طهران ثقافةُ الشهداء.. أو حضارةُ الأحياء؟

طهران ثقافةُ الشهداء.. أو حضارةُ الأحياء؟

من‭ ‬فوق‭ ‬قمة‭ ‬برج‭ (‬ميلاد‭) ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإيرانية‭ ‬طهران،‭ ‬كنتُ‭ ‬أقلب‭ ‬البصر‭ ‬بين‭ ‬معالم‭ ‬المدينة‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يكشف‭ ‬لك‭ ‬عن‭ ‬اختلاف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المسافة‭ ‬الشاهقة‭ ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬185‭ ‬مترًا‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬لك‭ ‬أسرار،‭ ‬ولا‭ ‬تبين‭ ‬لك‭ ‬خفايا‭. ‬تبدو‭ ‬المدينة‭ ‬شبيهة‭ ‬بكل‭ ‬المدن،‭ ‬لها‭ ‬دروبها‭ ‬المشجَّرة،‭ ‬ومعالمها‭ ‬الآسرة،‭ ‬وجغرافيتها‭ ‬النافرة،‭ ‬يحدها‭ ‬جبل‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬وتميزها‭ ‬هضاب‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬البصر،‭ ‬وتضع‭ ‬علاماتها‭ ‬شواهق‭ ‬معمارية‭ ‬عملاقة‭ ‬تظهر‭ ‬نادرا‭. ‬بيوت‭ ‬واحدها‭ ‬مثل‭ ‬مكعب‭ ‬الأسمنت،‭ ‬ومساحات‭ ‬خضراء‭ ‬مفردها‭ ‬مثل‭ ‬بساط‭ ‬الريح‭. ‬مبان‭ ‬بيضاء،‭ ‬ومساجد‭ ‬مزخرفة‭. ‬حتى‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬البلد‭ ‬الذين‭ ‬صعدوا‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬لمشاهدة‭ ‬حاضرتهم،‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬مثلهم‭ ‬بابتساماتهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬وزمان،‭ ‬وبينهم‭ ‬أجانب‭ ‬ـ‭ ‬مثلنا‭ ‬ـ‭ ‬يزورون‭ ‬تلك‭ ‬التحفة‭ ‬المعمارية‭ ‬العصرية‭ ‬الأنيقة‭ ‬التي‭ ‬تسجل‭ ‬جدرانها‭ ‬رموز‭ ‬وعلامات‭ ‬الحضارة‭ ‬الفارسية‭. ‬

قلتُ‭ ‬لنفسي‭ ‬إن‭ ‬اختلافًا‭ ‬تبحث‭ ‬عنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬البرج،‭ ‬ولن‭ ‬يسكن‭ ‬قرب‭ ‬السحاب،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تنزل‭ ‬إلى‭ ‬الشارع،‭ ‬أن‭ ‬تتجول‭ ‬بين‭ ‬العمائر‭ ‬والبساتين،‭ ‬أن‭ ‬تتأمل‭ ‬الوجوه،‭ ‬في‭ ‬الخلاء‭ ‬والزحام،‭ ‬أن‭ ‬تقارب‭ ‬بين‭ ‬الليل‭ ‬والنهار،‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستشهاد‭ ‬والشهداء،‭ ‬وتتأمل‭ ‬حضارة‭ ‬الأحياء،‭ ‬أن‭ ‬تتنقل‭  ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قصر‭ ‬الشاه،‭ ‬وبيت‭ ‬الإمام،‭ ‬أن‭ ‬تستكين‭ ‬لدليلك‭ ‬وهو‭ ‬يقودك،‭ ‬أو‭ ‬تهرب‭ ‬منه‭ ‬حينا‭ ‬لترى‭ ‬ما‭ ‬يفاجئك،‭ ‬أن‭ ‬تستمع‭ ‬بعينيك،‭ ‬وأن‭ ‬ترى‭ ‬بأذنيك،‭ ‬وأن‭ ‬تتذوق‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬خاصة‭ ‬حتى‭ ‬وأنت‭ ‬تلتهم‭ ‬طعامًا‭ ‬اشتهر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وقد‭ ‬دخلت‭ ‬مطاعم‭ ‬تكنى‭ ‬باسم‭ (‬الإيراني‭) ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬كوريا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬هنا،‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬لاشك،‭ ‬مختلف‭. ‬انزل‭ ‬من‭ ‬برجك‭ ‬لتقرأ‭ ‬الائتلاف‭ ‬والاختلاف؛‭ ‬أهلا‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬طهران‭. ‬

صالة‭ ‬التشريفات

كل‭ ‬ضيفٍ‭ ‬قادم‭ ‬كان‭ ‬يُمسكُ‭ ‬جواز‭ ‬سفره‭ ‬كأنه‭ ‬جزء‭ ‬منه،‭ ‬لكننا‭ ‬جميعًا‭ ‬حين‭ ‬رأينا‭ ‬ابتسامة‭ ‬مضيفينا‭ ‬الواسعة‭ ‬رضخنا‭ ‬وسلمنا‭ ‬الوثيقة‭ ‬الأهم‭ ‬بيسر‭ ‬إلى‭ ‬موظفي‭ ‬الجوازات،‭ ‬وانتظرنا‭ ‬كوفد‭  ‬رسمي‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬التشريفات‭ ‬لكبار‭ ‬الزوار‭. ‬بقينا‭ ‬فترة‭ ‬تكاد‭ ‬تماثل‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬قطعنا‭ ‬بها‭ ‬مسافة‭ ‬السفر‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬وطهران‭ (‬778 ‭ ‬كلم‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬عادت‭ ‬إلينا‭ ‬وثائقنا‭ ‬مصحوبة‭ ‬ببطاقات‭ ‬تعريف،‭ ‬وهي‭ ‬البطاقات‭ ‬التي‭ ‬سنعيدها‭ ‬لأصحابها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الرحلة،‭ ‬تحمل‭ ‬صورنا،‭ ‬والمدة‭ ‬التي‭ ‬قضيناها،‭ ‬وبياناتنا‭ ‬باللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬لتضاف‭ ‬إلى‭ ‬وثائق‭ ‬في‭ ‬بلدٍ‭ ‬يهتم‭ ‬كثيرا‭ ‬بالتدوين‭ ‬والتوثيق،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ساد‭ ‬وباد،‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قائم‭ ‬دائم‭. ‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬تذكاراتٍ‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬بطاقة‭ ‬السماح‭ ‬بالزيارة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬جمعنا‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬زياراتٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬لمؤتمرات‭ ‬دولية،‭ ‬لكنها‭ ‬هنا،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ترجماننا‭ ‬حسين،‭ ‬عهدة‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتسلمها‭ ‬منا‭. ‬أخبرنا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬السفر،‭ ‬ومنا‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬دفسها‭ ‬في‭ ‬مخبأ،‭ ‬استعادها‭ ‬منه،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬التقط‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬طهران،‭ ‬تذكارًا‭ ‬ما،‭ ‬بين‭ ‬صورة‭ ‬وكتاب،‭ ‬من‭ ‬العسل‭ ‬إلى‭ ‬المكسرات،‭ ‬مما‭ ‬صنع‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬من‭ ‬المعدن‭ ‬والخشب،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭.‬

في‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬المطار‭ ‬وقلب‭ ‬المدينة‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬مقر‭ ‬الإقامة‭ ‬ذو‭ ‬الخمسة‭ ‬نجوم،‭ ‬كنت‭ ‬أتأمل‭ ‬أمرين‭ ‬أدهشاني‭ ‬كثيرًا‭. ‬

الأول‭ ‬أنني‭ ‬أنا‭ ‬المهتم‭ ‬بطريق‭ ‬الحرير،‭ ‬الذي‭ ‬تمثل‭ ‬طهران‭ ‬إحدى‭ ‬محطاته،‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬للعمارة‭ ‬الفارسية‭ ‬طابعًا‭ ‬رائعا،‭ ‬رأيته‭ ‬في‭ ‬شواهد‭ ‬مصورة‭ ‬وثائقية‭ ‬كثيرة،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أجده‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬واجهات‭ ‬البيوت،‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬لي‭ ‬عادية،‭ ‬كأنها‭ ‬ترتدي‭ ‬معطفا‭ ‬شحيح‭ ‬الزخرف‭. ‬الشرفات‭ ‬نادرة،‭ ‬وليست‭ ‬النوافذ‭ ‬كما‭ ‬تخيلتها،‭ ‬فهي‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬تصميمها‭. ‬سألت‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬دهشتها‭: ‬وهل‭ ‬كنت‭ ‬تتوقع‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬قصورًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬درب؟‭ ‬أما‭ ‬اللوحات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬بالجدران‭ ‬فهي‭ ‬للأئمة‭ ‬والشهداء،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يذكِّرون‭ ‬الجميع‭ ‬بأسمائهم‭ ‬ومقولاتهم‭ ‬التي‭ ‬تذيل‭ ‬صورهم‭ ‬المرسومة‭ ‬بتلك‭ ‬الجداريات،‭ ‬وأغلبها‭ ‬مقولات‭ ‬تندد‭ ‬بعدو‭ ‬البلاد‭ ‬الأول‭. ‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬الثانــــــي‭ ‬الأكثر‭ ‬إدهاشا‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬ابتسامات‭ ‬عـــــلى‭ ‬وجوه‭ ‬المــــــارة‭ ‬والمـــارات‭ ‬فلـــــم‭ ‬أجد‭! ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬صـــــباح‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬وجه‭ ‬العمل،‭ ‬صارم،‭ ‬جاد،‭ ‬بل‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬متجهمًا‭. ‬كانت‭ ‬الحافلة‭ ‬التي‭ ‬تقلـــــنا‭ ‬يتعــــدد‭ ‬وقوفها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلنا‭ ‬قلب‭ ‬المدينة،‭ ‬فبدا‭ ‬الزحام‭ ‬مشابها‭ ‬لمدن‭ ‬كثيرة‭ ‬السكان‭ ‬كالقاهرة،‭ ‬ولم‭ ‬لا،‭ ‬وسكان‭ ‬طهران‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬ملايين‭ ‬و400‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭. ‬

لمتُ‭ ‬نفسي،‭ ‬لأن‭ ‬التوجس‭ ‬وحده‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬عيني‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬نقائص،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ابتسامات‭ ‬قادمة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شواهد‭ ‬معمارية‭ ‬باذخة‭ ‬آتية،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬بلد‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬ستعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬أردتُ‭ ‬وتمنيتُ،‭ ‬حين‭ ‬تأملتُ‭ ‬الفعالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سببا‭ ‬وراء‭ ‬دعوتي‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬طهران؛‭ ‬معرض‭ ‬طهران‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭.‬

طهران‭ ‬تقرأ‭ ‬وتكتب‭ ‬وتترجم

تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬معرض‭ ‬طهران‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬لافتات‭ ‬عملاقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬تحمل‭ ‬التصميم‭ ‬الموجز‭ ‬له‭ ‬والشعار‭ ‬المعبر‭ ‬عنه‭ ‬االكتاب‭.. ‬ينبوع‭ ‬المعرفة‭ ‬الفياضب،‭ ‬ويرشدك‭ ‬تواتر‭ ‬ظهور‭ ‬الإشارات‭ ‬واللافتات‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الفعالية،‭ ‬وقوة‭ ‬تأثيرها،‭ ‬ومدى‭ ‬الحراك‭ ‬الذي‭ ‬تفعله،‭ ‬وانخراط‭ ‬أكبر‭ ‬الرموز‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬هيكلة‭ ‬الحدث،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬الأهداف‭ ‬لإقامة‭ ‬المعرض‭ ‬هو‭ ‬اترويج‭ ‬ثقافة‭ ‬قراءة‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬إرشادات‭ ‬سماحة‭ ‬قائد‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلاميةب‭. ‬

عند‭ ‬البوابات‭ ‬بدا‭ ‬زحام‭ ‬كيوم‭ ‬الحشر‭. ‬على‭ ‬البوابات‭ ‬والجداريات‭ ‬لوحات‭ ‬مرسومة‭ ‬كبيرة‭ ‬لشهداء‭ ‬وأئمة‭. ‬ستمر‭ ‬بجدارية‭ ‬للجندي‭ ‬المصري‭ ‬سليمان‭ ‬خاطر‭ ‬على‭ ‬بوابة‭ ‬المعرض،‭ ‬مرة‭ ‬بمفرده،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬أقران‭ ‬له‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الملايين‭ ‬التي‭ ‬تؤم‭ ‬المعرض،‭ ‬ستستدعي‭ ‬سيرة‭ ‬الجندي‭ ‬الشهيد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬الشهداء‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬كل‭ ‬درب‭ ‬تسلكه‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المعرض‭ ‬مقام‭ ‬على‭ ‬ملاحق‭ ‬مصلى‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬طور‭ ‬الإنشاء‭. ‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الأرقام‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬فلنتركها‭ ‬توجز‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬معرض‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬ناشرون‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬80‭ ‬دولة،‭ ‬بزيادة‭ ‬15‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬يتوزعون‭ ‬على‭ ‬قسمين؛‭ ‬الفارسي‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2500‭ ‬ناشر‭ ‬إيراني‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬80‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع،‭ ‬والدولي‭ ‬للناشرين‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع،‭ ‬والزوار‭ ‬الذين‭ ‬يتراوح‭ ‬عددهم‭ ‬يوميًّا‭ ‬بين‭  ‬500‭ ‬و600‭ ‬ألف‭ ‬زائر‭ ‬لا‭ ‬يمرون‭ ‬بين‭ ‬قاعات‭ ‬الكتب‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬يختلفون‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تقام‭ ‬200‭ ‬فعالية‭ ‬ثقافية‭ ‬علمية‭ ‬وثقافية‭ ‬موازية‭ ‬للمعرض‭. ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الناشرين‭ ‬العرب‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬1600‭ ‬ناشر‭ ‬عربي‭ (‬أو‭ ‬وكلاء‭ ‬لهم‭) ‬بما‭ ‬يمثل‭ ‬نحو‭ ‬45‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬القسم‭ ‬الدولي‭. ‬استمعنا‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مسئول‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬المعرض،‭ ‬حول‭ ‬خلاصات‭ ‬الأرقام،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬لوائح‭ ‬معرض‭ ‬طهران‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬أعدت‭ ‬بعد‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬45‭ ‬معرضاً‭ ‬دوليا،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬معرض‭ ‬الكويت‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب،‭ ‬روعي‭ ‬فيها‭ ‬بالدرجة‭ ‬الألى‭ ‬رقابيا‭ ‬ألا‭ ‬تخالف‭ ‬المطبوعات‭ ‬القيم‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وألا‭ ‬تثير‭ ‬الفتنة‭ ‬الطائفية‭ ‬أو‭ ‬النزاعات‭ ‬القومية،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬تجاوزات‭ ‬مع‭ ‬مشاركة‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬عنوان‭ (‬لجنة‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬محتويات‭ ‬الكتب‭ ‬إحدى‭ ‬12‭ ‬لجنة‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬المعرض‭). ‬

هناك‭ ‬أيضا‭ ‬إضافة،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬النشر‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ومن‭ ‬مراقبة‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬المرتين‭ ‬اللتين‭ ‬زرت‭ ‬بهما‭ ‬المعرض،‭ ‬صباحًا‭ ‬ومساء،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الشباب‭ ‬والأطفال‭ (‬مع‭ ‬أمهاتهم‭) ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬زيارة‭ ‬للمعرض،‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬زائر‭ ‬طيلة‭ ‬أيام‭ ‬المعرض‭ (‬1‭ -‬11‭ ‬مايو‭) ‬حسبما‭ ‬يقول‭ ‬المنظمون‭. ‬

لكن‭ ‬تجربتي‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬النشر‭ ‬التي‭ ‬احتفلتُ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬طهران‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬كشفت‭ ‬لي‭ ‬عن‭ ‬ملامح‭ ‬وتفاصيل‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تدركها‭ ‬الأرقام‭ ‬الصماء‭.‬

جميل‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬دارًا‭ ‬واحدة‭ ‬تجمع‭ ‬عناوينها‭ ‬الشعرية‭ ‬بين‭ ‬أدونيس‭ ‬ومحمود‭ ‬درويش‭ ‬ونزار‭ ‬قباني‭ ‬وأشرف‭ ‬أبواليزيد‭ ‬ونوري‭ ‬الجراح‭ ‬وجمال‭ ‬جمعة‭ ‬وبروين‭ ‬حبيب‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬فرحات‭ ‬وأحمد‭ ‬مطر،‭ ‬مثلما‭ ‬تضم‭ ‬عناوينها‭ ‬الروائية‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬منيف‭ ‬وأحلام‭ ‬مستغانمي‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬مترجمها‭ ‬رضا‭ ‬عامري،‭ ‬عملها‭ ‬الأشهر‭ ‬ذاكرة‭ ‬الجسد‭. ‬ومن‭ ‬الأسماء‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬ترفد‭ ‬الدار‭ ‬بترجماتها‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬د‭.‬نسرين‭ ‬شكيبي‭ ‬ممتاز‭ ‬الأستاذة‭ ‬بجامعة‭ ‬الزهراء‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ (‬انتشارات‭ ‬أفراز‭) ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬وحده،‭ ‬فقد‭ ‬ضمت‭ ‬عناوينها‭ ‬مئات‭ ‬الترجمات‭ ‬عن‭ ‬أشهر‭ ‬لغات‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الكردية‭ ‬والألمانية‭ ‬والإنجليزية،‭ ‬كأكثر‭ ‬اللغات‭ ‬نقلا‭ ‬إلى‭ ‬الفارسية‭. ‬

