مع محيي الدين بن عربي في «ترجمان الأشواق»

مع محيي الدين بن عربي في «ترجمان الأشواق»

‮«‬لقد‭ ‬صار‭ ‬قلبي‭ ‬قابلاً‭ ‬كلَّ‭ ‬صورةٍ‭ ‬

فمرعى‭ ‬لغزلانٍ‭ ‬وديرٌ‭ ‬لرهبانِ

وبيت‭ ‬لأوثانٍ،‭ ‬وكعبة‭ ‬طائفٍ

وألواح‭ ‬توراةٍ،‭ ‬ومصحفُ‭ ‬قرآن‭ ‬

أدينُ‭ ‬بدين‭ ‬الحبِّ‭ ‬أنَّى‭ ‬توجَّهتْ‭ ‬

ركائبهُ،‭ ‬فالحبُّ‭ ‬دينِي‭ ‬وإيماني‮»‬

‭)‬ابن‭ ‬عربي)

يقول‭ ‬الشيخ‭ ‬الإمام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬لديوانه‭ ‬اترجمان‭ ‬الأشواقب‭:‬

فاستخرتُ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬تقييد‭ ‬هذه‭ ‬الأوراق،‭ ‬وشرحت‭ ‬ما‭ ‬نظمتُه‭ ‬بمكة‭ ‬المشرَّفة‭ ‬من‭ ‬الأبيات‭ ‬الغزلية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اعتماري‭ ‬في‭ ‬رجب‭ ‬وشعبان‭ ‬ورمضان،‭ ‬أشير‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬معارف‭ ‬ربّانية،‭ ‬وأنوار‭ ‬إلهية،‭ ‬وأسرار‭ ‬روحانية،‭ ‬وعلوم‭ ‬عقلية،‭ ‬وتنبيهات‭ ‬شرعية‭. ‬وجعلت‭ ‬العبارة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بلسان‭ ‬الغزل‭ ‬والتشبيب،‭ ‬لتعشق‭ ‬النفوس‭ ‬بهذه‭ ‬العبارات،‭ ‬فتتوفر‭ ‬الدواعي‭ ‬على‭ ‬الإصغاء‭ ‬إليها،‭ ‬وهو‭ ‬لسان‭ ‬كل‭ ‬أديب‭ ‬ظريف،‭ ‬روحاني‭ ‬لطيف‭. ‬وقد‭ ‬نَبَّهت‭ ‬على‭ ‬المقصد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بأبيات،‭ ‬وهي‭:‬

