المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية
        

  • أصدقاء أحمد بهاء الدين يدشنون منارته في «الدوير»

          في مطار أسيوط حطت بنا الطائرة التابعة لشركة خدمات البترول، ليستقل كل ركابها حافلة اتجهت على الفور إلى قرية «الدوير» بمركز «صدفا»، أقرب مراكز أسيوط إلى محافظة «سوهاج» في صعيد مصر. وبعد أن قطعنا نحو سبعين كيلو مترًا، ومررنا على «النخيلة» مسقط رأس الشاعر محمود حسن إسماعيل، وصلنا إلى هذه البقعة التي شهدت ميلاد الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، ثاني رؤساء تحرير مجلة «العربي» لنحتفل مع أهله في «الدوير» بافتتاح هذا الصرح الثقافي الضخم الذي أهدته أسرة أحمد بهاء الدين وأصدقاؤه ومحبوه إلى روحه وإلى ناسه الطيبين الذين لم تصلهم بعد أبسط احتياجاتهم الثقافية، على الرغم من أنهم فطروا على الموهبة والإبداع.

          وربما لم يدرك أهل «الدوير» جيداً قيمة ضيوفهم الذين جاءوا من كل حدب وصوب ليسهموا في افتتاح هذا المركز الثقافي الذي أنشأته جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين بتكلفة تربو على ستة ملايين جنيه كحصيلة للجهود الذاتية ولتبرعات الأعضاء والأصدقاء، فقد شغلتهم فرحتهم بهذه المنارة الثقافية عن أن يتأملوا هذه الوجوه التي كثيرًا ما طلعت عليهم من خلال أجهزة التلفزيون أو رأوا صورها على صفحات الجرائد: الأخضر الإبراهيمي، وزير خارجية الجزائر الأسبق، محمد سلماوي، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ورئيس اتحاد الكتاب المصريين، والدكتور سمير رضوان، وزير المالية في مصر، والدكتور جلال أمين، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ابن الأديب الرائد أحمد أمين، مصطفى نبيل، رئيس التحرير الأسبق لمجلة «الهلال»، وأحد الذين عملوا مع أحمد بهاء الدين، والدكتور محمد أبو الغار، ومحمد حمدي، مدير مكتبة القاهرة الكبرى، فضلا عن عدد من الشخصيات الكويتية البارزة من المفكرين والبرلمانيين في مقدمتهم: عبدالمحسن القطامي، وعبدالله النيباري، وفريال الفريح.

          وما إن وصلنا إلى المركز، الذي تعلو واجهته صورة ضخمة للراحل أحمد بهاء الدين، حتى رحنا نتجول، فرادى، بين طوابقه لنتعرف على ما تضمه «مكتبة فلسطين» التي ترتفع عدة درجات عن الطابق الأرضي وتقترن باسم الدكتور محجوب عمر، وقوامها 16 ألف كتاب توثق للقضية الفلسطينية، وكذا «مكتبة أحمد بهاء الدين» التي تقع فوقها تماماً في الطابق الذي يليه، وتنقسم إلى قسمين: الكتب والمراجع الشخصية التي شكلت وعي أحمد بهاء الدين، وصاغت وجدانه، والقسم الثاني: الكتب المهداة إليه من مبدعي العالم العربي ومفكريه ومن الغربيين أيضاً، وتحتوي هذه المكتبة على نحو 20 ألف كتاب.

          وبوصول اللواء نبيل العزبي، محافظ أسيوط، وبصحبته الدكتور زياد نجل الكاتب الكبير، الذي يشغل منصب رئيس هيئة الرقابة المالية في مصر، وشقيقته السفيرة ليلى بهاء الدين، ووالدتهما السيدة «ديزي»، تبدأ وقائع الافتتاح الرسمي بقص الشريط، وتفقد مكونات هذا الصرح الثقافي الفريد الذي شيد، وتم تأثيثه بالكامل بالجهود الذاتية، والذي يضم مكتبة لإعارة الكتب والمراجع، وصالات للتدريب على الكمبيوتر، ولتدريس اللغات، وللمحاضرات، وصالة متعددة الأغراض، وقاعة للسينما بسعة 110 مقاعد، التقى فيها المحافظ بكبار ضيوفه حيث عرض فيلم وثائقي حول أحمد بهاء الدين والأدوار المتعددة التي لعبها في الثقافة والصحافة العربية، وفي مقدمتها رئاسته لتحرير مجلة «العربي» في الكويت، وجريدة «الأهرام» في مصر.

          هذا ويضم المبنى أيضا مقرًا لإقامة فنان زائر يأتي لينقل خبرته إلى أطفال وشباب هذه القرية الجنوبية الصغيرة، وكذا كافتيريا، ومكاتب إدارية.

          ويوضح الدكتور زياد بهاء الدين نجل الكاتب الكبير لضيوفه أن التصميم المعماري للمركز يدمج العمارة الحديثة بتراث الصعيد في شكل مجسمات تعكس وجهات نظر أحمد بهاء الدين في التوفيق بين جمال العمارة ووظائفها.

          يذكر أن الجمعية استطاعت، بمعاونة المحافظ ومركز «صدفا» والوحدة المحلية بـ «الدوير» الحصول على قطعة أرض مساحتها ثلاثمائة متر مربع تم تخصيصها لإنشاء هذا المركز المتكامل. وقد أسندت الجمعية إلى «دار الهندسة» مسؤولية تحويل هذه القطعة الصغيرة من الأرض إلى هذا الصرح بأعلى المواصفات الممكنة ليؤدي جميع الأنشطة والخدمات الثقافية.

          ويشير الدكتور زياد إلى أن نخبة من أصدقاء والده وعددا من كبار المفكرين والصحفيين والفنانين قد بدأوا تأسيس الجمعية قبيل رحيله لتظل أفكاره دافعاً للأجيال القادمة لمواصلة مسيرة التنوير والتقدم، وقد أثمرت هذه الجهود تشييد هذا المركز الثقافي.

          ويضيف د.زياد أن جمعية أحمد بهاء الدين منذ تأسست وهي تواصل إنجازاتها الثقافية بتقديم منحة وجائزة أحمد بهاء الدين الثقافية السنوية للشباب، جنباً إلى جنب مع جمع تراث كل من: أحمد بهاء الدين، والفنان عبدالغني أبو العينين، والدكتور إسماعيل صبري عبدالله، وأيضا من خلال نشاطها المستمر في أسيوط عبر المكتبة والمدرسة، حيث تمنح جوائز سنوية للناشئة والكبار أيضا في مجالات الترجمة والبحوث والدراسات والفنون التشكيلية والصحافة والمعلومات العامة والموسيقى والغناء وحفظ القرآن الكريم أيضا. وبدوره يتمنى محافظ أسيوط أن يصبح هذا المركز انطلاقة لآفاق أرحب في عمل ثقافي تنموي تنويري جاد يعود بالنفع والفائدة على الشباب في صعيد مصر.

          وتعليقاً على افتتاح هذا المركز في مسقط رأس أحمد بهاء الدين يقول الكاتب محمد سلماوي، عضو مجلس ادارة جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين: تعرفت على الأستاذ بهاء في مقتبل حياتي الصحفية مطلع السبعينيات من القرن الماضي عندما عين رئيساً لتحرير «الأهرام»، وتعاونت معه كثيراً في العدد الأسبوعي «أهرام الجمعة»، ولمست حجم موهبته الصحفية، واتساع دائرة ثقافته، وتواضعه الجم، وذكائه في نقل خبرته إلى الغير، وهنا يجب أن أشهد بأن رئاسة أحمد بهاء الدين تحرير «الأهرام» كانت بمثابة طوق النجاة الذي أنقذ هذه الجريدة من عصف الأنواء، وتلاطم الأمواج بعدما مضى هيكل.

          وأنا، اليوم، في غاية السعادة للمشاركة في افتتاح هذا المركز الثقافي الذي يحمل اسمه كأحد التنويريين العرب الكبار، وأعتبر أنه مما يضاعف من قيمة هذا الصرح أنه شيد بالكامل بجهود أصدقاء أحمد بهاء الدين، والعارفين بفضله في مختلف أرجاء عالمنا العربي الكبير الذي منحه الأستاذ بهاء الكثير.

