مائة عام من الرواية العربية

مائة عام من الرواية العربية

تحولت‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬ثمة‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬يصدر‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬عشرات‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬الآن،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إعادة‭ ‬تأمل‭ ‬المنجز‭ ‬الروائي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬التدافع‭ ‬الصحّي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كتابة‭ ‬العالم‭ ‬والذكريات‭ ‬والتجارب‭ ‬الشخصية‭ ‬والعامة،‭ ‬واستعادة‭ ‬التاريخ‭ ‬وتحويل‭ ‬مادته‭ ‬لكي‭ ‬تستجيب‭ ‬لأحلام‭ ‬الناس‭ ‬بمستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحاضر‭ ‬الحزين‭. 

ثمة‭ ‬مناسبة‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الاستحقاق‭ ‬الثقافي‭ ‬النقدي‭ ‬المعرفي‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2013‭ ‬الذي‭ ‬تستكمل‭ ‬فيه‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬قرناً‭ ‬كاملا‭ ‬منذ‭ ‬كتب‭ ‬د‭.‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل‭ ‬روايته‭ ‬الشهيرة‭ ‬ازينبب‭. ‬لقد‭ ‬انتهى‭ ‬هيكل‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1913‭ ‬لكنه‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1914‭ ‬مدشِّنا‭ ‬التاريخ‭ ‬الرسمي‭ ‬للنوع‭ ‬الروائي‭ ‬العربي‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬أعمالا‭ ‬سردية‭ ‬كثيرة‭ ‬سبقت‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬ويمكن‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬بوصفها‭ ‬تأسيسا‭ ‬للنوع‭ ‬الروائي‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬لكن‭ ‬رواية‭ ‬ازينبب‭ ‬كتبت‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬احتكاك‭ ‬الكاتب‭ ‬المصري،‭ ‬العائد‭ ‬للتوّ‭ ‬من‭ ‬باريس‭ ‬بعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬السوربون،‭ ‬بالرواية‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أَنتَجت‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬أعظم‭ ‬منجز‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬أونوريه‭ ‬دو‭ ‬بلزاك‭ ‬وغوستاف‭ ‬فلوبير‭ ‬وفكتور‭ ‬هوغو‭. ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬تدشن‭ ‬ازينبب‭ ‬التاريخ‭ ‬النوعي‭ ‬للكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬وعيها‭ ‬بحدود‭ ‬النوع‭ ‬كما‭ ‬تعرَّف‭ ‬عليه‭ ‬هيكل‭ ‬مُمَثّلا‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الفرنسية‭. ‬

إننا‭ ‬نبدأ‭ ‬إذن‭ ‬العام‭ ‬المائة‭ ‬الرسميّة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬مديدٌ،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬كثافة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الروائي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬وتحول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬الأخرى‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬بصورة‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬لها‭ ‬مثيلا‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الرواية‭ ‬هي‭ ‬الشكل‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارا‭ ‬ومقروئية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬مُزيحةً‭ ‬الشعر،‭ ‬ديوان‭ ‬العرب‭ ‬الأول،‭ ‬عن‭ ‬عرشه‭ ‬الذي‭ ‬تربّع‭ ‬عليه‭ ‬طوال‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬قرنا‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭.‬

لقد‭ ‬تمّت‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬ازينبب‭ ‬هي‭ ‬العمل‭ ‬الروائي‭ ‬العربي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬باحثون‭ ‬ونقاد‭ ‬نبشوا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية‭ ‬العربية،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬فأُعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬تتخذ‭ ‬شكل‭ ‬المقامات‭ ‬لكتابة‭ ‬أعمال‭ ‬روائية‭, ‬مثل‭ ‬احديث‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشامب‭ ‬لمحمد‭ ‬المويلحي،‭ ‬واليالي‭ ‬سطيحب‭ ‬للشاعر‭ ‬المصري‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭. ‬

ثم‭ ‬عاد‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬الأدبيين‭ ‬إلى‭ ‬االساق‭ ‬على‭ ‬الساق‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬الفارياقب‭ ‬لأحمد‭ ‬فارس‭ ‬الشدياق،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬نساء‭ ‬قبل‭ ‬نشر‭ ‬رواية‭ ‬ازينبب‭. ‬لكن‭ ‬رواية‭ ‬الكاتب‭ ‬المصري‭ ‬التنويري‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل‭ ‬بقيت‭ ‬رقما‭ ‬صعبا‭ ‬في‭ ‬الجدل‭ ‬الدائر‭ ‬حول‭ ‬التأسيس‭ ‬للنوع‭ ‬الروائي‭ ‬العربي‭. ‬هكذا‭ ‬أصبحت‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬المصري‭ ‬فاتحةَ‭ ‬نوعٍ‭ ‬تعبيري‭ ‬جديد‭ ‬وافد‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وبدايةً‭ ‬لطريقة‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬عالم‭ ‬خيالي‭ ‬ذي‭ ‬مصادر‭ ‬واقعية‭. ‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬يتعلق‭ ‬بغياب‭ ‬وزارات‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬القُطرية‭ ‬والقومية،‭ ‬الرسمية‭ ‬منها‭ ‬والأهلية،‭ ‬عن‭ ‬الإعداد‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬يؤرخ‭ ‬لمرور‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬ولادة‭ ‬النوع‭ ‬الروائي‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭. ‬فحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لم‭ ‬أسمع‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬جهة،‭ ‬أو‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬أعدت‭ ‬للاحتفال‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬إعلانٌ‭ ‬واحد‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬جديدة‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬النوع‭ ‬الروائي‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬أو‭ ‬خبر‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬تعد‭ ‬لمؤتمر‭ ‬كبير‭ ‬يناقش‭ ‬الجذور‭ ‬التاريخية‭ ‬لنشأة‭ ‬الرواية‭ ‬العربية،‭ ‬وتحولات‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الكتابة،‭ ‬وعلاقة‭ ‬النـــــوع‭ ‬الروائي‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬الأجناس‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬العربي‭ ‬التراثي،‭ ‬أو‭ ‬اتجاه‭ ‬السهم‭ ‬الذي‭ ‬تتخذه‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التاريخية‭ ‬الفارقــــة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬أزمنة‭ ‬الاستبداد،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬ازينبب‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل‭ ‬تحاول‭ ‬التخلص‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬أردية‭ ‬التخلف‭ ‬والتمييز‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ .