المسرح العربي الراهن في عين العاصفة

المسرح العربي الراهن في عين العاصفة

في‭ ‬غياب‭ ‬المنهج‭ ‬والمعايير‭ ‬الواضحة‭ ‬عانت‭ ‬حركة‭ ‬النقد‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬عمومًا،‭ ‬وفي‭ ‬الفنون‭ ‬السبعة‭ ‬خاصة،‭ ‬ضعفًا‭ ‬مزمنًا،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬الأساليب‭ ‬والمضامين،‭ ‬وكان‭ ‬النقد،‭ ‬في‭ ‬اتجاهاته‭ ‬وفروعه،‭ ‬هو‭ ‬الضلع‭ ‬القاصر‭ ‬في‭ ‬مضمار‭ ‬التجديد‭ ‬والانفتاح،‭ ‬وكأنه‭ ‬ملحق‭ ‬بثقافة‭ ‬الخوف،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬ونقد‭ ‬النقد‭. ‬

ظلت‭ ‬امتدادات‭ ‬النقد‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬الضيق‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬الجامعات‭ ‬المنغلقة‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬النقد‭ ‬الأفقي‭ ‬الذي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬المدح‭ ‬والقدح،‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬العتيق‭ ‬المرسوم‭ ‬لصحافة‭ ‬السلطة‭ ‬المعلبة،‭ ‬المكتوبة‭ ‬والمصورة‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬تخلو‭ ‬الساحة‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬شخصية‭ ‬محددة‭ ‬وبارزة،‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬منهج‭ ‬واضح،‭ ‬ومعايير‭ ‬أكاديمية‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬حركات‭ ‬التجديد‭ ‬والمغامرات‭ ‬الإبداعية،‭ ‬وعلوم‭ ‬العصر‭ ‬وفنونه‭.‬

برز‭ ‬اسم‭ ‬د‭. ‬نديم‭ ‬معلا،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقد‭ ‬المسرحي،‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬السبعينيات،‭ ‬بعد‭ ‬تخرجه‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬المسرح‭ ‬بموسكو‭ (‬غيتيس‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬مدرسي‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬الذي‭ ‬تخرج‭ ‬فيه‭ ‬أبرز‭ ‬نجوم‭ ‬الدراما‭ ‬السورية‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬والمخرجين‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬النقاد‭. ‬ثم‭ ‬انتقل
د‭. ‬نديم‭ ‬للتدريس‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬لمدة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬ومنذ‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬أصدرخمسة‭ ‬عشر‭ ‬كتابًا‭ ‬متميزًا،‭ ‬تأليفًا‭ ‬وترجمة،‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬والكويت‭ ‬وبيروت‭ ‬والإسكندرية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬كتابه‭ ‬الغة‭ ‬العرض‭ ‬المسرحيب‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬فيه‭ ‬تشريحًا‭ ‬مفصلًا‭ ‬ودقيقًا‭ ‬لكل‭ ‬الوجوه‭ ‬المتكاملة‭ ‬للعرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬ثم‭ ‬نشر‭ ‬ترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬ستانيسلافسكي‭  ‬احياتي‭ ‬في‭ ‬الفنب‭ ‬ذ‭ ‬في‭ ‬576‭ ‬صفحة‭ - ‬وهو‭ ‬أهم‭ ‬كتب‭ ‬المذكرات‭ ‬الشخصية‭ ‬والعملية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المسرح‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬

في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬نديم‭ ‬معلا‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬حاضر‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي،‭ ‬أمس‭ ‬واليوم‭ ‬وغدًا‭:‬

‭_ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬رحل‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أعمدة‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬الجديد،‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمخرجين‭ ‬مثل‭: ‬يوسف‭ ‬إدريس،‭ ‬سعد‭ ‬الله‭ ‬ونوس،‭ ‬عصام‭ ‬محفوظ،‭ ‬صقر‭ ‬الرشود،‭ ‬فواز‭ ‬الساجر،‭ ‬نعمان‭ ‬عاشور،‭ ‬محمود‭ ‬دياب،‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬وهبة،‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭ ‬،‭ ‬فكيف‭ ‬انعكست‭ ‬هذه‭ ‬الخسارة‭ ‬الفادحة‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الراهن‭ ‬للمسرح‭ ‬العربي؟

 

‭ ‬المسرح‭ ‬العربي

‭- ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحالات‭ ‬ينتجون‭ ‬أو‭ ‬يبدعون‭ ‬نصوصًا‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الأدب،‭ ‬وكانوا‭ ‬أصحاب‭ ‬مشاريع‭ ‬ثقافية‭ ‬اجتماعية‭ - ‬سياسية،‭ ‬ومع‭ ‬رحيل‭ ‬هؤلاء‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬للنص‭ ‬حضوره‭ ‬المؤثر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عوامل‭ ‬موضوعية‭ ‬أخرى،‭ ‬منها‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الجسد‭ (‬جسد‭ ‬الممثل‭) ‬واعتباره‭ ‬لغة،‭ ‬ومنها‭ ‬أيضًا‭ ‬طغيان‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإعداد،‭ ‬وظاهرة‭ ‬الكاتب‭ -‬المخرج،‭ ‬وكنا‭ ‬نسعى‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬إلى‭ ‬تعليم‭ ‬فن‭ ‬الكتابة‭ ‬المسرحية،‭ ‬مع‭ ‬يقيني‭ ‬بأن‭ ‬الاستعداد‭ ‬الإبداعي‭ ‬هو‭ ‬الأساس،‭ ‬ولكن‭ ‬يمكن‭ ‬تحريض‭ ‬الدارس‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬وذلك‭ ‬بمقاربة‭ ‬الأنواع‭ ‬المعروفة‭ ‬والحديثة،‭ ‬ومناقشتها‭ ‬وليس‭ ‬تلقينها،‭ ‬والواقع‭ ‬الراهن‭ ‬للمسرح‭ ‬العربي‭ ‬ضعيف،‭ ‬وليس‭ ‬مستقرًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬العاصفة‭.‬

‭ -‬صعدت‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬المهرجانات‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬المتوالية،‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬الماضية،‭ ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬بالانحسار،‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الطقوس‭ ‬الاحتفالية‭ ‬المحلية‭ ‬العابرة،‭ ‬لماذا؟

 

المهرجانات‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬

‭-  ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬المهرجانات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬مهمة،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬ضرورية،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬المشاركون‭ ‬من‭ ‬ممثلين‭ ‬ومخرجين‭ ‬ونقاد‭ ‬يحملون‭ ‬قيمًا‭ ‬فنية‭ ‬وفكرية‭ ‬حقيقية،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فإنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المشرفين‭ ‬عليها‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين،‭ ‬لذلك‭ ‬نشأت‭ ‬ظاهرة‭ ‬المتعهدين‭ ‬والمقاولين‭ ‬الذين‭ ‬يتولون‭ ‬توجيه‭ ‬الدعوات‭ ‬لأناس‭ ‬ليسوا‭ ‬هامشيين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬إنجازات‭ ‬لهم‭!‬

أليس‭ ‬مزريًا‭ ‬أن‭ ‬يتلطى‭ ‬مسرحيون‭ ‬معروفون‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬المقاولين‭ ‬والمشرفين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬أو‭ ‬ذاك؟‭ ‬

‭- ‬ظل‭ ‬شكسبير‭ ‬حاضرًا‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الفصول،‭ ‬وفي‭ ‬السينما‭ ‬كانت‭ ‬أعماله‭ ‬تشكل‭ ‬تحديًا‭ ‬للمخرجين‭ ‬والممثلين‭ ‬وفي‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬ظهر‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬الشخصية‭ ‬والعاطفية،‭ ‬وفيلم‭ ‬آخر‭ ‬يشكك‭ ‬في‭ ‬عبقريته،‭ ‬وينسب‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬مؤلف‭ ‬آخر،‭ ‬لماذا‭ ‬يثير‭ ‬شكسبير‭ ‬هذا‭ ‬الضجيج‭ ‬بعد‭ ‬مئات‭ ‬السنين؟

 