          وعن أحمد بهاء الدين يقول الكاتب والبرلماني الكويتي عبدالله النيباري:عرفت الأستاذ أحمد بهاء الدين في زمن سابق عند مجيئه إلينا في الكويت ليرأس تحرير مجلة «العربي»، كنت أقرأ مقالاته التي كان ينشرها في مجلات دار «روزاليوسف» عندما أوفدت إلى مصر للدراسة بجامعة القاهرة، وفي الكويت توطدت علاقتي به، وأضحت علاقة أسرية.

          وفي مجالسه كنا نتبادل الرأي في قضايا أمتنا التي كانت شاغله الأول، وقد دامت علاقتنا أيضاً بعد عودته من الكويت، بل إنها ظلت مستمرة بين أسرتينا بعد رحيله، وقد كنا - أنا وأسرتي - في مقدمة المتحمسين لبناء وتأثيث هذا المركز الثقافي الذي يحمل اسمه هنا في صعيد مصر. وأنا أعتبر أن هذا المركز الصغير في مساحته رمز للعمل التطوعي العربي في مجال الثقافة والتنمية البشرية في هذه المجتمعات المتعطشة لأن يمد القادرون العرب أيديهم إليها.

أسيوط مصطفى عبدالله

  • احتفالية: تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية

          اعترافًا بدورها الثقافي والحضاري المتميز، تم اختيار مدينة «تلمسان» الجزائرية عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 2011م. وتوصف تلمسان بجوهرة المغرب العربي، حيث إنها تحتل موقعًا في غاية الروعة، وهذا ما جعل الخطيب بن مرزوق يقول عنها: «يكفيك ماؤها وهواؤها»، تشرف على هضبة صخرية واسعة، وتتوسط أودية التافنة والصفصاف، وعلى شمالها نجد الكثير من السهول الخصبة الخضراء، ومن الجنوب يحيط بها طوق «لالاسيتي»، الذي هو بمنزلة حصن يحميها من هجمات الأعداء، عُرفت بتاريخها العريق، ومآثرها الحضارية، وماضيها الجليل الذي ينبعث من أسوارها، وحصونها العريقة.

          وقد تم مؤخرًا افتتاح احتفالية تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، وذلك تزامنًا مع المولد النبوي الشريف، حيث حضر عدد كبير من رجالات الفكر، والأدب، والفن، في مقدمتهم وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي التي ألقت كلمة الافتتاح، وشددت فيها على ضرورة حماية التراث الحضاري لهذه المدينة العريقة، وأكدت على استغلال هذه المناسبة لتعريف الأجيال الجديدة بأهميتها، ودورها الرائد في إثراء الثقافة العربية والإسلامية.

          انطلق حفل الافتتاح من مسجد سيدي أبي مدين شعيب بحي العباد العتيق، وتم التجول في ساحة الأمير عبدالقادر الجزائري بوسط المدينة، حتى غاية الوصول إلى قلعة المشور العريقة، ونظم موكب شعبي ضخم شاركت فيه الكثير من الفرق الفلكلورية من مختلف المدن الجزائرية، جسدت عادات وتقاليد مدينة تلمسان عاصمة الزيانيين، وتم التوقف عند أهم المعالم التاريخية، وفي الطريق تم ترديد مدائح وأناشيد دينية في جو بهيج، كما تم افتتاح معرض ضخم بدار الثقافة «عبدالقادر علولة» يجسد عادات وتقاليد سكان مدينة تلمسان التي لها مكانة خاصة وقداسة في نفوس الجزائريين.

          وقد أبهرت العروض الفنية الحضور، الذي أعجب أيما إعجاب بتجسيدها عمق الأصالة الجزائرية، إضافة إلى الخيمة التي تم نصبها للضيوف، وكذلك معرض المجسمات الصغيرة التي عكست الأبعاد الإسلامية والحضارية لمدينة تلمسان التي لم ينضب عطاؤها على مدى قرون طويلة، وعصور متعاقبة.

