دنيا الشعراء... حالم بالخلود... طامع في الإمارة... ناشد للإلهام!

دنيا الشعراء... حالم بالخلود...  طامع في الإمارة... ناشد للإلهام!

من‭ ‬حق‭ ‬الشعراء‭ - ‬ولست‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفصيل‭ - ‬أن‭ ‬ينشدوا‭ ‬الخلود‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬فهم‭ ‬موصولون‭ ‬بأسباب‭ ‬الإلهام‭ ‬تهبط‭ ‬عليهم‭ ‬دون‭ ‬سواهم،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬توصف‭ ‬أحيانا‭ ‬بشياطين‭ ‬الشعر،‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭ ‬عليهم‭ ‬إن‭ ‬فاخروا‭ ‬في‭ ‬شعرهم‭ ‬بهذا‭ ‬المجد‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬ذهبوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السبيل‭ ‬مذهب‭ ‬الغلو،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬منهم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتواضع‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬نفي‭ ‬أي‭ ‬موهبة‭ ‬لهم‭.‬

فالشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬يتباهى‭ ‬بقوله‭: ‬

كان‭ ‬شعري‭ ‬الغناء‭ ‬في‭ ‬فرح‭ ‬الشرق‭ ‬

وكان‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬أحزانه

فهو‭ ‬وحده‭ ‬المعبر‭ ‬عن‭ ‬الأفراح‭ ‬والأحزان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الشرق،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬فكرة‭ ‬العروبة‭ ‬قد‭ ‬استقرت‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الشعراء‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬الكاتبين‭.‬

والشاعر‭ ‬المهجري‭ ‬زكي‭ ‬قنصل‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭:‬

أنا‭ ‬سيد‭ ‬الشعراء‭ ‬غير‭ ‬مدافع

‭ ‬أمشي‭ ‬فتمشي‭ ‬خلفيَ‭ ‬الشعراء‭!‬

فطابور‭ ‬الشعراء‭ ‬طويل‭ ‬يتصدره‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر،‭ ‬وتحاول‭ ‬بقية‭ ‬الشعراء‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الطوابير‭ ‬االمطوبرةب‭!‬

والشاعر‭ ‬السوري‭ ‬محمد‭ ‬سليمان‭ ‬الأحمد‭ ‬المكنى‭ ‬ببدوي‭ ‬الجبل‭, ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬شعره‭ ‬خالد‭ ‬خلود‭ ‬الدهر‭ ‬ولا‭ ‬منازعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭:‬

الخالدان‭ - ‬ولا‭ ‬أعد‭ ‬الشمس‭ - ‬شعري‭ ‬والزمان

ويقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬أخرى‭:‬

كل‭ ‬مجد‭ ‬يفنى‭ ‬ويبقى‭ ‬لشعري

شرف‭ ‬باذخ‭ ‬ومجد‭ ‬أثيل

أما‭ ‬الشاعر‭ ‬المهجري‭ ‬إيليا‭ ‬أبوماضي‭ ‬فيتفاخر‭ ‬باسمه‭ ‬وباسم‭ ‬الشعراء‭ ‬بقوله‭:‬

إنما‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬الشعراء‭ ‬

تجلى‭ ‬سرّ‭ ‬النبوة‭ ‬فينا

فهو‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الشعراء‭ ‬إنما‭ ‬يستلهمون‭ ‬شعرهم‭ ‬وكأنهم‭ ‬أنبياء‭.‬

والشاعر‭ ‬المهجري‭ ‬رشيد‭ ‬سليم‭ ‬الخوري‭ ‬المكنى‭ ‬بـ‭ ‬االشاعر‭ ‬القرويب‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭:‬

عدمت‭ ‬نظيري‭ ‬في‭ ‬وفائي‭ ‬لأمتي

فقل‭ ‬عشيري‭ ‬حين‭ ‬قلّ‭ ‬مجانسي

شَغلت‭ ‬بموسيقى‭ ‬الكواكب‭ ‬مسمعي

بعيدًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هميم‭ ‬الخنافس‭!‬

وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬التفاخر‭ ‬والتعالي‭ ‬يجيء‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬شاعر‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬تواضع‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬حتى‭ ‬أنكر‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭:‬

ما‭ ‬يُرجَّى‭ ‬من‭ ‬مشهدي‭ ‬أو‭ ‬مغيبي

ومكاني‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬الطيف‭ ‬خال

وفي‭ ‬موقع‭ ‬آخر‭ ‬يقول‭:‬

عندي‭ ‬الحائلان‭ ‬دون‭ ‬رفيع‭ ‬الـ

قدر‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬ومن‭ ‬إقلال

وعندما‭ ‬نودي‭ ‬بالشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬أميرًا‭ ‬للشعراء‭ ‬تاقت‭ ‬نفوس‭ ‬كل‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬الحظوة‭ ‬بهذا‭ ‬اللقب‭ ‬أو‭ ‬بلقب‭ ‬شبيه‭ ‬به‭ ‬يكتب‭ ‬لهم‭ ‬أفضلية‭ ‬على‭ ‬زملائهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬وكان‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭ ‬يهاجم‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬وينكر‭ ‬عليه‭ ‬شاعريته‭ ‬وبالتالي‭ ‬إمارته،‭ ‬ويتطلع‭ ‬إلى‭ ‬منزلة‭ ‬تحاكي‭ ‬منزلة‭ ‬شوقي‭ ‬أو‭ ‬تفوقه،‭ ‬فأسعفه‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عندما‭ ‬دعا‭ ‬جمهرة‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تستظل‭ ‬بلواء‭ ‬الشاعر‭ ‬العقاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬للعقاد‭ ‬لواء‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬رفعة‭ ‬عن‭ ‬لواء‭ ‬شوقي‭ ‬في‭ ‬الشعر‭.‬

ولكن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬جامل‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬عندما‭ ‬احتفل‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬كبير‭ ‬تخلَّف‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬فيه‭ ‬لخصومة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬راعي‭ ‬المهرجان‭ ‬وزير‭ ‬المعارف‭ ‬العمومية‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬أحمد‭ ‬السنهوري‭ ‬باشا،‭ ‬فوجه‭ ‬إلى‭ ‬مطران‭ ‬رسالة‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الأهرام‭ ‬قال‭ ‬فيها‭: ‬اإنك‭ ‬زعيم‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬وأستاذ‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬المعاصرين،‭ ‬لا‭ ‬أستثني‭ ‬منهم‭ ‬أحدًا‭ ‬ولا‭ ‬أفرق‭ ‬بين‭ ‬المقلدين‭ ‬والمجددين،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬اللفظ‭ ‬الصريح‭ ‬أرسله‭ ‬واضحا‭ ‬جليا‭ ‬لا‭ ‬التواء‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬غموضب‭. ‬أفلا‭ ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬بيعة‭ ‬من‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬لصديقه‭ ‬خليل‭ ‬مطران‭ ‬أميرًا‭ ‬للشعراء‭ ‬في‭ ‬عصره؟

ويجرنا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬وإمارته‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الاحتفال‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬أخيرا‭ ‬بمناسبة‭ ‬بلوغ‭ ‬الشاعر‭ ‬سعيد‭ ‬عقل‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬فأصبح‭ ‬من‭ ‬المعمرين‭ ‬مثل‭ ‬ميخائيل‭ ‬نعيمة‭ ‬والشاعر‭ ‬القروي‭ ‬رشيد‭ ‬سليم‭ ‬الخوري‭ ‬اللذين‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬أعتاب‭ ‬المائة‭.‬

وللشاعر‭ ‬سعيد‭ ‬عقل‭ ‬ديوان‭ ‬باللهجة‭ ‬اللبنانية‭ ‬وبالحروف‭ ‬اللاتينية‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التجديد‭ ‬عنوانه‭ ‬اياراب،‭ ‬وقد‭ ‬استعصى‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬منه‭ ‬صفحة‭ ‬واحدة‭.‬

وفي‭ ‬مناسبة‭ ‬سابقة‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬ندوة‭ ‬للاحتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي،‭ ‬حيث‭ ‬ألقى‭ ‬سعيد‭ ‬عقل‭ ‬قصيدة‭ ‬ختمها‭ ‬بقوله‭: ‬

‮«‬أنا‭ ‬البحر،‭ ‬شوقي،‭ ‬أيّنا‭ ‬اليوم‭ ‬أشعر؟‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الفور‭ ‬نهض‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الحاضرين‭ ‬شاب‭ ‬يحمل‭ ‬تاجًا‭ ‬مضفورًا‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬الفضي‭ ‬المقوى‭ ‬ووضعه‭ ‬على‭ ‬هامة‭ ‬الشاعر‭ ‬سعيد‭ ‬عقل‭ ‬إيذانًا‭ ‬بتتويجه‭ ‬أميرًا‭ ‬للشعر‭ ‬والشعراء‭ ‬مادام‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬أشعر‭ ‬من‭ ‬شوقي‭.‬

وكان‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬حسن‭ ‬إسماعيل‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬ينهى‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬مطالعة‭ ‬دواوين‭ ‬قدامى‭ ‬الشعراء‭ ‬لسببين‭: ‬أولهما‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتأثر‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬وثانيهما‭ ‬لأنه‭ ‬كشاعر‭ ‬موصول‭ ‬الأسباب‭ ‬بالإلهام‭ ‬يوافيه‭ ‬رأسا‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬عادته‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬الجيزة‭ ‬القديمة‭ ‬لكي‭ ‬يتمشى‭ ‬في‭ ‬غلس‭ ‬الليل‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬النيل‭ ‬ليستقبل‭ ‬أسباب‭ ‬الإلهام‭ ‬تهبط‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬يفذ‭ ‬في‭ ‬السير،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬الأمسيات‭ ‬استوقفه‭ ‬شرطي‭ ‬لأنه‭ ‬ارتاب‭ ‬في‭ ‬أمره‭ ‬وخشي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬قطَّاع‭ ‬الطرق‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬لصوص‭ ‬المنازل‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬النيل،‭ ‬فاقتاده‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬الشرطة،‭ ‬حيث‭ ‬اكتشف‭ ‬الضابط‭ ‬سلامة‭ ‬مقصده،‭ ‬ونصحه‭ ‬بأن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬الإلهام‭ ‬بأسلوب‭ ‬آخر‭.‬

وللشعراء‭ ‬ولشياطينهم‭ ‬حكايات‭ ‬تروى،‭ ‬بعضها‭ ‬معقول‭ ‬وبعضها‭ ‬غير‭ ‬معقول،‭ ‬ونحن‭ ‬نعذرهم‭ ‬في‭ ‬الحالين‭ ‬لأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬سواد‭ ‬الناس‭! .‬