جيوفاني باولو بانيني «رومــا الـحــديـثــة»

جيوفاني باولو بانيني «رومــا الـحــديـثــة»

جيوفاني باولو بانيني رسَّام ومصمم معماري إيطالي من القرن الثامن عشر، كان له أثر في مسار تاريخ الفن يفوق إلى حد بعيد ما حفظه لنا هذا التاريخ من شهرته. ويكفي للدلالة على ذلك أن نذكر أن من بين الذين تتلمذوا على يديه كان هناك أستاذ رسم الأطلال والطبيعة, هو الفرنسي هوبير روبير، وأن لائحة المتأثرين به في ذلك العصر تمتد من كاناليتو في البندقية إلى عدد من رسامي الطبيعة في بريطانيا من أمثال مارلو ورايت. 

 

ولد بانيني عام 1692م، وتدرّب أولًا عند رسَّام محلي، ثم عند مصمم ديكور للمسارح في مسقط رأسه بياشينزا، قبل أن ينتقل إلى روما عام 1711م، حيث راح يعمل على رسم الجداريات الضخمة في القصور، إضافة إلى بعض الصور الشخصية. وخلال ثماني سنوات فقط، حقق من النجاحات والشهرة ما ضمن له الانضمام إلى ما كان يعرف باسم «عصبة نوابغ البانتيون» المرموقة.
رسم بانيني كثيراً من اللوحات التي تمثل الأطلال القديمة في روما، وأيضًا مبانيها وقصورها الحديثة. ولكن ربما لأنه كان مصممًا معماريًا في الوقت نفسه، فإنه كان يحذف ويضيف وفق مزاجه الشخصي، بحيث بات هناك إجماع عند المؤرخين على أن لوحاته تفتقر إلى الأمانة للواقع. ولكن هذا الحكم - على صوابه - يبقى غير كافٍ لاختزال عبقرية الفنان أو للطعن فيها.
من أشهر أعمال بانيني لوحتان متوأمتان هما «روما القديمة» و«روما الحديثة»، رسمهما بناءً على طلب من نبيل فرنسي يدعى كونت ستانفيل، كان من أكبر زبائنه وبمنزلة الراعي له.
في كل من اللوحتين، تطالعنا قاعة قصر هائلة المقاييس وتبدو - رغم فخامة معمارها - أشبه بمستودع عملاق للأعمال الفنية. وفي حين أن هذه الأعمال هي في «روما القديمة» صور خرائب وأطلال، فإنها في «روما الحديثة» التي نقف أمامها هنا، تمثّل صور القصور والمعالم الحديثة آنذاك، إلى جانب أشهر إبداعات فناني المدينة ممثلة بتماثيل شهيرة لمايكل أنجلو وبرنيني وضعها الرسَّام في وسط القاعة تحت القبة، إمعانًا في تعزيز أُبهتها.
تكمن عبقرية هذه اللوحة في قدرة الفنان على تسخير العناصر الشكلية والجمالية لخدمة الموضوع، فاللوحة مقسّمة إلى ثلاثة أقسام بواسطة عمودين رخاميين يرفعان القبة عاليًا جدًا، ولتلافي الرتابة اللونية بفعل كثرة العناصر الصغيرة (أكثر من أربعين لوحة)، وضع الرسَّام هذه الستائر الحمراء التي تضفي لمسة دافئة وباروكية الشكل تلطّف جمود التركيب الهندسي العام.
وعندما تجول العين على كل التفاصيل المرسومة بإتقان، لابدّ من أن تتوقف أمام الرجال الخمسة الذين نراهم في أسفل اللوحة إلى اليسار ويبدون وكأنهم يتشاورون حول ما يحيط بهم. بعض النقاد يقول إن الرجل الجالس هو الزبون كونت ستانفيل، والبعض يرى أنه قد يكون بانيني نفسه.. ولكن أيًا كانت الحقيقة، فإن المهم في مشهد هؤلاء الرجال هو صغر حجمهم مقارنة بعظمة محيطهم، وكأن الرسَّام يريد أن يقول بقدرة أبناء روما الحديثة على تحقيق ما يتجاوز مقاييس السلّم الإنساني، والوقوف على قدم المساواة مع روما القديمة ■