مؤتمر المثقفين العرب فرصة لبحث الجذور الثقافية والفكرية للمشكلات العربية

مؤتمر المثقفين العرب فرصة لبحث الجذور الثقافية والفكرية للمشكلات العربية
        

          يبدو عقد مؤتمر للمثقفين العرب في هذه المرحلة من تعقد الأوضاع وتأزمها في العالم العربي ضروريًا لوضع إستراتيجية للعمل في السنوات المقبلة. ويأتي تكليف أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو)، ومؤسسة الفكر العربي، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، لعقد هذا المؤتمر خلال عام 2011 في سياق دعوات متصلة للتنبه إلى الدور المنسي للثقافة في حل المشكلات العربية، التي تتفاقم يومًا بعد يوم، دون أن تجد لها حلا مقنعا. فكلما ظننا أن النيران المشتعلة في بقعة من بقاع الأرض العربية قد انطفأت اشتعلت النار في بقعة غيرها.

          فلسطين، ولبنان، والعراق، والصومال، والسودان، والصحراء المغربية، واليمن، وبقاع أخرى مرشحة لأزمات تتوالى. هكذا تتراكم الأزمة تلو الأخرى دون أن يتمكن الساسة وصناع القرار من الوقوع على حلول تجعل العالم العربي يعيش في سلام مع نفسه، أولا وقبل كل شيء، بحيث تصبح المواطنة هي البلسم الشافي للأمراض التي تفتك بالجسد العربي المعاصر.

          يمكن القول في هذا السياق إن المؤتمر تأخر كثيرا في وقت تفاقمت فيه الأزمات العربية، فلا أظن أن المنطقة العربية شهدت مثل هذا التأزم، وانسداد الآفاق، وافتقاد الحلول المصيرية، كما يحصل هذه الأيام. جذر المشكلات والمآزق، التي تحيط بنا من كل جانب، فكري وثقافي ومعرفي، قبل أن يكون سياسيا يوميا كما يظن البعض، وعلى رأسهم بالطبع الساسة وصناع القرار. وهنا تكمن أهمية مؤتمر المثقفين العرب، وخصوصا المشتغلين منهم بالفكر والفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم نفس الأفراد وسيكولوجيا الجماعات، إذ إن على المؤتمر أن يأخذ على عاتقه قراءة ما يحدث الآن في الوطن العربي ويضع الإصبع على الأدواء الحقيقية التي تنخر جسد الأمة.

          ولكي أكون أكثر دقة فإن على هذا المؤتمر أن يدرس، دون انحياز لنظام أو حزب أو فئة أو طائفة أو مذهب أو توجه فكري، الأسباب الفعلية التي أدت إلى هذا الانهيار والتفتت والفوضى، والعنف الذي يهدد بالانتشار في كل اتجاه.

غياب المثقف

          الأمم الحية عندما تستشعر خطرا داهما يتهددها يتداعى مثقفوها ومفكروها ومخططوها الإستراتيجيون لكي يتعرفوا على سبل مواجهة ذلك الخطر، وتنبيه مجتمعاتهم، والسلطات التي تحكم تلك المجتمعات، إلى الأسباب الفعلية التي تنخر أساس وجودهم. لكن المثقف العربي مغيب في هذا الزمان، مدفوع إلى الهوامش، معزول عن المجتمع برغبته أو رغما عنه. ومع ذلك فإن التاريخ لن يغفر له صمته وانعزاله في برجه العاجي، وانكفاءه إلى داخله الحزين يبكي انهيار مشروع أمته الحضاري وتفتت وطنه إلى دويلات طائفية أو مذهبية.

          ليس المقصود إذن من مؤتمر المثقفين العرب هو جمع السياسيين العرب مع المؤسسات الثقافية والمثقفين العرب. فذلك يحصل في لقاءات  بروتوكولية كثيرة، لا تصدر عنها أية نتائج، فيظل المثقف هو المثقف والسياسي هو السياسي، كلاهما يقيم في قوقعة آرائه ونظرته إلى سبل حل المشكلات التي تهجم على العالم العربي من كل حدب وصوب.

          المقصود هو الخروج بتوصيات تنفذ وفرق عمل تتشكل لقراءة واقع العرب المعاصرين، ورؤية الجذور الثقافية للأزمات العربية المتفاقمة، المطلوب من رجل السياسة أن يقر بأن للمثقف العربي دورا إستراتيجيا في إيجاد حلول لهذه الأزمات، والمطلوب من المثقف أن يترجل من برجه العاجي ليسهم في قراءة واقعه وحل مشكلاته.

          لكن ما نريده كذلك من المؤتمر هو ألا يكون واحدا من مؤتمرات كثيرة تنعقد في العواصم والمدن العربية الكثيرة دون أن ينتج عنها شيء يسهم في حلحلة عقد الأزمات والمعضلات التي يواجهها العرب في هذا الزمان.

