التشبيه الصرفيّ

التشبيه الصرفيّ

يتخيّل المتشدّدون أنّ مستعمِل اللغة كالقطار، إذا خرج عن السكّة الحديد تدهور، لكن العرب تصرّفوا مع اللغة بعفويّة وكثير من الحريّة، وكان ممّا لجأوا إليه ما يمكن تسميته التشبيه الصرفيّ، وهو قياس تقريبيّ، ستكون هذه المقالة أوّل دارسة له، على الأرجح؛ وصِفَتُه أنّه قياس لا شعوريّ، غالبًا، يقرِنه بعض اللغويّين بالتوهّم، وتنشأ عنه صيغ صرفيّة مخالفة للمتعارَف. وقد زعموا أنّ بعضهم اعتبره غلطًا، وادّعى أحدُهم أنّ المغلِّط له هو سيبويه، لكنّنا لم نجد مصداق ذلك في «الكتاب»، بل وجدنا فيه أنّ العرب «يشبّهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء». والغلط لا يُنسب إلى الأمّة، فما تقرّه يكن صحيحًا، وإن كان نادرًا، لكن قد يُختلف في صحّة القياس عليه. وقد علّل ثعلب الأمر بأنّ «العرب تشبّه الحرف بالحرف» فتعامل «الحرف الزائد معاملة الأصليّ (...) ومثله في كلام العرب كثير». وقوله «كثير» يوحي أنّه قياسيّ؛ على أنّ التشبيه لا يقتصر على معاملة الزائد معاملة الأصليّ، بل يكاد يشمل كل تشابه.
وقد جاء كلام ثعلب عند الحديث عن جمع منارة (وهي مَفْعَلة من النور) على منائر، إذ شبّهوها بما وزنه فَعالة، وجمعوها جمعه، وجمعوا مكان على أمكنة، وهو من فعل «كان»، فعاملوا الميم الزائدة معاملة الأصليّة. ومِثل ذلك، عنده، مَسيل، وهو من السيل، وقد جمعوه على أَمسِلة ومُسُل ومُسْلان، وكأنّه على وزن فعيل. لكنّ «لسان العرب» يذكر الكلمة في مادتي: سيل ومسل، مؤكّدًا أنّ بعضهم يزعم زيادة ميمها؛ ومثله مَصير الذي جمعوه على مُصْران (أمعاء)، تشبيهًا له بنحو رَغيف رُغفان. والناس في أيّامنا يستعملون هذا الجمع على أنّه مفرد فيقولون، مثلًا: المُصران الغليظ، ويجمعونه على مصارين، مثل: مسمار مسامير، ولا يقدّم اللغويّون شاهدًا على أنّ المُصران جمع؛ وفي الحديث النبويّ: «طَعَنَهُ أَحَدُهُمْ في بَطْنِهِ طَعْنَةً بِالسَّيْفِ خَرَجَ مِنْهَا مُصْرَانُهُ»، حيث توحي الكلمة أنّها مفرد؛ وقد ذكر عُمر بن مَكيّ الصقليّ (ت 501 هـ) أنّ التوانسة، في أيّامه، كانوا يستعملون الكلمة بوصفها مفردًا ويكسرون ميمها؛ وقد جعلها «القاموس المحيط» في مادة: مصر، موحيًا أصليّة الميم؛ وكذلك فعل الفيوميّ في «المصباح المنير»، وذكر أنّ المِعَى (مفرد أمعاء) هو المُصران، ولم يقل المصير، وذلك يوحي أنّ المصران أيضًا مفرد؛ ومثل ذلك المَصاد، أي المرتَفَع، وقد جمعوه على أَمصِدة ومُصْدان، مع أنّ ميمه زائدة، في رأي الجوهريّ، وذكره الخليل في مادة: صيد، وفي هذا نظر، لأنّ الارتفاع ليس بين معاني تلك المادة. 
وأكثر ما يقع التشبيه الصرفيّ على الجموع، ففضلًا عمّا ذكرنا، نشير إلى كلمات جمعت على فُعَلاء (جمع فَعِيل)، مع أنّها على وزن فاعل، كشاعر وعالِم وجاهِل؛ وقد علّل ابن جِنّيّ الأمر بأنّ شاعر من فعل شعُر وشعَر، وقد جعلوه على وزن فاعِل وتصوّروه على وزن فَعِيل، فجمعوه جمعه؛ وأمّا عالِم فصفة تدلّ، عنده، على طول المزاولة، وهي في المعنى كعليم، ولذلك جمعوها جمعَه؛ وأمّا جاهِل فحُمل على ضدّ عالِم وجُمع على جهلاء. وممّا جُمع على فُعَلاء جَبان، وقد علّل سيبويه ذلك تعليلًا معنويًّا ووزنيًّا، فأوحى أنّ للكلمة معنى الصفة المشبّهة التي على وزن فَعِيل، وأنّ وزنها مقابل لذلك الوزن، ومكافئ له في حروف الزيادة، أي أنّ وزن فَعال مكافئ لوزن فَعِيل. 