كلُّما‭ ‬أذكره‭ ‬من‭ ‬طللٍ

أو‭ ‬ربوعٍ‭ ‬أو‭ ‬مغانٍ‭ ‬كلُّما

وكذا‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬ها،‭ ‬أو‭ ‬قلتُ‭ ‬يا،

وألا،‭ ‬إن‭ ‬جاء‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬أما

وكذا‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬هي‭ ‬أو‭ ‬قلت‭ ‬هو

أو‭ ‬همو‭ ‬أو‭ ‬هنّ‭ ‬جمعًا‭ ‬أو‭ ‬هما

وكذا‭ ‬إن‭ ‬قلتُ‭ ‬قد‭ ‬أنجد‭ ‬لي

قدرٌ‭ ‬في‭ ‬شِعرنا‭ ‬أو‭ ‬أتهما

وكذا‭ ‬السُّحْبُ‭ ‬إذا‭ ‬قلتُ‭ ‬بكتْ

وكذا‭ ‬الزهر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ابتسما

أو‭ ‬أنادي‭ ‬بحُداةٍ‭ ‬يمّموا

بانة‭ ‬الحاجر‭ ‬أو‭ ‬وُرْقِ‭ ‬الحِمى

أو‭ ‬بدورٌ‭ ‬في‭ ‬خدورٍ‭ ‬أَفلتْ

أو‭ ‬شموسٌ‭ ‬أو‭ ‬نباتٌ‭ ‬أَنْجمَا

أو‭ ‬بروقٌ‭ ‬أو‭ ‬رُعودٌ‭ ‬أو‭ ‬صَبا

أو‭ ‬رياحٌ‭ ‬أو‭ ‬جَنوبٌ‭ ‬أو‭ ‬سَما

أو‭ ‬طريقٌ‭ ‬أو‭ ‬عقيقٌ‭ ‬أو‭ ‬نقا

أو‭ ‬جبالٌ‭ ‬أو‭ ‬تلالٌ‭ ‬أو‭ ‬رِمَا

أو‭ ‬خليلٌ‭ ‬أو‭ ‬رحيلٌ‭ ‬أو‭ ‬ربى

أو‭ ‬رياضٌ‭ ‬أو‭ ‬غياضٌ‭ ‬أو‭ ‬حِمَى

أو‭ ‬نساءٌ‭ ‬كاعباتٌ‭ ‬نُهّدٌ

طالعاتٌ‭ ‬كشموسٍ‭ ‬أو‭ ‬دُمَى

كلُّما‭ ‬أذكرُه‭ ‬مما‭ ‬جرى

ذكرُه‭ ‬أو‭ ‬مثْلهُ‭ ‬أن‭ ‬تَفْهَما

منه‭ ‬أسرارٌ‭ ‬وأنوارٌ‭ ‬جَلتْ

أو‭ ‬عَلتْ‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬ربُّ‭ ‬السَّما

لفؤادي‭ ‬أو‭ ‬فؤادٌ‭ ‬منْ‭ ‬له

مثْلُ‭ ‬ما‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬العُلَما

صفة‭ ‬قدسيةٌ‭ ‬عُلويةٌ

أعلمتْ‭ ‬أنَّ‭ ‬لصدقي‭ ‬قِدما

فاصرِفِ‭ ‬الخاطر‭ ‬عن‭ ‬ظاهرها

واطلب‭ ‬الباطنَ‭ ‬حتى‭ ‬تَعْلَما

ثم‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬عربي‭:‬

فمن‭ ‬ذلك‭ ‬حكاية‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬الطواف،‭ ‬كنت‭ ‬أطوف‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬بالبيتِ‭ ‬فطاب‭ ‬وقتي،‭ ‬وهزّني‭ ‬حال‭ ‬كنت‭ ‬أعرفُه،‭ ‬فخرجتُ‭ ‬من‭ ‬البلاط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الناس‭ ‬وطفتُ‭ ‬على‭ ‬الرمل،‭ ‬فحضرتني‭ ‬أبياتٌ‭ ‬فأنشدتها‭ ‬أُسمع‭ ‬بها‭ ‬نفسي‭ ‬ومن‭ ‬يليني‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أحدٌ،‭ ‬فقلت‭:‬

ليت‭ ‬شعري‭ ‬هل‭ ‬دروْا

أيَّ‭ ‬قلبٍ‭ ‬ملكوا

وفؤادي‭ ‬لو‭ ‬درى

أيَّ‭ ‬شِعْبٍ‭ ‬سلكوا

أتراهم‭ ‬سلموا

أم‭ ‬تراهم‭ ‬هلكوا

حار‭ ‬أرباب‭ ‬الهوى

في‭ ‬الهوى،‭ ‬وارتبكوا

فلم‭ ‬أشعر‭ ‬إلا‭ ‬بضربة‭ ‬بين‭ ‬كتفيَّ‭ ‬بيدٍ‭ ‬ألين‭ ‬من‭ ‬الخزّ،‭ ‬فالتفت‭ ‬فإذا‭ ‬بجارية‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬الروم،‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬أحسن‭ ‬وجهًا‭ ‬ولا‭ ‬أعذب‭ ‬منطقًا،‭ ‬ولا‭ ‬أرقَّ‭ ‬حاشية،‭ ‬ولا‭ ‬ألطف‭ ‬معنًى،‭ ‬ولا‭ ‬أدقَّ‭ ‬إشارةً،‭ ‬ولا‭ ‬أطرف‭ ‬محاورةً‭ ‬منها،‭ ‬قد‭ ‬فاقت‭ ‬أهل‭ ‬زمانها‭ ‬ظرْفًا‭ ‬وأدبًا‭ ‬وجمالاً‭ ‬ومعرفةً،‭ ‬فقالت؛‭ ‬ياسيدي‭ ‬كيف‭ ‬قلت؟‭ ‬فقلت‭:‬