          لا شك في أن هناك مؤتمرات وندوات ثقافية ومجالس بحث جادة وثرية بأفكارها، تشارك فيها أعداد كبيرة من المثقفين والأدباء والمفكرين، وغيرهم من العاملين في الحقل العلمي، حتى أن المتابع النهم يصعب عليه أن يحصي عدد هذه المؤتمرات، فكيف يقوم بالإلمام بما دار فيها وما تمخض عنها من توصيات لا تنفذ في العادة وتكون مجرد إعلان عن نهاية المؤتمر وإيهام بأنه حقق الغرض الذي عقد من أجله، وأن الجهة التي قامت بتنظيمه ستتابع العمل على ما طالب به المشاركون وأملوا أن يتحقق في واقع الحياة العربية؟ إن ثمرة هذه المؤتمرات والندوات الكثيرة، التي تعقدها المؤسسات الحكومية العربية ومؤسسات المجتمع المدني كذلك شديدة الضآلة، بدليل أن الواقع الثقافي العربي يزداد ترديا، والتعليم في المدارس والجامعات يعاني أزمات خانقة وأمية مرعبة، كما أن عدد القراء يتناقص يوما بعد يوم، حتى أصبحت بعض دور النشر تطبع خمسمائة أو ربما مائتي نسخة من بعض العناوين التي تصدرها.

التعليم والثقافة

          هذا الواقع التعليمي والثقافي المتردي في العالم العربي كله، بغض النظر عن التباينات والاختلافات التي هي كمية الطابع وليست نوعية على الإطلاق، يحتاج إلى وقفة ونظر عميق من قبل المثقفين والمفكرين ورجال التعليم من المحيط إلى الخليج. ويمكن القول إن جامعة الدول العربية، التي أصبحت مؤسسة هامشية بسبب الخلافات العربية - العربية، وتآكل ما يسمى العمل العربي المشترك، ينبغي أن تصرف بعض وقتها وميزانيتها على المشكلات التعليمية والثقافية بالأساس.

          وأنا أدعو الأمين العام للجامعة السيد عمرو موسى، وهو رجل مثقف من دون شك، مهموم بالمشكلات التي تواجه العرب في هذه المرحلة التاريخية المعقدة، إلى إنشاء وحدة عمل في إطار الجامعة يكون هدفها التخطيط الثقافي على مستوى الوطن العربي، بالتعاون مع المؤسسات الثقافية الفاعلة في البلدان العربية المختلفة، لأن ذلك من صلب عمل الجامعة التي غرقت زمنا طويلا في المشكلات اليومية للبلدان العربية، متناسية أن هناك جذورا ثقافية فكرية تعليمية لهذه المشكلات.

          أخيرا فإن ما قرأته وسمعته من مسئولين في مؤسسة الفكر العربي، وعلى رأسهم الأمير خالد الفيصل، وكذلك من أمين عام مؤسسة الفكر العربي الصديق د. سليمان عبدالمنعم، ومن الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب الصديق محمد سلماوي، يدل على أن التحضير للمؤتمر قائم على قدم وساق، بحيث يكون الحاضرون قادرين على مناقشة القضايا الكبرى للوطن العربي في المرحلة الحالية ودور المثقف فيها، وما يمكن للمثقفين الإستراتيجيين العرب أن يقدموه من أفكار تسهم في التعرف على الجذور الثقافية والمعرفية للأزمات العربية المتوالية.

          هذه فكرة صائبة من طرف الجامعة ومؤسسة الفكر العربي والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، إذ يمكن أن يكون هذا المؤتمر نواة لعمل موسع يشارك فيه مفكرون وأدباء وعلماء اجتماع ومتخصصون في التعليم والتخطيط والإستراتيجية للخروج بحلول للمشكلات التي تطحن العرب في هذا الزمان. كما يمكن أن تنبثق عن هذا المؤتمر لجان وفرق عمل يتخصص كل منها في موضوع محدد يبحثه بدقة وتمحيص، بدلا من أن يذهب عمل المؤتمر المنشود هباء، ويكون مثله مثل بقية المؤتمرات العربية، مجرد تظاهرة احتفالية ومناسبة لأخذ الصور التذكارية.

----------------------------

مَن أحرق السُّفُنْ
قبلَ مجيء طارقْ؟
وقبل أن تجيئنا البنادقْ
مَن أوصَل النارَ إلى المُدُنْ؟
الملايينُ كانت لديها الأمانِي
رَقَصت ذاتَ يومٍ بغير همومْ
بكت اليومَ إذ فاجأتها الجريمةْ
من تُرَى أيقظَ الأمةَ النائمةْ؟
ما الذي ضيعتْ هذهِ الأمةُ الهائمة؟

ممدوح عدوان

 

 

فخري صالح