تملك‭ ‬الدار‭ ‬ناشرة‭ ‬دقيقة‭ ‬الحجم‭ ‬واسعة‭ ‬الابتسامة‭ ‬هي‭ ‬أعظم‭ ‬كيان‭ ‬أفراز،‭ ‬والأمر‭ ‬ليس‭ ‬مدهشا‭ ‬لانخراط‭ ‬سيدة‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬النشر،‭ ‬فهناك‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬لزميلة‭ ‬نوعية‭ ‬كذلك‭ ‬هي‭ ‬الشاعرة‭ ‬بونه‭ ‬ندائي‭ ‬التي‭ ‬ترأس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬شوكران‭ ‬الأدبية،‭ ‬وتتنوع‭ ‬إصدارات‭ ‬دارها‭ (‬آمرود‭) ‬بين‭ ‬الأدب،‭ ‬وبين‭ ‬سلسلة‭ ‬تنقل‭ ‬الأدب‭ ‬الكوري‭ ‬إلى‭ ‬الفارسية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وحان‭ ‬وقته‭ ‬دون‭ ‬شك‭.‬

تذكرت‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬الترجمة،‭ ‬تجربة‭ ‬مجلة‭ (‬شيراز‭) ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬الأدب‭ ‬الفارسي‭ ‬المعاصر‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬حيز‭ ‬المجلة‭ ‬المطبوعة،‭ ‬لترافقها‭ ‬نسخة‭ ‬إلكترونية‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬الأديب‭ ‬الدكتور‭ ‬موسى‭ ‬بيدج،‭ ‬والذي‭ ‬حكى‭ ‬لي‭ ‬تجربته‭ ‬ورفاقه‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والمترجمين‭ ‬عنها‭ ‬حين‭ ‬استضافته‭ (‬العربي‭) ‬في‭ ‬أحد‭ ‬ملتقياتها‭ ‬السابقة‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ (‬العرب‭ ‬يتجهون‭ ‬شرقا‭). ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬بالفارسية‭ ‬مجلة‭ ‬تقدم‭ ‬أدبنا‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬ليطالعها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشغوفون‭ ‬بالقراءة‭. ‬

المرأة‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة،‭ ‬تقرأ‭ ‬وتكتب‭ ‬وتنشر‭ ‬وتترجم،‭ ‬وتدرس‭ ‬أيضا‭. ‬تأملت‭ ‬الزحام‭ ‬الذي‭ ‬يضمها،‭ ‬والعناوين‭ ‬التي‭ ‬تحملها،‭ ‬وبعد‭ ‬المعرض‭ ‬رأيتها‭ ‬باحثة‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬العامة‭. ‬

أسرار‭ ‬المكتبة‭ ‬العامة

أثبتت‭ ‬عمارة‭ ‬المكتبة‭ ‬العامة‭ (‬كتابخانه‭ ‬عمومي‭ ‬باللغة‭ ‬الفارسية‭) ‬البديعة‭ ‬والرصينة‭ ‬نظرتي‭ ‬للعمارة‭ ‬في‭ ‬طهران؛‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬عمارة‭ ‬البيوت‭ ‬بسيطة،‭ ‬ستجد‭ ‬عمران‭ ‬المباني‭ ‬الحكومية‭ ‬والعلامات‭ ‬الدينية‭ ‬باذخا‭ ‬ومتميزا‭ ‬وذا‭ ‬حس‭ ‬فني‭ ‬راق‭. ‬

من‭ ‬بعيد،‭ ‬بدا‭ ‬الجبل‭ ‬المحيط‭ ‬بطهران‭ ‬وكأنه‭ ‬يحرس‭ ‬كنوز‭ ‬المكتبة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬سنطلع‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬سنمضي‭ ‬في‭ ‬ممرات‭ ‬بأعمدة‭ ‬عملاقة،‭ ‬رءوسها‭ ‬تلتحم‭ ‬مع‭ ‬الأسقف‭ ‬وتربط‭ ‬بينها‭ ‬أهلة‭ ‬مقوسة،‭ ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬تستفيد‭ ‬بعمارتها‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬يتسلل‭ ‬عبر‭ ‬الأسقف‭ (‬وكأن‭ ‬الإضاءة‭ ‬المتسللة‭ ‬تستلهم‭ ‬عمارة‭ ‬المكيفات‭ ‬الإيرانية‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬يتدفق‭ ‬فيها‭ ‬الهواء‭ ‬عبر‭ ‬أبراج‭ ‬قصيرة‭ ‬إلى‭ ‬حوش‭ ‬البيوت‭)‬،‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬سنجدُ‭ ‬معرضا‭ ‬للمخطوطات‭ ‬مقاما‭ ‬في‭ ‬بهو‭ ‬مفتوح‭ ‬تميزه‭ ‬اللوحة‭ ‬النحاسية‭ ‬للآية‭ ‬القرآنية‭ ‬الكريمة‭ ‬‭{‬ن‭ ‬وَالْقَلَمِ‭ ‬وَمَا‭ ‬يَسْطُرُونَ‭}‬‭. ‬في‭ ‬المعرض‭ ‬طرائف‭ ‬لكتب‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬مقتنيات‭ ‬المكتبة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬أو‭ ‬أوائل‭ ‬المطبوعات،‭ ‬أو‭ ‬الكتب‭ ‬الدينية‭ ‬والعلمية‭ ‬ومناهج‭ ‬كتب‭ ‬الأطفال،‭ ‬حتى‭ ‬الموسيقى‭. ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬نعبر‭ ‬المدخل‭ ‬سنجد‭ ‬نسخة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬مصحف‭ ‬كبير‭ ‬الحجم‭ ‬بخط‭ ‬عثمان‭ ‬طه‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ومخطوطات‭ ‬مذهبة‭ ‬لمثنوي‭ ‬محمد‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬البلخي،‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬باسم‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي،‭ ‬وسنجد‭ ‬صور‭ ‬أمناء‭ ‬المكتبة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬وقاعات‭ ‬للقراءة‭ ‬والبحث‭. ‬المميز‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬هو‭ ‬الأناقة،‭ ‬واستخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬الفتاة‭ ‬هاتفان‭ ‬وجهاز‭ ‬آي‭ ‬باد،‭ ‬كبير‭ ‬أو‭ ‬صغير،‭ ‬ستلمحه‭ ‬بجانبها‭ ‬وهي‭ ‬منهمكة‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬لقد‭ ‬تأقلم‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬معطيات‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ومع‭ ‬إتاحة‭ ‬الإنترنت‭ ‬بدا‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬ميسرا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عصيا‭ ‬علي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الإقامة‭ ‬الدخول‭ ‬على‭ (‬فيسبوك‭)‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تمكن‭ ‬آخرون،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يد‭ ‬الإنترنت‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الرقابة‭ ‬عليها‭. ‬

