حلم المشروع القومي للترجمة

حلم المشروع القومي للترجمة

يذكر‭ ‬قراء‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬خصوصا‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون‭ ‬مقالاتي،‭ ‬أنني‭ ‬نشرت‭ ‬مقالا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬نحو‭ ‬مشروع‭ ‬قومي‭ ‬للترجمة‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬سنة‭ ‬2000‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬القراء‭ ‬يعرفون‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أضع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬استراتيجية‭ ‬معرفية‭ ‬لتأسيس‭ ‬مشروع‭ ‬قومي‭ ‬للترجمة،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بالتنفيذ‭ ‬العملي‭ ‬للمشروع،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الطالع‭ ‬أنني‭ ‬أصبحت‭ ‬أمينا‭ ‬عاما‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬فرغت‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬القواعد‭ ‬الأساسية‭ ‬للعمل‭ ‬الثقافي‭ ‬للمجلس،‭ ‬جعلت‭ ‬للمشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬مكانا‭ ‬بينها،‭ ‬وهكذا‭ ‬أصبح‭ ‬المشروع‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬الأساسية‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬الذي‭ ‬يتبع‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭. ‬

وقد‭ ‬اقتنع‭ ‬فاروق‭ ‬حسني‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ - ‬آنذاك‭ - ‬بهذا‭ ‬المشروع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرضته‭ ‬عليه،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬نقل‭ ‬إليه‭ ‬حماستي‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬حماسته‭. ‬وبالفعل‭ ‬قمت‭ ‬بالخطوات‭ ‬التنفيذية‭ ‬للمشروع،‭ ‬وصدر‭ ‬الكتاب‭ ‬الأول‭ ‬له‭ ‬سنة‭ ‬1995‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬االمشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمةب‭ ‬التابع‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬المصري،‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬أمينا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬24‭ ‬يناير‭ ‬سنة‭ ‬1993‭ ‬إلى‭ ‬مارس‭ ‬سنة‭ ‬2007‭. ‬وكان‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬االلغة‭ ‬العلياب‭ ‬تأليف‭ ‬الناقد‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشهير‭ ‬جون‭ ‬كوين‭ ‬وترجمة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬درويش‭. ‬وكانت‭ ‬كتب‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بتمويل‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬التنمية‭ ‬الثقافية‭ ‬الذي‭ ‬حالت‭ ‬بيروقراطية‭ ‬المشرف‭ ‬عليه‭ ‬دون‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬معه‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬كتابين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬فعدنا‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭ ‬العادية‭ ‬للوزارة،‭ ‬ومضينا‭ ‬في‭ ‬طريقنا،‭ ‬وتعددت‭ ‬إصداراتنا،‭ ‬فوجدنا‭ ‬الدعم‭ ‬والتشجيع‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوي‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المثقفين،‭ ‬وأذكر‭ ‬بكل‭ ‬إعزاز‭ ‬أن‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل‭ ‬تبرع‭ ‬لنا‭ ‬بمبلغ‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬مصري،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬وقع‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬والفريق‭ ‬الذي‭ ‬استعنت‭ ‬به‭ ‬للعمل‭ ‬معي،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬الأستاذ‭ ‬لمعي‭ ‬المطيعي‭ ‬والدكتورة‭ ‬فاطمة‭ ‬موسى،‭ ‬رحمهما‭ ‬الله‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة‭.‬

وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬قمت‭ ‬بتكليف‭ ‬زميلي‭ ‬المرحوم‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬الدسوقي‭ ‬شتا‭ ‬بترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬االمثنويب‭ ‬للشاعر‭ ‬الفارسي‭ ‬العظيم‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي،‭ ‬واتفقنا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المكافأة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لترجمة‭ ‬مجلدات‭ ‬الكتاب‭ ‬المترجمة‭ ‬ستين‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬مصري،‭ ‬وبالفعل‭ ‬انتهى‭ ‬الأستاذ‭ ‬القدير‭ ‬من‭ ‬الترجمة‭ ‬وتسلم‭ ‬مكافأته‭ ‬بعد‭ ‬صدمة‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الشئون‭ ‬المالية‭ ‬التابعة‭ ‬للوزارة‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬يتقاضى‭ ‬فيها‭ ‬مترجم‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الترجمة‭. ‬ومن‭ ‬الطرائف‭ ‬أن‭ ‬سعر‭ ‬الترجمة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقررا‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الكتاب‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬هو‭ ‬ستة‭ ‬مليمات‭ ‬على‭ ‬الكلمة‭ (‬والقرش‭ ‬عشرة‭ ‬مليمات‭) ‬فظللت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬ذريعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجدت‭ ‬مبررا‭ ‬يتيح‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أرفع‭ ‬سعر‭ ‬الكلمة‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬قرشا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬أو‭ ‬تنقص‭ ‬حسب‭ ‬موضوع‭ ‬الكتاب‭ ‬المترجم‭ ‬وقيمته،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يستوي‭ ‬مترجم‭ ‬رواية‭ ‬لأجاثا‭ ‬كريستي‭ ‬ومترجم‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬الجينوم‭ ‬مثلا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مكافأة‭ ‬المترجم‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬نادرة‭ ‬مثل‭ ‬مكافأة‭ ‬المترجم‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬شائعة‭. ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬قد‭ ‬أفلح‭ ‬في‭ ‬إنصاف‭ ‬المترجم‭ ‬واحترام‭ ‬حقوقه،‭ ‬بما‭ ‬أجبر‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬المصرية‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬مكافأة‭ ‬المترجمين،‭ ‬وأضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة‭ ‬بدور‭ ‬النشر‭ ‬الأجنبية‭. ‬