          وقد تضمن البرنامج المسطر لهذه التظاهرة تنظيم العديد من النشاطات الثقافية، والندوات العلمية، والملتقيات الدولية، وذلك بمشاركة أكثر من خمس وعشرين دولة إسلامية من الدول الأعضاء في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو)، حيث ستتم دعوة كبار المفكرين، والباحثين في العالم الإسلامي ويُنتظر أن تناقش هذه الملتقيات مواضيع ذات صلة بتاريخ تلمسان، وأعلامها، وتراثها الحضاري، وصورتها في عيون الآخرين، كما ستنظم الكثير من المعارض التي تبرز مختلف المخطوطات الإسلامية النفيسة المتوافرة في هذه المدينة العريقة، وكذلك مجموعة من الوثائق والصور التي تعكس ما قدمته المدينة للحضارة الإسلامية. والتراث الإنساني في شتى الميادين. وستقام عدة عروض فنية، ومهرجانات وطنية ودولية، إضافة إلى عرض أكثر من ثلاثين فيلمًا وشريطًا وثائقيًا عن تاريخ وتراث تلمسان وعلمائها ومفكريها. وقد بدأت المرحلة الدولية لاحتفالية تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية يوم 16 أبريل الماضي، وذلك تزامنًا مع إحياء يوم العلم بالجزائر.

الجزائر: محمد سيف الإسلام بوفلاقة

  • مسابقة: بردة أمير الشعراء.. للشاعر اليمني عبدالعزيز الزراعي

          في نهاية منافسات الموسم الرابع من مسابقة أمير الشعراء التي تنظمها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، فاز اليمني عبدالعزيز الزراعي بلقب أمير الشعراء وألبس البردة ومنح خاتم الإمارة، فيما حل الشعراء المصري هشام الجخ ثانيًا، والعماني منتظر الموسوي ثالثًا، والعراقي نجاح العرسان رابعًا، والأردني محمد حجازي خامسًا.

          وجاء تتويج الشاعر اليمني باللقب بعد منافسة حادة امتدت على مدار ثلاثة أشهر، ارتحل خلالها 20 فارسًا يمثلون 17 دولة عربية، في بحور اللغة العربية الفصحى وفي قوافيها، متسلحين بعتاد اللغة والصورة والمعنى والدلالة.

          وخلال الليلة التي شهدت تتويجه عرش الشعر، تقدم الشاعر الزراعي وقرأ قصيدته «عشبة تحاور الرمل» التي تحاكي معايير لجنة التحكيم التي تضم في عضويتها الإماراتي علي بن تميم، والمصري صلاح فضل، والجزائري عبد الملك مرتاض، حيث طلبت اللجنة من المتأهلين للجولة النهائية قصيدة يتراوح عدد أبياتها بين 9 و12 بيتًا، موضوعها الحوار والتسامح والتواصل ونبذ التعصب وأهمية الوسطية.

          وأكد علي بن تميم أن الزراعي في مجمل قصائده التي قدمها خلال الموسم يتحيز للكلاسيكيين الجدد حيث يأخذ منهم الأناقة الشعرية، أما في قصيدة «عشبة تحاور الرمل» فهناك حضور خفي لقصيدة إيليا أبي ماضي «التينة الحمقاء» التي جاء فيها:

          «وتينة غضة الأفنان باسقة
           قالت لأترابها والصيف يحتضر»،

          حيث يوجد تشابه على مستوى التنامي، وعلى مستوى النهاية أيضًا. وأشار إلى أن النص جميل في إعلائه فكرة التسامح، حيث يجعله فكرة راسخة، لأن الرمل لا يستقر إلا بالعشبة وإنها عشبة الخلود.

          أما الشاعر منتظر الموسوي فقرأ قصيدته «من حديث النفس - زهير بن أبي سلمى في حديث مع نفسه»، وعنها قال صلاح فضل: أجريت حوارًا على لسان زهير تقصده أنت، فلو بعُث زهير كي يحدث نفسه لا يمكن أن يخلِص كل قصيدته للفخر ولمدح الذات، وسيبدو مفجوعًا لضياع الحلم الذي دعا إليه في المحبة والسلام بين البشر، فهل كان بوسع زهير أن يفخر بلغته قائلًا:

          «فتشت عن لغة تجدد روحنا
          وترتب الأحلام في الأصلاب؟»

          أم أنك أنت من يفتش عن هذه اللغة؟ نعم لقد وجدت تلك اللغة، غير أنك لم تجد زهيرًا.

          وبعد أن قرأ الشاعر نجاح العرسان قصيدته «نوايا الشمع»، رد عليه عبدالملك مرتاض: جئت بعنوان شعري بديع جميل مكثف، وأعتقد أنك شاعر ذكي جدًا، إذ استطعت أن تزاوج بين التاريخ والجغرافيا والإنسان، وذكاؤك يأتي من توظيفك قيمة عظيمة، فجعلتها رمزًا للتسامح، إذ كان الشيخ زايد رمزًا للحكمة والوسطية والتسامح.

          ثم ألقى الشاعر هشام الجخ قصيدة «الرسالة الأخيرة»، التي قال عنها علي بن تميم: حين يشارف الإنسان على الموت يكتب وصية، وتلك هي الرسالة الأخيرة، أما الشعر والشاعر فيجب أن يستمر في رسائله، ولا يدَّعي أن هناك رسالة أخيرة، ثم عليك التمسك باللغة العربية الفصحى بعد أن سادت العجمى، فالعربية لغة تستحق أن نرفع أصواتنا بها، لأنها لغة عظيمة، كما أرجو منك كونك شاعرًا تكتب الشعر الشعبي ألا تتنكر للفصحى أبدًا، فهناك من يحبها ويعشقها، وقيمة قصيدتك في وثائقيتها، فالشعر يرصد الواقع بلغة الناس البسيطة، لهذا أنت تدرأ المجاز عن لغتك لتحكي بوضوحِ المؤرخ.

          وقال الزراعي إن فوزه بلقب أمير الشعر يعتبر مرحلة جديدة فتحت له آفاقًا من النجاحات، وألقت عليه مسئوليات وتبعات، ستدفعه دومًا إلى الحفاظ على المكانة الشعرية المتميزة التي صار يحتلها في المشهد الشعري العربي. ووصف مسابقة «أمير الشعراء» بأنها تظاهرة شعرية ومصنع هائل لتأميم المجاز في العالم العربي، وعادة ما ترقى الأمم برقي مجازها كون الإنسان واللغة كلما كانا أكثر مجازًا وسيميائية، كانا أكثر رقيًا وتعبيرًا عن التجربة الإنسانية والجوهر الإنساني. وبالسؤال عن المدرسة الشعرية التي ينتمي إليها الزراعي، أجاب بأن المدارس الشعرية هي سياج وهمي وضعه النقاد لتسهيل الدرس الأدبي، وعلى الشاعر ألا يقف عنده كثيرًا لأنها حالة إنسانية يمر بها المرء أيًا كان، فالإنسان يمر بمرحلة الكلاسيكية على مستوى الأسرة، والتأثر بالأسرة والمجتمع من حوله في مرحلة مبكرة من حياته، وعند بلوغه سن المراهقة يجنح إلى الرومانسية والتحرر والتمرد، وعند بلوغه مرحلة أكبر يكون أكثر انتماءً إلى الواقعية، وقد يتجاوز ذلك إلى التجربة الحقيقية في الحياة والمتفردة (التي تصوره كفرد)، وقد تكون تلك مدرسة في حد ذاتها. وفيما يتعلق بتطور تجربته الشعرية بعد الفوز، أوضح أنه أصبح لزامًا عليه أن يضيف الكثير إلى هذه التجربة، نتيجة الشعور بالمسئولية الزائدة تجاه الكتابة الشعرية، والثقة التي منحته إياها لجنة التحكيم. وتمنى الزراعي أن يجد الوقت الكثير للعمل على النص الشعري ليكون جديرًا بهذا اللقب.

          وتبلغ قيمة جائزة الفائز الأول، بالإضافة إلى البردة التي تمثل الإرث التاريخي للعرب، والخاتم الذي يرمز للقب الإمارة، مليون درهم إماراتي، فيما يحصل صاحب المركز الثاني على 500 ألف درهم إماراتي وميدالية فضية، ولصاحب المركز الثالث 300 ألف درهم إماراتي وميدالية برونزية، أما جائزة صاحب المركز الرابع فهي 200 ألف درهم إماراتي وميدالية برونزية، وتبلغ جائزة صاحب المركز الخامس 100 ألف درهم إماراتي وميدالية برونزية.

أبو ظبي: ربى الدرع

  • ندوة: المصدر المفتوح في عالم الإنترنت

          نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (بيروت) ندوة حول «المصدر المفتوح في عالم الإنترنت والأوراق الديبلوماسية الأمريكية المسربة كمعطى، في منحى لدراسة ومعالجة علمية لظاهرة وثائق ويكيليكس المسربة، والإحاطة بانعكاساتها على الحياة الإعلامية والديبلوماسية، والسياسية في العالم».

          استهلت الندوة بكلمة للمدير العام للمركز العربي د. عزمي بشارة تحت عنوان: «مصادر الإعلام الجديد والتغيير»، تناول فيها ظاهرة التّسريب وعلاقتها بمبدأ الشّفافية في النظام الديمقراطي، وقال: «يجب التمييز بين ظاهرة المصادر المفتوحة والمدونات والشبكات الاجتماعية التي صعّبت مهمة الحكومات في السيطرة على المضامين الإعلامية»، مشيرا إلى 3 أنواع لظاهرة الـ «ليكس» أو التسريب، وهي:

          أولًا: التسريب الذي تقوم به الحكومة للحفاظ على ذاتها، وتعتمده السلطة للحفاظ على نفسها بفضح أعضائها لبعضهم بعضًا وبالتالي تنفير الجمهور من السياسة بشكل عام، «وهذا ما يسمى بالجدلية السلبية لمثلث المصدر المفتوح - المؤسسة السياسية - الصحافة».

          ثانيا: آلية تنبثق من علاقة المصلحة المتبادلة، حيث تعيش المؤسسة الإعلامية على الأخبار المسربة عن المؤسسة السياسية، فيما تقوم الأخيرة على تسريب أخبارها للقنوات الإعلامية، وهذه هي الجدلية التي طورت المؤسسات الديموقراطية في الغرب.

          ثالثا: التسريب الذي يرى ان حجب المؤسسات للمعلومات عن الجمهور سياسة خاطئة، كما هي حال موقع «ويكيليكس»، ويهدف إلى إشراك الناس في السياسة وليس تنفيرهم.

          وأكد بشارة أنّ المصدر المفتوح والتقاء الحقائق المسرّبة مع ما توصّل إليه التحليل العقلاني نظريًا يلعبان دورًا تنويريًا في إعادة الاعتبار للعقل والحقائق، مشيرًا إلى أن ظاهرة التسريب تاريخيا هي آلية في معارضة الحكم وحفظ مؤسسات التوازن الداخلي، وقال: «كان لهذا المصدر المفتوح بُعد تنويري بعدما عرفه الخطاب السياسي خلال العقدين الماضيين من تشويه»، معتبرا انه «أُعيد اليوم الاعتبار للحقيقة والوقائع والتي كانت هي المهمة الأصيلة للصحافة الاستقصائية، وربما يشكل هذا تحديا لها للعودة إلى مهمتها».

          ورأى بشارة أن التسريبات اثبتت فرضيات عقلانية كانت مطروحة مثل تواطؤ العرب مع الواقع في قطاع غزة، مشيرا إلى أن التسريبات أكدت أنه يمكن إخضاع سلوك الدول للتحليل العقلاني.

          وضمن المحور الأول الذي حمل اسم: «المصدر المفتوح وظاهرة التسريب وتحديات الإعلام»، كانت الجلسة الأولى تحت عنوان «المصادر الإعلامية الجديدة والتغيير» والتي تحدث فيها د.عزمي بشارة حول الحقيقة والسلطة وإعادة الاعتبار للحقائق. وتحدث كذلك الباحث الأردني د. باسم الطويسي حول المصادر الإعلامية الجديدة وإعادة توزيع القوّة، ورأى في الدراسات الاعلامية أن «مصادر الإعلام المفتوحة تقوم بتجزئة قوة السلطة وتحوّل الأفراد إلى منتجين للمعرفة، اذ تنتقل المصادر من الحكومات إلى الكيانات العاملة في دائرة الاتصالات». وتحدّثت في الجلسة د. دينا مطر من جامعة لندن بكلية الدّراسات الشرقية والافريقية عن الإعلام والسياسة والمشاركة، وترأّس الجلسة د.نبيل دجاني أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية في بيروت. وفيما وُضع نقاش الجلسة في إطار يرتكز على أن «حجب المعلومات واحتكارها يشكلان أكبر وسيلة لإساءة استخدام السلطة»، ذهب غالبية المشاركين إلى الربط بين ظاهرة «ويكيليكس» وظاهرة الشبكات الاجتماعية التي ساهم استخدامها في تحقيق الثورة في تونس ومصر، انطلاقا من كون الاثنتين جزءا من الفضاء الإلكتروني المتحوّل والمؤثر.