ليت‭ ‬شعري‭ ‬هل‭ ‬دروا

أيَّ‭ ‬قلبٍ‭ ‬ملكوا

فقالت‭:‬

عجبًا‭ ‬منك‭ ‬وأنت‭ ‬عارفُ‭ ‬زمانك،‭ ‬تقول‭ ‬مثل‭ ‬هذا؟‭ ‬أليس‭ ‬كلُّ‭ ‬مملوكٍ‭ ‬معروفًا؟‭ ‬وهل‭ ‬يصحُّ‭ ‬الـملْكُ‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬المعرفة‭ ‬وتمنِّي‭ ‬الشعور‭ ‬يؤذن‭ ‬بعدمها،‭ ‬والطريق‭ ‬لسان‭ ‬صادق،‭ ‬فكيف‭ ‬يجوز‭ ‬لمثلك‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬هذا؟‭ ‬قل‭ ‬يا‭ ‬سيدي،‭ ‬فماذا‭ ‬قلْتَ‭ ‬بعده؟

قلت‭:‬

وفؤادي‭ ‬لو‭ ‬درى

أيَّ‭ ‬شِعْبٍ‭ ‬سلكوا

فقالت‭:‬

يا‭ ‬سيدي،‭ ‬الشِّعبُ‭ ‬الذي‭ ‬بين‭ ‬الشغاف‭ ‬والفؤاد‭ ‬هو‭ ‬المانع‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬المعرفة،‭ ‬فكيف‭ ‬يتمنى‭ ‬مثلك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬المعرفة،‭ ‬والطريق‭ ‬لسان‭ ‬صدق،‭ ‬فكيف‭ ‬يجوز‭ ‬لمثلك‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬هذا؟‭ ‬يا‭ ‬سيدي،‭ ‬فماذا‭ ‬قلت‭ ‬بعده؟‭ ‬

فقلت‭:‬

حار‭ ‬أربابُ‭ ‬الهوى

في‭ ‬الهوى‭ ‬وارتبكوا

فصاحت‭ ‬وقالت‭:‬

‭ ‬يا‭ ‬عجبًا،‭ ‬كيف‭ ‬يبقى‭ ‬للمشغوف‭ ‬فضلة‭ ‬يحار‭ ‬بها،‭ ‬والهوى‭ ‬شأنه‭ ‬التعميم،‭ ‬يُحذّر‭ ‬الحواسّ‭ ‬ويُذهبُ‭ ‬العقول‭ ‬ويدهش‭ ‬الخواطر،‭ ‬ويذهب‭ ‬بصاحبه‭ ‬في‭ ‬الذاهبين‭. ‬فأين‭ ‬الحيرة‭ ‬وما‭ ‬هنا‭ ‬باقٍ‭ ‬فيحار‭ ‬والطريق‭ ‬لسان‭ ‬صدق،‭ ‬والتجوز‭ ‬من‭ ‬مثلك‭ ‬غير‭ ‬لائق؟‭ ‬فقلت‭: ‬يابنت‭ ‬الخالة،‭ ‬ما‭ ‬اسمك؟‭ ‬قالت‭: ‬قرَّة‭ ‬العين،‭ ‬فقلتُ‭: ‬لي‭. ‬ثم‭ ‬سلمت‭ ‬وانصرفت،‭ ‬ثم‭ ‬إني‭ ‬عرفتها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وعاشرتها،‭ ‬فرأيت‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬لطائف‭ ‬المعارف‭ ‬الأربع‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يصفه‭ ‬واصف‭.‬

وابن‭ ‬عربي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬أبياته‭ ‬البديعة‭:‬

ذبتُ‭ ‬اشتياقًا‭ ‬ووجدًا‭ ‬في‭ ‬محبتكم

فآهِ‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬شوقي،‭ ‬آه‭ ‬من‭ ‬كمدي

يدي‭ ‬وضعتُ‭ ‬على‭ ‬قلبي‭ ‬مخافة‭ ‬أن

ينشق‭ ‬صدريَ‭ ‬لما‭ ‬خانني‭ ‬جلدي

ما‭ ‬زال‭ ‬يرفعها‭ ‬طورًا‭ ‬ويخفضها

حتى‭ ‬وضعت‭ ‬يدي‭ ‬الأخرى‭ ‬تشدُّ‭ ‬يدي‭!‬

ويقول‭ ‬أيضًا‭:‬

علقْتُ‭ ‬بمن‭ ‬أهواهُ‭ ‬عشرين‭ ‬حجةً

ولم‭ ‬أدر‭ ‬ما‭ ‬أهوى،‭ ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬الصبرا

ولا‭ ‬نظَرَتْ‭ ‬عيني‭ ‬إلى‭ ‬حسن‭ ‬وجهها

ولا‭ ‬سمعتْ‭ ‬أُذنايَ‭ ‬قطُّ‭ ‬لها‭ ‬ذكرا

إلى‭ ‬أن‭ ‬تراءى‭ ‬البرقُ‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الحمى

فنعّمني‭ ‬يومًا،‭ ‬وعذّبني‭ ‬دهرا

والمتأمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬الجميلة‭ ‬الكاسية‭ ‬لهذا‭ ‬الشعر‭ ‬البديع،‭ ‬والأفق‭ ‬النوراني‭ ‬الـمُشعّ،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأشعار‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬مبدأين‭ ‬يحكمان‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ - ‬عند‭ ‬المتصوفة‭ ‬من‭ ‬العشاق‭ ‬أصحاب‭ ‬الحب‭ ‬الإلهي‭ - ‬أولهما‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬الإنساني‭ ‬وحده‭ ‬غير‭ ‬كافٍ‭ ‬في‭ ‬الهداية‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬فليس‭ ‬فيه‭ ‬غَناء‭ ‬في‭ ‬هداية‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الإيمان‭ ‬بالحق‭. ‬لذا،‭ ‬فهم‭ ‬يلجأون‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬القلب،‭ ‬واستشعار‭ ‬الحب‭ ‬الإلهي،‭ ‬طلبًا‭ ‬لنور‭ ‬الهداية‭ ‬والإشراق‭ ‬العلوي،‭ ‬وهو‭ ‬السبيل‭ ‬المألوفة‭ ‬للنجاة‭ ‬عندهم‭. ‬فالوصول‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الأمن‭ ‬واليقين‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ - ‬عندهم‭ - ‬بنظم‭ ‬دليل‭ ‬وترتيب‭ ‬كلام،‭ ‬وإنما‭ ‬بنور‭ ‬يقذفه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الصدر‭. ‬وذلك‭ ‬النور‭ - ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بعضهم‭ - ‬هو‭ ‬مفتاح‭ ‬أكثر‭ ‬المعارف،‭ ‬فمنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُطلب‭ ‬الكشف،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬الأمر‭ ‬للذوق‭ ‬والكشف،‭ ‬افطريق‭  ‬الصوفية‭ - ‬أو‭ ‬المحبة‭ ‬الإلهية‭ - ‬إذن،‭ ‬مفتاحها‭ ‬هو‭ ‬استغراق‭ ‬القلب‭ ‬بالكلية‭ ‬بذكر‭ ‬الله،‭ ‬وآخرها‭ ‬الفناء‭ ‬بالكلية‭ ‬في‭ ‬اللهب‭.‬

وثانيهما‭ ‬أن‭ ‬العاطفة‭ - ‬لا‭ ‬العقل‭ - ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬رُوِي‭ ‬عن‭ ‬بعضهم‭ ‬قوله‭: ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬أول‭ ‬حال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ - ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ - ‬حين‭ ‬تَبَتّل،‭ ‬حين‭ ‬أقبل‭ ‬إلى‭ ‬غار‭ ‬حراء‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يخلو‭ ‬فيه‭ ‬بربه‭ ‬ويتعبَّد،‭ ‬حتى‭ ‬قالت‭ ‬العرب‭: ‬إن‭ ‬محمدًا‭ ‬عشق‭ ‬ربه‭.‬

وهكذا،‭ ‬كان‭ ‬الــحب‭ ‬الجــــســـدي‭ ‬في‭ ‬آثار‭ ‬هــــؤلاء‭ ‬العشاق،‭ ‬طريقًا‭ ‬إلى‭ ‬الحب‭ ‬الإلهي‭. ‬إذ‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الخليقة‭ ‬مرآة‭ ‬جمال‭ ‬الله،‭ ‬وهم‭ ‬يذهــــبون‭ ‬في‭ ‬شرحهم‭ ‬لخلق‭ ‬الكون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬فيه‭ ‬الجمال‭ ‬الإلهي،‭ ‬فالصفة‭ ‬الجوهرية‭ ‬في‭ ‬الجــــمال‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬بطبعه‭ ‬ميال‭ ‬إلى‭ ‬الظهــــور‭ ‬والإيــحاء‭ ‬بنفسه‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الباعث‭ ‬لدى‭ ‬الجمال‭ ‬الأقدس‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬ليُعرف‭ ‬بهم،‭ ‬ويعتمد‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬القدسيّ‭: ‬اكنت‭ ‬مخفيًّا،‭ ‬فأردت‭ ‬أن‭ ‬أُعرف،‭ ‬فخلقت‭ ‬الخلق،‭ ‬فبي‭ ‬عرفونيب‭.‬

الجمال‭ ‬الإلهـــي‭ ‬إذن‭ ‬هو‭ ‬الأصـــــل‭ ‬في‭ ‬الخليـــــقة،‭ ‬والفناء‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭  ‬المحبة‭ ‬هو‭ ‬طريق‭ ‬الارتقاء‭ ‬إلى‭ ‬العلـــم‭ ‬الأقــــدس،‭ ‬ومـــــن‭ ‬أسباب‭ ‬المحبة‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬جمال‭ ‬الوجود،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الجمال‭ ‬فيض‭ ‬من‭ ‬جمــال‭ ‬واجــــب‭ ‬الوجـــــود‭.‬

فهؤلاء‭ ‬العشاق‭ ‬من‭ ‬المتصوفة‭ ‬بتأملهم‭ ‬في‭ ‬جمال‭ ‬الخلق‭ - ‬وابن‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬وفي‭ ‬طليعتهم‭ - ‬يتقرَّبون‭ ‬إلى‭ ‬جمال‭ ‬الحق،‭ ‬وبطول‭ ‬تأملهم‭ ‬فيه،‭ ‬يعتريهم‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور‭ ‬الفياض‭ ‬الذي‭ ‬يستغرقون‭ ‬فيه‭ - ‬حتى‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الوجود‭ - ‬ويغيبون‭ ‬عن‭ ‬وعيهم‭ ‬الحسّيّ،‭ ‬ويعتريهم‭ ‬من‭ ‬الهيام‭ ‬بالله‭ ‬ما‭ ‬يرقصون‭ ‬فيه‭ ‬طربًا،‭ ‬لاهجين‭ ‬بذكر‭ ‬الله،‭ ‬أو‭ ‬مرددين‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬ألسنتهم‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬الذكر‭. ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬اتناوحت‭ ‬الأرواحب‭ ‬التي‭ ‬يضيء‭ ‬بجمالها‭ ‬ديوانه‭ ‬ا‭ ‬ترجمان‭ ‬الأشواقب‭:‬

