داخـــل العقــول المسلمــة

داخـــل العقــول المسلمــة

تأتي مراجعة هذا الكتاب في وقتها بعد أحداث الربيع العربي وهجوم 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية. يقدم المؤلف وصفا/تشخيصيا ثقافيا ونفسيا للعقول المسلمة وسلوكياتها في سبعة بلدان مسلمة، هي: مصر وإندونيسيا وإيران وكازاخستان وماليزيا وباكستان وتركيا. يعالج صاحب الكتاب مسائل عدة  في فصول الكتاب العشرة: الوعي الإسلامي، أنماط الالتزامات الدينية، الجهاد، حل النزاعات في المجتمعات الإسلامية، النظام السياسي والمؤسسات الدينية، لباس الحجاب، هيمنة سلطة الذكور، القتل من أجل الشرف، العدالة الاجتماعية، الإسلام والمجتمع المدني.

 

يحدد المؤلف ثلاثة تيارات للوعي الإسلامي:
1 - الفئة المعارضة للآثار الهدّامة للحداثة واحتكار المعرفة الغربية.
 2 – الوهابية: وهي حركة دينية ظهرت في القرن الثامن عشر تسعى إلى تخليص الإسلام من كل معالم الفساد والانحرافات.
3 - السلفية: وهي مفردة تستعمل بمعنى الوهابية. تنادي السلفية بقوة لكي يرجع المسلمون إلى النصوص الأصلية للإسلام وفي طليعتها القرآن الكريم.
لقد استجوب المؤلف 6300 شخص من المجتمعات السبعة، وربما تكون هذه الدراسة هي الأولى التي تشخص بمؤشرات كمّية معالم مختلفة للتديّن الإسلامي، ويمثل ذلك المساهمة الرئيسية لهذا العمل. يعتمد صاحب الكتاب على منهجية تحليل ما يسمى بـ The Berkeley Research program in Religion، وتؤكد المقولة الرئيسية لهذا الكتاب أن هناك نهضة دينية جارية الآن أو وقعت قبل ذلك في تلك المجتمعات المسلمة. يبين صاحب الكتاب أن التقوى الإسلامية هي نتيجة لعملية اجتماعية، وهو ما يفسر الاختلاف في تلك التقوى في هذه المجتمعات. فعلى سبيل المثال، التقوى الإسلامية في كازاخستان مختلفة جدا عن بقية البلدان الأخرى (ص96) . يدرس الأستاذ حسن (المؤلف) العلاقة بين الإسلام والسياسة، حيث وجد أنظمة حكم سياسية مختلفة: الدكتاتورية العسكرية، الشيوعية، الملوكية، حكم ديني، حكم مدني وديمقراطي. وعكس الرؤية السائدة في الغرب، يقدّم المؤلف حججا لمصلحة الديمقراطية في الإسلام. فهذا الأخير ينسجم مع الديمقراطية لأن البشر هم خليفة الله في الأرض، بينما ينكر على الدولة أي قدسية. وخلاصة القول، السلطة في الإسلام، هي بأيدي الشعب (ص130). 
فالانتفاضات والثورات الشعبية والسياسية والجماعية 2011-2013 للربيع العربي تنادي بالديمقراطية كأولوية. وهكذا، فالأحزاب الإسلامية التي فازت في الانتخابات في المجتمعات العربية سوف تخسر مساندة شعوبها إذا هي همّشت مكانة ومشروعية ممارسة الحكم ديمقراطيا.
وبعد حديثه عن العقل السياسي، يلتفت المؤلف إلى موقف العقل المسلم من المؤسسات: «كنت مهتما خاصة بفهم الفروق في المواقف تجاه مؤسسات إسلامية رئيسية والعوامل الاجتماعية المحددة لتلك الفروق» (ص131). اكتشف صاحب الكتاب أن القوات المسلحة تتمتع أكثر من غيرها بثقة الناس في ماليزيا وباكستان ومصر (ص136)، وهو ما تشهد عليه الساحة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011. وبالنسبة للثقة في المؤسسات الدينية، يقدّم المؤلف ملاحظتين: 1-يقترن ازدياد الثقة في المؤسسات الدينية بازدياد الثقة في مؤسسات الدولة في البلدان السبعة.
2- الاندماج بين الدين والدولة قد لا يكون لمصلحة المؤسسات الإسلامية والنخب الدينية. ونتيجة لذلك، قد تتدهور الثقة في المؤسسات الدينية (ص149). ويبدو أن هذه الملاحظة تناقض نوعا ما المقولة التقليدية الإسلامية «الإسلام دين ودنيا».
يتطرق صاحب الكتاب إلى قضايا الحجاب والقتل من أجل الشرف وسطوة الرجال. ويؤكد على ما يسميه مواقف الكره للنساء في ثقافة المجتمعات المسلمة (ص175)، فيطرح تحليلا تاريخيا - اجتماعيا للظروف التي تؤدي إلى تلك الظاهرات، ويخلص إلى القول بأن تلك الظروف أثرت في الوعي الإسلامي بالنسبة لمكانة ودور ووضع النساء المسلمات. ففي القرنين الأولين للإسلام، لم تحرّم تعاليم القرآن على النساء أداء الصلاة مع الرجال. وطلب منهن ارتداء اللباس  المحتشم دون تغطية وجوههن بالحجاب. 
ومع ذلك، فبنهاية القرن الثاني الهجري مُنعت النساء من الصلاة بصحبة الرجال. وبمرور الزمن أصبح حضور الرجال في المساجد هو المهيمن (ص212). يشرح المؤلف القيم والأعراف الصارمة نحو النساء بسبب النظر إليهن كتجسيم للجنس نفسه. ففي رأيه، إن الحجاب والقتل من أجل الشرف والسطوة الذكرية كلها سلوكيات يجوز تفسيرها على أنها نتيجة لسوء إدارة المسألة الجنسية في المجتمعات المسلمة (ص215). لقد كان كاتبُ مراجعة هذا الكتاب بعد منتصف القرن الماضي  شاهدا شخصيا على سوء التعامل مع هذه المسألة في الريف التونسي، حيث لم يكن يُسمح للبنات والأبناء المتزوجات والمتزوجين أن يمسوا أو يحملوا أطفالهم في حضور آبائهم على الخصوص (سطوة الذكرية)، لكن عملية التغيير جارية في المناطـق الـريـــفـــيــة الــــتونسية لمصلحة مواقف أكثر اعتدالا بالنسبة لقضية الأخلاق الجنسية. أما المواقف السائدة في تلك المجتمعات فليست بالمتجانسة بالنسبة للحجاب والسطوة الرجالية والقتل من أجل الشرف الذي ينتشر أكثر في الشرق الأوسط منه في شمال إفريقيا وينتشر أيضا بين العرب المسيحيين في مصر والأردن والأراضي الفلسطينية. ومن ثم، فالقتل من أجل الشرف هو في الأساس مسألة ثقافية لا دينية.
يعتقد المؤلف أن التوجه العام للتغيير في العالم الإسلامي سوف يكون له أثره في تقاليد ارتداء الحجاب وعزلة النساء وسطوة الرجال (ص216)، وعلى الرغم من ذلك، فإنه ربما يُنتظر من الصحوة الإسلامية المصاحبة للربيع العربي أن تُبطئ في سرعة وتناسق منظومة مسيرة هذا التغيير.
يستشرفُ صاحبُ الكتاب مفهومًا جديدًا لهوية  الأمة  الإسلامية في عصر العولمة، فيرى أنها ستأخذ أشكالا جديدة في المستقبل مختلفة عن مفهوم الأمة الإسلامية كمجموعة بشرية متحدة، بل ستكون أمة واحدة يغلب عليها طابع التنوع في مناطقها التي سوف تتمثل في المناطق الخمس التالية: إسلام الشرق الأوسط العربي، الإسلام الإفريقي، إسلام وسط آسيا، إسلام جنوب شرق آسيا، وإسلام الأقليات المسلمة في الغرب. ويمكن  لمثل هذا التطور أن يعطي مشروعية لظهور أقطاب جغرافية متنوعة للأمة الإسلامية، يرسم كل منها نمط مسيرته المميزة له على المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بتاريخ ومزاج الشخصيات القاعدية لتلك الشعوب.
يثير المؤلف في آخر قسم لكتابه موضوعين مهمين هما العدالة وفكرة المجتمع المدني، فيتحدث عن مستويين للعدالة كسلوك اقتصادي وروحي. فالبعض يرى أن الزكاة هي طريقة محافظة لتوزيع الثروة في المجتمع، بينما يرى فيها آخرون رمزا لإنشاء أمة مثالية، تتمثل في صحبة في عقيدة مشتركة واعتقاد راسخ ومتواصل بأهمية فعل الخير (ص247).
أما مسألة المجتمع المدني، فيخلص صاحبُ الكتاب إلى القول بأن الحركة نحوها على قدم وساق في العالم الإسلامي (ص263). وبهذا الصدد، فإن تأثير رياح الربيع العربي سيشجع حركات المجتمع المدني في البلدان العربية الثائرة والمنادية بالمزيد من الديمقراطية والمشاركة النشطة في حركية مجتمعاتها.
ينتهي الكتاب بالإشارة إلى حضور ارتياب متبادل بين العالم الإسلامي والغرب المسيحي، لكن المؤلف لا يكاد يستعمل إطارا فكريا يستطيع بيان أن المسلمين يرغبون أكثر من المسيحيين الغربيين في حوار حضارتيْهما المطروح منذ سنوات. ويرجع هذا الفرق في الرغبة في الحوار،  حسب نظريتنا للرموز الثقافية. وتتلخص مقولة هذه النظرية في أن المجتمعات التي تعرف لغات بعضها البعض وتعتقد في ديانات بعضها البعض مؤهلة كثيرا وباستمرار للرغبة في الحوار المثمر. وهذا ما يفسر الوضع غير المتكافئ في رغبة الحوار بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي. فمن جهة، إن الكثير من المسلمين العرب والأعاجم يعرفون لغة أو لغات غربية ويعتقدون في الديانة المسيحية. ومن جهة ثانية، فمعرفة الغربيين للغات الكبرى للعالمين العربي والإسلامي، العربية والفارسية والأردية والتركية معرفة ضئيلة جدا. 
وبالإضافة إلى ذلك، فمعظم الغربيين لا يؤمنون بالإسلام كدين سماوي. وكما أشرنا، فنحن نعتبر أن اشتراك الشعوب جزئيا أو كليا في هذين العاملين الثقافيين (اللغة والدين) هو عبارة عن تأشيرة خضراء لمصلحة تحاور المجتمعات والشعوب والحضارات البشرية. وواضح من التحليل في آخر هذه المراجعة، أن جهل المجتمعات الغربية بلغات المجتمعات المسلمة وغياب الاعتقاد الديني لديها في الإسلام يُعيقان معظمَ الغربيين عن الرغبة والتحمس للحوار الجاد مع العالميْن العربي والإسلامي. وهو ما يعطي مشروعية لوصف صاحب الكتاب لعلاقة الارتياب المتواصلة بين الغرب والعالميْن العربي والإسلامي ■