مينتيمير شايميف وأشرف أبواليزيد ... إذا لم يشارك جيل الشباب في الحفاظ على التراث فهو مهدد بالزوال

مينتيمير شايميف وأشرف أبواليزيد ... إذا لم يشارك جيل الشباب في الحفاظ على التراث فهو مهدد بالزوال

كانت زيارتي للمرة الأولى إلى مدينة قازان،  عاصمة تتارستان،  إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية،  فور حصول رئيسها السيد مينتيمير شايميف (Mintimer Shaymiyev) على جائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام. كانت المدينة الأثرية الجميلة تحتفل بمرور ألف عام على إنشائها، وبدا واضحًا الجهد الذي بذله شايميف في ترميم مساجدها،  لكن الأيقونة الأوضح كانت إنشاء النفحة المعمارية المتمثلة في جامع (قول شريف)،  الذي أصبح رمزًا للمدينة العريقة. تعددت زياراتي،  حتى بعد ترك السيد شايميف رئاسة الجمهورية،  ليصبح مستشار الدولة،  ورئيس مجلس حماية الصندوق الإقليمي لإحياء آثار تتارستان التاريخية والثقافية. 

 

وقد جاء في حيثيات لجنة اختيار السيد شايميف  لجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام حين منحت له تقديراً لخدماته الجليلة للإسلام والمسلمين وتثمينا لجهوده العظيمة في إحياء الثقافة الإسلامية في جمهورية تتارستان،  وفي تعريف مسلميها بمبادئ دينهم القيّمة،  فضلا عن إعادة بناء المساجد التي دمِّرت في أزمان سابقة حتى تجاوز عددها ألف مسجد؛ أربعون منها في العاصمة قازان بينها جامع قول شريف،  وهو تحفة فنية، وتشييد مطابع للمصحف والكتب الإسلامية وتشييد كثير من المدارس والجمعيات الإسلامية في عهده،  وإنشاء الجامعة الإسلامية الروسية،  التي تدرَّس فيها المواد بالروسية والتترية والعربية،  واتباعه سياسة حكيمة جعلت من تتارستان مثالاً للتعايش الاجتماعي السلمي،  ورمزاً للتسامح،  كما جعلتها تحقق نهضة اقتصادية وعمرانية واضحة المعالم.
أخذت وعدًا العام الماضي من السيد شايميف أن أجري حوارًا معه،  بعد أن زرت المنطقة الأثرية التي يجري فيها التنقيب بقرية بلغار الفولجا،  وتحقق الوعد هذا الخريف فكان هذا الحوار الموسع الخاص بمجلة العربي. 
● يشارك صندوق «الإحياء» الذي ترأسون مجلسه في الحفاظ على التراث التتري،  فمتى بدأ هذا الصندوق عمله؟
- كان ذلك في العام 2010 بعد استقالتي من منصب رئيس الجمهورية،  حيث قمت بإنشاء هذا الصندوق الذي ينسق العمل في تنفيذ مشروع بلدة بلغار القديمة وجزيرة سفيازك لإحياء التراث الثقافي فيهما على نطاق واسع،  وهو أمر كنتُ أحلم به منذ أمدٍ كبير.  خلاصة المشروع إحياء مكان مقدس لدى المسلمين هو موقع قرية بلغار التاريخية،  ومكان مقدس لدى الأرثوذكس الروس في جزيرة سفيازك،  وذلك بالحفاظ على المعالم الأثرية الأكثر قيمة تاريخيا،  وروحانيا،  وهي أيضا ذات هندسة معمارية فريدة،  من أجل الأجيال القادمة.
●وكيف يتم تمويله؟
- في بداية عملنا حصلنا على دعم كامل من الرئيس الروسي فلاديمير  بوتين،  ورئيس الحكومة الروسية دميتري ميدفيديف ورئيس جمهورية  تتارستان رستم مينيخانوف،  وهذا يعني أن تمويل المشروع يأتي كاملا من الميزانيات الاتحادية والإقليمية على أساس التكافؤ.
والأهم هو أن هذا المشروع وهدفه قد اكتسبا تأييد الرأي العام وجميع أعراق تتارستان،  مما جعل الجميع يدعمون هذا الصندوق،  الصغار والكبار على حد سواء،  ومن مختلف المهن والطبقات الاقتصادية المختلفة،  بالإضافة إلى المؤسسات والمنظمات كي تضمن نجاح المشروع. وكان أكبر المشاركين سنا عمره 103 سنوات،  بينما كانت أصغرهم فتاة عمرها أسبوع، وقد استثمر والداها المال باسمها في صندوق «إحياء» بعد أن خرجت من المستشفى. ويتبع العديد من أولياء الأمور هذا المثال،  وهو أمرٌ رائع حقا حين يأتي الطفل إلى هذا العالم الكبير مرافقا بالعمل الصالح.
وكرئيس لمجلس صيانة الصندوق يمكنني التأكيد يقينا بأن الجميع يشارك في هذا المشروع - وهناك عشرات الآلاف في جميع أنحاء الجمهورية ورسيا كذلك يبذلون ذلك بكل حب (من قلوبهم) كما يقول شعارنا. ولذلك قررنا طباعة كتاب تذكاري كمسرد لأسماء جميع المحسنين ليظلوا في الذاكرة. وجاء الكتاب في ثلاثة مجلدات تم نشرها بالفعل،  وتحتوي على أسماء أكثر من 22 ألفا. الحقيقة أنني في غاية السعادة لأنه من خلال إحياء التراث التاريخي نغير أنفسنا، ونصبح أفضل، ونضيف لروحانيتنا،  وهو ما أعده أكثر أهمية من ترميم الآثار،  أن نعيد إحياء أنفسنا ومجتمعنا. ونحن نفهم أننا كي نجعل الحياة أفضل علينا التحلي بالصبر والامتنان لبعضنا البعض هو ما يمكننا القيام به بشكل جيد جدا.
الأهمية الروحية لمشروعنا ضخمة،  فكما قلت تعدّ بلغار على نهر الفولجا قلب الحضارة الإسلامية في القرن العاشر. في العام 922 ميلادية ببلغار الفولجا كان أجدادنا الأوائل وللمرة الأولى بالأراضي الروسية يعتنقون طواعية وبشكل رسمي الإسلام كدين لدولتهم. ولذلك فإن إحياء بلغار هو تكريم لتاريخ عظيم للتتار سوف يعزز أيضا إيماننا. 
بالطريقة نفسها يأتي إحياء جزيرة سفيازك،  وهي بقعة مقدسة للأرثوذكس الروس بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر،  ومن المهم للشعب الروسي الحفاظ على وتنمية الثقافة الروسية بوجه أشمل،  خاصة وهي آثار تسكن ضفة أكبر نهر في أوربا - نهر الفولجا.
● يتم التنقيب في المدينة القديمة الآن كما شاهدت في رحلتي الماضية،  فهل هناك أي نتائج جديدة؟
- في واقع الأمر هناك بحوث أثرية للمستوطنة قديمة منذ 150 سنة. وقد منحتنا التنقيبات والاكتشافات المنهجية آثارا غنية أجابت عن العديد من الأسئلة المثارة حول تاريخ وثقافة بلدة بلغار في فترات مختلفة من تاريخها منذ نشأتها مرورًا بتطورها. كذلك فترة القبيلة الذهبية. ومن بين أمور أخرى، اكتشف العلماء الكثير من الحقائق حول الطبوغرافيا التاريخية والاجتماعية وأساليب البناء،  والحرف،  والتجارة رغم أننا لم ننقب إلا في 3 بالمائة فقط من كامل الأراضي القديمة حتى الآن،  والحفريات الآن تغطي أكثر من 35 ألف متر مربع.
واحدة من أكبر الآثار التي قدمتها الحفريات قصر خان، وما تبقى من حمام حجري بالقرب من الميناء النهري،  وساعدت اللقى على تحديد موقع حوالي 20 حماما كانت بالمدينة بين تركية ويونانية. وكشفت الحفريات أيضا عن بقايا مبنى من الحجر الأبيض من منتصف القرن الرابع عشر،  ربما كان لضريح يعود تاريخه إلى القرون الوسطى، وكشف الكثير من تقاليد الدفن آنذاك،  أضف إلى ذلك بقايا أفران الفخار بالقرب من البوابة الجنوبية للبلغار.