الرقابة‭ ‬على‭ ‬المحتويات‭ ‬تؤمن‭ ‬كل‭ ‬كتاب‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬سرقة‭ ‬وثيقة‭ ‬أو‭ ‬إصدار،‭ ‬وذلك‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬نوادر‭ ‬التراث‭ ‬العلمي‭ ‬والأدبي‭ ‬والفني‭ ‬داخل‭ ‬المكتبة‭.  

على‭ ‬ذكر‭ ‬الرقابة‭ ‬سنتذكر‭ ‬الرقابة‭ ‬الحديدية‭ ‬للسافاك‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬الشاه،‭ ‬حين‭ ‬نرى‭ ‬مقتنيات‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬ذلك‭ ‬الجهاز‭ ‬العتيد،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬متاحة،‭ ‬على‭  ‬ما‭ ‬أعتقد،‭ ‬للدراسة‭. ‬أقلب‭ ‬في‭ ‬ألبوم‭ ‬داخل‭ ‬صفحاته‭ ‬البلاستيكية‭ ‬أوراقا‭ ‬تحمل‭ ‬أختاما‭ ‬وتوقيعات،‭ ‬وإشارات‭ ‬بمنع‭ ‬تداولها‭. ‬أجد‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬درباره‭ ‬رسالة‭ ‬آيت‭ ‬اله‭ ‬خميني‭)‬،‭ ‬هناك‭ ‬إجازة‭ ‬من‭ ‬رقابة‭ ‬السافاك‭ ‬بإجازة‭ ‬نشر‭ ‬إحدى‭ ‬رسائل‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭: (‬تجديد‭ ‬چاب‭ ‬رسالة‭ ‬رسالة‭ ‬آيت‭ ‬اله‭ ‬خميني‭ ‬ازنطراين‭ ‬سازمان‭ ‬بلا‭ ‬مانع‭ ‬ميباشد‭ ‬لكن‭ ‬حسين‭ ‬مصدقي‭ ‬صلاحيت‭ ‬چاب‭ ‬رسالة‭ ‬مزبور‭ ‬راندارد‭. ‬هـ‭ ‬رئيس‭ ‬سازمان‭ ‬اطلاعات‭ ‬وامنيت‭ ‬كشور‭. ‬سپهبد‭ ‬نصيري‭). ‬تأملتُ‭ ‬الورقة‭ ‬وأنا‭ ‬أمسك‭ ‬الألبوم‭. ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬مساحتها‭ ‬على‭ (‬A5‭) ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬أخواتها‭ ‬إشارات‭ ‬زرعت‭ ‬شرارات‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عبر‭ ‬رسائل‭ ‬الإمام‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يتداولها،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬نفيه‭. ‬ورقة‭ ‬دقيقة‭ ‬الحجم،‭ ‬شديدة‭ ‬الأهمية،‭ ‬كبيرة‭ ‬المعنى،‭ ‬وخطيرة‭ ‬الدلالة‭. ‬

الكنوز‭ ‬الحقيقية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬العائلة‭ ‬الشاهنشاهية،‭ ‬وخرائط‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العصور،‭ ‬ومجموعات‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬تؤرخ‭ ‬لقرن‭ ‬كامل،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬محفوظا‭ ‬ومفتوحا‭ ‬عند‭ ‬صفحات‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬

بين‭ ‬قصر‭ ‬الشاه،‭ ‬وبيت‭ ‬الإمام

إذا‭ ‬كنا‭ ‬ندوِّن‭ ‬المواقف‭ ‬والمخاطبات،‭ ‬ونشغل‭ ‬الذهن‭ ‬بالمقاربات‭ ‬والمقارنات،‭ ‬ونتقصى‭ ‬ما‭ ‬يجاهر‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬يُسَرُّ،‭ ‬فإن‭ ‬المسافة‭ ‬البلاغية‭ ‬بيـــــن‭ ‬القطبين‭ ‬أو‭ ‬النقـــــيضين‭ ‬ستعبر‭ ‬عن‭ ‬نفـــســــها‭ ‬عند‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬رحلتي‭ ‬قــــصر‭ ‬الشاه،‭ ‬وبيت‭ ‬الإمام‭. ‬