شكسبير‭ ‬دائمًا

‭- ‬عندما‭ ‬نشر‭ ‬يان‭ ‬كوت‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬اشكسبير‭ ‬معاصرناب،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬ماتعنيه‭ ‬هذا‭ ‬المعاصرة‭. ‬

  ‬ليست‭ ‬الموضوعات‭ ‬الشكسبيرية‭ ‬الخارجية‭ ‬المنفتحة‭ ‬في‭ ‬جلّها‭ ‬على‭ ‬فضاءات‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬هي‭ ‬السبب،‭ ‬بل‭ ‬ثمة‭ ‬شخصيات‭ ‬مبنية‭ ‬بتعددية‭ ‬وعمق‭ ‬نفسي‭ ‬واجتماعي،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إنساني،‭ ‬وهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تثبت،‭ ‬المرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬أنها‭ ‬تفيض‭ ‬حياة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬كما‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬وذلك‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬القراءات‭ ‬المتعددة‭ ‬وعدم‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬أحادية‭ ‬التأويل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬العبقرية‭ ‬الشكسبيرية‭.‬

‭- ‬بعد‭ ‬شكسبير‭ ‬تردد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المسرح‭ ‬اسمان‭ ‬شهيران‭ ‬مختلفان،‭ ‬هما‭ ‬ستانيسلافسكي‭ ‬وبريخت‭.‬ماهي‭ ‬الخصوصية‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬كل‭ ‬منهما،‭ ‬في‭ ‬حضورهما‭ ‬المتواصل‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬العالم؟‭ ‬

‭ ‬

ستانيسلافسكي‭ ‬وبريخت

‭-  ‬يقف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ستانيسلافسكي‭ ‬وبريخت‭ ‬على‭ ‬طرفي‭ ‬نقيض،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مقاربة‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ (‬الإبعاد‭ ‬أو‭ ‬التغريب‭ ‬أو‭ ‬المعايشة‭). ‬

أثّر‭ ‬الروسي‭ ‬ستانيسلافسكي،‭ ‬ولايزال‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الغربي‭ ‬لجهة‭ ‬إعداد‭ ‬الممثل،‭ ‬كونه‭ ‬يعد‭ ‬منهجًا‭ ‬متكاملًا،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن،‭ ‬وترك‭ ‬تأثرًا‭ ‬واضحًا‭ ‬على‭ ‬المخرجين‭ ‬والممثلين‭ ‬المسرحيين‭ ‬والسينمائيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬استوديو‭ ‬الممثلب‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬الي‭ ‬ستراسبورغب‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ .‬

أما‭ ‬الألماني‭ ‬بريخت‭ ‬فقد‭ ‬ترافق‭ ‬تأثيره‭ ‬مع‭ ‬النهوض‭ ‬السياسي‭ ‬ذ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولعل‭ ‬بعض‭ ‬مسرحياته‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬التوجه‭ ‬الإنساني‭ ‬االأم‭ ‬شجاعةب‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ .‬

‭- ‬تمتد‭ ‬جذور‭ ‬المسرح‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وكان‭ ‬تطوره‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬ثقافات‭ ‬الشعوب،‭ ‬وهو‭ ‬يتعايش‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬مصدرين‭ ‬جديدين‭ ‬للفن‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭: ‬السينما‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬فكيف‭ ‬ترى‭ ‬مسار‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬الثلاثة‭ ‬للفرجة؟

 

المسرح‭ ‬والسينما‭ ‬والتلفزيون

‭-  ‬تضاعف‭ ‬تأثير‭ ‬التلفزيون‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الممثلين‭ ‬الذين‭ ‬نعدّهم‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬المسرحية‭ ‬باتوا‭ ‬يحلمون‭ ‬ببطولة‭ ‬مسلسل‭ ‬تلفزيوني،‭ ‬ولعل‭ ‬عملية‭ ‬التلقي‭ ‬التي‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬المسرح‭ ‬والتلفزيون،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحضور‭ ‬الحيّ‭ ‬للمتفرج‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬وكذلك‭ ‬حضور‭ ‬الممثل،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تجذب‭ ‬طرفي‭ ‬المعادلة‭. ‬يقبل‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬لأنه‭ ‬يجري‭ ‬هنا‭ ‬الآن،‭ ‬ولأنهم‭ ‬يرون‭ ‬الممثل‭ ‬اشخصيًاب،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الميزة،‭ ‬يستولي‭ ‬التلفزيون‭ ‬على‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬المشاهدة‭. ‬إنه‭ ‬يأتيك‭ ‬إلى‭ ‬بيتك،‭ ‬يتوضع‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬زواياه،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬منك‭ ‬التركيز‭ ‬الذي‭ ‬يتطلبه‭ ‬المسرح‭ ‬أو‭ ‬السينما،‭ ‬لم‭ ‬تدخل‭ ‬الفنون‭ ‬الثلاثة‭ ‬تاريخيًا،‭ ‬منذ‭ ‬ظهورالسينما‭ ‬الصامتة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الناطقة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أو‭ ‬صراع‭ ‬مكشوف،‭ ‬واستمر‭ ‬كل‭ ‬فن‭ ‬ساعيًا‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬أدواته،‭ ‬ولم‭ ‬ينقرض‭ ‬أي‭ ‬منها،‭ ‬ولكنني‭ ‬أرى‭ ‬تبادل‭ ‬التأثير‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬بصمت،‭ ‬فالنصوص‭ ‬المسرحية‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬أغنت‭ ‬السينما،‭ ‬والسينما‭ ‬أغنت‭ ‬المسرح‭ ‬بأساليب‭ ‬المونتاج‭ ‬والديكور‭ ‬والإضاءة‭ ‬والإثارة،‭ ‬والتلفزيون‭ ‬نقل‭ ‬المسرح‭ ‬والسينما‭ ‬إلى‭ ‬منازل‭ ‬المتفرجين‭.‬

‭- ‬التجريب‭ ‬منهج،‭ ‬أم‭ ‬بدعة‭ ‬صارت‭ ‬ماثلة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬الراهنة،‭ ‬وكأنها‭ ‬ضرورة‭ ‬مفتوحة‭ ‬لمخالفة‭ ‬قيود‭ ‬الدراما،‭ ‬لماذا؟

 

التجريب‭ ‬المسرحي‭       

‭ - ‬إن‭ ‬الالتباس‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬مصطلح‭ ‬االمسرح‭ ‬التجريبيب‭ ‬وانتشاره‭ ‬وتداوله‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬منذ‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬مسئول‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬الذي‭ ‬قوبل‭ ‬به،‭ ‬فالدلالة‭ ‬العائمة‭ ‬الغائمة‭ ‬الرجراجة‭ ‬للمصطلح‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬شيوع‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬اليقين،‭ ‬بأن‭ ‬القفز‭ ‬والصراخ‭ ‬وغرائبية‭ ‬التشكيل‭ ‬الحركي‭ (‬الميزانسين‭) ‬وتوضع‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب‭ (‬السينوغرافيا‭) ‬هو‭ ‬التجريب‭ ‬عينه‭.‬

‭<‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التجريب‭ ‬درجت‭ ‬عروض‭ ‬‮«‬المونودراما‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬الممثل‭ ‬الوحيد‭ ‬الفريد،‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬ما‭ ‬أهمية‭ ‬‮«‬المونودراما‮»‬‭ ‬بين‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬الجديدة؟‭ ‬

 

وجها‭ ‬المونودراما

‭ - ‬انتشر‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬وراج‭ ‬بين‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭. ‬وهو‭ ‬أساسًا‭ ‬مسرح‭ ‬الممثل‭ ‬الواحد،‭ ‬والمونودراما‭ ‬ذات‭ ‬بنية‭ ‬سردية‭ ‬تسمح‭ ‬بتعدد‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬يجسدها‭ ‬الممثل‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاذقًا‭ ‬ومالكًا‭ ‬لمهارات‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الإيقاع‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬مطب‭ ‬الرتابة‭ ‬والتكرار‭ ‬قولًا‭ ‬وفعلًا،‭ ‬وهي‭ ‬فن‭ ‬صعب‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬راح‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬يقبلون‭ ‬عليها‭ ‬توفيرًا‭ ‬للنفقات،‭ ‬أو‭ ‬استسهالًا،‭ ‬فالممثل‭ ‬الواحد،‭ ‬أو‭ ‬الوجه‭ ‬الواحد،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مملًا،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬درامية‭ ‬العرض،‭ ‬الذي‭ ‬ينهض‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬الصراع‭ ‬أو‭ ‬المواجهة‭ .‬