العثور على كائنات جديدة نعده مجرد بداية،  وتعلمون أن لدينا ظروفا مناخية قاسية خلال ستة أشهر من الشتاء والأمطار المتكررة والأمطار الغزيرة في الأشهر المتبقية،  وهذا كله يسبب التدمير التدريجي للمعالم التاريخية،  لذلك نقوم بعمل إنشاءات واقية فوق الآثار المكتشفة. المثال الساطع على ذلك هو سقف واق أقمناه فوق أنقاض قصر خان التي سبق أن أشرت إليها. تمت الموافقة على هذه الطريقة وبدعم من خبراء من المنظمات الدولية الشهيرة في الحفاظ على التراث التاريخي.
كشفت لنا لقى كثيرة كيف التجار يجلبون السلع قديمًا من إيران،  ومنطقة الفولجا السفلى،  والصين،  والشرق الأوسط،  وشبه جزيرة القرم وغيرها من مناطق أوراسيا،  كما وجد علماء الآثار العديد من الكنوز التي تحتوي على النقود والمجوهرات النسائية. ونحن ممتنون إلى ما لا نهاية لعلماء الآثار، ليس فقط هؤلاء الذين يعملون في بلغار ولكن زملاءهم في جزيرة سفيازك،  الذين يعملون تحت إشراف معهد الشيخ المرجاني التاريخي،  وأكاديمية تتارستان للعلوم وبمشاركة متخصصين من (منطقة الفولجا) في جامعة قازان الفيدرالية، ومعهد الآثار في أكاديمية العلوم الروسية والمؤسسات التعليمية،  ومعاهد عالمية أخرى.
● واضح أن هناك تواصلا بين التاريخ والحاضر، بين الأجيال كبيرها وصغيرها، فكيف يمكن لجيل الشباب المساهمة في تعلُّم التاريخ والحفاظ على التراث الإنساني والثقافي؟
- ما هو التراث الثقافي؟ إنه جماع كل الإنجازات الثقافية للمجتمع،  وتجربته التاريخية الباقية في ذاكرة الجمهور،  فإن لم يشارك جيل الشباب في الحفاظ عليها، فهذا التراث مهدد بالزوال . هذا يعني أننا،  الكبار،  فشلنا في شرح قيمة التراث الثقافي للشباب في الوقت المناسب. وهي أمور تأتي نتيجة للتربية والتعليم من الأسرة والبيئة التعليمية والمجتمع ككل. من وجهة نظري أنا لا يساورني القلق حول شباب تتارستان،  فهم نشطون وفضوليون فكريا. على سبيل المثال،  شارك شبابنا في تنفيذ عجائب روسيا السبع،  وشكلوا مجموعات من المتطوعين الذين نفَّذوا استطلاعات للرأي من السكان،  ودعوهم إلى التصويت لمصلحة الأماكن الثقافية والطبيعية العزيزة عليهم والتي يحبونها ويتخذونها مثار فخر لهم، كما شارك الشباب في الأنشطة التي تهدف إلى الحفاظ على الآثار المادية التاريخية والثقافية، وهذا غالبا ما يتعارض مع المصالح التجارية لمالكي المباني التاريخية،  وهناك حالات تمكنت خلالها مجموعات المبادرة الشبابية من إقناع أصحاب المعالم المعمارية بعدم بناء طوابق إضافية للحفاظ على التصميم الأصلي للمبنى.
في العام الماضي،  بعد أن عرفنا أن الدورة المقبلة للجنة التراث العالمي لليونسكو ستعقد للمرة الأولى في روسيا، بمدينة سان بطرسبرج، اقترحت تنظيم جلسة للشباب هنا في تتارستان تتم بالتزامن مع الدورة الرئيسية للجنة،  لأننا إذا أردنا الحفاظ على التراث للأجيال المقبلة فلابد من إشراكهم في حل هذه الأسئلة حتى يتمكنوا من القيام بذلك بأنفسهم في المستقبل. ووافقت إدارة اليونسكو،  وهكذا أصبحت قازان أول مدينة تستضيف المنتدى الدولي للشباب «نموذج الشباب من لجنة التراث العالمي». ودعي ممثلان اثنان من كل بلد عضو في اللجنة للمشاركة في هذه الدورة (21 دولة)،  شابة وشاب بين 18-25 سنة متخصصين في الحفاظ على التراث العالمي بين طلاب الدراسات العليا والدكتوراه من الجامعات المناظرة والعلماء الشباب. وجاء الشباب من ألمانيا، كمبوديا، قطر، كولومبيا، ماليزيا، مالي، المكسيك، السنغال، صربيا، تايلند، فرنسا، سويسرا، استونيا، إثيوبيا، جمهورية جنوب أفريقيا واليابان إلى قازان. 
●أعتقد أن مهاما كبيرة تنتظركم، فما هو مجمل نشاط صندوق «الإحياء» على مدار السنة؟
- كما سبق أن قلت، وينسق الصندوق عمل منظمات التصميم والترميم والبناء المختلفة. وهو عمل واسع ومعقَّد، ولذلك فالأكثر منطقية الحديث عما تم إنجازه خلال السنوات الثلاث ونصف منذ بدء نشاطه.
في بضع كلمات، أعمال الترميم تُجرى على المباني التاريخية سواء كانت مسجدًا، أو كاتدرائية، أو ضريحًا. وقد تم بناء مخيم للحجاج والسياح، وترميم البوابة الجنوبية للمستوطنة القديمة في بلغار وإقامة نصب تذكاري لتسجيل مدافن الصحابة الذين بشروا بالإسلام قديمًا هنا، فضلا عن النصب التذكاري الفريد من نوعه الذي شيد تكريما للاعتماد الرسمي للإسلام دينا في بلغار الفولجا سنة 922 ميلادية وافتتح رسميا في مايو 2011. وهو مظهر من مظاهر امتناننا واحترامنا العميق لأجدادنا الذين اعتنقوا الإسلام على هذه الأرض. والقاعة الرئيسية تضم أكبر نسخة في العالم للقرآن الكريم، والتي نشرت بمبادرة من صندوق «الإحياء» وحجمها متران طولا في متر ونصف المتر عرضا وتزن حوالي 800 كيلوجرام، وعدد صفحاتها 632 صفحة. واستخدمت الأحجار شبه الكريمة، ورقائق الذهب والفضة لتزيين تلك النسخة. وقد تم إدراج هذه الطبعة من القرآن الكريم في سجل موسوعة جينيس. وداخل المتحف التذكاري صورة فسيفساء تظهر لحظة اعتماد الإسلام و«مذكرات رحلة إلى نهر الفولجا» لابن فضلان، في أربع لغات وخريطة لرحلته. لقد جاء أحمد بن فضلان إلى بلغار الفولجا في ذلك التاريخ رئيسا لسفارة رسمية من الخليفة العباسي في بغداد.
افتتحنا أيضا متحف الخبز؛ وهو متحف تاريخ زراعة المحاصيل والخبز في تتارستان، بدءا من العصور القديمة. لقد كان أجدادنا في ولاية البلغار يعيشون حياة مستقرة في الغالب، لتوافر الأمن، وامتهنوا الزراعة والتجارة والحرف اليدوية والتعدين وصنع المجوهرات، وصناعة الفخار. ومتحف الخبز مع مطحنة الحقيقي، منزل ريفي مع تنور لصنع الخبز، وحظيرة، وورشة حدادة، يستنسخ الحياة اليومية لسكان الريف. يمكنكم تذوق الخبز الطازج الذي تخبزونه بأيديكم، وطحن الحبوب في المطحنة التقليدية وكذلك استخدام أدوات الحدادة أو صانع الفخار، ويمكن لكل زائر أن يشعر بواقع العيش على الأرض، وتمجيد العمل.
لقد زرت الجامع الأبيض، وهو أيقونة معمارية تستحق إلقاء الضوء عليها، خاصة أنه أقيم في البقعة التي استقبلت الإسلام للمرة الأولى في روسيا.
في صيف 2012 أكملنا تشييد مجمع الجامع الأبيض ويضم المسجد ومقر المفتي والمدارس الدينية، وافتتح أثناء الاحتفال بذكرى دخول الإسلام. والمسجد مغطى بالرخام الإيطالي الأبيض وهو ما منحه اسمه «المسجد الأبيض»، ويرمز إلى نقاء الروح والأفكار، ومآذن المسجد مبنية على طراز المآذن في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة.
في خريف 2012 افتتحنا متحف بيت الشافي، فقد كانت بلغار الفولجا واحدة من مراكز تطوير الطب العربي والعلوم الطبيعية وعلم الصيدلة، وهذا العام نفتتح ميناء نهريا ستستخدم طوابقه العلوية أيضا كمتحف، ويستقبل السياح والحجاج الذين يأتون إلى هنا عن طريق القوارب، وتعكس عمارته ثقافة البلغار التقليدية، وأسميناه مجمع عبدالرحمن، وهو اسم أحد دعاة الإسلام الأوائل.
في الوقت نفسه قمنا بترميم العديد من المباني التاريخية في جزيرة سفيازك، مثل كنيسة الثالوث الخشبية التي بنيت عام 1551 قبل غزو الإمبراطور الروسي إيفان الرهيب لمدينة قازان، وهي مجمع من المباني لمؤسسات عامة، ومنزل كامينيف التاجر الذي يضم حاليا فندقا، ومنزلا خيريا، فضلا عن دير العذراء، وأكاديمية الدير، وبناء يعود لبداية القرن العشرين، يضم حاليا مركز تعليم الأطفال. وهناك ميناء كذلك. كما افتتح النصب التذكاري لضحايا القمع السياسي، في ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي، ممن حبسوا في سجون سفيازك وقتل العديد منهم ودفنوا في الجزيرة. ويضم مخططنا اسطبلات خيول للصيف، وورشة للحدادة ونزلا، ومعرضًا للعربات. وقد تمت استعادة الحاجز الأيقوني في كنيسة الثالوث، والانتهاء من أعمال الترميم في الكاتدرائية، مما انعكس على الظروف المعيشية للسكان بالخير، فانتقلت 88 عائلة إلى الشقق الجديدة في سفيازك، وتم نقل 54 أسرة من منطقة المتحف لبناء مساكن جديدة في بلغار الفولجا، وهذا العام نحن نخطط لاستكمال بناء الوحدات السكنية.
 ● كيف تقيِّمون العلاقات مع العلماء العرب والشعوب العربية في المجالين؛ الثقافي والتاريخي؟
- أعمال العلماء العرب تحتل مكانة مهمة جدا في مجال البحوث حول تاريخنا، لأن الكتابة والفضاء الديني المشترك جمعانا لفترة طويلة. لدينا أسلاف بلغار الفولجا الذين ذهبوا إلى الحج في مكة المكرمة، وهي حقيقة تاريخية ذكرها المؤرخ العربي الجيوسي في أطروحته التاريخية (تاريخ الممالك والأمم)، وكتب عن وفد من بلغار الفولجا قوامه أكثر من خمسين حاجا، إلى الكعبة في 1041 ميلادية. حين بدأت علاقات أوثق مع السعوديين في القرن التاسع عشر، بدأ التجار التتار بناء المنازل للمتصوفة والحجاج من مناطق الفولجا في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكانت تسمى بـ«تكية» المسافرين. وكان ذلك أيضا على طول طريق الحج عبر غيرهما من المدن العربية. وقد تم افتتاح القنصلية الروسية في جدة عام 1892 ميلادية. 
وعين التتاري شيجموردان ميريسوفيتش إبراغيموف (1841-1892)، عضو مجلس الدولة الفعلية كأول قنصل روسي في السعودية. وكتب إيشاييف شاكيرزيان الذي عمل في القنصلية الروسية في جدة في الفترة نفسها (منذ عام 1895 ميلادية) انطباعاته عن جدة والسعودية في كتابه المشهور عن مكة المكرمة. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن عام 1924 كان أول سفير للدولة السوفييتية إلى السعودية (وكان الاسم الرسمي نجد والحجاز) مرة أخرى من التتار، وهو كريم عبدالرؤوفيتش حكيموف ( 1892 - 1938)، الذي بقي في منصبه حتى 1928 وبعد فترة انقطاع عاد مرة أخرى في 1935-1937. وفي عام 1945 تم تعيين التتاري إسماعيل أفندي أميرًا لمنطقة المدينة المنورة. وكان والده مصطفى علي الملا في قرية تشلني في وقتنا الحاضر من منطقة ألكييف في  تتارستان، وقد هاجر قبل ثورة أكتوبر إلى تركيا وانتقل لاحقا إلى المدينة المنورة.
في الظروف الحديثة تعاونت تتارستان مع عدد من الدول العربية بما في ذلك تطوير التعاون في مجالات العلم والثقافة بنجاح. على سبيل المثال، هناك اتفاق بين دولة الكويت وجمهورية تتارستان على تبادل الوفود من المبدعين في مجالات الثقافة والفنون، والمتخصصين ذوي الصلة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات لتبادل الخبرات والمعلومات، ومعارض الفنون التقليدية، والتعاون في المشترك: البرامج التعليمية والمحاضرات ودرجة الماجستير في الخط العربي والفنون الأخرى التي هي تراث مشترك للكويت وتتارستان، فضلا عن تشجيع توسيع التعاون المباشر بين المكتبات والمتاحف ومعاهد الثقافة والفن، للمنظمات المشاركة في ترميم وحماية الآثار التاريخية والمعالم الثقافية بما في ذلك ترميم وصيانة المخطوطات والكتب النادرة مع استخدام التقنيات الرقمية الحديثة لتوفير الحفاظ على المخطوطات والكتب النادرة، في مجموعات مختلفة من جمهورية تتارستان.
●ما الذي يمكن القيام به لتعزيز الفن والحفاظ على التراث التتاري؟
الفن يلعب دورا كبيرا وثمينا في الحفاظ على الوعي الذاتي، والثقافة واللغة والتراث التاريخي للشعوب، ومهرجان قازان الدولي لسينما العالم الإسلامي الذي يقام في قازان منذ العام 2005، هو مثال مشرق. والحقيقة هي أن أفلام المهرجان تلتزم بالقضايا الأخلاقية والإنسانية مثل الخير، والحب، والعلاقات الأسرية، والحفاظ على التقاليد الوطنية من مختلف الشعوب واحترام الثقافات الأخرى التي كانت دائما مهمة للتتار.
أنت تعرف أن تتارستان مثال للتعايش السلمي، فبها أكثر من 100 جنسية، والأكثر عددا هم التتار والروس والأوكرانيون، واليهود، إلى سواهم، لذلك كان هذا المهرجان نقطة انطلاق جيدة، لتطوير السينما الخاصة بنا في تتارستان المشهورة بتقاليد مسرحها، ويتزايد عدد الأفلام والرسوم المتحركة والأفلام الوثائقية التي تنتج في تتارستان كل عام . وهكذا،  فإن مهرجان قازان الدولي لسينما العالم الإسلامي هو بمنزلة تحضير للتنمية الكاملة للسينما الوطنية لدينا في المستقبل، وسوف يكون التاريخ والحفاظ على التراث المادي والروحي لشعبنا من أولوياته.
● ما هي خطط صندوق «الإحياء» الخاصة بالمستقبل؟
- الأهم بالنسبة لنا هو الاستكمال اللائق لكل ما لدينا من مخططات لمنطقة بلغار الفولجا، لتصبح واحدة من الأماكن الأكثر جذبا للمسلمين والزوار. وأن تصبح مركزا روحيا وثقافيا وتاريخيا عالميا، مثلما نخطط أن تكون جزيرة سفيازك  مركز الأرثوذكسية في الثقافة الروسية. أعتقد أننا اخترنا الطريق الصحيح في هذا الاتجاه، وتم ترشيح مجمع بلغار الفولجا التاريخي الأثري ليكون في قائمة التراث العالمي لليونسكو. وكما حدث، على سبيل المثال، بعد تسجيل كرملين قازان بقائمة اليونسكو، زاد عدد السياح بشكل كبير، حيث يأتي إليه مليون زائر سنويا. ومن دواعي سروري أننا حققنا تقدما كبيرا في تأهيل بلغار الفولجا لذلك ، وفي شهر يونيو من العام الحالي في كمبوديا، تم الاعترف خلال الدورة 37 للجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو بالقيمة العالمية البارزة للمكان، ونحن متفائلون بنجاحنا ■

جامع (قول شريف)،  قازان، جمهورية تتارستان، روسيا الاتحادية