أماكن العمل وتسببه في مقتل عمال المنجم في آخر الأمر، لذلك تعلّم عمال المناجم إبقاء طيور الكناري في أماكن عميقة تحت الأرض لأن الطيور ستموت أولًا من الغاز الذي لا شكل له أو رائحة، ما يعطي عمال المناجم فرصة الهرب. وفي أواخر عام 2006، عجت وول ستريت بطيور الكناري عندما بدأت المشكلات المتعلقة بالرهن العقاري وهبوط أسعار العقارات في الظهور، ولكن الهوس الكبير بالأرباح صعّب على الجميع الرؤية أو الاستماع بوضوح كما كان الحال خلال مرحلة فقاعة أسهم الإنترنت. وبسبب حجم المشكلات التي تواجه المصارف وغيرها من المؤسسات المالية تبين أن إيجاد الحلول اللازمة أمر صعب للغاية، بالرغم من أنه كان هناك وقت للمحاولة. لقد عرفت مؤسسة «ليمان براذرز» مثلًا بأنها تواجه مشكلات خطيرة متعلقة بالملاءة المالية لأكثر من سنة ولكنها كانت عاجزة عن تدبير المال اللازم للتعويض عن الحجم الهائل لديونها المعدومة.

          ويضيف المؤلف أن الضحية الكبيرة الأولى لانهيار سوق المساكن في الولايات المتحدة كان مصرف نورثرن روك في شمال إنجلترا. إذ إن هذا المصرف الإنجليزي المعروف برعايته لنادي «نيوكاسل يونايتد» لكرة القدم، بدد الكثير من الأموال في القطاع العقاري، بحيث بالغ في استثماره بالديون العقارية وغامر بإقراض المتعهدين مبالغ طائلة، حيث وجد نفسه بين ليلة وضحاها غير قادر على الوفاء بعمليات السحب الاعتيادية من العملاء.

          ويرى المؤلف أن «التسونامي» الحقيقي في الأسواق المالية العالمية وقع في شهر سبتمبر 2008، عندما قررت الحكومة الأمريكية الاستيلاء على شركتي التسليف العقاري «فاني ماي» و«فريدي ماك»، إذ أصبحت إدارة الرئيس جورج بوش الابن مسئولة فجأة عن تغطية قروض عقارية تتخطى قيمتها خمسة تريليونات دولار أمريكي. فهذه الحادثة أشعرت العالم أجمع بأن الاوضاع الاقتصادية باتت سيئة جدًا، وبأنها مرشحة لأن تصبح أسوأ بسرعة، وبدأت عدوى انهيارات أسعار الأسهم والعقارات تنتقل بوتيرة سريعة جدًا إلى الأسواق الرئيسية في العالم.

          وفي الفصل السادس من الكتاب يشرح الكاتب كيف أن الأزمة العالمية غيّرت تفكير كل شخص في العالم حول المال، إذ شهدت أسواق الأسهم هروبًا جماعيًا للمستثمرين، ولحقت بها المشاريع العقارية، وتوجهت معظم الأموال السائلة نحو الذهب الذي اشتعلت أسعاره، وهبطت أسعار الكثير من السلع الكمالية مع تخوّف الناس من الإنفاق، وتسريح الشركات مئات آلاف العمال حول العالم.

          يقول المؤلف إن ما يميز النظام الرأسمالي «الديمقراطي» هو مرونته، فقد عرف هذا النظام حالات ذعر عديدة في الماضي، ولكنه وجد دائمًا طرقًا لإصلاح نفسه والنهوض بسرعة. لقد واجهت الرأسمالية الغربية تحديات مماثلة من قبل، ولابد أن تجتاز هذه المرحلة بتجدد ونشاط, فالتكنولوجيا المحسنة يمكن أن تساعد الشركات على التكيّف أسرع مع الظروف المتغيرة، وبالتالي فإن الأزمة لايمكن أن تستمر إلى الأبد، ستزول بعد أن نكون قد تعلمنا درسًا مهمًا منها: حذار من الأموال السهلة المفرطة! وحذار من أن تضع البيض كله في سلة واحدة!.
-------------------------------
* صحفي وكاتب فلسطيني مقيم في دبي.

 

تأليف: دايف كانساس Dave Kansas