والحق‭ ‬أنني‭ ‬لاأزال‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬ازدهار‭ ‬حركة‭ ‬الترجمة‭ ‬علامة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬مجتمع‭ ‬المعرفة‭ ‬وحيويته‭. ‬ولذلك‭ ‬يقاس‭ ‬تقدم‭ ‬الأمم‭ ‬وتخلفها‭ ‬بالمنحنى‭ ‬الصاعد‭ ‬أو‭ ‬الهابط‭ ‬لعمليات‭ ‬الترجمة‭ ‬وفاعلية‭ ‬مؤسساتها‭ ‬وأجهزتها‭. ‬ولقد‭ ‬تخلفنا‭ - ‬نحن‭ ‬العرب‭ - ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬عدم‭ ‬اللحاق‭ ‬بقاطرة‭ ‬التقدم‭ ‬الإنساني‭ ‬التي‭ ‬خلفتنا‭ ‬وراءها‭ ‬ومضت‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬الصاعد‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نصيب‭ ‬كل‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬عربي،‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭ ‬تقريبا،‭ ‬بينما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مائتين‭ ‬وخمسين‭ ‬كتابا‭ ‬لكل‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭. ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أمضي‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬إحصاءات‭ ‬سلبية،‭ ‬معروفة،‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬شحيحا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشئون‭ ‬الثقافة‭ ‬ومجالاتها،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬أنشطة‭ ‬الترجمة،‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الثروات‭ ‬الهائلة‭ ‬لبعض‭ ‬أقطار‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬المعاهدة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬سنة‭ ‬1945‭ ‬تنص‭ ‬على‭: ‬اتنشيط‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬لترجمة‭ ‬عيون‭ ‬الكتب‭ ‬الأجنبية‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬تلك‭ ‬الجهودب،‭ ‬وهي‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭.‬

جهود‭ ‬سابقة‭ ‬مبتورة

ووعيا‭ ‬بهذا‭ ‬الوضع‭ ‬المختل،‭ ‬وتحديا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬انبثق‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬عشرين‭ ‬عاما،‭ ‬وذلك‭ ‬ليضيف‭ ‬إلى‭ ‬المشروعات‭ ‬القائمة‭ ‬قوة‭ ‬دفع‭ ‬حيوية،‭ ‬ويمضي‭ ‬بالجهود‭ ‬السابقة‭ ‬المبتورة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بداية‭ ‬جذرية‭ ‬لنهضة‭ ‬عفية،‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الترجمة،‭ ‬وتجاوزها‭ ‬إلى‭ ‬المجالات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬والمترتبة‭ ‬عليها،‭ ‬مدركين‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭  ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬حلم‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬التقدم‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬بدعم‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬شامل‭ ‬للترجمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تغييرها‭ ‬وتطويرها‭. ‬وكان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتهت‭ ‬المشروعات‭ ‬السابقة،‭ ‬ولكن‭ ‬بما‭ ‬يتدارك‭ ‬السلبيات،‭ ‬ويتطور‭ ‬بالإيجابيات،‭ ‬وابتدئ‭ ‬ذلك‭ ‬بوضع‭ ‬خطة‭ ‬شاملة‭ ‬للعمل،‭ ‬أسهمت‭ ‬فيها‭ ‬اللجان‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة،‭ ‬ونشرنا‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬في‭ ‬كتاب،‭ ‬طبعته‭ ‬الهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة،‭ ‬بإشراف‭ ‬المرحوم‭ ‬لمعي‭ ‬المطيعي،‭ ‬وعمل‭ ‬الخبراء‭ ‬على‭ ‬تنقيح‭ ‬الخطة‭ ‬وتطويرها‭ ‬بما‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬استراتيجية‭ ‬عمل‭ ‬متكاملة،‭ ‬تتجسد‭ ‬بها‭ ‬الرؤية‭ ‬الشاملة‭ ‬للمشروع‭ ‬وتحقق‭ ‬أهدافه،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الالتزام‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬الأساسية،‭ ‬التي‭ ‬حرصنا‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬وعدم‭ ‬البعد‭ ‬عنها‭. ‬وتتمثل‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

