غَـربٌ مُـعَـوْلَـمٌ وشَـرقـان

غَـربٌ مُـعَـوْلَـمٌ وشَـرقـان

أثارت‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬الغرب‭ ‬غرب‭ ‬والشرق‭ ‬شرق‭ ‬ولن‭ ‬يلتقيا‮»‬‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬بسبب‭ ‬ضبابية‭ ‬المفهوم‭ ‬والمصطلح‭ ‬الجغرافي‭. ‬فأين‭ ‬تبدأ‭ ‬حدود‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬وأين‭ ‬تنتهي؟‭ ‬فالمسألة‭ ‬إيديولوجية‭ ‬بامتياز،‭ ‬وهي‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬التحديد‭ ‬الجغرافي‭ ‬والعلمي‭ ‬للواقع‭ ‬الملموس‭. ‬فالغرب‭ ‬ليس‭ ‬واحدا،‭ ‬كذلك‭ ‬الشرق‭. ‬لذلك‭ ‬كثرت‭ ‬التعميمات‭ ‬حول‭ ‬الغرب‭ ‬الأوربي،‭ ‬والغرب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والغرب‭ ‬الحضاري،‭ ‬والغرب‭ ‬الديمقراطي‭. ‬كذلك‭ ‬مصطلحات‭ ‬‮«‬الشرق‭ ‬الأدنى‮»‬،‭ ‬و«الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬و«الشرق‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬و«جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‮»‬،‭ ‬و«الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الكبير‮»‬،‭ ‬و«الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬وغيرها‭. ‬

تمحورت‭ ‬المفاهيم‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭ ‬المهيمن‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬النقاط‭ ‬التالية‭: ‬عصر‭ ‬الأنوار،‭ ‬الثورات‭ ‬التحررية،‭ ‬ثورات‭ ‬العلم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬ثورة‭ ‬الطباعة،‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬الإصلاح‭ ‬الديني،‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة،‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬العلمانية،‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬الحرية،‭ ‬العدالة،‭ ‬المساواة،‭ ‬الإخاء،‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬فصل‭ ‬السلطات‭ ‬وكثير‭ ‬غيرها‭.‬

بالمقابل،‭ ‬وحتى‭ ‬تحرر‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬قدم‭ ‬الغرب‭ ‬الغالب‭ ‬الشرق‭ ‬المهزوم‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بصورة‭ ‬دونية‭ ‬سماتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬مجتمع‭ ‬الحريم،‭ ‬والاستبداد‭ ‬الشرقي،‭ ‬ومجتمع‭ ‬الرقيق،‭ ‬والأسياد‭ ‬والعبيد،‭ ‬والهمجية‭ ‬الشرقية،‭ ‬والبرابرة،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الخامل،‭ ‬والعصبيات‭ ‬المتناحرة،‭ ‬والهويات‭ ‬القاتلة،‭ ‬والمجتمع‭ ‬القبلي،‭ ‬والتجمعات‭ ‬الطائفية،‭ ‬والنزاعات‭ ‬المذهبية،‭ ‬ومجتمعات‭ ‬جرائم‭ ‬الثأر،‭ ‬وجرائم‭ ‬الشرف،‭ ‬وكثير‭ ‬غيرها‭.‬

بعبارة‭ ‬موجزة،‭ ‬كانت‭ ‬الحرية‭ ‬بمنزلة‭ ‬امتياز‭ ‬حصري‭ ‬يعود‭ ‬للغرب‭ ‬وحده‭. ‬وأطلق‭ ‬أسطورة‭ ‬التفوق‭ ‬الثقافي‭ ‬الغربي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المساواة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعمادها‭ ‬الفرد‭ ‬الحر‭. ‬وهي‭ ‬سمات‭ ‬معدومة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬ومازالت‭ ‬تعتبر‭ ‬شرطا‭ ‬أساسيا‭ ‬لتحرره،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الغرب‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬عدة‭. ‬فالشرقيون‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬والمساواة،‭ ‬وأقصى‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬يطمحون‭ ‬إليه‭ ‬حاكم‭ ‬مستبد‭ ‬عادل،‭ ‬لكنه‭ ‬بقي‭ ‬حلما‭ ‬صعب‭ ‬المنال‭. ‬