وممّا شبهوا بفَعِيل وزن فَعِيلة، مثل سفينة وصحيفة، وحقّهما الجمع على سفائن وصحائف، لكنّهم جمعوهما أيضًا على سُفُن وصُحُف، أي على فُعُل، وهو جمع فَعِيل لا فَعِيلة؛ وسبب ذلك، عند سيبويه، هو العِلم بأنّ تاء التأنيث ذاهبة، لعلّه يريد أنّها تسقط في الجمع فأسقطوها في المفرد، ثم أوقعوا الجمع على لفظي سَفين وصَحيف فقالوا: سُفُن وصُحُف. 
فتلك الجموع بنيت على التشابه المعنوي اللغويّ، أو اللفظيّ الصرفيّ، أو على كليهما؛ وقد ذكر سيبويه كثيرًا ممّا جمع على التشابه المعنويّ، ونكتفي هنا بجمع زَمِن وهَرِم، الذي ينبغي أن يكون: زَمِنين وزَمانى وهرمين، لكنّهم شبّهوهما بوَجِع ووجْعَى، فجمعوهما على زَمْنى وهَرْمى؛ وشبّهوا رائب، أي ثقيل النوم، بسكران على المعنى، فجمعوه على رَوْبى، مثل سَكْرى؛ وأُلحقت تاء التأنيث بمسكين، خلافًا للقاعدة، لأنّ للكلمة معنى فقير، فجُمع مؤنثها على مسكينات، وجُمع مذكّرها على مسكينين ومساكين. لكنّنا نشكّ بهذا التعليل الأخير، فلا شيء يؤكّد أنّ مسكين على وزن مِفْعِيل، وأنّ ميمه زائدة، وليس على وزن فِعليل.
وفي المقابل شُبّه وزن فَعِيل بوزن فُعال، فجُمع الفَصِيل، وهو ولد الناقة المفصول عن أمّه، على فِصلان، تشبيهًا له بغُراب وغِربان؛ وجُمع على فِصال، تشبيهًا له بظَرِيف وظِراف؛ وحقّه أن يجمع على فُعلان؛ وسبب ذلك التشبيه، عندهم، هو تساوي عدد الحروف الصامتة وأحرفَ اللين في الكلمتين، وتوهُّمُ الصفة المشبّهة. ويقال للفَصِيل أَفِيل أيضًا، فجمعوه على أَفائل، تشبيهًا له بذَنوب (الدلو المليئة) وذنائب.
وشبّهوا فَعِيلًا الذي بمعنى مفعول بفَعِيل الذي بمعنى فاعِل، فجمعوا قَتيل، مثلًا، ومعناه مقتول، على قتلى وقُتَلاء، تشبيهًا له بظريف وظرفاء، في رأي سيبويه؛ أي أخذوا بلفظه لا بمعناه، وتوهّموا الصفة فيه. 
وشبّهوا الأسماء بالصفات والعكس، إذا كانت أوزانها متشابهة لا متماثلة، فجمعوا سِرْحان (ذئب)، وضِبْعان (ضَبُع)، مثلًا، على سِراح وضِباع، شبّهوهما بالصفات التي على وزن فَعْلان، مثل عَطشان وعِطاش، لتشابه الوزن وتماثل أواخر الكلمات، في رأي سيبويه.  
وشبّهوا المخلوقات بالمصنوعات، فجمعوا طَلْحة (ضرب من الأشجار) على طِلاح، مع أنّ جمعها الأصليّ هو طَلْح وطَلحات، وأنّ وزن فِعال لا يكون إلاّ جمعًا للمصنوعات، مثل قَصْعة، قِصاع، جرّة، جرار. 
هذا فضلًا عن جموع أخرى كثيرة، وفضلًا عن التشبيه بالصوت، كلكمة أفٍّ، وكالمصدر خَرْخَرة، وفضلًا عن إبدال الهمزة واوًا أو ياء تشبيها للكلمة بأخرى تقاربها وزنًا، وتشبيه الفعل الصحيح بالأجوف، وتشبيه الألف في آخر الفعل بالهمزة، وتشبيه أحرف الجرّ بالأسماء المبنيّة، والأسماء بأحرف الجرّ، وغير ذلك. 
ولن ندخل في مناقشة تعليلات اللغويّين في هذا الشأن، على أهميّتها، لكنّنا نؤكّد أنّ كثيرًا ممّا عرضوه يوحي الالتباس أو الشذوذ، وضعف القياس عليه، إلاّ أنّه يدلّ كذلك على توسّع العرب في حريّة الصياغة اللغويّة، والاكتفاء أحيانًا بالتقارب الوزنّي أو المعنويّ، الصرفيّ واللغويّ، في بناء الجموع وغيرها، بما يسوّغ كثيرًا من المزعوم خطؤه، اليوم، الذي لا يعدو كونه تشبيهًا لجأ القدماء إلى مثله؛ وهذا يسمح بقبول كثير من المستحدثات ■