أولا‭:‬‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنفيذ،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يغلق‭ ‬أفق‭ ‬الحركة،‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬للإضافة‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬تستوعب‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬المخطط‭ ‬الأصلي،‭ ‬ويواكب‭ ‬المتغيرات‭ ‬المعرفية‭ ‬المتدافعة‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬التقدم‭. ‬لقد‭ ‬وضعنا‭ ‬خطة‭ ‬أولوية،‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬العناوين‭ ‬في‭ ‬فروع‭ ‬المعرفة‭ ‬المتعددة،‭ ‬ولكننا‭ ‬لم‭ ‬نجعل‭ ‬من‭ ‬القوائم‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬لجان‭ ‬الخبراء‭ ‬قوائم‭ ‬ثابتة‭ ‬جامدة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الإضافة،‭ ‬وإنما‭ ‬قوائم‭ ‬مرنة،‭ ‬تقبل‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬تفرضه‭ ‬متغيرات‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬تتراكم‭ ‬إنجازاته‭ ‬بلا‭ ‬توقف،‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬حديث‭ ‬تفرضه‭ ‬تحولات‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭. ‬

 

ترجمة‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬الأصل

‭ ‬ثانيا‭:‬‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬الأصل‭ ‬مباشرة،‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬اللغات‭ ‬الوسيطة،‭ ‬تحريا‭ ‬للدقة،‭ ‬وتأكيدا‭ ‬للأمانة،‭ ‬وحرصا‭ ‬على‭ ‬تمثيل‭ ‬روح‭ ‬الأصل‭ ‬وعلاقاته‭ ‬الدلالية‭. ‬لقد‭ ‬عشنا‭ ‬طويلا‭ ‬أسرى‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الوسيطة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬أو‭ ‬الإبداعات‭ ‬العالمية‭ ‬لدول‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬واليابان،‭ ‬ولغات‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬الإيطالية‭ ‬والإسبانية‭ ‬واليونانية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬أوربا‭ ‬وآسيا‭ ‬التي‭ ‬شجعنا‭ ‬على‭ ‬الترجمة‭ ‬عنها،‭ ‬وتشجيع‭ ‬المترجمين‭ ‬على‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها،‭ ‬فصدرت‭ ‬ترجمة‭ ‬الإلياذة‭ ‬اليونانية‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬اليوناني‭ ‬القديم‭ ‬مباشرة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الأعمال‭ ‬عن‭ ‬الإسبانية‭ ‬والفارسية‭ ‬والتركية‭ ‬والألمانية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬أكد‭ ‬أهمية‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬وفوائد‭ ‬هذه‭ ‬الترجمة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدقة‭ ‬وروح‭ ‬الأصل‭ ‬ظلال‭ ‬المعاني‭ ‬ودلالاتها‭ ‬المصاحبة،‭ ‬سواء‭ ‬بإيحاء‭ ‬الصوت‭ ‬أو‭ ‬تداعيات‭ ‬المجاز‭.‬

ثالثا‭:‬‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬اللغة‭ ‬الواحدة،‭ ‬أو‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬اللغات‭ ‬الأوربية‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإضافة‭ ‬إليها،‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬عليها،‭ ‬تأكيدا‭ ‬لمبدأ‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬الخلاّق‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو،‭ ‬وإعمالا‭ ‬لمبدأ‭ ‬عبور‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬شعارا‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعنوان‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬كتبها‭ ‬بعد‭ ‬كارثة‭ ‬أحداث‭ ‬سبتمبر‭ ‬سنة‭ ‬2001‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬إنجازات‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬أنه‭ ‬ترجم‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬لغات‭ ‬آسيوية‭ ‬وإفريقية‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬حركة‭ ‬الترجمة‭ ‬العربية‭. ‬ولاأزال‭ ‬أذكر‭ ‬سعادتي‭ ‬والفريق‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬معي‭ ‬بكل‭ ‬مرة‭ ‬ننجح‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬ترجمة‭ ‬جديدة‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬تنطق‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬نجحنا‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬ثغرات‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬وسيطة؟‭ ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬فاتساع‭ ‬وتزايد‭ ‬أهمية‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬المتجددة،‭ ‬والتي‭ ‬أخذت‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستوعبها‭ ‬مشروع‭ ‬قومي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬يتراتب‭ ‬على‭ ‬درج‭ ‬القمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الهيمنة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬للهيمنة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬

رابعا‭:‬‭ ‬تأكيد‭ ‬وحدة‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتنوع‭ ‬فروعها‭ ‬ومجالاتها‭ ‬البينية،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬الطبيعية،‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬لقد‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬دائم‭ ‬بأن‭ ‬الثقافة‭ ‬كالمعرفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعلمية‭ ‬هي‭ ‬وحدة‭ ‬يثريها‭ ‬التنوع،‭ ‬ولا‭ ‬تنفصل‭ ‬فيها‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬عن‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬منقطعة‭ ‬الصلة‭ ‬عن‭ ‬الإبداع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬نتخيل‭ ‬عادة‭. ‬ولذلك‭ ‬شهد‭ ‬المشروع‭ ‬ترجمة‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬االجينومب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وذلك‭ ‬بجهد‭ ‬خلاق‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬المرحوم‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬مستجير‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬أثروا‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بإنجازاتهم‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬العلوم‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وذلك‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مشروعات‭ ‬معرفية‭ ‬استثنائية‭ ‬مثل‭ ‬اجامعة‭ ‬لكل‭ ‬المعارفب‭ ‬التي‭ ‬ترجمناها‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬الفرنسي‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تجاور‭ ‬كتب‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الإبداعات‭ ‬العالمية‭.‬

‭ ‬خامسا‭:‬‭ ‬تمثيل‭ ‬التلازم‭ ‬العضوي‭ ‬بين‭ ‬وجهي‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وذلك‭ ‬بترجمة‭ ‬الأصول‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬لتأسيس‭ ‬أي‭ ‬نهضة،‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬ترجمة‭ ‬المعارف‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تضعنا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬حركة‭ ‬العصر،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتنكر‭ ‬لميراث‭ ‬الإنسانية‭ ‬العظيم‭. ‬

سادسا‭:‬‭ ‬توسيع‭ ‬هوامش‭ ‬الحرية‭ ‬الفكرية‭ ‬بترجمة‭ ‬التيارات‭ ‬والاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬نختلف‭ ‬معها،‭ ‬ونمنع‭ ‬عنها‭ ‬قراءنا‭ ‬بغير‭ ‬حق،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬يموج‭ ‬بها‭ ‬العالم،‭ ‬سواء‭ ‬وافق‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يوافق‭ ‬عليها،‭ ‬خصوصا‭ ‬التيارات‭ ‬والاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬حضورا،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬العصر‭ ‬ولوازمه،‭ ‬شئنا‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬أبينا‭. ‬

سابعا‭:‬‭ ‬تأكيد‭ ‬الصفة‭ ‬القومية‭ ‬للمشروع‭ ‬بتوسيع‭ ‬دوائر‭ ‬المشاركة‭ ‬للمترجمين‭ ‬المتحمسين‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية،‭ ‬وتجسيدا‭ ‬لمعنى‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬وحدة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭. ‬والحق‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬حقق‭ ‬لنا‭ ‬توازنا‭ ‬بين‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬المترجم‭ ‬عنها،‭ ‬فالمغرب‭ ‬العربي‭ ‬ينقل‭ ‬أغلب‭ ‬مترجميه‭ ‬عن‭ ‬الفرنسية‭ ‬والمجموعة‭ ‬الفرانكفونية،‭ ‬بينما‭ ‬يكمل‭ ‬مترجمو‭ ‬المشرق‭ ‬التوازن‭ ‬بترجمة‭ ‬اللغات‭ ‬الأنجلوفونية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬اللغات‭ ‬الشرقية‭ ‬الآسيوية‭.‬

 

علاقات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العالمية

ثامنا‭:‬‭ ‬تأسيس‭ ‬شبكة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها،‭ ‬تأكيدا‭ ‬لالتزام‭ ‬مصر‭ ‬بالاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬ودعما‭ ‬لثقة‭ ‬ناشري‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬توجهاتنا‭ ‬الفكرية‭ ‬والتزاماتنا‭ ‬المالية‭. ‬وأذكر‭ ‬أننا‭ ‬ترجمنا‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العبرية،‭ ‬عملا‭ ‬بمبدأ‭ ‬ااعرف‭ ‬عدوكب‭. ‬ولكن‭ ‬توقفنا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬تعميم‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الجات،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬دفع‭ ‬أي‭ ‬مبلغ‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬دافعي‭ ‬الضرائب‭ ‬المصري‭ ‬لناشر‭ ‬إسرائيلي،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬ظل‭ ‬رافضا‭ ‬لأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التطبيع‭ ‬الثقافي‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭.‬