‭- ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملك‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬لمدة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬تابعت‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬تجربة‭ ‬المسرح‭ ‬الكويتي،‭ ‬فما‭ ‬العلامات‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭  ‬هذه‭ ‬التجربة؟‭ ‬

 

خصوصية‭ ‬المسرح‭ ‬الكويتي

  -  ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬تجربة‭ ‬مسرحية‭ ‬فريدة‭ ‬خليجيًا،‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬النهوض‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬الماضية،‭ ‬وثمة‭ ‬مسرحيون‭ ‬أدركوا‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬نكهة‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬عليها‭ ‬الفنان،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احترام‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية‭ ‬وخصائصها،‭ ‬وتقديمها‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي‭ ‬الذي‭ ‬يحتفي‭ ‬بصورته‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬الفن‭ ‬الواعي‭ ‬والناقد‭ ‬معًا،‭ ‬أقول‭ ‬هذا،‭ ‬وأنا‭ ‬أثمن‭ ‬تجربة‭ ‬الرائد‭ ‬محمد‭ ‬النشمي،‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬الذي‭ ‬التقط‭ ‬القيمة‭ ‬البصرية‭ ‬للخطاب‭ ‬المسرحي‭ ‬وعزف‭ ‬عن‭ ‬اتقديسب‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭. ‬

حاول‭ ‬النشمي‭ ‬أن‭ ‬يُعد‭ ‬التربة‭ ‬أولًا‭ ‬ثم‭ ‬يرمي‭ ‬بذور‭ ‬التجربة‭ ‬المسرحية‭ ‬ثانية‭. ‬إذ‭ ‬كيف‭ ‬تعرض‭ ‬نصوص‭ ‬عالمية‭ ‬معروفة،‭ ‬ونحن‭ ‬نجهل‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬ننتمي‭ ‬إليها،‭ ‬ومنظومة‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬تبشر‭ ‬بها؟

ويخيل‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الثنائي‭ (‬عبدالعزيز‭ ‬السريع‭ ‬و‭ ‬صقر‭ ‬الرشود‭) ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الكتابة‭ ‬والإخراج،‭ ‬كان‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وتطويرًا‭ ‬له،‭ ‬لقد‭ ‬استفادا‭ ‬من‭ ‬تقنية‭ ‬الكتابة‭ (‬الدراما‭ ‬الحديثة‭ ‬بخاصة‭ ‬وتحديدًا‭ ‬إبسن،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬البريختية‭ ‬أو‭ ‬بعضها‭)‬،‭  ‬لقد‭ ‬غدا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السريع‭ ‬والرشود،‭ ‬من‭ ‬كلاسيكيات‭ ‬المسرح‭ ‬الكويتي‭. ‬ولعل‭ ‬رائدًا‭ ‬آخر‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عنهما،‭ ‬هو‭ ‬سعد‭ ‬الفرج‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬نصًا‭ ‬كويتيًا،‭ ‬يعد‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬كويتي‭ ‬عام‭ (‬1964‭)‬،‭ ‬والفرج‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬ويمثل،‭ ‬وقد‭ ‬ساعدته‭ ‬درايته‭ ‬بخشبه‭ ‬المسرح‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشطط‭ ‬الإنشائي،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الثنائي‭ ‬الذي‭ ‬شكله‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالحسين‭ ‬عبدالرضا،‭ ‬الكوميدي‭ ‬الكويتي‭ ‬الذي‭ ‬تفرد‭ ‬في‭ ‬عروض‭ ‬لاحقة،‭ ‬اتكأت‭ ‬على‭ ‬نصوص‭ ‬ينهض‭ ‬فيها‭ ‬الخط‭ ‬السياسي‭ ‬مُهيمنًا‭ ‬على‭ ‬الشخصية‭ ‬والفعل‭ ‬والجو‭ ‬ليثمر‭ ‬الهجاء،‭ ‬هجاء‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭.‬

الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تلا‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفنانين‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمخرجين‭ ‬أمثال‭ ‬خالد‭ ‬عبداللطيف‭ ‬وحسين‭ ‬المسلم‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يختط‭ ‬لنفسه‭ ‬طريقًا‭ ‬متمايزًا‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما،‭ ‬لكن‭ ‬قوة‭ ‬الاندفاع‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬منسوب‭ ‬الطموحات،‭ ‬ربما‭ ‬لظروف‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬نفسية،‭ ‬وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قرر‭ ‬المسلم‭ ‬تأسيس‭ ‬فرقة‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تدريبها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ورشات‭ ‬خاصة،‭ ‬لكن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الكويتي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ترسيم‭ ‬مساره‭ .‬

نجح‭ ‬المسرح‭ ‬الكويتي‭ ‬في‭ ‬التأسيس‭ ‬لتقاليد‭ ‬مسرحية،‭ ‬ومنها‭ ‬تقليد‭ ‬ارتياد‭ ‬المسرح‭ ‬واعتباره‭ ‬حدثًا‭ ‬اجتماعيًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تراجع‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬يقدم‭ ‬له‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مدققًا‭ ‬أو‭ ‬فاحصًا‭ ‬لنوع‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭.‬

وأخيرًا‭ ‬نتمنى‭ ‬ألا‭ ‬تتراجع‭ ‬الكويت،‭ ‬تحت‭ ‬تأثيرات‭ ‬مستجدة،عن‭ ‬دورها‭ ‬الريادي‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬التنويرية‭ ‬والحرة،‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬للمكرور،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬خارج‭ ‬العصر،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬فعلًا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ .‬

‭- ‬أذكر‭ ‬أنك‭ ‬تابعت‭ ‬تجربة‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس‭ ‬عن‭ ‬قرب،‭ ‬وكتبت‭ ‬عنها‭ ‬بتفاصيل‭ ‬حية،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬نقاد‭ ‬وصحفيين‭ ‬وكتاب‭ ‬من‭ ‬تيارات‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬معارك‭ ‬ساخنة‭ ‬على‭ ‬الورق،‭ ‬فكيف‭ ‬ترى‭ ‬تلك‭ ‬التجربة،‭ ‬وما‭ ‬الخصوصية‭ ‬المميزة‭ ‬لها؟

‭ ‬

‭ ‬تجربة‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس

‭- ‬لفت‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس‭ ‬الأنظار‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬قدم‭ ‬مسرحية‭ ‬احفلة‭ ‬سمر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬5‭ ‬حزيرانب،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات،‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬عربي‭ ‬يثير‭ ‬الأسئلة‭ ‬الصعبة‭ ‬والمحرجة‭ ‬معًا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مسرحه‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬أو‭ ‬قالب‭ ‬جامد،‭ ‬أيًا‭ ‬كانت‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬يتكئ‭ ‬عليها،‭ ‬وهكذا‭ ‬برزت‭ ‬موضوعة‭ ‬اتأصيل‭ ‬المسرح‭ ‬العربيب،‭ ‬وانفتحت‭ ‬الثقافة‭ ‬المسرحية‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى،‭ ‬محاورة‭ ‬ومجادلة،‭ ‬وليست‭ ‬محاكية‭ ‬أو‭ ‬مقلدة‭.‬

لست‭ ‬بصدد‭ ‬إطلاق‭ ‬أحكام‭ ‬القيمة،‭ ‬فالزمن‭ ‬كفيل‭ ‬بوضع‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬نصابها،‭ ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعجبهم‭ ‬مسرحه‭ ‬فلهم‭ ‬الحق‭ ‬أن‭ ‬يعبروا‭ ‬عن‭ ‬آرائهم،‭ ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الكتاب‭ ‬المخرجين‭ ‬قاده‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬الإبداع‭ ‬إلى‭ ‬استثمار‭ ‬مناصبه‭ ‬السبعة،‭ ‬توسلًا‭ ‬لتحقيق‭ ‬إنجاز‭ ‬ما،‭ ‬يستحق‭ ‬الإشادة،‭ ‬ولكنه‭ ‬أخفق،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يذكره‭ ‬أحد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬منصبه،‭ ‬وثمة‭ ‬كاتب‭ ‬كان‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس‭ ‬عقدته،‭ ‬ولم‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬أقسى‭ ‬العبارات‭ ‬ضده،‭ ‬وأصابتني‭ ‬شظايا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعارك‭ ‬الورقية‭ ‬الدونكيشوتية‭ ‬الساخنة،‭ ‬لكن‭ ‬الثقافة‭ ‬الشاملة‭ ‬والإنسانية‭ ‬لدى‭ ‬سعدالله‭ ‬كفلت‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬
والعالمي‭ .‬

‭- ‬جمعتك‭ ‬صداقة‭ ‬حميمة‭ ‬وعلاقات‭ ‬زمالة‭ ‬وعمل‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬الفذ‭ ‬الراحل‭ ‬فواز‭ ‬الساجر،‭ ‬ونشرت‭ ‬كتابًا‭ ‬عن‭ ‬تجربته‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬شابًا،‭ ‬في‭ ‬الأربعين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬المؤثرات‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬تجربته‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬المسرح‭ ‬السوري‭ ‬والعربي؟

‭ ‬

طيف‭ ‬فواز‭ ‬الساجر

‭ -  ‬بالمناسبة،‭ ‬فواز‭ ‬الساجر‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بي‭ ‬إليك،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬تعال‭ ‬لأعرفك‭ ‬على‭ ‬بندر،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬شيئًا،‭ ‬وهكذا‭ ‬مرّ‭ ‬الزمن‭ ‬سريعًا،‭ ‬ودخل‭ ‬فواز‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬والمسرحية‭ ‬من‭ ‬بابها‭ ‬الواسع،‭ ‬كان‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المخرجين،‭ ‬وتمايز‭ ‬بثقافته‭ ‬الشاملة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭  ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يلتقط‭  ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬وكيف‭ ‬يؤسس‭ ‬لها‭ ‬فكريًا‭ .‬

  ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬الإبداعية‭ ‬كان‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬الحمولة‭ ‬الفكرية،‭ ‬والخطاب‭ ‬المسرحي‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬كل‭ ‬الدلالات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬يحتفي‭ ‬بها‭ ‬الحاضر،‭ ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬التالية‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬التفت‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬للعرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬تخليه‭ ‬عن‭ ‬القيمة‭ ‬الفكرية،‭ ‬وكان‭ ‬فواز‭ ‬الساجر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وحتى‭ ‬وفاته،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الطابع‭ ‬الفني‭ (‬في‭ ‬الصورة‭ ‬والتشكيل‭ ‬الحركي‭) ‬مدخله‭ ‬إلى‭ ‬ماهو‭ ‬فكري،‭ ‬وتغيرت‭ ‬جماليته‭ ‬قليلًا،‭ ‬ودخل‭ ‬نسيج‭ ‬حراك‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الذات‭.‬

  -‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬والجمهور‭ ‬هناك‭ ‬مايسمى‭ ‬‮«‬الاستجابة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬درجة‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬وذاك‭ ‬الجمهور،‭ ‬فما‭ ‬تدرجات‭ ‬الاستجابة‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬المسرحي‭ ‬العربي؟

 