مع‭ ‬كثرة‭ ‬الثورات‭ ‬التحررية‭ ‬والعلمية‭ ‬والصناعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والطلابية‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬بات‭ ‬مناخ‭ ‬الحرية‭ ‬هو‭ ‬السائد‭ ‬عبر‭ ‬مواطنين‭ ‬أحرار،‭ ‬ونظم‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تحصن‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬منعت‭ ‬الغرب‭ ‬طوال‭ ‬تاريخه‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬نظم‭ ‬دكتاتورية‭ ‬وفاشية‭ ‬ونازية‭ ‬إلا‭ ‬لفترات‭ ‬محدودة‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تخلص‭ ‬منها‭ ‬الغربيون‭ ‬بسرعة‭ ‬قياسية‭.‬

أما‭ ‬الاستبداد‭ ‬الشرقي‭ ‬فمازال‭ ‬مخيما‭ ‬فوق‭ ‬رءوس‭ ‬غالبية‭ ‬الشرقيين‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭. ‬ورغم‭ ‬دخول‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬والتغييرات‭ ‬الجذرية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬فإن‭ ‬انتفاضات‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬جاءت‭ ‬مخيبة‭ ‬لآمال‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬اليوم‭ ‬أنظمة‭ ‬تسلطية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬ظلامية‭ ‬عن‭ ‬أنظمة‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬ومحاكم‭ ‬التفتيش‭. ‬

وهي‭ ‬تصادر‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬والفردية،‭ ‬وتقمع‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬وتكفر‭ ‬صاحبه‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬قتله‭. ‬تمارس‭ ‬الاغتيال‭ ‬السياسي‭ ‬ضد‭ ‬قادة‭ ‬المعارضة،‭ ‬وتصدر‭ ‬فتاوى‭ ‬بقتلهم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس،‭ ‬وتمنع‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن‭. ‬امتد‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬ودول‭ ‬كثيرة‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬القارات‭ ‬الخمس‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬المعاصر‭ ‬شرقان‭: ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬مهزوم‭ ‬ومستكين‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬المنتصر‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬عدة،‭ ‬وشرق‭ ‬أقصى‭ ‬كان‭ ‬مهزوما‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬ثم‭ ‬استنهض‭ ‬قواه‭ ‬الذاتية،‭ ‬وكسر‭ ‬قيد‭ ‬التبعية،‭ ‬وبات‭ ‬ينافس‭ ‬الغرب‭ ‬بأسلحته‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭ ‬العصرية،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتطورة،‭ ‬والإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬الكثيف،‭ ‬والتوظيفات‭ ‬المالية‭ ‬الوافرة‭.‬

 

تشبه‭ ‬المغلوب‭ ‬بالغالب

مازال‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬يحتقر‭ ‬الشرق‭ ‬المهزوم‭ ‬الذي‭ ‬يلهث‭ ‬وراءه‭ ‬ماديا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬ويقلده‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وفق‭ ‬مقولة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬الشهيرة‭ ‬اتشبه‭ ‬المغلوب‭ ‬بالغالبب‭. ‬وما‭ ‬انفك‭ ‬يفرض‭ ‬عليه‭ ‬نظمه،‭ ‬وثقافته،‭ ‬ولغاته،‭ ‬وفنونه،‭ ‬وسلعه‭. ‬والشرق‭ ‬المهزوم‭ ‬منصاع‭ ‬بالكامل‭ ‬للغرب‭ ‬الكولونيالي،‭ ‬يقدم‭ ‬إليه‭ ‬النفط،‭ ‬والمعادن‭ ‬الثمينة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يجنيه‭ ‬من‭ ‬أموال،‭ ‬ويرسل‭ ‬نخبه‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬الغرب‭ ‬لتتربى‭ ‬على‭ ‬تقاليده،‭ ‬فيعود‭ ‬قسم‭ ‬منها‭ ‬ليمارس‭ ‬تغريبه‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشرقية‭ ‬المهمشة،‭ ‬والتي‭ ‬أسلست‭ ‬قيادها‭ ‬أخيرًا‭ ‬لقوى‭ ‬دكتاتورية‭ ‬وتيارات‭ ‬تكفيرية‭. ‬وأعربت‭ ‬القوى‭ ‬المتغربة‭ ‬عن‭ ‬قناعة‭ ‬واضحة‭ ‬بأن‭ ‬دورها‭ ‬تحديثي‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬لأنها‭ ‬تقوم‭ ‬بمهمة‭ ‬الغرب‭ ‬التمدينية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭. ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬مع‭ ‬هلينة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الإسكندر‭ ‬المقدوني‭. ‬وروّج‭ ‬مؤرخون‭ ‬غربيون‭ ‬لمقولة‭ ‬ابلاد‭ ‬اليونان‭ ‬المغلوبة‭ ‬غزت‭ ‬روما‭ ‬الغالبةب‭. ‬ودعت‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬بمهمة‭ ‬أوربا‭ ‬التمدينية‭ ‬لشعوب‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬صعود‭ ‬البورجوازيات‭ ‬الأوربية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬شعار‭ ‬تمدين‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية‭. ‬ووفق‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬يدرس‭ ‬العرب‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬فتحت‭ ‬باب‭ ‬التحديث‭ ‬أمام‭ ‬مصر‭ ‬وبلاد‭ ‬الشام‭. ‬وأن‭ ‬تقاسم‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬كان‭ ‬مدخلا‭ ‬لتقدمها‭ ‬الحضاري‭ ‬عبر‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الغرب‭ ‬وتقليد‭ ‬جميع‭ ‬أدواته،‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والممارسة‭. ‬أما‭ ‬الثقافات‭ ‬المحلية‭ ‬فإلى‭ ‬زوال‭ ‬أكيد‭ ‬لأن‭ ‬الشعوب‭ ‬المتخلفة‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬ثقافاتها‭ ‬المحلية،‭ ‬وعليها‭ ‬الاقتباس‭ ‬الكامل‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الغرب،‭ ‬وتعلم‭ ‬لغاته‭. ‬ورافق‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬ازدراء‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬وتشجيع‭ ‬للهجات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬تباعد‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭. ‬

تم‭ ‬تنصيب‭ ‬زعامات‭ ‬سياسية‭ ‬شرقية‭ ‬شديدة‭ ‬الارتباط‭ ‬التبعي‭ ‬بالغرب،‭ ‬وتنشيط‭ ‬مثقفين‭ ‬متغربين‭ ‬رفض‭ ‬بعضهم‭ ‬استخدام‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬الأونيسكو‭ ‬واعتمدتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وجميع‭ ‬مؤسساتها‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭.‬

بعد‭ ‬سقوط‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬ضغوط‭ ‬غربية‭ ‬استعمارية،‭ ‬استمر‭ ‬خلفاؤها‭ ‬من‭ ‬الأتراك‭ ‬والعرب‭ ‬على‭ ‬ولائهم‭ ‬التبعي‭ ‬للغرب‭ ‬الكولونيالي‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك،‭ ‬مؤسس‭ ‬الجمهورية‭ ‬التركية‭ ‬الحديثة‭ ‬للدولة‭ ‬العلمانية،‭ ‬فإن‭ ‬خلفاءه‭ ‬ارتدوا‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عاما،‭ ‬وتبنوا‭ ‬شعار‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬تبعيتها‭ ‬للغرب‭. ‬

وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬عقود‭ ‬عدة‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬السياسي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مازالت‭ ‬مقولات‭ ‬التقدم‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬والفلسفي‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬الغرب‭. ‬فالديمقراطية،‭ ‬والعلمانية،‭ ‬والعقلانية،‭ ‬والمواطنة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والمساواة،‭ ‬والحرية،‭ ‬وغيرها‭ ‬تصنف‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬كمفاهيم‭ ‬غربية‭ ‬لا‭ ‬يتقبلها‭ ‬المشرقيون‭. ‬وهي‭ ‬مفاهيم‭ ‬عصرية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشرقية‭ ‬المتخلفة‭ ‬تقبلها‭ ‬أو‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬بل‭ ‬الالتفاف‭ ‬عليها‭ ‬عبر‭ ‬مفاهيم‭ ‬ضبابية‭. ‬فالدولة‭ ‬العلمانية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬ممنوعة‭ ‬من‭ ‬التداول‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭. ‬لذلك‭ ‬تستبدل‭ ‬بمصطلح‭ ‬الدول‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬نقيض‭ ‬الدول‭ ‬العسكرية‭ ‬وليس‭ ‬الدينية،‭ ‬ودولة‭ ‬الشوراقراطية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬تقاليد‭ ‬البداوة‭ ‬والحداثة‭ ‬بصورة‭ ‬تلفيقية‭.‬

نتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬مازال‭ ‬الحوار‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬الأوربي‭ ‬ذ‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والشرق‭ ‬العربي‭ ‬ذ‭ ‬الإسلامي‭ ‬ذ‭ ‬التركي‭ ‬أسير‭ ‬حوار‭ ‬الغالب‭ ‬مع‭ ‬المغلوب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬مشروعا‭ ‬نهضويا‭ ‬حقيقيا‭ ‬هدفه‭ ‬الانفكاك‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬آسيوية‭ ‬أخرى‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هيمنة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الغربي‭ ‬تأسست‭ ‬تاريخيا‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الثروة‭ ‬في‭ ‬الشرقين‭ ‬الأدنى‭ ‬والأقصى‭ ‬وباقي‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭. ‬واستمر‭ ‬القمع‭ ‬المادي‭ ‬والرمزي‭ ‬فاعلا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬معضلة‭ ‬عالمية‭ ‬بسبب‭ ‬العلاقة‭ ‬الدونية‭ ‬بين‭ ‬غرب‭ ‬أوربي‭ ‬ذ‭ ‬أمريكيذ‭ ‬إسرائيلي‭ ‬مسيطر،‭ ‬وشرق‭ ‬عربي‭- ‬إسلامي‭ ‬خاضع‭ ‬لتبعية‭ ‬مزمنة‭ ‬للغرب‭ ‬الكولونيالي‭. ‬أما‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬فقد‭ ‬تمرد‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬وبات‭ ‬ينافسه‭ ‬بأسلحته‭ ‬الحديثة‭ ‬وتقنياته‭ ‬المتطورة،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬إلى‭ ‬قرن‭ ‬آسيوي‭ ‬بامتياز‭.‬

لقد‭ ‬توهم‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬بداية‭ ‬التاريخ‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬لكنه‭ ‬ارتحل‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭. ‬فكانت‭ ‬آسيا‭ ‬بداية‭ ‬التاريخ‭ ‬والغرب‭ ‬الأوربي‭ ‬ذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬نهايته‭. ‬وتوهم‭ ‬فوكوياما‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬باتت‭ ‬حقيقة‭ ‬راسخة‭ ‬مع‭ ‬هيمنة‭ ‬القطب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأوحد‭ ‬بصورة‭ ‬دائمة‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

وأعقبه‭ ‬هانتجتون‭ ‬بمقولة‭ ‬صراع‭ ‬الحضارات‭ ‬بين‭ ‬غرب‭ ‬أطلق‭ ‬ثورات‭ ‬الحرية،‭ ‬والتقدم،‭ ‬والعلم،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬مع‭ ‬حضارات‭ ‬شرق‭ ‬مرتاح‭ ‬لتخلفه‭ ‬ويعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬رقصة‭ ‬الدم‭ ‬عبر‭ ‬أسر‭ ‬حاكمة،‭ ‬ودكتاتوريات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وأنظمة‭ ‬استبدادية،‭ ‬وتقسيمات‭ ‬قبلية‭ ‬وعشائرية‭ ‬وطائفية‭ ‬ومذهبية‭ ‬متنوعة‭.‬

عندما‭ ‬خرج‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬اليابان‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬ودول‭ ‬النمور‭ ‬الآسيوية،‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬التخلف‭ ‬والتبعية،‭ ‬ارتبكت‭ ‬مسيرة‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حاول‭ - ‬دون‭ ‬نجاح‭ - ‬طمس‭ ‬التمايز‭ ‬بين‭ ‬حداثته‭ ‬وحداثة‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭. ‬وفشل‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬مقولته‭ ‬بأن‭ ‬حداثة‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬مجرد‭ ‬تقليد‭ ‬لحضارته‭. ‬كما‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الدقيق‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اندفع‭ ‬بقوة‭ ‬نحو‭ ‬حضارة‭ ‬مادية‭ ‬تبرر‭ ‬جميع‭ ‬أدوات‭ ‬القمع‭ ‬والسيطرة‭ ‬والاستغلال‭ ‬الهمجي‭. ‬

بالمقابل،‭ ‬اعتمدت‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭. ‬فصعدت‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الثانية‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2011،‭ ‬وتراجعت‭ ‬اليابان‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬وبقيت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2012،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية،‭ ‬حيث‭ ‬باعت‭ ‬أسلحة‭ ‬بقيمة‭ ‬66‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬وبنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬75‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تحتل‭ ‬الصين‭ ‬واليابان‭ ‬والهند‭ ‬مواقعها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭.‬