تاسعا‭:‬‭ ‬توسيع‭ ‬إمكانات‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الهيئات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬ترجمات‭ ‬عديدة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الأقسام‭ ‬الثقافية‭ ‬التابعة‭ ‬للسفارات‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإسبانية‭ ‬واليونانية‭ ‬والإيطالية‭ ‬والألمانية‭ ‬والنرويجية‭ ‬والصينية‭ ‬وغــيرها‭ ‬من‭ ‬سفارات‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭. ‬

عاشرا‭:‬‭ ‬رفع‭ ‬قيمة‭ ‬المكافأة‭ ‬المالية‭ ‬للمترجمين‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وتشجيع‭ ‬المترجمين‭ ‬بإنشاء‭ ‬جوائز‭ ‬للترجمة،‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتدريب‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬وتأكيد‭ ‬حضورها‭ ‬الواعد‭. ‬وقد‭ ‬واكبت‭ ‬القواعد‭ ‬السابقة‭ ‬ثلاثة‭ ‬مبادئ‭ ‬ملازمة‭:‬

‭ ‬أولها‭: ‬الاقتران‭ ‬الواجب‭ ‬بين‭ ‬القيمة‭ ‬المضمونية‭ ‬للكتاب‭ ‬المترجم‭ ‬والجودة‭ ‬المقترنة‭ ‬بالإخراج‭ ‬الفني‭ ‬والتقني‭. ‬والحق‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأمانة‭ ‬ذكر‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الفنان‭ ‬منير‭ ‬الشعراني‭ ‬الذي‭ ‬أبدع‭ ‬شعار‭ ‬المشروع‭ ‬وعددا‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أغلفته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استقر‭ ‬المشروع،‭ ‬وفتحنا‭ ‬الباب‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬كي‭ ‬يسهموا‭ ‬في‭ ‬تصميمات‭ ‬الأغلفة‭ ‬التي‭ ‬تفننوا‭ ‬فيها‭. ‬وقد‭ ‬أقمنا‭ ‬معرضا‭ ‬لهذه‭ ‬الأغلفة‭ ‬لقي‭ ‬استحسانا‭ ‬كبيرا،‭ ‬لأنه‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬تيارات‭ ‬متنوعة‭ ‬وأجيال‭ ‬مختلفة‭.‬

وثانيها‭: ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬عبر‭ ‬الممارسة‭ ‬الفعلية،‭ ‬وتصويبها‭ ‬باستمرار،‭ ‬والإفادة‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬البناء‭ ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬المسار‭ ‬وتعميق‭ ‬التوجهات‭.‬

‭ ‬وثالثها‭: ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬قطاعات‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬وعدم‭ ‬تكرار‭ ‬جهودها،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬تشاركنا‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالترجمة‭ ‬والإنجاز‭ ‬فيها‭. ‬

 

الوصول‭ ‬للكتاب‭ ‬الألف

وكانت‭ ‬نتيجة‭ ‬العمل‭ ‬الدءوب،‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬عشر،‭ ‬إكمال‭ ‬ترجمة‭ ‬الكتاب‭ ‬الألف،‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬مجاوزة‭ ‬الرقم‭ ‬ألف‭ ‬بما‭ ‬يغدو‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬نية‭ ‬الاستمرار‭. ‬وظلت‭ ‬حماستنا‭ ‬متوهجة‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬أول‭ ‬مشروع‭ ‬عربي‭ ‬للترجمة،‭ ‬وذلك‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬تاريخنا‭ ‬الحديث‭. ‬وكانت‭ ‬البداية‭ ‬مشروع‭ ‬النهضة‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬محمد‭ ‬علي،‭ ‬ونهض‭ ‬به‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬وتلامذته‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الألسن‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬سنة‭ ‬1836،‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬بعدد‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬191‭ ‬كتابا‭. ‬وكانت‭ ‬النهاية‭ ‬قرينة‭ ‬مشروع‭ ‬الألف‭ ‬كتاب‭ ‬الذي‭ ‬اقترن‭ ‬بجيل‭ ‬طه‭ ‬حسين‭. ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الرائع‭ ‬الرائد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الرقم‭ ‬ستمائة‭ ‬قبل‭ ‬توقفه‭. ‬أما‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة،‭ ‬فقد‭ ‬أنجز‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مجاوزة‭ ‬الألف‭ ‬كتاب‭ ‬حقائق‭ ‬وأرقاما،‭ ‬لاأزال‭ ‬أفخر‭ ‬بها‭.‬

  أولا‭:‬‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬اللغات‭ ‬المترجم‭ ‬عنها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثين‭ ‬لغة،‭ ‬منها‭ ‬لغات‭ ‬تمت‭ ‬الترجمة‭ ‬عنها‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬اللغات‭ ‬الأوربية‭ ‬المهمشة،‭ ‬أو‭ ‬اللغات‭ ‬الإفريقية‭ ‬غير‭ ‬المعروفة،‭ ‬مثل‭ ‬السواحيلية‭ ‬والهوسا‭ ‬والحبشية‭ ‬أو‭ ‬الأمهرية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الهيروغليفية،‭ ‬وذلك‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬اللغات‭ ‬الآسيوية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬مثل‭ ‬التركية‭ ‬والتركمانية‭ ‬والبشتوية‭ ‬والفارسية‭ ‬والصينية‭ ‬واليابانية‭ ‬والسريانية‭ ‬القديمة‭.‬

‭ ‬ثانيا‭:‬‭ ‬تأكدت‭ ‬قومية‭ ‬المشروع‭ ‬باشتراك‭ ‬مترجمين‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أقطار‭ ‬عربية،‭ ‬هي‭: ‬فلسطين،‭ ‬لبنان،‭ ‬سورية،‭ ‬العراق،‭ ‬السعودية،‭ ‬المغرب،‭ ‬الأردن،‭ ‬الإمارات،‭ ‬الجزائر،‭ ‬والكويت‭.‬

‭ ‬ثالثا‭:‬‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المترجمين‭ ‬والمراجعين‭ ‬ما‭ ‬يجاوز‭ ‬الخمسمائة،‭ ‬واشترك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬فنانا‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬الأغلفة،‭ ‬ومنهم‭ ‬شباب‭ ‬أتاح‭ ‬لهم‭ ‬المشروع‭ ‬الظهور‭ ‬الواعد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭.‬

‭ ‬رابعا‭:‬‭ ‬ضم‭ ‬المشروع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سلسلة،‭ ‬تُعد‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬نواة‭ ‬لمكتبة‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬فروع‭ ‬المعرفة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأقطارها‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة‭.‬

ولقد‭ ‬كنت‭ ‬أعلم‭ ‬والفريق‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬معي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أنجزناه‭ - ‬على‭ ‬أهميته‭ - ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬طويل،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أحلم‭ ‬بأن‭ ‬يتحول‭ ‬االمشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمةب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبت‭ ‬وجوده‭ ‬بألف‭ ‬كتاب‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬قومي‭ ‬للترجمة،‭ ‬وذلك‭ ‬إدراكا‭ ‬بأن‭ ‬المشروعات‭ ‬تنتهي،‭ ‬أما‭ ‬وجود‭ ‬مركز‭ ‬قومي‭ ‬فهو‭ ‬تحويل‭ ‬الجهد‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬مؤسسي،‭ ‬يظل‭ ‬باقيا‭ ‬مستمرا‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬دوره‭. ‬

ولم‭ ‬يفتني‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المركز‭ ‬من‭ ‬تشجيع‭ ‬المترجمين‭ ‬البارزين،‭ ‬فاقترحت‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬فاروق‭ ‬حسني‭ ‬إنشاء‭ ‬جائزة‭ ‬كبيرة‭ ‬للترجمة‭ ‬باسم‭ ‬جائزة‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬ومقدارها‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬مصري‭. ‬وأضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬إنشاء‭ ‬إدارات‭ ‬للتصويب‭ ‬اللغوي‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬الإعداد‭ ‬الفني‭ ‬بحيث‭ ‬يخرج‭ ‬الكتاب‭ ‬المترجم‭ ‬إلى‭ ‬المطابع‭ ‬جاهزا‭ ‬للطبع‭. ‬وأضفت‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬إدارة‭ ‬خاصة‭ ‬لحقوق‭ ‬الملكية‭ ‬والاتصال‭ ‬بدور‭ ‬النشر‭ ‬الأجنبية‭ ‬وإدارة‭ ‬أخرى‭ ‬للتوزيع‭ ‬وتسويق‭ ‬كتب‭ ‬المركز‭ ‬والاشتراك‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬المحلية‭ ‬والقومية‭ ‬والعالمية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬لوضع‭ ‬سياسات‭ ‬المركز‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭.‬