ألا‭ ‬يا‭ ‬حمامات‭ ‬الأراكةِ‭ ‬والبانِ

ترفّقْن‭ ‬لا‭ ‬تُضعفْن‭ ‬بالشجو‭ ‬أشجاني

ترفّقن‭ ‬لا‭ ‬تُظهرن‭ ‬بالنوح‭ ‬والبكا

خفيَّ‭ ‬صباباتي‭ ‬ومكنون‭ ‬أحزاني

أُطارحها‭ ‬عند‭ ‬الأصيل‭ ‬وبالضحى

بحنّةِ‭ ‬مشتاقٍ‭ ‬وأَنّة‭ ‬هيمانِ

تناوحت‭ ‬الأرواحُ‭ ‬في‭ ‬غيْضة‭ ‬الغضا

فمالت‭ ‬بأفنانٍ‭ ‬عليَّ،‭ ‬فأفناني

وجاءت‭ ‬من‭ ‬الشوق‭ ‬المبرّح‭ ‬والجوى

ومن‭ ‬طُرف‭ ‬البلوى‭ ‬إليَّ‭ ‬بأفنانِ

فمن‭ ‬لي‭ ‬بجمعٍ‭ ‬والـمُحصّبِ‭ ‬من‭ ‬منًى

ومن‭ ‬لي‭ ‬بذات‭ ‬الأثْلِ‭ ‬مَنْ‭ ‬لي‭ ‬بِنَعمانِ

تطوفُ‭ ‬بقلبي‭ ‬ساعةً‭ ‬بعد‭ ‬ساعةٍ

لوجدٍ‭ ‬وتبريحٍ‭ ‬وتلثمُ‭ ‬أركاني

كما‭ ‬طاف‭ ‬خيرُ‭ ‬الرُّسْلِ‭ ‬بالكعبة‭ ‬التي

يقول‭ ‬دليل‭ ‬العقل‭ ‬فيها‭ ‬بنُقْصانِ

وقبّل‭ ‬أحجارًا‭ ‬بها،‭ ‬وهو‭ ‬ناطقٌ

وأين‭ ‬مَقامُ‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬قدْر‭ ‬إنسان

فكم‭ ‬عهدِتْ‭ ‬ألاّ‭ ‬تحولَ،‭ ‬وأَقسمتْ

وليس‭ ‬لمخضوبٍ‭ ‬وفاءٌ‭ ‬بأيْمانِ

ومن‭ ‬عجب‭ ‬الأشياء‭ ‬ظبيٌ‭  ‬مُبرْقعٌ

يشير‭ ‬بعنّابٍ،‭ ‬ويومي‭ ‬بأجفانِ

ومرعاهُ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الترائبِ‭ ‬والحشا

ويا‭ ‬عجبا‭ ‬من‭ ‬روضةٍ‭ ‬وسط‭ ‬نيرانِ

لقد‭ ‬صار‭ ‬قلبي‭ ‬قابلاً‭ ‬كلَّ‭ ‬صورةٍ‭:‬

فمرعًى‭ ‬لغزلانٍ،‭ ‬وديْرٌ‭ ‬لرهبانِ

وبيتٌ‭ ‬لأوثانٍ،‭ ‬وكعبة‭ ‬طائفٍ

وألواحُ‭ ‬توراةٍ‭ ‬ومُصحفُ‭ ‬قرآنِ

أدين‭ ‬بدين‭ ‬الحبّ‭ ‬أنَّى‭ ‬توجَهتْ

ركائبهُ،‭ ‬فالحبُّ‭ ‬ديني‭ ‬وإيماني

لنا‭ ‬أُسوةٌ‭ ‬في‭ ‬بِشْرِ‭ ‬هندٍ‭ ‬وأُختها

وقيسٍ‭ ‬وليلى،‭ ‬ثم‭ ‬ميٍّ‭ ‬وغيْلانِ

وتبلغ‭ ‬شاعرية‭ ‬اابن‭ ‬عربيب‭ ‬ذروتها،‭ ‬وتسطع‭ ‬تجلياتها،‭ ‬كاشفةً‭ ‬عن‭ ‬لغةٍ‭ ‬صوفية‭ ‬رقراقة،‭ ‬وخيالٍ‭ ‬طلْقٍ‭ ‬مُحلّق،‭ ‬وإحكام‭ ‬صياغة‭ ‬وسبْك‭ ‬تعبير‭ ‬عندما‭ ‬يقول‭:‬

رأى‭ ‬البرق‭ ‬شرقيًّا،‭ ‬فحنَّ‭ ‬إلى‭ ‬الشرقِ

ولو‭ ‬لاح‭ ‬غربيًّا‭ ‬لحنَّ‭ ‬إلى‭ ‬الغرْبِ

فإن‭ ‬غرامي‭ ‬بالبُريْق‭ ‬ولـمْحهِ

وليس‭ ‬غرامي‭ ‬بالأماكنِ‭ ‬والتُّرْبِ

روتْهُ‭ ‬الصَّبا‭ ‬عنهم‭ ‬حديثا‭ ‬مُعَنْعنًا

عن‭ ‬البثّ‭ ‬عن‭ ‬وجدي‭ ‬عن‭ ‬الحزن‭ ‬عن‭ ‬كرْبي

عن‭ ‬السُّكْر‭ ‬عن‭ ‬عقلي‭ ‬عن‭ ‬الشوق‭ ‬عن‭ ‬جوًى

عن‭ ‬الدمع‭ ‬عن‭ ‬جفني‭ ‬عن‭ ‬النار‭ ‬عن‭ ‬قلبي

بأنّ‭ ‬الذي‭ ‬تهواه‭ ‬بين‭ ‬ضلوعكم

تُقلّبهُ‭ ‬الأنفاسُ‭ ‬جَنْبًا‭ ‬إلى‭ ‬جَنْبِ

فقلتُ‭ ‬لها‭: ‬بَلِّغْ‭ ‬إليه‭ ‬بأنه

هو‭ ‬الموقدُ‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬داخلَ‭ ‬القلْبِ

فإن‭ ‬كان‭ ‬إطفاءٌ،‭ ‬فَوصْلٌ‭ ‬مُخلَّدٌ

وإن‭ ‬كان‭ ‬إحراقٌ،‭ ‬فلا‭ ‬ذَنْبَ‭ ‬للصَّبِّ

وتنساب‭ ‬شاعرية‭ ‬اابن‭ ‬عربيب‭ ‬متدفقة‭ ‬رائقة،‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬صورة‭ ‬طريفة‭ ‬لم‭ ‬يُسبق‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬إنها‭ ‬صورة‭ ‬االجملب‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬الأحباب‭ ‬ويسير‭ ‬بهم‭  ‬مسرعًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬جملاً‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬اغراب‭ ‬البينب‭ ‬الذي‭ ‬ينعق‭ ‬فيُؤْذن‭ ‬بالفراق،‭ ‬يقول‭:‬

غادروني‭ ‬بالأثيل‭ ‬والنَّقا

أسكبُ‭ ‬الدمع،‭ ‬وأشكو‭ ‬الحُرقا

بأبي‭ ‬من‭ ‬ذبتُ‭ ‬فيه‭ ‬كمدًا

بأبي‭ ‬من‭ ‬متُّ‭ ‬منه‭ ‬فَرقا

حمرةُ‭ ‬الخجْلةِ‭ ‬في‭ ‬وجْنته

وَضحُ‭ ‬الصبح‭ ‬يُناغي‭ ‬الشَّفقَا

قوَّض‭ ‬الصبرُ،‭ ‬فطنَّب‭ ‬الأسى

وأنا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬لَقَى

من‭ ‬لِبثِّي،‭ ‬من‭ ‬لوجدي،‭ ‬دُلَّني

من‭ ‬لحزْني،‭ ‬من‭ ‬لصبًّ‭ ‬عشِقَا

كلما‭ ‬ضَنَّتَ‭ ‬تباريحُ‭ ‬الهوى

فضح‭ ‬الدمع‭ ‬الجوى‭ ‬والأرقا

فإذا‭ ‬قلتُ‭: ‬هبُوا‭ ‬لي‭ ‬نظرةًّ

قيل‭ ‬ما‭ ‬تُمنعُ‭ ‬إلا‭ ‬شفقا

ما‭ ‬عسى‭ ‬تُغْنيكَ‭ ‬منهم‭ ‬نظرةٌ

هي‭ ‬إلا‭ ‬لمحُ‭ ‬برقٍ‭ ‬بَرَقا

لستُ‭ ‬أنسى‭ ‬إذ‭ ‬حدا‭ ‬الحادي‭ ‬بهم

يطلبُ‭ ‬البيْنَ‭ ‬ويبغي‭ ‬الأَبْرقَا

نعَقتْ‭ ‬أغربةُ‭ ‬البين‭ ‬بهم

لا‭ ‬رعى‭ ‬اللهُ‭ ‬غُرابًا‭ ‬نعقا

ما‭ ‬غرابُ‭ ‬البين‭ ‬إلا‭ ‬جملٌ

‭ ‬سار‭ ‬بالأحباب‭ ‬نصًّا‭ ‬عَنقا

ويرسم‭ ‬ابن‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬ديوانه‭ ‬البديع‭ ‬اترجمان‭ ‬الأشواقب‭ ‬صورة‭ ‬شعرية‭ ‬بارعة‭ ‬للمطوَّقة‭ ‬النائحة،‭ ‬تنوح‭ ‬فتُشجي‭ ‬بنواحها‭ ‬حزينًا‭ ‬يشجيه‭ ‬ترجيعها‭ ‬وحنينها،‭ ‬فكأنهما‭ ‬معًا‭ ‬موصولان‭ ‬بحبل‭ ‬المحبة،‭ ‬وهو‭ ‬يُصبِّرها‭ ‬في‭ ‬ثُكْلها‭ ‬بفقد‭ ‬وحيدها،‭ ‬والشجو‭ ‬بينهما‭ ‬جسر‭ ‬متصل‭ ‬وأنّات‭ ‬باكية،‭ ‬يقول‭:‬

ناحت‭ ‬مطوّقةٌ،‭ ‬فحنَّ‭ ‬حزينُ‭ ‬

وشجاه‭ ‬ترجيعٌ‭ ‬لها‭ ‬وحنينُ

جرت‭ ‬الدموع‭ ‬من‭ ‬العيون‭ ‬تفجُّعًا

لحنينها‭ ‬فكأنهنّ‭ ‬عيونُ

طارحْتُها‭ ‬ثكْلاً‭ ‬بفقد‭ ‬وحيدها

والثكل‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬الوحيد‭ ‬يكونُ

طارحتُها،‭ ‬والشَّجو‭ ‬يمشي‭ ‬بيننا

ما‭ ‬إن‭ ‬تبينُ،‭ ‬وإنني‭ ‬لأبينُ

بي‭ ‬لاعجٌ‭ ‬من‭ ‬حُبِّ‭ ‬رملةِ‭ ‬لا‭ ‬عجٍ

حيث‭ ‬الخيامُ‭ ‬بها‭ ‬وحيثُ‭ ‬العينُ

من‭ ‬كلِّ‭ ‬فاتكة‭ ‬اللحاظ‭ ‬مريضةٍ

أجفانُها‭ ‬لظُبى‭ ‬اللّحاظ‭ ‬جفونُ

ما‭ ‬زلت‭ ‬أجرع‭ ‬دمعتي‭ ‬من‭ ‬غُلّتي

أُخفي‭ ‬الهوى‭ ‬عن‭ ‬عاذلي‭ ‬وأصونُ

وصلوا‭ ‬السُّرى،‭ ‬قطعوا‭ ‬البُرى،‭ ‬فلعيسهم

تحت‭ ‬المحامِل‭ ‬رنَّةٌ‭ ‬وأنينُ

عاينتُ‭ ‬أسباب‭ ‬المنية‭ ‬عندما

أرخوْا‭ ‬أزمّتها،‭ ‬وشُدَّ‭ ‬وضينُ

إنّ‭ ‬الفراق‭ ‬مع‭ ‬الغرام‭ ‬لَقاتلي

صعْبُ‭ ‬الغرام‭ ‬مع‭ ‬اللقاءِ‭ ‬يهونُ

ما‭ ‬لي‭ ‬عذولٌ‭ ‬في‭ ‬هواها،‭ ‬إنها

معشوقة‭ ‬حسناءُ‭ ‬حيث‭ ‬تكونُ

ونختتم‭ ‬هذه‭ ‬الإطلالة‭ ‬على‭ ‬ديوان‭ ‬اترجمان‭ ‬الأشواقب‭ ‬للشيخ‭ ‬الإمام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬عربي،‭ ‬بوصفه‭ ‬أيقونة‭ ‬شعرية‭ ‬بديعة،‭ ‬ونجوى‭ ‬صوفية‭ ‬حارّة،‭ ‬وأقباسًا‭ ‬من‭ ‬شعاعات‭ ‬نورانية‭ ‬يندمج‭ ‬فيها‭ ‬الجزئي‭ ‬بالكلي،‭ ‬والحسّي‭ ‬بالروحي،‭ ‬والعَرَضيّ‭ ‬بالجوهري،‭ ‬في‭ ‬مزاج‭ ‬من‭ ‬سُكْر‭ ‬المحبة‭ ‬ونشوة‭ ‬العرفان‭ - ‬نختتمها‭ ‬بهذه‭ ‬اللؤلوة‭ ‬الشعرية‭ ‬المتألقة‭:‬

سلام‭ ‬على‭ ‬سلمى،‭ ‬ومَنْ‭ ‬حلَّ‭ ‬بالحمى

وحُقَّ‭ ‬لمثلي،‭ ‬رقَّةً،‭ ‬أن‭ ‬يُسلِّما

وماذا‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تردَّ‭ ‬تحيةً

علينا،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬احتكام‭ ‬على‭ ‬الدُّمى

سَروْا‭ ‬وظلامُ‭ ‬الليل‭ ‬أرخى‭ ‬سُدولَهُ

فقلتُ‭ ‬لها‭ ‬صبًّا‭ ‬غريبًا‭ ‬مُتيَّما

أحاطت‭ ‬به‭ ‬الأشواق‭ ‬صوْنا‭ ‬وأُرصدتْ

له‭ ‬راشقاتُ‭ ‬النَّبْلِ‭ ‬أيّانَ‭ ‬يمَّما

فأبدتْ‭ ‬ثناياها،‭ ‬وأومض‭ ‬بارقٌ

فلم‭ ‬أدْرِ‭ ‬مَنْ‭ ‬شقَّ‭ ‬الحنادسَ‭ ‬منهما

وقالت‭: ‬أَما‭ ‬يكفيه‭ ‬أنّا‭ ‬بقلبه

يشاهدني‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬وقتٍ،‭ ‬أَمَا‭ ‬أما؟‭ .