القدماء والمعاصرون في استعمال النون النون الملحقة

القدماء والمعاصرون في استعمال النون النون الملحقة

رأينا‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬سابقة‭ ‬أنّ‭ ‬الأفعال‭ ‬الرباعيّة‭ ‬المنتهية‭ ‬بنون‭ ‬تُردّ‭ ‬إلى‭ ‬أصل‭ ‬نونيّ،‭ ‬غالبًا،‭ ‬وينتمي‭ ‬معظمها‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬أعجميّة‭ ‬بصورة‭ ‬صريحة‭ ‬أو‭ ‬احتماليّة،‭ ‬وأنّ‭ ‬الدليل‭ ‬ضعيف‭ ‬على‭ ‬اشتقاقها‭ ‬ممّا‭ ‬نونه‭ ‬زائدة،‭ ‬وأنّ‭ ‬ذلك‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬تحاشي‭ ‬العرب‭ ‬جعل‭ ‬النون‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الكلمات‭ ‬الرباعيّة‭ ‬تلافيًا‭ ‬لإلباسها‭ ‬بالتنوين‭ ‬وشبهه‭. ‬وقد‭ ‬وعدْنا،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المقالة،‭ ‬أن‭ ‬ندرس‭ ‬الأسماء‭ ‬والصفات‭ ‬والأفعال‭ ‬الرباعيّة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بنون‭ ‬ملحقة،‭ ‬أي‭ ‬الكلمات‭ ‬غير‭ ‬المأخوذة‭ ‬ممّا‭ ‬آخره‭ ‬نون‭ ‬أصليّة‭ ‬أو‭ ‬زائدة‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنّنا‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬إلاّ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أفعال‭ ‬يصحّ‭ ‬اعتبار‭ ‬النون‭ ‬ملحقة‭ ‬بها،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الصفات‭.‬

الفعل‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬فَرْتَنَ،‭ ‬أي‭ ‬فَجَرَ‭ ‬أو‭ ‬أخرجَ‭ ‬الكلامَ‭ ‬إخراجًا‭ ‬جميلًا؛‭ ‬فقد‭ ‬رآه‭ ‬سيبويه‭ ‬رباعيًّا،‭ ‬أي‭ ‬عدّ‭ ‬نونه‭ ‬أصليّة،‭ ‬وجعله‭ ‬ابن‭ ‬حبيب‭ ‬ثلاثيًّا‭ ‬زيدت‭ ‬عليه‭ ‬النون،‭ ‬لأنّ‭ ‬فَرَتَ‭ ‬يعني‭ ‬فَجَرَ؛‭ ‬ويصحّ‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭ ‬أنّ‭ ‬عبارة‭: ‬فَرُتَ‭ ‬الماءُ‭ ‬تعني‭: ‬عذُب‭. ‬ويُشعر‭ ‬رأي‭ ‬ابن‭ ‬حبيب‭ ‬بأنه‭ ‬الأرجح،‭ ‬وبأنّ‭ ‬النون،‭ ‬بالتالي،‭ ‬ملحقة‭ ‬بفعل‭ ‬فَرَتَ‭ ‬بحيث‭ ‬نشأ‭ ‬عن‭ ‬إلحاقها‭ ‬به‭ ‬فعل‭ ‬فَرْتَنَ‭ ‬الذي‭ ‬يوحي‭ ‬معنى‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الفجور‭. ‬لكنّ‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬معنى‭ ‬الفجور‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬فرت،‭ ‬وأدخله‭ ‬الفَيْروزآباديّ،‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬إلحاق‭ ‬النون‭ ‬محلّ‭ ‬نظر‭.‬

والفعلان‭ ‬الآخران‭ ‬يدلاّن‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬واحد،‭ ‬وكأن‭ ‬بينهما‭ ‬إبدالًا،‭ ‬وهما‭: ‬طَلْحَنَ‭ ‬وطَلْخَنَ،‭ ‬أي‭ ‬لطّخه‭ ‬بشيء‭ ‬مكروه‭ (‬الحاء‭ ‬والخاء‭ ‬من‭ ‬مخرج‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الحلْق‭)‬،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬أصل‭ ‬ثانيهما‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬طَلَخَ‭ ‬مقلوبِ‭ ‬فعل‭ ‬لَطَخَ‭ ‬نفسِه،‭ ‬ومعناه‭ ‬سوّده‭ ‬أو‭ ‬لوّثه‭ ‬بالقذر‭ ‬أو‭ ‬طَمَسه،‭ ‬ويوحي‭ ‬معنى‭ ‬الغلوّ‭ ‬والاتساع‭ ‬في‭ ‬التلطيخ‭. ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬ابن‭ ‬سيده‭ ‬هذين‭ ‬الفعلين‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬المحكم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬شاهد،‭ ‬ونقل‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬مادتهما‭ ‬عنه‭ ‬حرفيًّا،‭ ‬ولم‭ ‬نستطع‭ ‬الظفر‭ ‬بأثر‭ ‬لهما‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬المعاجم‭ ‬ومصادر‭ ‬اللغة‭ ‬والأدب،‭ ‬ولا‭ ‬نستبعد‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬من‭ ‬العاميّة‭. 

أمّا‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬وجدناها‭ ‬فتدلّ‭ ‬على‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬الصفة‭ ‬المعيبة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الضآلة،‭ ‬وأوّل‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬اثنتان‭ ‬ذكرهما‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬وغيره‭ ‬وهما‭: ‬عَلْجَنٌ،‭ ‬وتقال‭ ‬بصيغة‭ ‬عُلْجون‭ ‬أيضًا،‭ ‬أي‭ ‬الناقة‭ ‬السمينة‭ ‬والمرأة‭ ‬الماجنة‭ ‬والمرأة‭ ‬الحمقاء،‭ ‬وهي‭ ‬معان‭ ‬متباعدة؛‭ ‬وقد‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المرأة‭ ‬الماجنة‭ ‬سمينة،‭ ‬لأنّهم‭ ‬كانوا‭ ‬يحبون‭ ‬النساء‭ ‬المكتنزات،‭ ‬لكنّنا‭ ‬لا‭ ‬نفهم‭ ‬علاقة‭ ‬الحمق‭ ‬بالاكتناز‭. ‬وييدو‭ ‬أنّ‭ ‬أصل‭ ‬الكلمة‭ ‬هو‭ ‬العِلْج،‭ ‬أي‭ ‬الإنسان‭ ‬الضخم‭ ‬القويّ‭. ‬أمّا‭ ‬الصفة‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬صفة‭ ‬خَلْبَنٍ،‭ ‬أي‭ ‬حمقاء،‭ ‬وقيل‭ ‬مَهْزولة‭ - ‬فهي‭ ‬بهذا‭ ‬ضد‭ ‬العَلْجَن‭ - ‬وقيل‭ ‬الخلاّبة،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬الأخير‭. ‬ولم‭ ‬يستشهد‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬للصفتين‭ ‬إلا‭ ‬برجَز‭ ‬واحد‭ ‬للشاعر‭ ‬الأمويّ‭ ‬العباسيّ‭ ‬رُؤبة‭ ‬بن‭ ‬العَجّاج،‭ ‬ويخيّل‭ ‬إلينا‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬زاد‭ ‬النون‭ ‬لحاجة‭ ‬القافية،‭ ‬وليس‭ ‬لاستعمال‭ ‬الناس‭ ‬للكلمة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الصورة؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أنّه‭ ‬استعاض‭ ‬من‭ ‬عِلجة‭ ‬بعَلْجَن،‭ ‬ومن‭ ‬خالب‭ ‬بخَلْبَن،‭ ‬لكنّه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لولا‭ ‬أنّ‭ ‬الصيغة‭ ‬مستعملة‭ ‬عند‭ ‬العرب،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬أخرى‭ ‬سنذكر‭ ‬بعضها‭ ‬عمّا‭ ‬قليل‭. ‬

ونجد‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬صفة‭ ‬عَشَوْزن‭ ‬الدالّة‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬الخلق‭ ‬وصعوبة‭ ‬المسلك،‭ ‬وقد‭ ‬مضى‭ ‬أنّها‭ ‬أصل‭ ‬للعَشْزَنة؛‭ ‬وصفةَ‭ ‬زَهْدَن،‭ ‬أي‭ ‬لئيم؛‭ ‬ومن‭ ‬معاني‭ ‬الزاهد‭ ‬والزهيد‭ ‬اللئيم‭ ‬المزهود‭ ‬بما‭ ‬عنده؛‭ ‬وصفةَ‭ ‬عِرضَنٍ‭ ‬وعِرضَنةٍ،‭ ‬أي‭ ‬الذي‭ ‬يُكثر‭ ‬التعرّض‭ ‬للناس‭ ‬بالباطل،‭ ‬ودليل‭ ‬زيادة‭ ‬النون‭ ‬فيها‭ ‬أنّها‭ ‬تقال‭ ‬بصيغة‭ ‬عِرْضٍ‭ ‬أيضًا؛‭ ‬واسمَ‭ ‬القَرْقَفَنّة،‭ ‬وهو‭ ‬طائر‭ ‬صغير‭ ‬يقال‭ ‬له‭ ‬القَرْقَف‭ ‬أيضًا،‭ ‬وقد‭ ‬نسب‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬إلى‭ ‬النبيّ‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬حديثًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الطائر‭ ‬لم‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الحديث‭. ‬ولعلّ‭ ‬أوضح‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬النون‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬صفة‭ ‬رَعْشَنٍ،‭ ‬وهو‭ ‬المرتعش‭ ‬أو‭ ‬المهتزّ‭ ‬لسرعة‭ ‬سيره؛‭ ‬وقد‭ ‬صرّح‭ ‬اللسان‭ ‬أنّ‭ ‬النون‭ ‬هنا‭ ‬زائدة‭. ‬وفي‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬استعملوا‭ ‬أفعال‭ ‬شَرْعَنَ‭: ‬جعَله‭ ‬شرعيًّا؛‭ ‬وعَلْمَنَ‭: ‬جعله‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬العَلْم،‭ ‬أي‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق؛‭ ‬ومَسْحَنَ،‭ ‬جعَله‭ ‬مسيحيًّا؛‭ ‬وعَقْلَنَ،‭ ‬جعله‭ ‬عقليًّا؛‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المصدر‭ ‬عَرْقَنة‭.‬

واللافت‭ ‬أنّ‭ ‬العامّة،‭ ‬ولاسيّما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬تكثر‭ ‬من‭ ‬إلحاق‭ ‬النون‭ ‬بالأفعال،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬إلحاقها‭ ‬بالأسماء‭ ‬لإنشاء‭ ‬أفعال‭ ‬منها،‭ ‬ولا‭ ‬ندري‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬شائعًا‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬عربيّة‭ ‬أخرى،‭ ‬فيقولون‭: ‬تعَصْرَن،‭ ‬أي‭ ‬أَكَل‭ ‬عَصْرًا،‭ ‬ويسمّون‭ ‬ذلك‭ ‬عَصْرونيّة؛‭ ‬ويقولون‭: ‬تفَصْحَن،‭ ‬أي‭ ‬تكلّفَ‭ ‬الفصاحة‭ ‬أو‭ ‬الذكاء‭ (‬وهو‭ ‬فعل‭ ‬يشبه‭ ‬فعل‭ ‬تفاصَحَ‭)‬؛‭ ‬ويقولون‭: ‬تفَرْسَن،‭ ‬أي‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬حضور‭ ‬ومبادرة‭ ‬وشجاعة،‭ ‬وكأنّه‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬الفروسيّة؛‭ ‬ويقولون‭: ‬تتَيْسَن‭ ‬وتَيْسَنة،‭ ‬وتحَمْرَن‭ ‬وحَمْرَنة،‭ ‬وتسَعْدَن‭ ‬وسَعْدنة،‭ ‬وتوَحْشَن‭ ‬ووَحْشَنة،‭ ‬وتحَيْوَن‭ ‬وحَيْوَنة،‭ ‬إلخ‭. ‬أي‭ ‬تصرّف‭ ‬تصرّف‭ ‬التيوس‭ ‬والحمير‭ ‬والقردة‭ (‬السعادين‭ ‬بالعاميّة‭) ‬والوحوش‭ ‬والحيوانات‭. ‬ويقولون‭: ‬توَلَدَن‭ ‬ووَلَدَنة،‭ ‬وتهَبْلَن‭ ‬وهَبْلَنة،‭ ‬وتكَسْلَن‭ ‬وكَسْلَنة،‭ ‬أي‭ ‬تصرّف‭ ‬تصرّف‭ ‬الأولاد‭ ‬الصغار‭ ‬أو‭ ‬مازَحَ،‭ ‬وتصرّف‭ ‬ببَلَه‭ (‬في‭ ‬العاميّة‭ ‬هَبَل‭)‬،‭ ‬وتكاسَلَ‭. ‬ويقولون‭: ‬سَوْدَنَ‭ ‬وتسَوْدَن،‭ ‬أي‭ ‬بدت‭ ‬عليه‭ ‬السوداويّة‭. ‬ويقولون‭ ‬الوَرْشَنة،‭ ‬أي‭ ‬تصرُّف‭ ‬الوَرِش؛‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬عاميّة‭ ‬تعني‭ ‬الكثير‭ ‬الحركة‭ ‬أو‭ ‬الشرير،‭ ‬ولها‭ ‬أصل‭ ‬في‭ ‬الفصحى؛‭ ‬فمادة‭ ‬ورش‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬والهياج‭ ‬والإفساد‭ ‬بين‭ ‬الناس‭. ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬وجود‭ ‬لغات‭ ‬مُماتة‭ ‬استعملت‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬النون‭ ‬الزائدة‭ ‬وبقيت‭ ‬آثارها‭ ‬في‭ ‬العاميّات،‭ ‬ويراد‭ ‬اليوم‭ ‬إدخالها‭ ‬في‭ ‬الفصحى‭.            

والنتيجة‭ ‬أنّ‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬زاد‭ ‬القدماء‭ ‬النون‭ ‬في‭ ‬آخرها‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬التصيير‭ ‬لا‭ ‬توحي‭ ‬الثقة،‭ ‬ولا‭ ‬شواهد‭ ‬عليها،‭ ‬وهي‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬اثنين،‭ ‬وعن‭ ‬ثالث‭ ‬هو‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬لأحدهما‭. ‬لكنّ‭ ‬الصفات‭ ‬والأسماء‭ ‬التي‭ ‬زيدت‭ ‬عليها‭ ‬النون‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬المبالغة،‭ ‬ولاسيّما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعدّ‭ ‬عيبًا،‭ ‬أوثقُ‭ ‬وأكثر‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يؤيد‭ ‬رأي‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬في‭ ‬اقتصار‭ ‬زيادة‭ ‬النون‭ ‬على‭ ‬الأسماء‭ ‬دون‭ ‬الأفعال‭. ‬ولعلّ‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العرب‭ ‬تتحاشى‭ ‬جعل‭ ‬النون‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الكلمات‭ ‬الرباعيّة،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬جعلهم‭ ‬يتحاشون‭ ‬إلحاقها‭ ‬بآخر‭ ‬الأفعال‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬التصيير،‭ ‬وكذلك‭ ‬الإقلال‭ ‬من‭ ‬إلحاقها‭ ‬بالأسماء‭ ‬والصفات،‭ ‬وهو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬التباس‭ ‬آخرها‭ ‬بالتنوين‭. ‬فلو‭ ‬سَكّنّا‭ ‬آخر‭ ‬صفة‭ ‬عِرضَن،‭ ‬مثلًا،‭ ‬لكان‭ ‬لفظها‭ ‬مماثلًا‭ ‬للفظ‭ ‬عِرْضًا‭ ‬المنوّنة،‭ ‬أي‭ ‬اللفظ‭ ‬الآخر‭ ‬للكلمة،‭ ‬كما‭ ‬رأينا،‭ ‬فلم‭ ‬نعلم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬اللفظ‭ ‬هو‭ ‬عِرضنًا‭ ‬أو‭ ‬عِرضًا‭. ‬إلاّ‭ ‬أنّ‭ ‬الشكّ‭ ‬والالتباس‭ ‬يؤدّيان‭ ‬إلى‭ ‬التحفّظ‭ ‬لكنّهما‭ ‬لا‭ ‬يسوّغان‭ ‬المنع،‭ ‬ولذلك‭ ‬جاز‭ ‬عندنا،‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬شديد،‭ ‬زيادة‭ ‬النون‭ ‬على‭ ‬الكلمات‭ ‬لإنشاء‭ ‬أفعال‭ ‬ومصادر‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬التصيير،‭ ‬شرط‭ ‬ألاّ‭ ‬يكون‭ ‬ثمّة‭ ‬صيغ‭ ‬صرفيّة‭ ‬أخرى‭ ‬فصيحة‭ ‬تعوّض‭ ‬منها،‭ ‬كاستعمال‭ ‬شرّع‭ ‬تشريعًا‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬شَرْعَنَ‭ ‬شَرْعَنة،‭ ‬ونَصَّرَ‭ ‬تنصيرًا‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬نَصْرَنَ‭ ‬نَصْرَنة،‭ ‬ومن‭ ‬مَسْحَنَ‭ ‬مَسْحَنة،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنّ‭ ‬الفصيح‭ ‬أولى‭ ‬باستعمال‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬والعاميّ،‭ ‬ولا‭ ‬يُلجأ‭ ‬إلى‭ ‬النادر‭ ‬والعاميّ‭ ‬إلاّ‭ ‬عند‭ ‬الضرورة،‭ ‬وإنْ‭ ‬كثر‭ ‬العاميّ‭ ‬كثرة‭ ‬لافتة‭ .