          وفي الجلسة الثانية التي حملت اسم «المصدر المفتوح والإعلام»، تحدثت د. لينا الجيوسي حول «قوة التكنولوجيا وتكنولوجيات القوة»، بينما تحدث د.الصادق حمامي عن «الثورة التونسية والإشكاليات الإعلامية والتواصلية التي تفرضها» خاصة في مستوى دور الإعلام الجديد عن المقاربة التواصلية للثورة التونسية، وعن «التخريب» الايجابي، الذي فرضه اللجوء إلى الميديا الحديثة، إذ تم من خلالها «تخريب سيطرة السلطة على المجال العمومي، وإتاحة آليات للتواصل الجمعي»، لافتا إلى قدرة التونسيين على «تخريب استراتيجية النظام» في نوفمبر الماضي حين كشف موقع «ويكيليكس» وثائق تطال الرئيس زين العابدين بن علي وحاول النظام حجبها عن الناس، فيما لجأ الشباب إلى الميديا الجديدة لإعادة نشرها.

          وتحدثت د. دينا مطر استاذة التواصل السياسي الدولي عن الإعلام والسياسة والمشاركة في العالم العربي.. «نقاش في المفاهيم»، مشيرة إلى أن «ويكيليكس» فتحت طريقة معينة للتفكير بتوفيرها معلومات عن طريقة تفكير السياسيين وطريقة تفكير الشعب، ولفتت إلى «المجال الاتصالي العام» وانتقال الاتصال والسياسة معًا إلى الشوارع الشعبية.

          أما المحاضر في جامعة قطر د.محجوب الزويري، فرفض فكرة أن تكون التكنولوجيات الاعلامية وراء الثورات أو حتى أن تكون «ويكيليكس» جزءا من التراكمات التي اشعلت الغضب في تونس أو مصر، بل شدد على مسألة «الوعي الجمعي المتحرّك» في تأكيد على إرادة شعوب «مثقفة ومنفتحة وموهوبة وكفؤة» في التعاطي مع هذا الفيض من المعلومات، بعد «فقدان الناس ثقتها بحكوماتها».

          ثم تحدثت د. نرمين السيد من جامعة يورك ببريطانيا عن: الإعلام الجديد وفرص التحوّل الديمقراطي في الأنظمة السلطوية «دراسة في رُؤى وممارسات الشباب الناشط سياسيًا بالتطبيق على مصر نموذجًا»، وقالت إنه يجب عدم المبالغة بدور الشبكات الاجتماعية في إشعال الثورة في مصر «لأننا لا يمكن ان نغفل ان 34% من المصريين هم من الأميين، كما ان الناشطين على موقع فيس بوك محدودون بالنسبة إلى الناس التي نزلت إلى ميدان التحرير»، مشيرة إلى ان «ربع مليون مصري انتسبوا إلى صفحة الديبلوماسي المصري محمد البرادعي الا انهم لا يمثلون 80 مليون مصري».

          ورغم إجماع أغلب الحاضرين على الأثر الإيجابي الذي حققته الوثائق المسرّبة عن العالم العربي، تحدّث الصحافي الأميركي غاريث بورتر عن صعوبة مساهمة ما نُشر في إحداث تغيير حقيقي، بسبب ارتباطه بأحداث سياسية وأمنية مضى عليها وقت، إلى جانب أداء وسائل الإعلام دورًا في التخفيف من تأثيرها على الرأي العام. واستشهد صاحب كتاب «مخاطر الهيمنة.. عدم توازن القوى والطريق نحو الحرب في فيتنام» (2005) بالوثائق التي نشرتها «نيويورك تايمز»، خصوصًا تلك المتعلقة بالحرب على العراق، والعلاقة مع إيران، إذ أكّد بورتر أنّ الصحيفة الأمريكية حوّرت بعض الوثائق وأخرجتها عن إطارها الحقيقي، مراعاةً للمصالح الأمريكية.

          ورأى بورتر ان الوثائق اشارت للدور المهدم لايران على اوربا والشرق الاوسط، مشيرا إلى كشف «ويكيليكس» لوثائق تؤكد تلقي ايران صواريخ من كوريا الشمالية.