الاستجابة‭ ‬المسرحية

‭ - ‬الاستجابة‭ ‬المسرحية‭ ‬غير‭ ‬الاستجابة‭ ‬الأدبية،‭ ‬فهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تنهض‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬القراءة،‭ ‬والأولى‭ ‬تنهض‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬الممثل‭ ‬الحي‭ ‬بالمتفرج‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬مادي‭ ‬ملموس،‭ ‬هو‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬وماعليها‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬مادية‭ ‬عيانية،‭ ‬تملأ‭ ‬فراغ‭ ‬الخشبة،‭ ‬ونظام‭ ‬الاستجابة‭ ‬في‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬مختلف،‭ ‬فعل‭ ‬يشاهد‭ ‬وآخر‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬أنساق‭ ‬كلامية‭ ‬دالّة،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الاستجابة‭ ‬آنية‭ ‬راهنة،‭ ‬لأنها‭ ‬مؤطرة‭  ‬بزمان‭ ‬ومكان‭ ‬محددين،‭ ‬ونحن‭ ‬الآن‭ ‬معنيون‭ ‬بالاستجابة‭ ‬المسرحية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬لأن‭ ‬عزوفًا‭ ‬خطيرًا‭ ‬من‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ (‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬معنى‭)‬،‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬ومهما‭ ‬أفضنا‭ ‬في‭ ‬التعليل،‭ ‬تعليل‭ ‬العزوف‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬الحقيقة‭ ‬المزرية‭ ‬تبقى‭ ‬ماثلة‭ ‬للعيان‭: ‬مسرح‭ ‬مهجور‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬مهجور‭.‬

‭- ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬العجاف‭ ‬الماضية‭ ‬اختفت‭ ‬ملامح‭ ‬الكوميديا‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬والشارع‭ ‬العربيين،‭ ‬وانتشرت‭ ‬الكآبة‭ ‬ذات‭ ‬الرءوس‭ ‬المتعددة،‭ ‬وأنا‭ ‬أسميها‭ ‬‮«‬الكآبة‭ ‬الوطنية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬سحقت‭ ‬الكوميديا،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الفكاهة‭ ‬الشعبية‭ ‬والأدب‭ ‬الساخر،‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬والحياة‭ ‬معًا،‭ ‬فماذا‭ ‬حدث؟‭ ‬

‭ ‬الكوميديا‭ ‬و«الكآبة‭ ‬الوطنية‮»‬

‭ - ‬تعنى‭ ‬الكوميديا‭ ‬بالموضوعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬امتدادًا‭ ‬لموضوعات‭ ‬المسرح‭ ‬الإغريقي،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالكوميديا‭ ‬المرتجلة‭ ‬التي‭ ‬تأصلت‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬كارلو‭ ‬غولدوني،‭ ‬مع‭ ‬التيارات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬موليير‭ ‬وجوجول‭.‬

في‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬اتجهت‭ ‬الكوميديا‭ ‬إلى‭ ‬الأوساط‭ ‬الشعبية‭ ‬وقدمت‭ ‬أعمالها‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬النقـاش‭ ‬ويعقوب‭ ‬صنوع،‭ ‬ثم‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني‭ ‬وعلي‭ ‬الكسار،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬العيوب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هدفًا‭ ‬للسخرية‭ ‬والضحك،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬مجانية‭ ‬كما‭ ‬يتخيل‭ ‬البعض،‭ ‬وفي‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬الماضية‭ ‬حاول‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب،‭ ‬مثل‭ ‬نعمان‭ ‬عاشور‭ ‬وألفريد‭ ‬فرج،‭ ‬مقاربة‭ ‬الشخصيات‭ ‬الكوميدية‭ ‬ثقافيًا‭ ‬وأدبيًا،‭ ‬لكن‭ ‬التسييس‭ ‬والحمولة‭ ‬الفكرية‭ ‬أفقداها‭ ‬الرشاقة‭ ‬وخفة‭ ‬الظل،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬ودريد‭ ‬لحام‭ ‬وعبدالحسين‭ ‬عبدالرضا‭ ‬استطاعوا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬ماهو‭ ‬شعبي‭ ‬وماهو‭ ‬فكري‭ ‬وسياسي،‭ ‬بين‭ ‬المضحك‭ ‬قليلًا‭ ‬جدًا‭ ‬والمبكي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬

كثيرًا،‭ ‬معًا،‭ ‬ونحن‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬الكوميديا‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬توقظ‭ ‬فينا‭ ‬حب‭ ‬الحياة،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مامر‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬كوارث،‭ ‬تثير‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬الأطلال‭ .