مهرجان أيام المسرح للشباب الكويتي التاسع.. رؤى فكرية متميزة وجماليات بصرية ممتعة

مهرجان أيام المسرح للشباب الكويتي التاسع.. رؤى فكرية متميزة وجماليات بصرية ممتعة

في‭ ‬دورته‭ ‬التاسعة،‭ ‬أقيم‭ ‬مهرجان‭ ‬أيام‭ ‬المسرح‭ ‬للشباب‭ ‬السنوي‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للشباب‭ ‬والرياضة‭. ‬وتكمن‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان،‭ ‬الذي‭ ‬بادرت‭ ‬الهيئة‭ ‬إلى‭ ‬تبنيه،‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يشكل‭ ‬حدثا‭ ‬مسرحيا‭ ‬نوعيا،‭ ‬يؤمن‭ ‬بقدرات‭ ‬الشباب‭ ‬ومواهبهم،‭ ‬فيفسح‭ ‬لهم‭ ‬المجال‭ ‬لكي‭ ‬يبرزوا‭ ‬طاقاتهم‭ ‬الإبداعية،‭ ‬ويقدموها‭ ‬إلى‭ ‬المشاهد‭ ‬الكويتي‭ ‬والعربي‭. ‬وأثبت‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬أنهم‭ ‬جديرون‭ ‬بهذه‭ ‬الثقة،‭ ‬فقدموا‭ ‬عروضا‭ ‬نوعية‭ ‬وألفوا‭ ‬نصوصا‭ ‬تستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عندها‭ ‬وقراءتها‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭.‬

‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬تسعة‭. ‬اعتمد‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬نصوص‭ ‬ألفها‭ ‬مسرحيون‭ ‬كويتيون‭ ‬شباب،‭ ‬وهي‭ ‬تطرح‭ ‬قضية‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬المستشري‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬هؤلاء‭ ‬نصوصهم‭ ‬وهاجسهم‭ ‬الكبير‭ ‬هو‭ ‬حبهم‭ ‬لوطنهم‭ ‬الكويت‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬نص‭ ‬الوحاتب‭ ‬لمؤلفته‭ ‬بدور‭ ‬يوسف‭ ‬وهو‭ ‬التجربة‭ ‬التأليفية‭ ‬الأولى‭ ‬لها،‭ ‬وفيه‭ ‬جسدت‭ ‬المؤلفة‭ ‬رؤيتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أفكار‭ ‬كثيفة‭ ‬وسمت‭ ‬بنية‭ ‬النص‭ ‬بسمة‭ ‬سردية‭ ‬أفقدته‭ ‬سمته‭ ‬الدرامية‭. ‬فالمؤلفة‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬واحد‭ ‬مثل‭: ‬استغلال‭ ‬مكاتب‭ ‬الهندسة‭ ‬لإبداع‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المدير‭ ‬المسئول‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬مصادرة‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع،‭ ‬وذلك‭ ‬بتسجيل‭ ‬المشروع‭ ‬باسمه‭ ‬لقاء‭ ‬مبلغ‭ ‬زهيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬يعطيها‭ ‬للشاب‭ ‬صاحب‭ ‬المشروع‭. ‬كما‭ ‬أقحمت‭ ‬المؤلفة‭ ‬فكرة‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬والتغيير‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الأنظمة‭ ‬السابقة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تعميق‭ ‬فكرتها‭.‬

يتابع‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬المؤلف‭ ‬الشاب‭ ‬سامي‭ ‬إبراهيم‭ ‬بلال‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬ا2012ب‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سبب‭ ‬ظاهري‭ ‬هو‭ ‬انهيار‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسة‭ ‬تجارية‭ ‬اجتمعت‭ ‬فيها‭ ‬فئات‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭: ‬المثقف،‭ ‬الموظف‭ ‬المرأة‭ ‬وصاحب‭ ‬المؤسسة‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬السلطة‭ ‬والاحتكار‭ ‬والاستغلال،‭ ‬ويسيطر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقع‭ ‬عليه‭ ‬يداه،‭ ‬فهو‭ ‬مثلا‭ ‬يتعرض‭ ‬للفتاة‭ ‬التي‭ ‬نجت‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬المبنى‭ ‬والتي‭ ‬بدت‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ظهورها،‭ ‬فيفقدها‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬ويذلها‭ ‬بعد‭ ‬اغتصابه‭ ‬لها‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬يطرح‭ ‬بلال‭ ‬رؤية‭ ‬تجسد‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الوطن،‭ ‬وتكشف‭ ‬التسلط‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صياغة‭ ‬درامية‭ ‬ضعيفة‭ ‬البناء‭ ‬الحدثي،‭ ‬والحوار‭ ‬المباشر‭ ‬والأفكار‭ ‬المشتتة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬أي‭ ‬رابط‭ ‬درامي‭ ‬بينها‭.‬

