مساحة ود

مساحة ود
        

الجائزة

          لا شيء يوقفني وأنا صغيرة، كنت موجة عنيدة تحب الارتطام بالحماقات والشقاوة ولا أتوقف عن الحركة بتاتًا، وأتعب كل من حولي دون كلل أو ملل ولا أرتاح إلا وقت الطعام أو النوم، وكثرت مضايقاتي ودسائسي الصغيرة التي أرتكبها في المنزل، فقرر والدي أن يدخلني للمدرسة في سن الرابعة حتى يمنح أمي بعض السلام ويمنحني بعض العلم والهدوء ولكن دون فائدة لأن الشقاوة عندي عادة متأصلة بل وزادت مشاكساتي في الفصل وتطورت، ولم يكن يهمني وجود المدرس نظرا لقناعتي المستمدة من أن والدي مدير المدرسة يحل كل مشكلاتي إذا ما تعرضت للمضايقة أو العقاب، فتارة تجدني أجري في الفصل وراء عصفور شارد دخل من النافذة بالخطأ فأزيده ذعرا بصراخي وبركضي نحوه فيرتبك ويضعف جناحاه الصغيران لحد ملامسته الأرض، وفي بطولة مستميتة يعيد التحليق هاربا مني ومرفرفا في كل الاتجاهات إلى أن يصل إلى نور النافذة فيتحرر من جبروتي، وتارة أشعر بالملل في الفصل فأترك الفصل قبل نهاية موعده دون استئذان وأعود للمنزل، وكنت لا أركز بالدراسة بقدر ما أركز بالتسلية واللعب ونشر الفوضى مع غيري من التلاميذ المشاغبين مثلي، فلقد أصبحت لدي عصابة داخل الفصل تتبع تعليماتي ولكنها كانت أكثر عرضة للعقاب مني.

          وقتها لم أكن من الأوائل ومع ذلك نجحت ولم أستيقظ على أهمية التفوق إلا مع نهاية السنة الدراسية عندما أقامت المدرسة حفل توزيع الجوائز على شرف المتفوقين، كنت أنتظر دوري لأحصل على الجائزة ولكن لا أحد ذكر اسمي فبكيت وتمردت وصرخت.. أريد جائزة.. أريد جائزة, بأي حق لا تعطوني جائزتي ولا من مجيب، توجهت غاضبة وسط حشد من الأطفال والمدرسين والمدعوين من أولياء التلاميذ والمفتشين والمديرين نحو المنصة صارخة باكية أين جائزتي؟ فأجابني أحد المدرسين: «الجوائز يا صغيرتي مكافأة للتلاميذ الذين اجتهدوا في دراستهم طوال السنة وحصلوا على علامات ممتازة». لم أهتم بكلامه مصرة على حقي المهدور، وبعد لحظات من البكاء المتواصل سمعت صوتا ينادي باسمى ويطلب مني التقدم للمنصة لنيل الجائزة، كمتفوقة فرحت بها وهدأت نفسي المشاكسة وتوقفت ثورتي الصغيرة بحصولي على جائزة لا أستحقها.
---------------------------------
* كاتبة وإعلامية جزائرية مقيمة بالقاهرة.

 

 

ندى مهري*