بحجم‭ ‬60‭ / ‬40‭ ‬سم،‭ ‬فردت‭ ‬خريطة‭ ‬لمجموعة‭ ‬قصور‭ (‬سعد‭ ‬آباد‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬قصورًا‭ ‬إلا‭ ‬بالمجاز،‭ ‬لأنها‭ ‬مبان‭ ‬بسيطة‭ ‬العمارة،‭ ‬مثل‭ ‬فيلات،‭ ‬متسعة‭ ‬المساحة،‭ ‬من‭ ‬طابقين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬تضم‭ ‬21‭ ‬متحفا‭. ‬بالفارسية‭ ‬ستقرأ‭ ‬اسم‭ (‬موزه‭) ‬المكتوب‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬اسم‭ ‬لتلك‭ ‬المتاحف،‭ ‬وهو‭ ‬اشتقاق‭ ‬من‭ ‬مفردة‭    ‬Museum‭ ‬الإنجليزية‭. ‬إذا‭ ‬زرتها‭ ‬كلها‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬رسوما‭ ‬بقيمة‭ ‬75‭ ‬ألف‭ ‬ريال‭ (‬هنا،‭ ‬تكتب‭ ‬الأسعار‭ ‬بالريال،‭ ‬ويحاسب‭ ‬العام‭ ‬بالتومان‭ ‬بحذف‭ ‬صفر‭ ‬من‭ ‬يمين‭ ‬الأرقام،‭ ‬فيكون‭ ‬المقابل‭ ‬موازيا‭ ‬لستة‭ ‬دنانير‭ ‬كويتية‭)‬،‭ ‬وبين‭ ‬هذه‭ ‬المتاحف‭ ‬ثلاثة‭ ‬مجانية‭ ‬أحدها‭ ‬للأكفَّاء،‭ ‬وعناوين‭ ‬القصور‭ ‬تشي‭ ‬لك‭ ‬بمحتواها،‭ ‬الحديقة،‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الشاهنشاهية،‭ ‬السيارات‭ ‬الملكية،‭ ‬متحف‭ ‬الخط‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬المسمى‭ ‬بعميد‭ ‬خطاطيهم‭ ‬مير‭ ‬عماد،‭ ‬وهكذا،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وقتا‭ ‬وجهدا‭ ‬لزرناها‭ ‬كلها،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬بها‭ ‬متحفا‭ ‬لرسوم‭ ‬الفنان‭ ‬بهزاد‭.‬

شرايين‭ ‬خضراء‭ ‬هي‭ ‬الممرات‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬المتاحف‭ ‬والقصور،‭ ‬بأشجار‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬زرع‭ ‬خصيصا‭ ‬لكي‭ ‬ينقل‭ ‬التنوع‭ ‬الأخضر‭ ‬لذلك‭ ‬البساط‭ ‬الأخضر‭ ‬الذي‭ ‬دخلنا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬جنوبه‭ ‬عند‭ ‬بوابة‭ ‬الزعفرانية،‭ ‬ولم‭ ‬نتخط‭ ‬ثلثه‭ ‬الأول،‭ ‬حتى‭ ‬درنا‭ ‬لنخرج‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتينا،‭ ‬وكأننا‭ ‬عبرنا‭ ‬حياة‭ ‬الشاه‭ ‬وعائلته‭ ‬في‭ ‬غمضة‭ ‬عين،‭ ‬وطوينا‭ ‬صفحة‭ ‬قصوره‭ ‬مثلما‭ ‬طوى‭ ‬التاريخ‭ ‬صفحة‭ ‬حكمه،‭ ‬فنقل‭ ‬تمثاله‭ ‬هو‭ ‬والإمبراطورة‭ ‬ليستقرا‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬كما‭ ‬لمحت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الغرف‭. ‬التقيت‭ ‬بدليل‭ ‬فارسي‭ ‬غير‭ ‬دليلنا‭ ‬حسين،‭ ‬كان‭ ‬يقود‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السياح‭ ‬الألمان،‭ ‬الذين‭ ‬أعجبهم‭ ‬الفردوس‭ ‬الأرضي،‭ ‬سألني‭ ‬عن‭ ‬بلدي،‭ ‬فقلت‭ ‬مصر،‭ ‬وأردفتُ‭: ‬الا‭ ‬تنس‭ ‬أنني‭ ‬أزور‭ ‬ممتلكاتٍ‭ ‬كانت‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيامب‭! ‬ضحك‭ ‬طويلا‭ ‬وقال‭ ‬صدقت‭. ‬كنت‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬الأميرة‭ ‬افوزيةب‭ ‬إحدى‭ ‬شقيقات‭ ‬فاروق‭ ‬ملك‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬أقيم‭ ‬حفل‭ ‬زواج‭ ‬أسطوري‭ ‬لها‭ ‬عند‭ ‬زواجها‭ ‬من‭ ‬شاه‭ ‬إيران‭ ‬الشاب‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي،‭ ‬لكن‭ ‬الملكة‭ ‬نازلي‭ ‬الأم،‭ ‬والدة‭ ‬فوزية،‭ ‬حين‭ ‬ذهبت‭ ‬لرؤية‭ ‬ابنتها‭ ‬وحفيدتها‭ ‬اشاهينازب‭ ‬ذهلت‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬القصر،‭ ‬وخططت‭ ‬لتعود‭ ‬الإمبراطورة‭ ‬فوزية‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬زوجها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬أنها‭ ‬المرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬سيراها‭ ‬فيها،‭ ‬لأن‭ ‬الملك‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬خطط‭  ‬أخرى،‭ ‬فأجبرها‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬زوجها‭ ‬تطلب‭ ‬فيها‭ ‬الطلاق‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭ ‬وتزوج‭ ‬بعدها‭ ‬شاه‭ ‬إيران‭ ‬الإمبراطورة‭ ‬ثريا‭ ‬إصفندياري،‭ ‬وانتهت‭ ‬حياته‭ ‬مع‭ ‬الإمبراطورة‭ ‬فرح‭ ‬ديبا‭. ‬مثلما‭ ‬انتهت‭ ‬العائلتان،‭ ‬عائلة‭ ‬فاروق‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وعائلة‭ ‬الشاه‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬

التواضع‭ ‬الذي‭ ‬رأته‭ ‬الملكة‭ ‬نازلي‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬الوفد‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬السابق‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬السنعوسي،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أكثر‭ ‬فخامة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القصر‭ ‬المتواضع‭. ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬القصر‭ ‬رسوم‭ ‬الشاهنامة‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬والأسقف،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬بطل‭ ‬الشاهنامة‭ ‬نفسه‭ ‬يحرس‭ ‬المكان‭ ‬بقوسه‭ ‬وسهمه‭.‬

في‭ ‬طريقنا‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الإمام،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬دربنا‭ ‬الأخضر‭ ‬الشاسع‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬قصور‭ ‬الشاه،‭ ‬قد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬زقاق‭ ‬ضيق‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬جوانبه‭ ‬ضوضاء‭ ‬للإنشاءات،‭ ‬وتخترق‭ ‬حيزه‭ ‬الأسفلتي‭ ‬مسارب‭ ‬المياه،‭ ‬وكأن‭ ‬بساطة‭ ‬الحياة،‭ ‬وتواضعها،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬شظفها،‭ ‬سيؤهلك‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬بيت‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬يستقر‭ ‬على‭ ‬أرضيتها‭ ‬إطار‭ ‬يحمل‭ ‬صورة‭ ‬نجله‭ ‬الشهيد‭ ‬مصطفى،‭ ‬كان‭ ‬الإمام‭ ‬يجلس‭ ‬مستقبلا‭ ‬كبار‭ ‬قادة‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬استأجره،‭ ‬رافضا‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬حكومي‭. ‬وغير‭ ‬بعيد،‭ ‬وفي‭ ‬الحسينية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬المنطقة‭ (‬جمران‭) ‬كان‭ ‬صوته‭ ‬يتردد‭ ‬حاملا‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬تلهب‭ ‬حماس‭ ‬محاربيه‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬وعلى‭ ‬جبهات‭ ‬القتال،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أضيف‭ ‬للمكان‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬الإمام‭ ‬كان‭ ‬متحف‭ ‬امرسم‭ ‬جمرانب‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬بالصور‭ ‬حياة‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني،‭ ‬منذ‭ ‬طفولته،‭ ‬ودراسته‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬قم،‭ ‬ومقاومة‭ ‬الشاه‭ ‬قبل‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا،‭ ‬وألبوم‭ ‬حياته‭ ‬المصورة‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬وتركيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬قبل‭ ‬عودته‭ ‬هابطا‭ ‬من‭ ‬الطائرة،‭ ‬تشتعل‭ ‬المواكب‭ ‬في‭ ‬استقباله‭ ‬كما‭ ‬احتشدت‭ ‬عند‭ ‬وفاته،‭ ‬وبين‭ ‬المشهدين‭ ‬يؤكد‭ ‬أحد‭ ‬الأدلاء‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬صورة‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للثورة‭ ‬حين‭ ‬جاء‭ ‬سلاح‭ ‬الطيران‭ ‬بضباطه‭ ‬للقاء‭ ‬الإمام،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أنكره‭ ‬حكم‭ ‬الشاه،‭ ‬لكن‭ ‬سلاح‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تسربت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬باتت‭ ‬بيد‭ ‬الثورة‭.‬

مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬سأتذكر‭ ‬تقارير‭ ‬جهاز‭ ‬أمن‭ ‬الشاه‭ (‬السافاك‭) ‬الأمنية،‭ ‬التي‭ ‬رأينا‭ ‬قسما‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬العامة،‭ ‬حين‭ ‬ألمح‭ ‬بين‭ ‬مقتنيات‭ ‬متحف‭ ‬الإمام‭ ‬المصور‭ ‬مكتبته‭ ‬ورسائله،‭ ‬ونظارته،‭ ‬وجواز‭ ‬سفره،‭ ‬وتقريرا‭ ‬بخط‭ ‬اليد‭ ‬عنه،‭ ‬ومع‭ ‬زجاجة‭ ‬عطره‭ ‬دفتر‭ ‬بورق‭ ‬ضارب‭ ‬للصفرة‭ ‬دوَّن‭ ‬فيه‭ ‬الإمام‭ ‬رسائله‭ ‬وأشعاره‭. ‬ولن‭ ‬تفوت‭ ‬العين‭ ‬رؤية‭ ‬المستشفى‭ ‬الذي‭ ‬بني‭ ‬بجوار‭ ‬المكان‭ ‬والذي‭ ‬طبب‭ ‬حكماؤه‭ ‬شيخوخة‭ ‬الإمام‭ ‬حتى‭ ‬رحيله‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬السابعة‭ ‬والثمانين‭.‬

متحف‭ ‬الدفاع‭ ‬المقدس

إذا‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬إمتاع‭ ‬البصر‭ ‬بالتاريخ،‭ ‬وتملي‭ ‬الأحداث‭ ‬والسير،‭ ‬فإن‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬ختمت‭ ‬رحلة‭ ‬طهران‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬رهبة‭ ‬مما‭ ‬تخيلناها‭. ‬إنها‭ ‬رحلتنا‭ ‬إلى‭ ‬احديقة‭ ‬متحف‭ ‬الدفاع‭ ‬المقدس‭ ‬وإشاعة‭ ‬ثقافة‭ ‬المقاومةب‭. ‬رغم‭ ‬أننا‭ ‬حللنا‭ ‬المكان‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬إجازة،‭ ‬فإننا‭ ‬رأينا‭ ‬إصرار‭ ‬المنظمين‭ ‬للزيارة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نشاهد‭ ‬محتواه‭.‬

في‭ ‬الساحة‭ ‬كان‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬اعيناتب‭ ‬الأسلحة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬من‭ ‬الدبابة‭ ‬إلى‭ ‬الصـــــاروخ،‭ ‬من‭ ‬العربات‭ ‬المجــــنزرة‭ ‬إلى‭ ‬المدافع‭ ‬والطائــــرات،‭ ‬حـيث‭ ‬يعــــد‭ ‬المكــــان‭ ‬مزارًا‭ ‬ولا‭ ‬تعدم‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬شيخا‭ ‬معمما‭ ‬يلتــــقط‭ ‬صورة‭ ‬لعائلتــــه‭ ‬في‭ ‬إهــــاب‭ ‬مدفع‭!‬