‭ ‬تستمر‭ ‬ثيمة‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الوطن‭ ‬وتكتمل‭ ‬الرؤية‭ ‬نفسها،‭ ‬أي‭ ‬رؤية‭ ‬تنمية‭ ‬الشعور‭ ‬بـالمــواطـــنة‭ ‬والكــشف‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬امحطة‭ ‬50ب‭. ‬ويرمز‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬امحطة‭ ‬50ب‭ ‬إلى‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الدستور‭ ‬الكويتي،‭ ‬والمحطة‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬المواطنون‭ ‬بكل‭ ‬بتنوع‭ ‬فئاتهم،‭ ‬المرأة‭ ‬والمثقف‭ ‬والشاب‭ ‬الذي‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬والديه‭ ‬لأنهم‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مستقبله،‭ ‬فهو‭ ‬يهوى‭ ‬الموسيقى‭ ‬وهم‭ ‬يوجهونه‭ ‬نحو‭ ‬اختصاص‭ ‬مختلف‭ ‬وأكثر‭ ‬ارقياب‭ ‬بمنظورهم‭. ‬والزبال‭ ‬الذي‭ ‬يرغمه‭ ‬صاحب‭ ‬المحطة‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكنس‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬حددها‭ ‬له،‭ ‬وهو‭ ‬الراوي‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬رؤية‭ ‬الكاتب‭. ‬وكذلك‭ ‬صاحب‭ ‬المحطة‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬قوانينه‭ ‬وسلطته‭ ‬على‭ ‬المسافرين‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬القطار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭.‬

وللموضوع‭ ‬السياسي‭/ ‬الإنساني‭ ‬الإقليمي‭ ‬نصيبه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬كما‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬علي‭ ‬البلوشي‭ ‬ايوتيبيا‭ ‬العتمةب‭ (‬الذي‭ ‬حاز‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬نص‭ ‬تأليفي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬مسرح‭ ‬الشباب‭ ). ‬وفيه‭ ‬صاغ‭ ‬البلوشي‭ ‬رؤيته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حوارات‭ ‬تلميحية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ليجسد‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬مسببات‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬ودوافعه،‭ ‬والذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬ومنهم‭ ‬الفلسطــيــني‭ ‬والإسرائــيلـي‭ ‬خاضعون‭ ‬للسلطة‭ ‬الأقوى‭ ‬هي‭ ‬السلطة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ونستجلي‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلميحات‭ ‬مجازية‭ ‬واستعارية،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعبير‭ ‬الحواري‭ ‬المباشر،‭ ‬كالكلام‭ ‬عن‭ ‬الهولوكوست،‭ ‬وعن‭ ‬المفتاح‭ ‬الذي‭ ‬يحمله‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أينما‭ ‬ارتحل‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬حلمه‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬واللافت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬شخصياته‭ ‬عمياء،‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬أطرافا‭ ‬متصارعة‭ ‬غافلة‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬وضعها،‭ ‬كما‭ ‬أبقاها‭ ‬سجينة‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة‭ ‬مقفلة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬ولا‭ ‬منفذ‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬إلا‭ ‬النافذة‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬النص‭ ‬لتخرج‭ ‬منها‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬السلطة‭.‬

 

‭ ‬نصوص‭ ‬معدة‭ ‬دراماتورجيا‭.. ‬ثيماتها‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬ومن‭ ‬الأسطوري‭ ‬

‭ ‬اعتمدت‭ ‬العروض‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬الدراماتورجيا‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬نصوص‭ ‬مؤلفة‭ ‬قبلا،‭ ‬كنص‭ ‬امندليب‭ ‬الذي‭ ‬ألفه‭ ‬جواد‭ ‬الأسدي،‭ ‬المخرج‭ ‬والمؤلف‭ ‬المسرحي‭ ‬العراقي،‭ ‬وكنص‭ ‬ايوميات‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الجنونب‭ ‬للكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬غوغول‭ ‬وجسدوا‭ ‬فيها‭ ‬رؤى‭ ‬متنوعة‭ : ‬فمنها‭ ‬ما‭ ‬غاير‭ ‬رؤية‭ ‬المؤلف‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬توافق‭ ‬معها‭. ‬أما‭ ‬النصوص‭ ‬الأخرى‭ ‬فقد‭ ‬استوحيت‭ ‬فكرتها‭ ‬من‭ ‬الأسطورة‭ ‬مثل‭ ‬نص‭ ‬اكالا‭ ‬ونارب‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬اأبو‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي‭ ‬يحضر‭ ‬زمن‭ ‬الجراحب‭ ‬للمؤلف‭ ‬محمد‭ ‬أعراب‭ ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬االسربب‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬مالك‭ ‬القلاف‭.‬

‭ ‬اعتمد‭ ‬عبدالله‭ ‬التركماني‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬امندليب‭ ‬الذي‭ ‬ألفه‭ ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬العراقي‭ ‬جواد‭ ‬الأسدي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬دراماتورجية‭ ‬توافقت‭ ‬ورؤية‭ ‬المؤلف‭. ‬وتتغلغل‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النص‭ ‬ملامح‭ ‬سيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الأسدي‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬وهو‭ ‬المخرج‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬ما‭ ‬عاناه‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬التي‭ ‬تستبيح‭ ‬الأرض‭ ‬والمرأة‭ ‬والموظف‭ ‬والعسكري‭.‬

‭ ‬ثم‭ ‬نص‭ ‬ايوميات‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الجنونب‭ ‬الذي‭ ‬ألفه‭ ‬غوغول‭ ‬والذي‭ ‬يخيم‭ ‬عليه‭ ‬النفس‭ ‬الغوغولي‭ ‬ونفس‭ ‬نصه‭ ‬االمفتش‭ ‬العامب،‭ ‬حيث‭ ‬يتعرض‭ ‬غوغول‭ ‬لمعاناة‭ ‬الموظف‭ ‬البسيط‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬المدير‭ ‬وسلطة‭ ‬البيروقراطية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬الموظف‭ ‬البسيط‭ ‬متماهيا‭ ‬مع‭ ‬شخصية‭ ‬البيروقراطي،‭ ‬ويصاب‭ ‬بالجنون‭ ‬بعد‭ ‬إصابته‭ ‬بحالة‭ ‬البارانويا،‭ ‬ويكون‭ ‬مصيره‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬المجانين‭. ‬

وفي‭ ‬المسار‭ ‬المغاير‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬النفسي‭ ‬الممتد‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬الفلسفي‭ ‬يعالج‭ ‬المؤلف‭ ‬العراقي‭ ‬مروان‭ ‬ياسين‭ ‬ثيمة‭ ‬الخيانة‭ ‬والسلطة‭ ‬والفساد‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬اإنما‭ ‬هو‭ ‬أناب‭. ‬

‭ ‬لكن‭ ‬مالك‭ ‬القلاف‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬نصه‭ ‬االسربب‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬التجريدي‭ ‬للسلطة‭ ‬والمعنى‭ ‬المادي‭ ‬للغزو‭. ‬فيجعل‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬أدونيا‭ ‬رمزا‭ ‬للأرض‭/ ‬الوطن،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحضن‭ ‬أبناءها‭ ‬بفئاتهم‭ ‬المتنوعة‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬الشاعر،‭ ‬والفلاح‭ ‬والغنام‭ ‬وبائعة‭ ‬الصحف‭ ‬وتدعوهم‭ ‬ليتمسكوا‭ ‬بأرضهم‭.‬‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الحضن‭ ‬بدأ‭ ‬يتفكك‭ ‬وبدأ‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬إليها‭ ‬أدونيا،‭ ‬عندما‭ ‬غزا‭ ‬قائد‭ ‬الجراد‭ ‬الأرض،‭ ‬الجراد‭ ‬الذي‭ ‬يحتمل‭ ‬عدة‭ ‬تأويلات‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬المحتلة‭ ‬لأي‭ ‬أرض‭ ‬تخلى‭ ‬أهلها‭ ‬عنها‭.‬