          ومن الإعلام إلى التاريخ، حاول د.مسعود ضاهر أستاذ التاريخ بالجامعة اللبنانية تسليط الضوء على التغيير الذي أحدثه نشر الوثائق على مناهج كتابة التاريخ. كذلك تحدّث أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية، عن فتح «ويكيليكس» الباب أمام البحث التاريخي في العالم العربي، بعد الإفراج عن وثائق، كان يفترض أن تظلّ سرية، ولا يفرج عنها إلا بعد عقود طويلة. أما الباحث العراقي مؤيد الونداوي، فتحدّث عن أهمية هذه التسريبات بعيدًا عن عددها ومضمونها بالقول إنّ «ما يميز التسريبات هو أنّها تنقل الوقائع والأحداث التي جرت في لحظة معيّنة، وفي مكان معيّن، في إطار عدد مهمّ من دوائر الحكومة الأميركية والعديد من مؤسساتها السياسية والعسكرية وغيرها». إنها إذن اللحظة التاريخية التي كان من المفترض أن تبقى طيّ الكتمان وحبيسة أدراج الخارجية الأمريكية، لكن في خطوة غير متوقعة، جاء جوليان أسانج وجعل التاريخ ملكًا للرأي العام.

          واختتمت ندوة «المصدر المفتوح في عالم الانترنت والاوراق الديبلوماسية الأمريكية المسربة كمعطى» جلساتها البحثية بمعالجة محور «الأوراق الديبلوماسية الأمريكية والعالم العربي»، بدءا بالعراق وانتهاكات حقوق الانسان فيه الى الواقع والمآل في السودان، مرورا بأبعاد الصراع الفرنسي - الأمريكي حول المغرب العربي، وصولا إلى العلاقة الخليجية - الإيرانية ببعديها الأمني والاقتصادي.

          وفي توصيف بانورامي لتداعيات تسريبات موقع «ويكيليكس» على المنطقة والأنظمة السياسية، رأى منسق مركز «دراسات الشرق المعاصر» الجيوسياسية في جامعة «السوربون» بباريس حسن المصدق ورقته أن «الوثائق المسربة تطرح تداعيات تكنولوجيا الإعلام والتواصل على الرأي العام في الحصول على الخبر وتداوله ونشره بكل حرية، مما ينذر بتحولات إعلامية عميقة في صناعة الرأي العام وصياغته والتأثير فيه سلبا أو إيجابا، خصوصا في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي بعد تسريب هذا الكم الهائل من الوثائق من فئة «سري»، و«سري للغاية»، على العلاقات بين الدول من جهة وبين الديبلوماسيين من جهة أخرى، فهي بهذا المعنى بمنزلة حلم للمؤرخ والباحث، وكابوس بالنسبة للديبلوماسي».

          ثم تحدث محمد خليفة صديق عن: «السودان في وثائق ويكيليكس.. الواقع والمآل»، مشيرا إلى أن حالة تسريبات ويكيليكس تكاد تشكل ظاهرة إعلامية لها أبعاد ثقافية ومعرفية واجتماعية وسياسية وقانونية، رغم الخلاف حول أبعادها الأخلاقية، مشيرا إلى جملة من الآثار المتوقعة لتسريبات «ويكيليكس» .. منها ما سيصيب الأمريكان وتحديدًا الديبلوماسيين، حيث إن ما كانوا يحصلون عليه بالأمس من معلومات ميسورًا سيصبح أكثر صعوبةً، وسيكون الناس أكثر تحفظًا، وحذرًا في الحديث إليهم، مما سيصعب مهمتهم مستقبلًا.

          واختتمت النّدوة بجلسة موضوعُها «الأمن وحقوق الإنسان» كما ظهر في الأوراق الديبلوماسية المسرّبة، تكلّمت فيها د. فاطمة الصمادي عن «العالم العربي وإيران والخليج»، وتناول د. بوحنية قوي الأمن المعلوماتي وتحدّث كلّ من د.إزهار غرباوي من جامعة بغداد ود. عماد الشمري من جامعة المستنصرية عن الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان في العراق، وتكلّم د. شمامة خير الدّين من جامعة باتنة الجزائر عن «العداء الأمريكي للمحكمة الجنائيّة الدولية». وترأّست الجلسة د. هدى حوا الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

بيروت: محمد خليفة صديق

 

 





أحمد بهاء الدين





مدينة تلمسان





الشاعر اليمني عبدالعزيز الزراعي





د. عزمي بشارة