 

أسطورة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية

مع‭ ‬انكشاف‭ ‬أسطورة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية،‭ ‬بات‭ ‬الاستبداد‭ ‬الشرقي‭ ‬أمام‭ ‬منعطف‭ ‬خطر‭ ‬بعد‭ ‬انفجار‭ ‬الانتفاضات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭. ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬ربيعًا‭ ‬عربيًا‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬باعتبارها‭ ‬صنيعة‭ ‬االفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬الأمريكيةب،‭ ‬بل‭ ‬انتفاضات‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الحرية،‭ ‬والمواطنة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬مصادرتها‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أنظمة‭ ‬قمعية‭ ‬أنشأها‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬ومازال‭ ‬يحميها‭ ‬بشراسة‭. ‬وهي‭ ‬أنظمة‭ ‬تقمع‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬معا،‭ ‬كما‭ ‬تقمع‭ ‬قوى‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني،‭ ‬وتبدد‭ ‬ثروات‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وتذعن‭ ‬للاستيطان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وتعلق‭ ‬آمالا‭ ‬زائفة‭ ‬على‭ ‬مفاوضات‭ ‬سلام‭ ‬لم‭ ‬تنتج‭ ‬سوى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬خيبات‭ ‬الأمل‭.‬

والمشروع‭ ‬الغربي‭ ‬للعرب‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكية‭ ‬ذ‭ ‬إسرائيلية‭ ‬وبمباركة‭ ‬أوربية‭. ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬السيد‭ ‬الغربي‭ ‬لشعوب‭ ‬عربية‭ ‬مازالت‭ ‬تنتظر‭ ‬المستبد‭ ‬العادل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬مستبد‭ ‬شرس‭ ‬يمده‭ ‬الغرب‭ ‬بأدوات‭ ‬القمع‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬شعبه‭ ‬وإخضاعه‭ ‬للغرب‭. ‬فانتفض‭ ‬شباب‭ ‬العرب‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لفك‭ ‬قيود‭ ‬التبعية‭ ‬للغرب،‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬أسسس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تجعل‭ ‬الشعب‭ ‬مصدرا‭ ‬لجميع‭ ‬السلطات‭.‬

نخلص‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المسار‭ ‬التاريخي‭ ‬لعلاقة‭ ‬الغرب‭ ‬بالشرق‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬مسارين‭ ‬مختلفين‭ ‬تماما‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الحديث‭ ‬ممكنا‭ ‬عن‭ ‬غرب‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬شرق‭ ‬واحد‭. ‬فهناك‭ ‬غرب‭ ‬معولم‭ ‬ومتعدد‭ ‬وشرقان‭ ‬متمايزان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭. ‬

فالغرب‭ ‬الأوربي‭ ‬امتد‭ ‬بعيدا‭ ‬خارج‭ ‬القارة‭ ‬الأوربية‭ ‬كلها،‭ ‬وأعطى‭ ‬سماته‭ ‬لدول‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وإلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تصنف‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الغرب‭ ‬رغم‭ ‬وقوعها‭ ‬خارج‭ ‬القارة‭ ‬الأوربية‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مصطلح‭ ‬الغرب‭ ‬يعبر‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬مساحة‭ ‬جغرافية‭ ‬في‭ ‬غربي‭ ‬القارة‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منها‭ ‬مصادر‭ ‬قوته،‭ ‬بل‭ ‬أعطى‭ ‬سماته‭ ‬لمناطق‭ ‬جغرافية‭ ‬أخرى‭ ‬تنسب‭ ‬حاليا‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭. ‬فباتت‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بكاملها‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬إحدى‭ ‬قلاع‭ ‬الغرب‭. ‬كما‭ ‬تحسب‭ ‬اليابان‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬نهضتها‭ ‬الأولى‭. ‬ولا‭ ‬يتورع‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬نهضة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الانفتاح‭ ‬والإصلاح‭ ‬بأنها‭ ‬شجعت‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية‭ ‬وتخلت‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الموجه‭ ‬لبناء‭ ‬اشتراكية‭ ‬بخصائص‭ ‬صينية‭. ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬القيادة‭ ‬الصينية‭ ‬إقامة‭ ‬حداثة‭ ‬بنظامين‭: ‬ليبرالية‭ ‬رأسمالية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬واشتراكية‭ ‬مركزية‭ ‬وليس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬غربية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭.‬

لم‭ ‬تتجاهل‭ ‬الصين‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬متناغم‭ ‬ومنسجم‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬تبنت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كنظام‭ ‬وحيد‭ ‬قابل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المستدامة‭. ‬لكن‭ ‬القيادة‭ ‬الصينية‭ ‬ترفض‭ ‬توصيف‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بأنها‭ ‬غربية‭ ‬المنشأ،‭ ‬وأن‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭ ‬ملزمة‭ ‬بتقليد‭ ‬نسختها‭ ‬الغربية‭. ‬فالديمقراطية‭ ‬إنسانية‭ ‬الطابع‭ ‬وعالمية‭ ‬الانتشار‭ ‬لأنها‭ ‬تقول‭ ‬بحكم‭ ‬الشعب‭ ‬للشعب‭ ‬وبالشعب‭ ‬نفسه‭. ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬سلعة‭ ‬ثقافية‭ ‬قابلة‭ ‬للتصدير‭ ‬بل‭ ‬نتاج‭ ‬نضج‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬المحلية،‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬نضالات‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬عبر‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ديمقراطية‭ ‬سليمة‭ ‬وليس‭ ‬الاقتباس‭ ‬السهل‭ ‬لمقولات‭ ‬نظرية‭ ‬عن‭ ‬ديمقراطيات‭ ‬شعوب‭ ‬أخرى‭ ‬تزرع‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬لنموها‭. ‬

هكذ‭ ‬أصبح‭ ‬الشرق‭ ‬شرقين‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭. ‬واختط‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬ثم‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬ودول‭ ‬النمور‭ ‬الآسيوية،‭ ‬مسارا‭ ‬تاريخيا‭ ‬مغايرا‭ ‬لمسار‭ ‬الغرب‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬استعباد‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬واستغلال‭ ‬ثرواتها‭ ‬وقمع‭ ‬قواها‭ ‬التحررية‭. ‬وتقبلت‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بصفتها‭ ‬الشكل‭ ‬الأرقى‭ ‬للأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬الملائمة‭ ‬لعصر‭ ‬العولمة‭. ‬لكنها‭ ‬رفضت‭ ‬مبدأ‭ ‬استيراد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬القبول‭ ‬بمقولة‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الغرب‭. ‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الغرب‭ ‬التي‭ ‬دامت‭ ‬عقودا‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬نبهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬المتمادي‭ ‬في‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ليس‭ ‬داعية‭ ‬سلام‭ ‬بل‭ ‬صاحب‭ ‬مشروع‭ ‬للهيمنة،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬القوى‭ ‬المعارضة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الكوني‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬العسكرية‭ ‬وحدها‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬والمحرك‭ ‬المعرفي‭. ‬فلغة‭ ‬الغرب‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬التجارة‭ ‬والمعرفة‭ ‬معا،‭ ‬ومصادر‭ ‬قوته‭ ‬متنوعة‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الكوني‭. ‬ومازال‭ ‬قرار‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬الفاعل‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭. ‬ولديه‭ ‬استراتيجية‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحه‭ ‬الواسعة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مديح‭ ‬الحرية‭ ‬الفردية،‭ ‬والتفوق‭ ‬العلمي‭ ‬والتقني،‭ ‬والحضور‭ ‬الثقافي،‭ ‬والإعلام‭ ‬القوي‭ ‬والفاعل،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

 

الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬يواجه‭ ‬الغرب‭ ‬بالحداثة

واستوعبت‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬وشعوبها‭ ‬استراتيجية‭ ‬الغرب‭ ‬المعولم‭ ‬فقررت‭ ‬مواجهته‭ ‬بأسلحته‭ ‬الحداثية‭ ‬بالذات،‭ ‬وعلى‭ ‬مختلف‭ ‬الصعد‭. ‬وتحررت‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬التبعية‭ ‬للغرب،‭ ‬وأقامت‭ ‬تجارب‭ ‬تحديث‭ ‬ناجحة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اكتساب‭ ‬العلوم‭ ‬العصرية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬وتوطينها‭ ‬والإبداع‭ ‬فيها‭. ‬وتجاوزت‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحداثة‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬بقيت‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬أو‭ ‬الأوسط‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أسيرة‭ ‬التبعية‭ ‬للغرب،‭ ‬وعاجزة‭ ‬عن‭ ‬فك‭ ‬التبعية‭ ‬عنه‭ ‬وبناء‭ ‬حداثة‭ ‬ناجحة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬العولمة‭. ‬

لذلك‭ ‬احتل‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬مرايا‭ ‬الغرب‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬المتقابلة‭ ‬المكانة‭ ‬الأبرز‭. ‬بالمقابل،‭ ‬احتفظ‭ ‬الغرب‭ ‬لنفسه‭ ‬بصورة‭ ‬ممسوخة‭ ‬ومشوهة‭ ‬عمدا‭ ‬لشعوب‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لكثرة‭ ‬ما‭ ‬تضمنت‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬المركزية‭ ‬الأوربية‭ ‬الاستعلائية‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تروج‭ ‬لمقولة‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬والعلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والإبداع‭ ‬هي‭ ‬لشعوب‭ ‬الغرب،‭ ‬وأن‭ ‬الخمول‭ ‬والكسل‭ ‬والاسترخاء‭ ‬والقدرية‭ ‬والاستبداد‭ ‬هي‭ ‬لشعوب‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬الأوربي‭ ‬حين‭ ‬بدأ‭ ‬نهضته‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الأنوار،‭ ‬بادر‭ ‬إلى‭ ‬توصيف‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بنعوت‭ ‬جميلة‭. ‬فتغزل‭ ‬مثقفوه‭ ‬وشعراؤه‭ ‬بسحر‭ ‬الشرق،‭ ‬ومجتمع‭ ‬الحريم،‭ ‬وقصص‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭. ‬ولفرط‭ ‬ما‭ ‬استهلك‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الخمول‭ ‬والكسل‭ ‬بات‭ ‬خارج‭ ‬المعاصرة‭. ‬عندئذ،‭ ‬بدأ‭ ‬الغرب‭ ‬هجوما‭ ‬كاسحا‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬القريب‭ ‬منه‭ ‬لمنعه‭ ‬من‭ ‬تجديد‭ ‬نفسه‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬ظلمة‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭. ‬وفرض‭ ‬عليه‭ ‬اقتباس‭ ‬نظم‭ ‬سياسية‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الغرب‭. ‬وساعده‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬تربوية‭ ‬وإدارية‭ ‬وعسكرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬تخضع‭ ‬لحاكم‭ ‬مستبد‭ ‬يعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬حاميا‭ ‬للدين‭ ‬والدنيا‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬ثقافي‭ ‬وسياسي‭ ‬مخالف‭ ‬تماما‭ ‬لقيم‭ ‬الدين‭ ‬ومتطلبات‭ ‬السياسة‭. ‬وتجاهل‭ ‬الغرب‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬المتنورة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭. ‬ووقف‭ ‬يتفرج‭ ‬على‭ ‬مأساة‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬قسطا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الغرب،‭ ‬لكنها‭ ‬ضربت‭ ‬بعنف‭ ‬في‭ ‬دولها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نظم‭ ‬استبدادية‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭. ‬ويطرح‭ ‬صعود‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬تساؤلات‭ ‬منهجية‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬مكانها‭ ‬الطبيعي‭.‬فما‭ ‬هي‭ ‬حدود‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬الجغرافية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة؟‭ ‬وكيف‭ ‬قدر‭ ‬للشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متخلفا‭ ‬طوال‭ ‬عقود‭ ‬عدة‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬قصيرة‭ ‬أعقبت‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬بقي‭ ‬الشرق‭ ‬أسير‭ ‬أديانه‭ ‬وطوائفه‭ ‬ومذاهبه‭ ‬وعصبياته‭ ‬القبلية؟‭ ‬ومن‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إبقائه‭ ‬على‭ ‬تخلفه‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬رغبة‭ ‬ملحة‭ ‬لدى‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬من‭ ‬المتنورين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬علومهم‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬الغرب‭ ‬وجامعاته؟‭ ‬ولماذا‭ ‬أصدر‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الحكم‭ ‬بالتخلف‭ ‬الدائم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬خلاص‭ ‬منه؟

لابد‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬تعرية‭ ‬المقولات‭ ‬السائدة‭ ‬حول‭ ‬ثنائية‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬اللذين‭ ‬يتقابلان‭ ‬ولا‭ ‬يلتقيان‭. ‬وذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬كشف‭ ‬زيف‭ ‬المقولات‭ ‬الاستشراقية‭ ‬التي‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬توصيف‭ ‬سلبيات‭ ‬شعوب‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬المتخلف‭ ‬لتحيلها‭ ‬إلى‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬المناعية‭ ‬البيولوجية‭ ‬لدى‭ ‬شعوب‭ ‬باتت‭ ‬تتقبل‭ ‬الاستعمار‭ ‬كأمر‭ ‬واقع‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لديها‭ ‬قابلية‭ ‬فطرية‭ ‬للاستعمار‭ ‬وفق‭ ‬مقولة‭ ‬المفكر‭ ‬الجزائري‭ ‬مالك‭ ‬بن‭ ‬نبي‭.. ‬فقد‭ ‬أثبتت‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬بأنظمتها‭ ‬السياسية‭ ‬وقدرات‭ ‬شعوبها،‭ ‬أن‭ ‬تغيير‭ ‬البنى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬مشروع‭ ‬نهضوي‭ ‬يعيد‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭ ‬موقعها‭ ‬المتقدم‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العالمي‭. ‬فالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬المهزوم‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬مطالب‭ ‬أولا‭ ‬بفك‭ ‬التبعية‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬وأن‭ ‬تتولد‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬لدى‭ ‬قياداته‭ ‬ومثقفيه‭ ‬وشعوبه‭ ‬بأن‭ ‬التقدم‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬دون‭ ‬سواه‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬تشاركه‭ ‬فيه‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬باتت‭ ‬فاعلة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العالمي‭. ‬وأن‭ ‬الثورات‭ ‬التحررية،‭ ‬والعقلانية،‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬والعلمانية،‭ ‬والمواطنة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والمساواة،‭ ‬والحرية،‭ ‬والإخاء‭ ‬وغيرها‭ ‬هي‭ ‬مفاهيم‭ ‬عالمية‭ ‬وليست‭ ‬غربية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬انتفاضات‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬مستمرة‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تواجه‭ ‬اليوم‭ ‬ردة‭ ‬رجعية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬ظلامية‭ ‬عن‭ ‬أنظمة‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬ومحاكم‭ ‬التفتيش‭. ‬وهي‭ ‬ترفض‭ ‬الخضوع‭ ‬القسري‭ ‬لقوى‭ ‬دينية‭ ‬أصولية‭ ‬تحلم‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬الذهبي،‭ ‬وتدير‭ ‬ظهرها‭ ‬إلى‭ ‬التبدلات‭ ‬المتسارعة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الكوني‭ ‬وآفاقها‭ ‬المستقبلية‭. ‬

ختاما،‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬شرقان‭: ‬شرق‭ ‬أقصى‭ ‬متحفز‭ ‬لقيادة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬وشرق‭ ‬أوسط‭ ‬عربي‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬تبعيته‭ ‬للغرب‭. ‬وبات‭ ‬الاستبداد‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أمام‭ ‬منعطف‭ ‬خطر‭ ‬بعد‭ ‬انفجار‭ ‬الانتفاضات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬انتفاضات‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحرية،‭ ‬والمواطنة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭. ‬فغالبية‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬الاهتراء‭ ‬السياسي،‭ ‬والفساد‭ ‬المالي‭. ‬ويتحمل‭ ‬الغرب‭ ‬مسئولية‭ ‬إنسانية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬مباشرة‭ ‬لأنه‭ ‬مازال‭ ‬يستغل‭ ‬تفوقه‭ ‬لتأبيد‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬لإنقاذها‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هيمنته‭ ‬أصبحت‭ ‬الحروب‭ ‬المتنقلة‭ ‬من‭ ‬ثوابت‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭. ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬النزعة‭ ‬التسلطية‭ ‬الغربية‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2008،‭ ‬والتي‭ ‬تهدد‭ ‬بإفلاسات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬منافسة‭ ‬الدول‭ ‬الصاعدة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭. ‬فهل‭ ‬تنتهز‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬المتاحة‭ ‬للتحرر‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬للغرب‭ ‬وإقامة‭ ‬تحالف‭ ‬استراتيجي‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬لإطلاق‭ ‬عولمة‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانية؟‭ .