‭ ‬وبدأ‭ ‬قائد‭ ‬الجراد‭ ‬يغري‭ ‬المواطنين‭ ‬ويستميلهم‭ ‬للانضمام‭ ‬إليه‭. ‬فيستغل‭ ‬وضع‭ ‬بائعة‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬زوجها‭ ‬وتضطر‭ ‬لبيع‭ ‬جسدها‭ ‬لكي‭ ‬تعول‭ ‬أبناءها،‭ ‬فيغريها‭ ‬ويدعوها‭ ‬للتخلى‭ ‬عن‭ ‬أرضها‭ ‬وقيمها‭ ‬لتصبح‭ ‬تابعة‭ ‬له،‭ ‬وكذلك‭ ‬يستميل‭ ‬الغنام‭ ‬الانتهازي،‭ ‬ولم‭ ‬يصمد‭ ‬أمام‭ ‬إغراءات‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬الغازي‭ ‬إلا‭ ‬الحكيم‭ ‬الذي‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬المخلص‭ / ‬المنتظر،‭ ‬والفلاح‭ ‬والشاعر‭ ‬اللذين‭ ‬لا‭ ‬يستسلمان،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬قدرة‭ ‬لهما‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأرض،‭ ‬بل‭ ‬يأملان‭ ‬بولادة‭ ‬المخلص‭ ‬المنتظر‭ ‬الذي‭ ‬يجسده‭ ‬وجود‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬النص،‭ ‬والذي‭ ‬يختم‭ ‬به‭ ‬القلاف‭ ‬نصه‭ ‬عندما‭ ‬يضعه‭ ‬فوق‭ ‬جسد‭ ‬الحكيم‭ ‬المتوفى،‭ ‬فيستمد‭ ‬روحه‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الحكيم‭ ‬التي‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬الجسد‭ ‬وحلقت‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الحكمة‭. ‬تعددت‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص،‭ ‬وكان‭ ‬البروز‭ ‬الأكبر‭ ‬لدور‭ ‬الفلاح‭ ‬وبائعة‭ ‬لصحف‭ ‬وقائد‭ ‬الجراد‭.‬

‭ ‬ويتوغل‭ ‬نص‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬نص‭ ‬اكالا‭ ‬ونارب‭ ‬وقد‭ ‬أعده‭ ‬أحمد‭ ‬محمدي‭ ‬دراماتورجيا،‭ ‬عن‭ ‬أسطورة‭ ‬الخلق‭ ‬والموت‭ ‬ليستل‭ ‬منها‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬المتصارع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬هو‭ ‬نص‭ ‬يترجم‭ ‬الصراع‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬العالم‭ ‬العلوي‭ ‬العالم‭ ‬الطاهر‭ ‬المقدس،‭ ‬والعالم‭ ‬السفلي،‭ ‬عالم‭ ‬الغرائز‭ ‬والشهوات‭.‬وقد‭ ‬استمد‭ ‬من‭ ‬الأسطورة‭ ‬فكرة‭ ‬سقوط‭ ‬شخصية‭ ‬إنانا‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬السفلي‭ ‬الذي‭ ‬نزع‭ ‬عنها‭ ‬إنسانيتها‭ ‬وسموها‭. ‬يحتمل‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬تأويلات‭ ‬متنوعة‭ ‬توحي‭ ‬بالانتصار‭ ‬للشهوة‭ ‬بكل‭ ‬أوجهها‭ ‬ومنها‭ ‬شهوة‭ ‬السلطة،‭ ‬وتشي‭ ‬بالانزياح‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬والدين‭. ‬وينجلي‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬يتراسل‭ ‬بين‭ ‬إنانا‭ ‬وتموز‭ ‬وإنكي،‭ ‬ليجسد‭ ‬هذه‭ ‬الشهوات‭ ‬والصراعات‭ ‬بين‭ ‬العالمين‭. ‬ويخلق‭ ‬الكاتب‭ ‬لتجسيد‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬مناخا‭ ‬يتلاءم‭ ‬والبيئة‭ ‬الأسطورية،‭ ‬لجهة‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬وأسماء‭ ‬الشخـصــــيات‭ ‬المستـــمـــدة‭ ‬من‭ ‬الأساطــــير‭ ‬الفينيقية‭ ‬والبابلية‭..‬

 

الرؤية‭ ‬الإخراجية‭ ‬وعناصرها‭ ‬البصرية‭ ‬والأدائية‭ ‬

‭ ‬أتقن‭ ‬الشباب‭ ‬المسرحي‭ ‬الكويتي‭ ‬أسلوب‭ ‬الإخراج‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬العروض،‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بجماليات‭ ‬بصرية‭ ‬متميزة‭ ‬كما‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬عرضي‭ ‬االسربب‭ ‬وامندليب‭ ‬مثلا‭ ‬وعروض‭ ‬أخرى‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬تعامل‭ ‬المخرج‭ ‬بأدوات‭ ‬سينوغرافية‭ ‬فاقت‭ ‬بجمالياتها‭ ‬الصورة‭ ‬البصرية‭. ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬السينوغراف‭ ‬ومصمم‭ ‬الديكور‭ ‬والأزياء‭ ‬فهد‭ ‬المؤذن‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬سينوغرافية‭ ‬منسجمة‭ ‬مع‭ ‬الأزياء‭ ‬التي‭ ‬ارتدتها‭ ‬الكتلة‭ /‬الجراد‭. ‬كما‭ ‬أفلح‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬أزياء‭ ‬قائد‭ ‬الجراد،‭ ‬وقد‭ ‬صنع‭ ‬أكمام‭ ‬زي‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬جناحين‭ ‬مسننين‭ ‬كالمنشار‭ ‬التي‭ ‬تقضم‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬كما‭ ‬يقال‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬للماكياج‭ ‬الذي‭ ‬نفذه‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الجريب‭ ‬وظيفة‭ ‬درامية‭ ‬متلائمة‭ ‬مع‭ ‬شكل‭ ‬الجراد،‭ ‬وانسجمت‭ ‬انسجاما‭ ‬جماليا‭ ‬مميزا‭ ‬مع‭ ‬ألوان‭ ‬الأزياء‭ ‬التي‭ ‬اختلط‭ ‬فيها‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬مع‭ ‬الأصفر‭ ‬والرمادي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المؤثرات‭ ‬الموسيقية‭ ‬أضفت‭ ‬على‭ ‬الحراك‭ ‬وغزو‭ ‬الجراد‭ ‬تأثيرا‭ ‬سمعيا‭ ‬متلائما‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المشاهدين‭ ‬وفي‭ ‬بيئة‭ ‬العرض‭.‬

وقسم‭ ‬المخرج‭ ‬الكندري‭ ‬الخشبة‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬متوازية‭ ‬تدرجت‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬منصة‭ ‬عالية‭ ‬توسطت‭ ‬الخشبة‭ ‬ووضعت‭ ‬في‭ ‬أعلاها،‭ ‬ويقف‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يمسك‭ ‬بالسلطة‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬اعتلتها‭ ‬أدونيا‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تتسلم‭ ‬السلطة،‭ ‬انتزعها‭ ‬منها‭ ‬قائد‭ ‬الجراد‭ ‬وحل‭ ‬مكانها‭ ‬بعد‭ ‬استدراج‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬صفوفه‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬أرضهم‭ ‬وقضيتهم‭ ‬ووطنهم‭. ‬ووظفت‭ ‬هذه‭ ‬المنصة‭ ‬العالية‭ ‬توظيفا‭ ‬بصريا‭ ‬ودراميا‭ ‬موفقا،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يعتليها‭ ‬فيه‭ ‬القائد،‭ ‬فيتشكل‭ ‬معها‭ ‬ويصير‭ ‬مؤطرا‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬مربع‭ ‬يضمه‭ ‬وسلطته‭.‬

‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الجماليات‭ ‬البصرية‭ ‬تمكن‭ ‬المخرج‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬الممثلين‭ ‬الذين‭ ‬تشكلوا‭ ‬ككتلة‭ ‬بشرية‭ ‬جميلة‭ ‬على‭ ‬الخشبة،‭ ‬وقد‭ ‬تمتعوا‭ ‬بقدرة‭ ‬على‭ ‬الأداء،‭ ‬ودلت‭ ‬حركاتهم‭ ‬ورقصهم‭ ‬المنتظم‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬متقن‭ ‬ومدروس‭.‬

كذلك‭ ‬حظي‭ ‬عرض‭ ‬امندليب‭ ‬بأهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المشاهدين‭ ‬ولجنة‭ ‬التحكيم،‭ ‬وإن‭ ‬دل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬فهو‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬المخرج‭ ‬والممثل‭ ‬عبدالله‭ ‬التركماني‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬بكل‭ ‬عناصره‭. ‬وقد‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬المخرج‭ ‬والكاتب‭ ‬حسين‭ ‬المسلم‭ ‬الذي‭ ‬يتابع‭ ‬مسيرة‭ ‬الشباب‭ ‬وخاصة‭ ‬ضمن‭ ‬فرقة‭ ‬الجيل‭ ‬الواعي‭. ‬فهو‭ ‬يمارس‭ ‬استمراريته‭ ‬المسرحية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬المسرحي‭ ‬الكويتي،‭ ‬ولم‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬مرحلة‭ ‬ثابتة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬روجيه‭ ‬عساف‭ ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يمارس‭ ‬نشاطه‭ ‬المسرحي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬شمس‭ ‬للعمل‭ ‬المسرحي‭ ‬السينمائي،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬إسهامه‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬وفي‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬الشباب‭ ‬المسرحي‭ ‬اللبناني‭.‬

‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬امندليب‭ ‬بدت‭ ‬براعة‭ ‬المخرج‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الممثلين‭ ‬وفي‭ ‬تفجير‭ ‬قدراتهم‭ ‬التمثيلية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬صياغات‭ ‬وتعبيرات‭ ‬داخلية،‭ ‬طيلة‭ ‬مدة‭ ‬العرض‭. ‬وبرز‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الممثلين‭ ‬الممثل‭ ‬ضاري‭ ‬الشمري،‭ ‬الذي‭ ‬أظهر‭ ‬ليونة‭ ‬جسدية‭ ‬لافتة،‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬جسدها،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬السكر‭ ‬أو‭ ‬الرقص‭ ‬أو‭ ‬الأداء‭ ‬القاسي‭ ‬الذي‭ ‬جسد‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬دور‭ ‬الضابط‭ / ‬السلطة‭ ‬العراقية‭.. ‬

‭ ‬لعبت‭ ‬السينوغرافيا‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المشاهد‭ ‬البصرية‭ ‬في‭ ‬العرض،‭ ‬بحيث‭ ‬قسمت‭ ‬الخشبة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حيز‭ ‬تدور‭ ‬فيه‭ ‬الأحداث‭ ‬وتجسد‭ ‬الحالات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬متزامن‭ ‬وفي‭ ‬عدة‭ ‬مشاهد‭: ‬كالمشهد‭ ‬الذي‭ ‬تتزامن‭ ‬فيه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أفعال‭ ‬معا‭: ‬مشهد‭ ‬الرقص‭ ‬والسكر،‭ ‬ومشهد‭ ‬معاناة‭ ‬العسكري‭ ‬المضطهد‭ ‬الذي‭ ‬تستباح‭ ‬شخصيته‭ ‬وزوجه،‭ ‬ومشهد‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الطفل‭ ‬وتعاني‭ ‬وحدتها‭ ‬وتعيش‭ ‬المعاناة‭ ‬الناتجة‭ ‬من‭ ‬خيانتها‭ ‬لزوجها،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬أداء‭ ‬هؤلاء‭ ‬بإتقان‭ ‬مرفق‭ ‬مع‭ ‬موسيقى‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬والمناخ‭ ‬المؤثرين‭ ‬والقاسيين‭. ‬وجعل‭ ‬السينوغراف‭ ‬لكل‭ ‬مشهد‭ ‬خاصيته‭ ‬السينوغرافية،‭ ‬التي‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬المشهد‭ ‬والأداء،‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬نجد‭ ‬العسكري‭ ‬المهزوم‭ ‬وقد‭ ‬جلس‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬السرير،‭ ‬وهو‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الخيانة‭ ‬الزوجية‭ ‬ومن‭ ‬اضطهاد‭ ‬الضابط‭ ‬له‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬الزاوية‭ ‬اليسرى‭ ‬من‭ ‬الخشبة‭ ‬جلس‭ ‬الضابط،‭ ‬وفي‭ ‬الزاوية‭ ‬اليمنى‭ ‬جلست‭ ‬الزوجة‭ ‬حاملة‭ ‬الطفل‭. ‬وبإيقاع‭ ‬سريع‭ ‬جدا‭ ‬يبدأ‭ ‬جدار‭ ‬الزاويتين‭ ‬بالانغلاق‭ ‬ليطبق‭ ‬على‭ ‬الزوج‭ ‬المحاصر‭ ‬من‭ ‬الجهتين‭ ‬اليمنى‭ ‬واليسرى،‭ ‬بجمالية‭ ‬بصرية‭ ‬متميزة،‭ ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الحالة‭ ‬بمستوى‭ ‬يفوق‭ ‬التعبير‭ ‬بالكلام‭.‬

وإلى‭ ‬الجماليات‭ ‬البصرية،‭ ‬لعبت‭ ‬الموسيقى‭ ‬المؤلفة‭ ‬خصيصا‭ ‬للعرض‭ ‬دورا‭ ‬تفاعليا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المشاهد،‭ ‬وهي‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬المواويل‭ ‬العراقية،‭ ‬وقد‭ ‬وظفت‭ ‬توظيفا‭ ‬متلائما‭ ‬وثيمة‭ ‬العرض‭.‬

لم‭ ‬يختلف‭ ‬عرض‭ ‬ايوميات‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الجنونب‭ ‬عن‭ ‬العرضين‭ ‬السابقين‭ ‬لجهة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التمثيل‭ ‬الذي‭ ‬أبدع‭ ‬في‭ ‬أدائه‭ ‬وإخراجه‭ ‬يوسف‭ ‬الحشاش،‭ ‬لقد‭ ‬امتلك‭ ‬قدرة‭ ‬أدائية‭ ‬متميزة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مشاهد‭ ‬العرض،‭ ‬لاسيما‭ ‬عندما‭ ‬أدى‭ ‬شخصية‭ ‬الموظف‭ ‬الحالم،‭ ‬والمصاب‭ ‬بالانفصام‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬به‭ ‬حد‭ ‬الجنون‭. ‬واختار‭ ‬يوسف‭ ‬الحشاش‭ ‬صيغة‭ ‬المونودراما‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬وهي‭ ‬الصيغة‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬قدرة‭ ‬أدائية‭ ‬متقنة‭ ‬في‭ ‬النوعين‭ ‬الكوميدي‭ ‬والتراجيدي،‭ ‬وتفترض‭ ‬أسلوب‭ ‬المونولوج‭ ‬الذي‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬النص،‭ ‬والمونولوج‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬النوع‭ ‬التراجيدي،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للشخصية‭ ‬أن‭ ‬تفجر‭ ‬مكنون‭ ‬الذات‭ ‬وتبوح‭ ‬بالمسكوت‭ ‬عنه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسمعها‭ ‬أحد،‭ ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬يسميه‭ ‬لوكاش‭ ‬الغة‭ ‬المخذول‭ ‬الذي‭ ‬هجره‭ ‬الإلهب‭ ‬في‭ ‬حالتي‭: ‬الكوميديا‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬تصوغ‭ ‬المرارة‭ ‬والتعاسة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬هذا‭ ‬الموظف،‭ ‬والتراجيديا‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬الموظف‭ ‬عن‭ ‬وجعه‭.‬

وكذلك‭ ‬أدى‭ ‬محمد‭ ‬دشتي‭ ‬دور‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تتماهي‭ ‬مع‭ ‬الكلب‭ ‬وبدا‭ ‬كمحرك‭ ‬رشيق‭ ‬للدمى‭. ‬أما‭ ‬باقي‭ ‬الممثلين‭ ‬فقد‭ ‬تحركوا‭ ‬بإيقاع‭ ‬سريع،‭ ‬وخاصة‭ ‬الممثلين‭ ‬الذين‭ ‬أوكل‭ ‬إليهم‭ ‬استبدال‭ ‬الإضاءة‭ ‬بالإنارة‭ ‬الحية،‭ ‬فحملوا‭ ‬المصابيح‭ ‬والشموع‭ ‬التي‭ ‬وظفت‭ ‬بدقة،‭ ‬وتناغمت‭ ‬مع‭ ‬بيئتي‭ ‬العرض‭ ‬الحزينة‭ ‬والفرحة‭.‬

وفي‭ ‬تناولنا‭ ‬لعرض‭ ‬اكالا‭ ‬ونارب‭ ‬الذي‭ ‬أخرجه‭ ‬رازي‭ ‬الشطي،‭ ‬نرى‭ ‬أنه‭ ‬عرض‭ ‬الفانتازيا‭ ‬التي‭ ‬تتوغل‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الأسطورة‭ ‬لتصنع‭ ‬مشاهدها‭ ‬البصرية‭. ‬إذ‭ ‬قسمت‭ ‬الخشبة‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬بصرية‭ ‬تقع‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭: ‬السفلي‭ ‬والعلوي،‭ ‬ونسجت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬السفلي‭ ‬خيوط‭ ‬العنكبوت،‭ ‬العالم‭ ‬الشبيه‭ ‬بالكهف،‭ ‬حيث‭ ‬تعتمل‭ ‬الغرائز‭ ‬والأحاسيس‭ ‬الشريرة،‭ ‬وقد‭ ‬أبرزت‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬الإضاءة‭ ‬والماكياج‭ ‬والأزياء‭ ‬بألوانها‭ ‬الأحمر‭ ‬والأصفر‭ ‬والأسود‭. ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬بالعنف‭ ‬والشر‭. ‬

‭ ‬أما‭ ‬العرض‭ ‬الأخير‭ ‬فهو‭ ‬عرض‭ ‬ايوتوبيا‭ ‬العتمةب،‭ ‬فقد‭ ‬صاغه‭ ‬المخرج‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬عتمة‭ ‬البصر،‭ ‬فوضع‭ ‬المخرج‭ ‬الممثلين‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مغلقة‭ ‬تغشاها‭ ‬الإضاءة‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬ببرودة‭ ‬السجن،‭ ‬وبرودة‭ ‬البيئة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬يعالجها‭ ‬العرض،‭ ‬وهي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تحتمل‭ ‬تأويلا‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬مساقات‭ ‬الجدل‭ ‬البارد‭ ‬الذي‭ ‬ينتظر‭ ‬ببطء‭ ‬احتمالات‭ ‬الحل‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة‭ ‬المقفلة‭ ‬بإحكام،‭ ‬والتي‭ ‬خلت‭ ‬من‭ ‬الديكور‭ ‬باستثناء‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬على‭ ‬الحائط‭, ‬أي‭ ‬الخزانة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستخدم‭ ‬طيلة‭ ‬العرض،‭ ‬والدرج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مكان‭ ‬التنقل‭ ‬والقفز‭ ‬للشخصية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬دور‭ ‬شخصية‭ ‬الأجنبي‭ ‬وربما‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬وسرير‭ ‬وكرسيين،‭ ‬أي‭ ‬الأثاث‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬المقلوب‭ ‬على‭ ‬سقف‭ ‬الغرفة‭. ‬وبقيت‭ ‬النافذة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬للجمهور،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬الشخصية‭ ‬المسيطرة،‭ ‬لتترك‭ ‬الباقين‭ ‬غارقين‭ ‬في‭ ‬بؤسهم‭ ‬وعماهم‭.‬

‭ ‬أظهر‭ ‬مخرجو‭ ‬هذه‭ ‬العروض‭ ‬الشبابية‭ ‬موهبة‭ ‬وقدرة‭ ‬لافتة‭ ‬باستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬سينوغرافية،‭ ‬وببناء‭ ‬مشاهد‭ ‬متتالية‭ ‬ومتناغمة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬المخرجين‭ ‬والممثلين‭ ‬والسينوغراف‭ ‬الكويتيين‭ ‬يحفرون‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬بنية‭ ‬المسرح،‭ ‬ليستلوا‭ ‬منها‭ ‬عناصر‭ ‬مسرحية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬رؤيتهم‭ ‬الفكرية‭ ‬بانسجام‭ ‬وتناغم‭ ‬ومعرفة‭ .