بعد‭ ‬اتصالات‭ ‬مكثفة،‭ ‬دخــلنا‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬يعيد‭ - ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ - ‬حياة‭ ‬الحرب‭ ‬الإيرانية‭ ‬العراقية‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭: ‬كل‭ ‬معركة‭ ‬مسجلة،‭ ‬كل‭ ‬اسم‭ ‬شهـــــيد‭ ‬مدون،‭ ‬كل‭ ‬صورة‭ ‬مخزنة،‭ ‬كل‭ ‬فيلم‭ ‬توثيــقي‭ ‬تمكن‭ ‬استعادته،‭ ‬كل‭ ‬صوت‭ ‬بكى‭ ‬من‭ ‬الألم،‭ ‬أو‭ ‬صرخ‭ ‬من‭ ‬تفجير،‭ ‬أو‭ ‬بـــكى‭ ‬مــــن‭ ‬فرح،‭ ‬هو‭ ‬حي‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬القاعات‭ ‬التي‭ ‬امتلأت‭ ‬جدرانها‭ ‬بالتـــــقاويم‭ ‬والشاشات‭. ‬وأزيدكم‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬بيتا‭ - ‬كما‭ ‬تــــقول‭ ‬الأمثال‭ ‬العربية‭ - ‬فإنني‭ ‬مشيت‭ ‬مع‭ ‬الزوار‭ ‬وسط‭ ‬مدينة‭ ‬مهدمة،‭ ‬أعيد‭ ‬بناء‭ ‬ديــــكوراتها‭ ‬تـــمامًا،‭ ‬يطن‭ ‬أزيز‭ ‬الطائرات‭ ‬فــــوق‭ ‬رءوسنا،‭ ‬وتهدر‭ ‬أصوات‭ ‬المدافع،‭ ‬ويصم‭ ‬الأذان‭ ‬دوي‭ ‬الانفجارات،‭ ‬مثلما‭ ‬مررنا‭ ‬في‭ ‬خــــندقـــين،‭ ‬يقدمان‭ ‬نموذجـــــين؛‭ ‬الأول‭ ‬تكاد‭ ‬تتجــــمد‭ ‬أعضـــــاؤك‭ ‬فيه،‭ ‬والآخــر‭ ‬يشبه‭ ‬اساوناب‭ ‬من‭ ‬الجحيم،‭ ‬ليقول‭ ‬دليلنا‭ ‬إن‭ ‬هـــــذه‭ ‬الخنادق‭ ‬كان‭ ‬يخـــتبئ‭ ‬بهــا‭ ‬الجنـــود‭ ‬في‭ ‬الشـــتاء‭ ‬والصيف‭. ‬

حين‭ ‬جسر‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بلونه‭ ‬الأبيض،‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬أسقفه‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السلاسل‭ ‬التعريفية‭ ‬التي‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬رقاب‭ ‬الجنود،‭ ‬وهم‭ ‬هنا‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬أسماء،‭ ‬ستعلق‭ ‬لسماء‭ ‬المتحف،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تعلق‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬البلاد‭ ‬بطولها‭ ‬وعرضها،‭ ‬لنمر‭ ‬برصيف‭ ‬قطار‭ ‬تقف‭ ‬فيه‭ ‬النسوة‭ ‬منتظرات‭ ‬الأبناء‭ ‬عائدين‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬والأغاني‭ ‬الحماسية‭ ‬تدك‭ ‬المكان‭. ‬

لن‭ ‬يمر‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬إلا‭ ‬وتسري‭ ‬فيه‭ ‬قشعريرة‭ ‬الموت،‭ ‬الذي‭ ‬يقدس‭ ‬هنا‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬اإشاعة‭ ‬ثقافة‭ ‬المقاومةب،‭ ‬وإذا‭ ‬كنا‭ ‬شهدنا‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬المستخدمة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الألغام،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬فاتنا،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬إلا‭ ‬مساء،‭ ‬فهو‭ ‬عرض‭ ‬يقدم‭ ‬بالمياه‭ ‬وضوء‭ ‬الليزر‭ ‬والتعليق‭ ‬الحي‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الصوتية‭ ‬فوق‭ ‬بركة‭ ‬عملاقة‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬تلخص‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭. ‬

تمنيت‭ ‬أن‭ ‬أصعد‭ ‬برج‭ ‬اميلادب‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬لأرى‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬عل،‭ ‬لعل‭ ‬المشـــــهد‭ ‬البديـــع‭ ‬ينسيني‭ ‬الحرب‭ ‬وآلامها‭. ‬لكنني‭ ‬عرفت‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أنسى،‭ ‬فمن‭ ‬يخض‭ ‬تجربة‭ ‬فعليه‭ ‬ألا‭ ‬ينساها،‭ ‬ليتعلم‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يفيده،‭ ‬عظة‭ ‬وعبرة‭ ‬لمستقبله‭. ‬هكذا‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ثقــافة‭ ‬الشهداء‭ ‬دربا‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬ازدهار‭ ‬حضارة‭ ‬الأحياء،‭ ‬وإشاعة‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬لها‭ ‬الآن‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬قرع‭ ‬طبول‭ ‬الحرب‭.. ‬إلى‭ ‬اللقاء‭ .

شباب‭ ‬وشابات‭ ‬إيران‭ ‬يزورون‭ ‬برج‭ ‬ميلاد‭ ‬لمشاهدة‭ ‬عاصمة‭ ‬بلادهم،‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬التحفة‭ ‬المعمارية‭ ‬العصرية‭ ‬الأنيقة‭ ‬التي‭ ‬تسجل‭ ‬جدرانها‭ ‬رموز‭ ‬وعلامات‭ ‬الحضارة‭ ‬الفارسية

هناك‭ ‬2542‭ ‬ناشرا‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬من‭ ‬معرض‭ ‬طهران‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬وعرضوا‭ ‬نحو‭ ‬210‭ ‬آلاف‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬الأقسام‭ ‬الداخلية‭ ‬و‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الدولي‭ ‬بمشاركة‭ ‬50‭ ‬ناشرا‭ ‬أجنبيا‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬معرض‭ ‬طهران‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬التي‭ ‬تترأسها‭ ‬إيران‭ ‬حاليا،‭ ‬وتزامنا‭ ‬مع‭ ‬إقامة‭ ‬المعرض،‭ ‬كما‭ ‬أقيم‭ ‬ملتقى‭ ‬وزراء‭ ‬الثقافة‭ ‬للدول‭ ‬الأسيوية‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬ليستقبل‭ ‬المعرض‭ ‬وزراء‭ ‬ثقافة‭ ‬الدول‭ ‬الأسيوية