وقد‭ ‬كاد‭ ‬إنشاء‭ ‬المركز‭ ‬يتعثر‭ ‬لولا‭ ‬تدخل‭ ‬حرم‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬محمد‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شديدة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالإنجازات‭ ‬الثقافية،‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬تشجيعها،‭ ‬ومن‭ ‬نقصان‭ ‬الأمانة‭ ‬أن‭ ‬أغفل‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تذليل‭ ‬العقبات‭ ‬الإدارية‭. ‬ومن‭ ‬الإنصاف‭ ‬كذلك‭ ‬ذكر‭ ‬جهود‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬معي،‭ ‬والذي‭ ‬تحمس‭ ‬حماستي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬االمشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمةب‭ ‬إلى‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2007‭. ‬وقد‭ ‬اكتملت‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬في‭ ‬خيالي‭ ‬بتكليف‭ ‬النحات‭ ‬طارق‭ ‬الكومي‭ ‬بإعداد‭ ‬تمثال‭ ‬لرفاعة‭ ‬الطهطاوي،‭ ‬رائد‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭. ‬وبدأ‭ ‬االمركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمةب‭ ‬وظللت‭ ‬أرعاه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أتممت‭ ‬الصورة‭ ‬النهائية‭ ‬للحلم‭ ‬الذي‭ ‬تخيلت‭ ‬عليه‭ ‬المركز،‭ ‬فقد‭ ‬ضممت‭ ‬إليه‭ ‬المبنى‭ ‬الضخم‭ ‬المجاور،‭ ‬وقمت‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بالأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬رأفت‭ ‬لوضع‭ ‬التصميم‭ ‬النهائي‭ ‬لصورة‭ ‬المركز‭ ‬كما‭ ‬تخيلتها،‭ ‬أما‭ ‬الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬أني‭ ‬قد‭ ‬عقدت‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنتهي‭ ‬من‭ ‬طباعة‭ ‬الكتاب‭ ‬رقم‭ ‬2000،‭ ‬وقد‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك،‭ ‬فلم‭ ‬أترك‭ ‬المركز‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬الكتاب‭ ‬رقم‭ ‬2000‭ ‬لتكمل‭ ‬الألف‭ ‬الثانية،‭ ‬تاركا‭ ‬لغيري‭ ‬مواصلة‭ ‬الطريـــق،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬حلم‭ ‬إنشاء‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬ملموسة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬صرح‭ ‬يفخر‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬عربي‭.‬

 

صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬1600

ولاأزال‭ ‬أذكر‭ ‬المؤتمرات‭ ‬المحلية‭ ‬والقومية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬المركز‭ ‬وأهمها‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬عقدته‭ ‬بمناسبة‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬رقم‭ ‬1600،‭ ‬وبمناسبة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬أضفناها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ترجمنا‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬مثل‭ ‬الأردية‭ ‬والسريانية‭ ‬والبوسنية‭ ‬والحبشية‭ ‬القديمة‭ ‬والمجرية‭ ‬والقازاقية‭ ‬والتيجرينية‭ ‬والهولندية‭ ‬والتركية‭ ‬والروسية‭ ‬والصينية‭ ‬والكورية‭ ‬واليابانية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الملتقى‭ ‬الأول،‭ ‬تم‭ ‬منح‭ ‬جائزة‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬الأستاذ‭ ‬بشير‭ ‬السباعي،‭ ‬وألقى‭ ‬الدكتور‭ ‬روجر‭ ‬آلان‭ ‬كلمة‭ ‬المشاركين‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الغربي،‭ ‬والدكتور‭ ‬عبدالقادر‭ ‬المهيري‭ ‬التونسي‭ ‬عن‭ ‬مترجمي‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬والدكتورة‭ ‬نادية‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬المشاركين‭ ‬المصريين‭. ‬وصحب‭ ‬ذلك‭ ‬تكريم‭ ‬أصحاب‭ ‬الإنجازات‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬الترجمة،‭ ‬ومنهم‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬عناني‭ ‬ودينيس‭ ‬جونسون‭ ‬ديفيز‭ ‬الذي‭ ‬عكف‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬الإنجليزية‭ ‬خلال‭ ‬نصف‭ ‬قرن،‭ ‬ومعهم‭ ‬الأديب‭ ‬الليبي‭ ‬الكبير‭ ‬خليفة‭ ‬التليسي‭ ‬الذي‭ ‬ترجم‭ ‬عشرات‭ ‬الأعمال،‭ ‬ومنها‭ ‬الأعمال‭ ‬الكاملة‭ ‬للشاعر‭ ‬الإسباني‭ ‬لوركا‭. ‬وكان‭ ‬موضوع‭ ‬المؤتمر‭ ‬الرئيسي‭ ‬االترجمة‭ ‬والعولمةب،‭ ‬وشملت‭ ‬المواضيع‭ ‬الفرعية‭ ‬موضوعات‭: ‬الترجمة‭ ‬والهوية‭ ‬الثقافية،‭ ‬والترجمة‭ ‬العلمية،‭ ‬ومشكلات‭ ‬الترجمة‭ ‬الأدبية،‭ ‬والترجمة‭ ‬العربية‭ ‬والأدب‭ ‬العالمي،‭ ‬ومشكلات‭ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭. ‬وكان‭ ‬المؤتمر‭ ‬ناجحا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المقصودة‭ ‬من‭ ‬ورائه‭.‬

وبقدر‭ ‬فخري‭ ‬بإنجازي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬عظيم‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬حلما‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬هذه‭ ‬المجلة،‭ ‬فإني‭ ‬أسجل‭ ‬بالعرفان‭ ‬والتقدير‭ ‬الإشادة‭ ‬بالعون‭ ‬المعنوي‭ ‬والتشجيع‭ ‬الملموس‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬دفعوني‭ ‬للاستمرار‭ ‬وشجعوني‭ ‬عليه،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬معي‭- ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ - ‬وأعانني‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نستمر،‭ ‬ونتغلب‭ ‬على‭ ‬الصعاب‭ ‬ونحقق‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬وضعناه‭ ‬نصب‭ ‬أعيننا‭. ‬أما‭ ‬تقديري‭ ‬العميق‭ ‬فواجب‭ ‬لمئات‭ ‬المترجمين‭ ‬الذين‭ ‬تحمسوا‭ ‬مثلنا‭ ‬للإنجاز،‭ ‬وعشرات‭ ‬الأقلام‭ ‬التي‭ ‬شجعتنا‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭. ‬ولا‭ ‬أملك‭ - ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ - ‬سوى‭ ‬تسجيل‭ ‬عرفاني‭ ‬بفضل‭ ‬الوزير‭ ‬فاروق‭ ‬حسني‭ ‬الذي‭ ‬تحمس‭ ‬للمشروع‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬فكرة،‭ ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬حماسته‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬بها‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬قومي‭. ‬

وفرحتي‭ ‬غامرة‭ ‬بكل‭ ‬الذين‭ ‬نهضوا‭ ‬بعبء‭ ‬تنفيذ‭ ‬المرحلتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬صبر‭ ‬وإصرار،‭ ‬واصلين‭ ‬الليل‭ ‬بالنهار‭ ‬أحيانا،‭ ‬طوال‭ ‬أعوام‭ ‬عديدة،‭ ‬كي‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬المعدل‭ ‬الذي‭ ‬ألزمنا‭ ‬به‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وعرفاني‭ ‬الشخصي‭ ‬للدكتورة‭ ‬شهرت‭ ‬العالم،‭ ‬والأستاذ‭ ‬طلعت‭ ‬الشايب،‭ ‬ونجلاء‭ ‬الكاشف،‭ ‬ورنا‭ ‬أبوالأنوار،‭ ‬وحسن‭ ‬كامل،‭ ‬وحمدي‭ ‬كيرة،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وعادل‭ ‬مشالي‭ ‬وأقرانهم‭ ‬من‭ ‬الشابات‭ ‬والشباب‭ ‬الذين‭ ‬يدين‭ ‬لهم‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬المتابعة‭ ‬والتنفيذ‭. ‬لقد‭ ‬أسهم‭ ‬عملهم،‭ ‬ولايزال،‭ ‬في‭ ‬اكتمال‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يدفعنا‭ ‬الفرح‭ ‬بإنجازها‭ ‬إلى‭ ‬التطلع‭ ‬لإنجاز‭ ‬ما‭ ‬بعدها‭ ‬من‭ ‬مراحل،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬واقعا‭ ‬ملموسا‭ ‬مؤثرا،‭ ‬مركزا‭ ‬يتولى‭ ‬مهمة‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنسيق‭ ‬والتنفيذ،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مهمة‭ ‬التدريب‭ ‬والإشعاع‭ ‬والتشجيع،‭ ‬هادفا‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬قاعدة‭ ‬معلومات‭ ‬متكاملة،‭ ‬وتنمية‭ ‬الكوادر‭ ‬اللازمة،‭ ‬وإقامة‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والحلقات‭ ‬البحثية،‭ ‬وإصدار‭ ‬الدوريات‭ ‬والدراسات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالترجمة،‭ ‬ونشر‭ ‬ما‭ ‬ينتجه‭ ‬من‭ ‬ترجمات،‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬الارتفاع‭ ‬بمعدلات‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬والوصول‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬بتاريخنا،‭ ‬ويدفع‭ ‬بنا‭ ‬صوب‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬نستحقه‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬ينقل‭ ‬صوتنا‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬معرفتنا،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬المشوهة‭ ‬التي‭ ‬أُلصقت‭ ‬بنا‭ ‬ظلما‭ ‬وعن‭ ‬سوء‭ ‬طوية‭.. ‬لقد‭ ‬سطع‭ ‬عصر‭ ‬المأمون‭ - ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ - ‬بإنشائه‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬للترجمة،‭ ‬وتألق‭ ‬عصر‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬بإنشائه‭ ‬مدرسة‭ ‬الألسن‭ ‬التي‭ ‬استهلت‭ ‬النهضة‭ ‬الحديثة،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬يدفع‭ ‬العاملين‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مواصلة‭ ‬الحلم،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أرجو‭ ‬وأدعو‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ .